لم أجد وصفا أدق يناسب هذا النعي المهيب للشيخ الزنداني، من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه، كبيت المتنبي الشهير في وصف الكبار حضوراً وغياباً كالشيخ بقوله:
وتركك في الدنيا دوياً كأنما.. تداول سمع المرء أنمله العشر.
فما المجد والحضور إن لم يسمع العالم كله بغيابك كما سمع يوماً بحضورك، ولا يضر بعد ذلك قادح في بحر المثنيين والمادحين، فكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه، كما قال علي بن الجهم يوما.
فالمجد ليس مالا وملكا ينسى الناس صاحبه بعد دفنه، فالمجد هو هذا الحضور الكبير الدائم والجدل الدائر أيضا، فمن لا حساد له لا مجد له ولا حضور.
كنتَ حاضراً في كل تفاصيل مشهد مضطرب وشديد الاضطراب، وبقيت فيه علماً رغم كل تقلباته وتحولاته عصي عن الانكسار والنسيان، وأكبر من كل المؤامرات.
إن يحتشد العالم كله لنعيك فهذه نعمة لا يبلغها أحد إلا وله مع خالقه صلة وسر، وأن يتقافز الصغار للشماتة بموتك، فهذا أيضاً ضريبة الحضور وضريبة شهرتك أيضاً، والناس مجبولون فطرياً بين حاسد وحامد ومحب ومبغض، فأنت بشر ومن حولك بشر مجبولون أيضا على الصواب والخطأ.
أما هذا الإجماع فلا تفسير له سوى ذلك الأثر النبوي الذي يقول فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا تجتمع أمتي على ضلالة، وأما الضلال هنا فليست سوى ذلك الصوت الشامت الشاذ، الذي لم يوقف شذوذه لا دين ولا مروءة ولا أخلاق ولا قيم.
رحم الله الشيخ الزنداني، وأسكنه فسيح جناته، وتعازينا لأهله ومحبيه.