هل يكون العام 2008 نهاية ذوي الدخل المحدود؟! خطط في وادي وواقع في وادي آخر

2008-01-27 11:45:21

تحقيق/ عبد الله أمين ظبي

التقرير السنوي الذي يصدره البنك الدولي المسمى بتقرير التنمية في العالم للعام 2008م والذي ناقشته الحكومة الأربعاء الماضي بحضور كثير من ممثلي الجهات الدولية بدا وكأنه يناقش أوضاع اقتصادية لدولة أخرى غير الجمهورية اليمنية فالندوة التي أعدت لمناقشة التقرير العالمي وما يخص اليمن منه المتمثل في ثلاثة محاور هي قضية النمو وتقليصها تزايد الفقر وخاصة في الأرياف والثاني حول ضرورة تفعيل الأدوات الزراعية وإصلاحات الأسعار والإعانة المالية والتسويق الزراعي والثالث حول سبل تنفيذ برامج الزراعة من أجل التنمية من الصعيد المحلي إلى الصعيد العالمي والندوة التي حملت اسم تدشين تقرير التنمية في العالم 2008م الزراعة من أجل التنمية في قاعة فندق سبأ ركزت على قضية التنمية الزراعية ولم تشر إلى مكافحة الفقر إلا في مقطفات نادرة في كلمة نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي الذي قال إن الحكومة ستعمل على تحسين مؤشرات الفقر في المناطق الريفية في العام 2008م وهو كلام غريب مبهم لأن تحسين تعني زيادة وهو ما يعني زيادة وليس نقصاً وحضر الندوة وزراء الزراعة والري والمياه والبيئة وعدد من الشخصيات الاقتصادية وممثلو المنظمات المانحة وغيرها والغريب أن الندوة تذهب إلى الدفع بالريف الزراعي وتطوير أدائه ومنتجاته وتسويقها وما إلى ذلك تناقش بشكل يشير إلى خطط مستقبلية تركز على التطوير والتأهيل باعتبار المزارعين يمثلون 31% من إجمالي القوى العاملة وتناست الندوة ال69% من القوى العاملة الأخرى وفي نفس الوقت أغفلت الندوة التي ناقشت تقرير أكبر مدين لليمن (البك الدولي) وأغفلت أوضاع ما يقارب 80% من سكان اليمن الذين يطحنهم الفقر ويعيشون في مستوى تحت خط الفقر بعد الارتفاعات السعرية الجديدة، بينما يشير د/ عبدالكريم الأرحبي في خطابه إلى أن الحكومة في عام 2007م استطاعت أن تحد من الفقر من 42- 35- بالمائة في الأرياف وبنسبة 20% في مناطق التواجد الحضري في حين ظل في بعض المناطق بنسبة 40% أي أنها نفس النسبة التي كان عليها العام 2006م وبذلك نائب رئيس الوزراء لم يوضح ما هي المعوقات التي حالت دون تحقيق أي تقليص للنظر في هذه المناطق التي قد تكون هي غالبية سكان اليمن ولم يورد الأرحبي في حديثه عن منجزات الحكومة عن سر الاختلافات الكبيرة بين التقارير التي تصدر عن الحكومة وعن الجهات الدولية والمنظمات المدنية المستقلة على غير بعيد من فندق تاج سبأ بالتحرير يوجد نفق المشاة الأول ومن مدخل باب السباح تجد امرأة متوسدة الجدار وأمامها طفلان توأمين لم يتجاوزا بعد عامهما الثاني لا يدري الطفلان لماذا هما ملقيان على الأرض تمر أمامها الوجوه يسمعان طرق الأرجل على الأرض وتتكرر الحالة في التحرير وباب اليمن وشارع جمال والزبيري وشارع هائل وأخيراً حدة ولم نسمع عن ندوة من الندوات تقيمها الحكومة أو منظمة من منظمات المجتمع المدني أو جمعية خيرية عن هذه الظاهرة "ظاهرة افتراش النساء والأطفال الأرض" هذه الظاهرة بدأت تتسرب من صنعاء إلى تعز فالحديدة وإب وعدن ويخشى أن تصل إلى المدن الأخرى وتلتزم الحكومة الصمت حيالها خاصة أن من يقومون بها عادة ليسوا من فئة المهمشين (الأخدام) بل من أسر قبلية محترمة وقبل عامين تقريباً زار اليمن وفد من التجار الخليجيين وأثناء تجوالهم في شوارع صنعاء في مساء رمضاني شاهدوا عشرات النساء تفترش الأرض وأمامهن أطفال معظمهم لا يتجاوزون سن الخامسة بعدها قررت إحدى فاعلات الخير الكويتيات إعطاء كل أسرة تفترش الأرض مبلغ مائة ألف ريال وكلفت إحدى الجمعيات الخيرية بالمهمة وقامت الجمعية بالنزول الميداني ولكن النتيجة كانت أن 90% من الأسر التي تفترش الأرض رفضوا تسجيل أسمائهم في الكشوفات خوفاً من التشهير أو الطرد من أمانة العاصمة ومعظم هؤلاء المساكين تقف وراء كل منهم ألف قصة وقصة جميعها نسجها الفقر والعوز وبعد أن تطوع عدد من الكتاب بالحديث عن هذه الظاهرة قامت أمانة العاصمة بتكليف مكتب الأشغال العامة والطرق (البلدية) بالنزول الميداني وإجبار الأسر التي تفترش الأرض على تركها وسجلت بعضهم في صندوق الرعاية الاجتماعية لتصرف لهم كل ثلاثة أشهر مبلغ اثني عشر ألف ريال وهو مبلغ هزيل لا يكاد يلبي لهم مصروف نصف شهر فقط أي أن المبلغ بالكاد يوفر مبلغ 18% من الاحتياج مقابل أن تتعهد هذه الأسر بعدم العودة إلى الأرصفة مجدداً ووجد بعض هذه الأسر قد تنصل عائلهم عن إعالتهم وبصفتهم سافر عائلهم ولم يعرفوا أين هو ومعظم الذين تعهدوا عادوا إلى الرصيف مفضلين ما يجود به عليهم الخيرون على مساعدة الضمان الاجتماعي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وبعضهم فضل الانتقال إلى رصيف آخر والبعض انتقل إلى مدينة أخرى والحصيلة في الأخير هم أطفال تربوا في الشوارع ومهددون بالضياع والمستقبل المجهول.

تزايد التوسل في فئات لم تحترفه

ظاهرة التسول زادت بمعدلات كبيرة وفي رمضان تشاهد مئات الفقراء وهم يقفون طوابير أمام منازل التجار وكبار المسؤولين سواء قبيل المغرب لأخذ وجبة إفطار أو صلاة العشاء بالذات في العشر الأواخر من رمضان بعض الفقراء أصبح وضعهم أكثر معاناة من عمال النظافة المهمشين بالذات بعد أن بنت الدولة للمهمشين مدينة سكنية فقد تحسنت أوضاعهم نوعاً ما ولكن هناك فئات فقيرة جداً تعتمد على الدخل اليومي من المهن المتواضعة خاصة الباعة المتجولين وأصحاب الدرجات الوظيفية المتدنية المتعاقدين في بعض الوزارات والمسنين الذين لا يجدون من يرعاهم وليس لهم راتب أو مساعدة تقاعدية.

(ن،م،ه) امرأة في العقد الثالث من عمرها تجلس مع بنتها البالغة (15) عاماً جوار الإشارة التي جوار السفارة السعودية وفي يوم مطير لم يكن بوسع أصحاب السيارات فتح الزجاج لإعطائهم صدقة ابتعدت عن الإشارة سألتها لماذا تمارس التسول قالت ما فيش معانا حق الأكل سألتها هل لديهم عائل؟ قالت أن زوجها سافر إلى السعودية قبل 3 سنوات ويعمل مجهول ثم انقطعت أخباره عنهم لأكثر من عام وقالوا لهم أنه مسجون والبعض قال لهم أنه حصل كفالة وتزوج ثانية وكل يجيب رواية وأضافت أنها وابنتها تقومان بالتسول منذ 8أشهر لتعيل ثلاثة أطفال آخرين ولدين وبنت يدرس منهم اثنين في الأساسية في مدرسة بعيدة عن منزلهم كي لا يعيرهم زملاؤهم بأن أهلهم شحاتين كانت كلمات تلك المرأة تفطر القلب وأياً كانت صحتها إلا أنه ليس من الطبيعي أبداً تزايد نسبة المتسولين تلك بالذات من الطبقات الاجتماعية التي لم تمتهن هذه الحرفة التي يشيع انتشارها بشكل كبير في أمانة العاصمة (واجهة الدولة) إلا أنه هنالك خلل اقتصادي وسوء توزيع لموارد البلاد والوضع بحاجة إلى معالجة جادة تشترك فيها الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات الخيرية المدنية وفاعلي الخير الجميع يذكر أن مرشح اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية المهندس فيصل بن شملان قال في أول خطاب انتخابي جماهيري له في أمانة العاصمة أن سبب ترشحه هو آلاف الأيدي التي تمتد في الشوارع من المتسولين الفقراء والخطاب الدعائي للمشترك ركز على ذلك بقوة متهمين الفساد وتنبهت الحكومة حينها لهذه الظاهرة وقامت بعدد من المعالجات الآنية بالذات من قبل عقال الحارات وصرفت مبالغ كبيرة هدأت بها الوضع لكن لم توجد له أي معالجات.

قضايا الفقراء المكايدات السياسية والجمعيات الانتخابية

كما قلت سالفاً فإن قضايا القفر والبطالة تظهر غالباً مع المزايدات السياسية والمكايدات الحزبية لكن ذلك لا يمنع من وجود جمعيات خيرية ليس لها أي أهداف سياسية ويصعب تحديدها لكن جمعية مكافحة مرض السرطان إحدى تلك الجمعيات لأنه مرض لا يعرف سلطة أو معارضة واستقلاله سياسياً يتنافى مع كل الأخلاق والقيم الإنسانية أما معظم ما يطلق عليها جمعيات أو منظمات أو مؤسسات فغالبيتها ليس هدفها فعل الخير بقدر ما تكون هنالك أهداف سياسية وما دية أخرى والجميع يعرف أن هنالك منظمات وجهات ودول مانحة تدعم عدداً من المنظمات المدنية في اليمن وعادة ما تفضل هذه الدول دعم المنظمات التي تتبع المعارضة كما تفضل في مصر واليمن والسودان و الأردن والمغرب وسياستها تلك بهدف إيجاد نوع من التوازنات لكي يظل تأثير هذه المنظمات المدنية محدود للغاية من حيث التأثير على المجتمع أما بالنسبة للنقابات والاتحادات العمالية فإن تأثيرها مؤثر بشكل كبير وإن كان الحزب الحاكم يسعى إلى ترويضها لصالحه فإنها عندما تصل الأمور إلا ذورتها أحياناً تتدخل لصالح منتسبيها مثل نقابات المعلمين والأطباء والمهندسين وغيرها من الموالية للحزب الحاكم وعادة ما تكون البيانات والفعاليات التي تصدر عنها تعد في مطابخ امن الحكومة قبل نشرها في وسائل الإعلام والفقراء أصبحوا يعرفون أن السلطة والمعارضة تتاجر بأصواتهم الانتخابية فهناك مرشحون في مدن ساحلية مثل الحديدة والمكلا وعدن لا يراهم ناخبيهم إلا في المواسم الانتخابية أو في الصفوف الأولى مع الرئيس والمسؤولين إذا كان هنالك فعالية ما أو افتتاح مشروع مياه أو مدرسة أو أي منشأ آخر حتى قوانين العمل والحقوق العمالية يتم التحايل عليها بعدة أشكال فمثلاً يقولون أن المعاش التقاعدي لا يعطى من الجهات الصغيرة التي لا يوجد بها أكثر من خمسة عمال بينما هنالك محلات مصارف ومجوهرات وحوالات وغيرها تقفل تعاملها بالملايين وبها أقل من خمسة عمال متعاقدين حتى العمالة فمعظمها بالأجر اليومي وكل المؤشرات الاقتصادية والمستجدات بعد موجه الغلاء العالمي وارتفاع الأسعار نجد أن الطبقة المتوسطة طبقة ذات الدخل المحدود بدأت تتلاشى بشكل كبير خاصة مع انعدام المعالجات السليمة لهذه الظاهرة ليتحول المجتمع إلى طبقتين فقط فقيرة هي الغالبية العظمى وغنية وهي محدودة للغاية بالذات مع عدم إيجاد أي معالجات لزيادة الأسعار من قبل الحكومة والفشل الذريع في تطبيق إستراتيجية الأجور استطاعة الزيادة المحدودة في الأجور التي لم تتجاوز ال30% بينما موجة الغلاء زادت بمعدلات خيالية وصلت إلى 150% فلا غرابة إذا أن يكون العام 2008م نهاية طبقة ذوي الدخل المحدود أيضاً لأنهم مع فقرهم ومحدودية دخلهم سوف يزيد فقرهم أكثر وأكثر ويصبحوا في طبقة ما يمسى ب(تحت خط الفقر) وهو مؤشر مخيف لأنه ينبئ بثورة شعبية وتدهور في الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية ولعل بوادر ذلك تظهر الآن واضحة في المحافظة القوية أبناؤها مثل الجوف ومأرب فنلاحظ نزوح القبائل إلى دول الجوار أو التقطع والنهب للممتلكات الدولة وخاصة لسيارات الدقيق والقمح كما حدث مؤخراً في حاشد بعمران وكان د/ علي محمد مجور رئيس الوزراء قد قال في بداية توليه مقاليد الحكومة أن أزمة فتنة صعدة هي سبب غياب التنمية والمشاريع وبسب الفقر والجهل وقال إن حكومته سوف تعالج ذلك وهو اعتراف بأن تقصير الدولة وإهمالها سبب في انحراف الفكر لكن د/مجور لم يبين ما دور وزارات الأوقاف والتعليم والثقافة في محاربة الفكر المنحرف ونعود إلى العام 2008م والذي على ما يبدو كان استقبال السلطة له بزيادة سعرية لمادة الغاز وانعدام الرقابة على زيادة الأسعار وخاصة للمواد الأساسية المدعومة يشير إلى أنه سيكون عاماً سيئاً نسأل الله أن يصبر الشعب اليمني عليه.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد