تأملات في حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أسرته

2022-09-08 07:23:25 أخبار اليوم/ متابعات

  

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إِنَّ النَّاس ليؤدُّون إِلى الإِمام ما أدَّى الإِمام إِلى الله، وإِنَّ الإِمام إِذا رتع رتعت الرَّعية، ولذلك كان ـ رضي الله عنه ـ شديداً في محاسبة نفسه، وأهله، فقد كان يعلم: أنَّ الأبصار مشرئبةٌ نحوه، وطامحةٌ إِليه، وأنَّه لا جدوى إِنْ قسا على نفسه، ورتع أهله، فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدُّنيا، فكان عمر إِذا نهى الناس عن شيءٍ تقدَّم إِلى أهله، فقال: إِنِّي نهيت النَّاس عن كذا، وكذا، وإِنَّ النَّاس ينظرون إِليكم، كما ينظر الطَّير إِلى اللَّحم؛ فإن وقعتم؛ وقعوا، وإِن هبتم؛ هابوا، وإِنِّي والله لا أوتى برجلٍ وقع فيما نهيت النَّاس عنه إِلا أضعفت له العذاب، لمكانه منِّي، فمن شاء منكم أن يتقدَّم، ومن شاء منك أن يتأخَّر. وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده، وأزواجه، وأقاربه. وهذه بعض المواقف :

 

المرافق العامة :

 

منع عمر -رضي الله عنه- أهله من الاستفادة من المرافق العامَّة التي رصدتها الدَّولة لفئةٍ من النَّاس، خوفاً من أن يحابي أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إِبلاً أنجعتها الحِمَى فلمَّا سمنت؛ قدمت بها، قال: فدخل عمر السُّوق فرأى إِبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإِبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخٍ، بخٍ! ابن أمير المؤمنين، قال: ما هذه الإِبل؟ قال: قلت: إِبل اشتريتها، وبعثت بها إِلى الحِمى أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال: فيقولون: ارعوا إِبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إِبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله ابن عمر! اغد إِلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين .

 

محاسبته لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء :

 

كان عمر رضي الله عنه يقسم المال، ويفضِّل بين النَّاس على السَّابقة والنَّسب، ففرض لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أربعة الاف، وفرض لعبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت! فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف

 

قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء ـ إِحدى المعارك ببلاد فارس ـ فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلمَّا قدمتُ على عمر؛ قال: أرأيت لو عُرِضْتُ على النَّار، فقيل لك: افتده، أكنت مفتدياً به؟ قلت: والله ما من شيءٍ يؤذي بك إِلا كنت مفتدياً بك منه، قال: كأنِّي شاهد النَّاس حين تبايعوا، فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أمير المؤمنين، وأحبُّ النَّاس إِليه، وأنت كذلك، فكان أن يرخصوا عليك أحبَّ إِليهم من أن يغلوا عليك، وإِنِّي قاسم مسؤولٌ، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدِّرهم درهم، قال: ثمَّ دعا التُّجار، فابتاعوه منه بأربعمئة ألف درهم، فدفع إِليَّ ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إِلى سعد بن أبي وقَّاص ليقسمه .

  

منع جرِّ المنافع بسبب صلة القربى به :

 

عن أسلم قال: خرج عبد الله، وعبيد الله ابنا عمر في جيشٍ إِلى العراق، فلمَّا قفلا؛ مرَّا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحَّب بهما، وسهَّل، وقال: لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به؛ لفعلت، ثمَّ قال: بلى! ها هنا مالٌ من مال الله أريد أن أبعث به إِلى أمير المؤمنين، وأسلفكماه، فتبيعان به متاع العراق، ثمَّ تبيعانه بالمدينة، فتؤدِّيان رأس المال إِلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الرِّبح، ففعلا، وكتب إِلى عمر أن يأخذ منهما المال . فلمَّا قدما على عمر قال: أكلّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا! فقال عمر: أدِّيا المال وربحه، فأمَّا عبد الله؛ فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين! لو هلك المال، أو نقص؛ لضمنَّاه. فقال: أدِّيا المال. فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله. فقال رجلٌ من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين! لو جعلته قراضاً (شركةً). فأخذ عمر رأس المال، ونصف ربحه، وأخذ عبـد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أوَّل قراضٍ في الإِسلام .

 

 أم سليط أحقُّ به :

 

عن ثعلبة بن أبي مالكٍ: أنَّه قال: إِنَّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قسم مروطاً بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعض مَنْ عنده: يا أمير المؤمنين! أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّتي عندك ـ يريدون أمَّ كلثوم بنت عليٍّ ـ فقال عمر: أمُّ سليطٍ أحقُّ به ـ وأمُّ سليط من نساء الأنصار ممَّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال عمر: فإِنَّها كانت تزفر لنا القرب يوم أحدٍ .

 

 غَشَشْتِ أباك، وَنَصَحْتِ أقرباءَكِ :

 

جيء إِلى عمر ـ رضي الله عنه ـ بمال، فبلغ ذلك حفصة أمَّ المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين! حقُّ أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال. فقال: يا بنية! حقُّ أقربائي في مالي، وأمَّا هذا ففي سداد المسلمين، غششتِ أباكِ، ونصحتِ أقرباءكِ. قومي .

  

 أردتَ أن ألقى الله ملكاً خائناً؟

 

قدم صهرٌ لعمر عليه، فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال، فانتهره عمر، وقال : أردتَ أن ألقى الله ملكاً خائناً؟ فلمَّا كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة الاف درهم.

  

هذه بعض المواقف الَّتي تدلُّ على ترفُّع عمر عن الأموال العامَّة، ومنع أقربائه، وأهله من الاستفادة من سلطانه، ومكانته، ولو أنَّ عمر أرخى العنان لنفسه، أو لأهل بيته؛ لرتعوا، ولرتع من بعدهم، وكان مال الله ـ تعالى ـ حبساً على أولياء الأمور.

ومن خلال حياته مع أسرته، وأقربائه يظهر لنا مَعْلَمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة، وهي القدوة الحسنة في حياته الخاصَّة، والعامَّة، حتَّى قال في حقِّه عليُّ بن أبي طالب: عَفَفْتَ، فَعَفَّتْ رعيَّتُك، ولو رتعت؛ لرتعوا. وكان لالتزامه بما يدعو إِليه، ومحاسبته نفسه، وأهل بيته أكثر ممَّا يحاسب به ولاته، وعمَّاله الأثرُ الكبير في زيادة هيبته في النُّفوس، وتصديق الخاصَّة والعامَّة له. هذا هو عمر الخليفة الرَّاشد؛ الَّذي بلغ الذِّروة في القدوة، ربَّاه الإِسلام فملأ الإِيمان بالله شغاف قلبه، إِنَّه الإِيمان العميق، الَّذي صنع منه قدوةً للأجيال، ويبقى الإيمان بالله، والتَّربية على تعاليم هذا الدِّين سبباً عظيماً في جعل الحاكم قدوةً في أروع ما تكون القدوة من هنا إِلى يوم القيامة .

   

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد