في أخلاقيات الصديق الرفيعة.. قصص ونماذج

2022-09-03 17:45:59 أخبار اليوم/ متابعات

  

تربى الصديق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ كتاب الله تعالى، وعمل به في حياته، وتأمل فيه كثيرا، كما أن التربية النبوية على مكارم الأخلاق وملازمة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم جعلت منه صاحب أخلاق فذة نذكر منها :

 

أولا: جندية الصديق الرفيعة وبكاؤه من الفرح

 

يظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعندما أراد أن يهاجر إلى المدينة، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا"، بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة، فاشترى راحلتين واحتبسهما في داره، يعلفهما إعدادا لذلك" وفي رواية للبخاري "وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر -وهو الخبط- 4 أشهر ".

لقد كان يدرك بثاقب بصره، وهو الذي تربى ليكون قائدا، أن لحظة الهجرة صعبةٌ قد تأتي فجأة، ولذلك هيأ وسيلة الهجرة، ورتب تموينها، وسخر أسرته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن الله قد أذن له في الخروج والهجرة، بكى من شدة الفرح، وتقول عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"، إنها قمة الفرح البشري، أن يتحول الفرح إلى بكاء، ومما قال الشاعر عن هذا :

 

ورد الكتاب من الحبيب بأنه .. سيزورني فاستعبرت أجفاني

غلب السرور علي حتى إنني .. من فرط ما قد سرني أبكاني

يا عين صار الدمع عندك عادة .. تبكين من فرح ومن أحزان

 

فالصديق رضي الله عنه يعلم أن معنى هذه الصحبة أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشر يوما على الأقل، وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده، وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز، أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصحب جميعا برفقة سيد الخلق، وصحبته كل هذه المدة. (الغضبان، 1998، ج2، ص191)

وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون، ليكون الصديق مثلا لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الأمين، حين يحدق به الخطر من خوف، وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى مستقبل الإسلام، إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين. (السباعي، 1986، ص71)

ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة؛ منها حين أجاب السائل: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: هذا هاد يهديني السبيل، فظن السائل أن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير، وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض فرارا من الحرج، أو الكذب. وفي إجابته للسائل توريةٌ، وتنفيذٌ للتربية الأمنية التي تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الهجرة كانت سرا، وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك. (السباعي، 1986، ص68) .

 

ثانيا: فن التعامل مع النفوس

 

يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا الحب الرباني كان نابعا من القلب، وبإخلاص، لم يكن حب نفاق، أو نابعا من مصلحة دنيوية، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع .

ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة، فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا، كان يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، فمن سلك سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته، في حياته الخاصة والعامة، وشارك الناس في أفراحهم، وأتراحهم، وكان عمله لوجه الله، أصابه هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسؤولين في أمة الإسلام . ( أبو فارس، 1997،ص54 )

 

وصدق الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي عندما قال :

 

فإذا أحب الله باطن عبده .. ظهرت عليه مواهب الفتاح

وإذا صفت لله نية مصلح .. مال العباد عليه بالأرواح

 

إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء، وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود، وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيما، وشفوقا بجنوده، وأتباعه، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبق إلا المستضعفون، والمفتونون، ومن كانت له مهماتٌ خاصةٌ بالهجرة. (البر، 1997، ص205)

والجدير بالذكر، أن حب الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لله، ومما يبين الحب لله والحب لغير الله أن أبا بكر كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم مخلصا لله، وأبو طالب عمه كان يحبه، وينصره لهواه، لا لله، فتقبل الله عمل أبي بكر، وأنزل فيه قوله: {وسيجنبها الأتقى* الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى *ولسوف يرضى *} [الليل: 17ـ21]، وأما أبو طالب فلم يتقبل عمله، بل أدخله النار؛ لأنه كان مشركا عاملا لغير الله، وأبو بكر لم يطلب أجره من الخلق، لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من غيره، بل آمن به، وأحبه وكلأه وأعانه في الله، متقربا بذلك إلى الله، وطالبا الأجر من الله، ويبلغ عن الله أمره، ونهيه، ووعده، ووعيده. (ابن تيمية، 1997، ج11، ص286 )

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد