بعد حادثة موقع العصيبة بالسدة .. من وراء نهب وتهريب الآثار اليمنية وما علاقته الجهات المعنية؟!

2008-01-26 12:13:08

تحقيق/ عبد الوارث النجري

بعد اكتشاف الموقع الأثري الواقع في منقطة العصيبة الواقعة بين عزلتي جبل عصام ووادي عصام في مديرية السدة والطريقة العشوائية التي تمت بها عملية التنقيب والحفر من قبل الأهالي وموظفي مكتب الآثار بمحافظة إب، كان علينا أن نسعى جاهدين لإثراء هذا الموضوع من كافة الجوانب، لأهميته وحساسيته باعتباره يمثل تاريخ شعب بأكمله تطرقت إلى تاريخه العريق، وأصالة الكتب السماوية.

وفي الوقت الذي نسمع بين الحين والآخر عن تعرض العديد من المواقع الأثرية للنهب والحفر العشوائي وغيرها، نلاحظ غياباً واضحاً للجهات الحكومية المختصة بحماية تلك المواقع الأثرية ومحتوياتها من الأيادي العابثة، فبالرغم من الملايين التي تصرفها الحكومة في قطاع الترويج السياحي وبالعملة الصعبة، نجد أن الحكومة نفسها لا تولي تلك المواقع الأثرية والتاريخية جل اهتمامها من خلال توفير الحراسة الأمنية ، واستخدام الطرق الفنية المتخصصة لحفرها والحفاظ على محتوياتها وترميم البعض منها خاصة وأن الآثار والتحف والمواقع الأثرية أهم وأبرز عناصر الترويج السياحي، وعندما نصرح بتلك الملاحظات نجد أن هناك من يرد بالقول بأن الحكومة لا تعتمد نفقات مالية لقطاع الآثار الذي يستطيع أداء دوره المطلوب تجاه تلك القلاع والحصون والمواقع الأثرية والتاريخية وجراء ذلك نجد أن موقع العصيبة الأثري المنكشف مؤخراً في مديرية السدة بإب ليس الموقع الوحيد الذي تم حفره بطريقة عشوائية ونهبت محتوياته من تحف وأساور وسلوس ذهبية وبرونزية ، فقد سبقه، أيضاً في نفس المنطقة وقبل ثمانية أعوام/ موقع آخر في جبل العود حيث نهبت معظم التحف والقطع الأثرية والمجوهرات وغيرها التي كانت داخل ذلك الموقع من قبل الموظفين ومسؤولين في المحافظة ومشائخ ووجاهات في المنطقة، وما استعادته قيادة المحافظة آنذاك لا يمثل (30%) مما تم نهبه، وإلى اليوم وتلك التحف تتعرض للسرقة حتى يعد حصر ما تبقى منها داخل متحف خاص بها، ورغم ذلك لا تزال القضية غامضة، هذا إلى جانب العديد من المواقع الأثرية الأخرى المتواجدة في قضاء يريم بشكل عام بمديرياته الخمس (يريم- السدة -النادرة- القفر- الرضمة) والذي يمثل أبرز المناطق التي تمركز بها الحميريون والدولة الحميرية وعاصمتها ظفار هذا الكلام ليس من واقع خيالنا أو من باب المزايدة، بل حقائق تم توثيق الكثير منها وأكدت ما تعرضت له المواقع الأثرية في المديريات السابقة الذكر من نهب وحفر عشوائي العديد من المصادر الموثوق بها من أبناء المنطقة، وخير دليل على ذلك أن الخضراء من أرض يحصب لم يعد يتواجد فيها أي سد من تلك السدود الثمانون، ليس بسبب جرفها بسيل العرم وإنما التهالك وانتهاء بعضها جراء الزمن والبعض الآخر قيام أصحاب المنطقة بهدمها لعدة أسباب/ إما بجفاف تلك العيون التي كانت تصب في تلك السدود و الحوافز، أو لشق الطرق الريفية أو لتسهيل مرور المعدات الزراعية الحديثة والحفارات الارتوازية أو حتى لحاجة بعض الناس لأحجار تلك الحواجز والسدود، أما بالنسبة للمواقع الأثرية الأخرى من قصور ومساجد وكهوف ومخازن مدفونة وقبور وغيرها، فقد كان للأجانب الذي زاروا المنطقة ونهبها بهدف الحصول على "كنز" أو "لقيه" حسب ما هو دارج بين الأهالي فمثلاً في منطقة "صرمه" الواقعة على خط يريم أريان والتابعة لمديرية يريم والمشهورة بجامعها الأثري والتاريخي وما يمتاز هذا الجامع به من نقوش وخطوطات في السقف وعلى الأحجار، نجد أن الهيئة العامة للآثار لم تلتفت إلى تلك القرية الأثرية إلا في وقت متأخر من خلال إجراء عملية ترميم للقبة المتواجدة في سقف الجامع وقيل أن من قام بعملية الترميم هو مكتب الأوقاف بإب، في الوقت كان فيه بعض أهالي المنطقة قد قاموا بعملية حفر عشوائي لبعض القبور، هناك بهدف البحث عن "كنز" وعندما سألت بعض أهالي قرية "صرمه" عن كيفية معرفتهم بوجود كنز في تلك القبور، قالوا أنه قبل خمسة عشر عاماً مضت أتت امرأة ألمانية إلى القرية وقد كانت تقوم بتشغيل مجموعة من أهالي القرية بأعمال حفر خارج قرية "صرمه" وكانت تمنحهم أجوراً مغرية، وعندا اقتراب عملية الحفر من الشيء الذي كانت تبحث عنه تأمرهم بالانطلاق إلى منازلهم، وقد اكتشف بعض العمال تلك الألمانية وهي تقم باستخراج بعض القطع والتحف الأثرية، ونفس هذا المبرر أيضاً وجدته في موقع العصيبة بمديرية السدة الأسبوع المنصرم عندما سألت أحد الآباء من أهالي المنطقة عن بداية قيام الأهالي بالحفر المواقع الأثرية رد قائلاً منذ جاء ذلك الألماني إلى ظفار والمناطق المجاور لها وكان يقوم بعملية حفر وبعدها قام عدد من الشباب بالحفر في تلك المناطق وقد كانوا يحصلون على بعض الحلق الصغار والمقاطب وغيرها، أحد الأصدقاء في مدينة إب كشف عن علاقة حميمة تربط بين مسؤول كبير في الدولة والألمان وأكد لي هذا الصديق أن تلك العلاقة كانت بدايتها أثناء اكتشاف موقع جبل العود التاريخي، مضيفاً بالقول ومن حينها وهذا المسؤول دائما يسافر إلى ألمانيا ولا يتعالج هو وأفراد أسرته إلا في ألمانيا، وكذلك هم بعض مشائخ المنطقة حيث شكل أحد المشائخ في قضاء يريم مؤخراً، عصابة تقوم بحفر العديد من التباب والجبال والمواقع الأثرية ليلاً بهدف الحصول على آثار، وقد اكتشف ذلك بالصدفة من قبل أحد معاونيه الذي يعمل في إدارة إحدى المديريات الخمس والذي قال لي (تعلم يا أخي لو أنا معتمد على عملي في إدارة الناحية كنت قد مت من الجوع منذ سنوات، لكن بارك الله بالشيخ فلان معه واحد يكتشف كنز والذهب والآثار المدفونة، بموهبة من الله حيث يقوم هذا الشخص بتحديدها لنا في النهار واذهب وبعض مرافقي الشيخ ونقوم بحفر المكان في ساعات متأخرة من الليل ونشل "اللقية والكنز" والشيخ يتصرف به بطريقة ونحصل منه الرزق المقسوم)،بالنسبة لي فقد كذبت حديث ذلك الرجل وقلت في نفسي ربما أنه رسم ذلك من مواقع خياله جراء تأثير القات أو ربما لاختباري فهو يعلم أنني صحفي رغم أنني كنت أسمع بين الحين والآخر عن تعرض بعض المواقع في المنطقة للحفر ليلاً، وسبق أن حذرت من ذلك في "أخبار اليوم" قبل عام، ولكنني عندما زرت موقع العصيبة بالسدة وحضرت عملية الجرد التي تمت داخل متحف ظفار يوم الأربعاء قبل الماضي فوجئت حين وجدت ذلك الشيخ الذي حدثني عنه صاحبي قبل ثلاثة أعوام وكان من ضمن من حضروا الجرد والتوثيق، وحينها أدركت أن صاحبي كان جاداً وأنني الذي كنت تحت تأثير القات وليس هو، وحينها طرأت إلى رأسي العديد من الأسئلة ومنها من الذي أخبر هذا الشيخ عن موقع العصيبة وعملية التوثيق والجرد؟! وهل يمكن أن تكون هناك ثمة علاقة تربطه بموظفي مكتب الآثار بإب، خاصة وأن مكتب الآثار بإب لم يحرك أي ساكناً جراء تلك الاعتداءات التي كانت تتعرض لها المواقع الأثرية في المنطقة ليلاً خلال العشر السنوات الماضية؟! ساعتها تذكرت ما حدثني به بعض الشباب، من أبناء مديرية المصلوب في محافظة الجوف عند زيارتي للمحافظة مع زميل لي من أبناء المديرية كنت قد تعرفت عليه في العاصمة صنعاء، وألح عليَّ في زيارة الجوف والتعرف على مديرية المصلوب، وفي عام 2003م اتجهت معه من العاصمة صنعاء نحو الجوف، وهناك في مديرية المصلوب تعرفت على بعض الشباب، وفي المقيل سألت بعضهم عن أعمالهم فرد بالقول أنه لا يوجد لديه عمل محدد فأوقات يعمل في شراء وبيع القات وأوقات يقوم مع مجموعة من زملائه بحفر الآثار، وعندما سألته كيف ذلك قال لي أنه يقوم مع بعض أصدقائه بالذهاب إلى منطقة "السوداء والبيضاء" وهي منطقة أثرية في إطار المديرية ويعملون بالحفر هناك عدة أيام وربما أسابيع وبعدها يكتشفون غرفة مغلقة من جميع الجوانب وعند فتحها يحصلون على العديد من التحف والأساور والحلق وغيرها من المجوهرات والآثار، بعضها صغيرة جداً، حيث يقومون بجمعها وبيعها لأحد الألمان في منطقة حدة بالعاصمة صنعاء بعد تهريبها من نقطة الفرضة العسكرية ومن ثم يتقاسمون. المبلغ حيث يحصل كل شخص على قرابة خمسمائة إلى ستمائة ألف ريال، بهذه القصة اكتملت عندي القصة الحقيقية عن رحلة الآثار اليمنية إلى المناطق الأوروبية في ظل غياب دور الحكومة وتواطؤ من الجهات المعنية.

ومع احترامنا لقرار مجلس الوزراء الذي صدر الأسبوع المنصرم بإحالة مدير مديرية السدة ومدير أمن المديرية ومدير عام مكتب الآثار بمحافظة إب إلى التحقيق باعتباره ممن شملهم القرار الجهات المعنية والمسؤولة عن سرقة ونهب بعض حلي ومجوهرات زوجة الملك الحميري، إلا أننا في الوقت نفسه نتمنى أن يتبع بقرار، وقرارات أخرى تشمل ما فيها تهريب الآثار اليمنية وبيعها في الأسواق السوداء بأوروبا، لا طي لملف الاعتداءات المتكررة على المواقع الأثرية والتاريخية بمحافظة إب وعدد من المحافظات الأخرى، ومحاولة لتمييع قضية السرقة الأخيرة التي تعرض لها متحف جبل العود، بعد أن خرجت عن السيطرة والتعتيم من قبل الجهات المعنية لأكثر من شهر، من أن الغموض لا يزال يكتنف دور بعض الجهات المعنية ومنها رئاسة الهيئة العامة للآثار والتي ظلت متفرجة ولم تقم بإرسال طاقم من لديها إلى موقع العصيبة قبل عملية الحفر وتكسير التوابيت وكذا الخلافات التي نشبت بين بعض موظفي آثار إب والمدير العام والذين شكوا عدم سماح المدير لهم بأعمال الحفر وكا اتهام مدير آثار إب للتلفزيون بتحريض المواطنين على سرقة الآثار من خلال بث مسلسل "الكنز" قبل عدة سنوات وغير ذلك من المواضيع التي لا تزال بحاجة إلى التفسير والبحث.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد