قصة "الروتي ورغيف الخبز" حكاية عجيبة في بلاد اليمن ليس لها نظير في بلاد الله الواسعة

2009-10-03 03:26:30

استطلاع / الخضر عبدالله محمد

لم يعد هناك ما يشغل الناس سوى لقمة عيشهم اليومي. . وفي ظل وضع كهذا لا يمكن للإنسان اليمني أن يتحدث عن الكماليات ويدخل ميدان المزايدات السياسية والمشاريع الخارقة دون أن يعرج إلى الحديث عن الخبزة تلك المادة الضرورية التي تعرضت في هذه الحقبة للعديد من العمليات المضادة للدسومة والسمنة. . وأصبحت محل ثراء المتاجرين من أصحاب المخابز مع تواطؤ الجهات الرقابية المختصة حيث كل شيء أصبح يفصح عن انفلات غير مسبوق. . ولا يوجد ما يدلل على أن هناك رقابة أو مواصفات ومقاييس لضبط الجودة وإعطاء كل ذي حق حقه. . وعلى هذا الأساس تحول أصحاب الأفران والمخابز إلى متقطعين بأساليب فنية حديثة وعليكم إذا ما أردتم شراء الخبز أو الروتي استخدام الميزان الحساس لكي تعرفوا فداحة الاحتيال والابتزاز الذي يمارسه أصحاب الأفران والمخابز الذين يجنون الأرباح المضاعفة. . وعلى صفحات صحيفة "أخبار اليوم" خرجنا بالحصيلة التالية التي تؤكد ذلك التلاحم الجشع من ذوي النفوس الطامعة في الأرباح والثراء على ظهور الفقراء والمساكين وذوي الدخل المحدود الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله

قرصا الروتي ورغيف الخبر يتعرضان للعمليات المضادة للدسومة والسمنة

مما لا شك فيه أن قرصي الروتي ورغيف الخبر قد خضعا خلال السنوات الماضية من عمر الوحدة المباركة للعديد من العمليات المضادة للدسومة والسمنة التي تسبها قرص الروتي ورغيف الخبر أيام الرخاء والازدهار. . فقرر المعجبون به محاربة السمنة وبدانة الجسم وإخضاع الروتي ورغيف الخبر جسمهما المشبع بالنشويات لعمليات "ريجيم" مرحلية دامت أكثر من عدة سنوات مضت، حتى تحقق خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن أمنيته وأماني المعجبين به، فأصبح أنموذجاً ل"الرشاقة" اللامحدودة مخفف الدم والوزن.

وهذا ما جعله حاظياً وثميناً بل ونفيساً في عيون المعجبين والمحبين لدرجة أنه يوزن اليوم بالميزان الحساس والأكثر حساسية. . أي ميزان الذهب والمجوهرات الذي لا يحتمل أوزاناً أكبر من الجرام والملي جرام وهكذا أصبح اليوم يشار إليه بالبنان.

صحيح أن قرص الروتي أصبح اليوم هزيلاً وأشبه ب"الهيكل" العظمي إلا أن المعجبين به لا يسمحون لأحد أن يصفه ب"الهزيل" وهم يسمونه "رشيقاً" بل والأكثر رشاقة بعد أن أرتفع سعره مع آخر مرحلة من مراحل "الرجيم"، فأصبح ثمن قرص الروتي الرشيق اليوم يعادل ثمن "20" قرصاً من حق زمان، ثقيلة الدم والوزن في آن واحد.

التدهور المستمر لاقتصادنا أصبح عبئاً على حياتنا المعيشية اليومية

التدهور المستمر لاقتصادنا ومواردنا لا شك قد انسحبت أثاره بشكل مباشر على مجمل تفاصيل حياتنا المعيشية اليومية،وساهمت مخرجاته الكئيبة في تقزيم طموحات الكثيرين ومحاصرة أحلاهم وآمالهم لتجعل همومهم وتفكيراتهم تنصب في كيفية توفير ما يسد الرمق من الأكل والشرب والسعي لإشباع أطفالهم ونسائهم وضمان بقائهم على قيد الحياة شابعين، لكن حينما تمعن تلك الظروف الاقتصادية القاسية في محاصرة كل شيء في حياتنا إلى الحد الذي يتم فيه العبث بمقادير الأكل والشرب وتقليص كمية وحجم الطعام الذي نتناوله ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال، كما يفعل هذه الأيام مع الروتي "ورغيف الخبز" فذلك ما لا يستطيع أي مجتمع مدني بأن يتعايش معه أو يقوى فراؤه ومحدودو الدخل فيه بالذات على تحمله ومواجهة استمرار تصاعد الأعباء الإضافية الناتجة عن مثل هذا الانهيار الرهيب في حجم ووزن الرغيف المصنع في المخابز التجارية داخل عاصمة بلاد اليمن وبقية المحافظات.

مهما كانت مبررات الغلاء وتجار الغلاء. . . وذلك لأن الغلاء العالمي وحده لا يكفي مطلقاً لتبرير هذا الوضع المهين لاحتياجات الناس الغذائية والتلاعب المفتوح بأقوات الناس.

حكاية "الروتي ورغيف الخبز" حكاية لا تجد لها نظيراً في بقاع العالم

"للروتي ورغيف الخبز" ومشتقاته حكاية عجيبة في بلادنا اليمن السعيد قد لا تجد لها نظيراً في شتى بلاد الدنيا فقد وصل سعر "الروتي والرغيف" إلى خمسة ريالات قبل عدة سنوات فضاقت نفوس المواطنين وبلغت قلوب البعض إلى حناجرهم جزعاً بسبب ذلك العبء المعيشي الذي أضيف إلى كاهلهم المنهك أصلاً مع السعر الجديد الذي أرتفع يومها بنسبة "25%" أي من ريال واحد للروتي أو الرغيف إلى خمسة ريالات دفعة واحدة، وذلك غداة قيام الحكومة بتحرير مادتي القمح والدقيق وإلغاء الدعم الحكومي نهائياً للسلع الغذائية الأساسية لكن الأيام أجبرت الكثير من المواطنين المعتمدين اعتماداً رئيسياً على شراء الخبز وجعلتهم يتعايشون مع الهم الجديد خصوصاً عندما استعاد الروتي والرغيف بعضاً من عافيتهما وأزداد حجم وزنهما بعض الشيء خلال الأسابيع الأولى التي أعبقت بيعهما بخمسة ريالات، ثم لم يلبث المواطنون أن شاهدوا رحلة الانهيار المخيف وهي تجر خلفها رغيف العشرة ريالات وقد أخذ شيئاً يصغر وينحف ويرق ويخف وزنه وتضيق دائرة القرص المخبوز. .

أسبوع بعد أسبوع وشهر تلو آخر والخبازون ومالكو الأفران يتمادون في تضييق قوالبهم وتصغيير مخابزهم بحجة ارتفاع أسعار الدقيق من عند التجار الكبار والمستوردين حتى تحول رغيف الخبر اليوم إلى أضحوكة مأساوية يعجب منها خلق الله وتشهد على مدى الانحدار المعيشي الرهيب الذي طال حياة اليمنيين والذي صلت منغصاته حد تهديد موائدهم وتقزيم الخبز والروتي وإفراغه من أي قيمة غذائية وهو أهم ما في موائدهم من أصناف الأكل المتواضعة التي بالكاد تسد الرمق لدى كثير من الناس.

ارتفاع الأسعار يجعلها تنزل "سكاكين أو مسامير" على بطون الفقراء

رغيف الخبز والروتي وهذا حاله لم يعد الكثير من فقراء المواطنين يشعرون أنهم يتغذون به أو يتناولونه لشهية نهم واستطعام بل صار كما لو أنهم ينزلونه "سكاكين" و "مسامير" على بطونهم وأمعائهم وبالذات منهم أرباب الأسر وأصحاب الدخول المحدودة المعتمدين على الخبر والروتي في إطعام أبنائهم وأسرهم وأنفسهم على مدى وجبات إفطار اليوم الثلاث "صبوح الروح" والغداء والعشاء أن أمكن بعضهم ذلك.

ولو أجرينا عملية حسابية بسيطة لوجدنا أن الأسرة المكونة من سبعة أفراد تحتاج إلى "500" ريال يومياً على الأقل لشراء حاجتها من الخبز والروتي فقط بإجمالي شهري قدره "1500" ريال.

كيف لرب الأسرة الموظف الذي يتعاطى مرتباً شهرياً لا يتجاوز "25000" ريال كيف له بأن يتدبر تصريف بقية معيشته هو ومن يعول وقد استخرج هذا المبلغ من راتبه لتغطية قيمة رغيف الخبز والروتي الذي تعرض لعدة عمليات من أجل تخفيف السمنة إلى الرشاقة. .

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد