الحرية والحريات في عهد الفاروق.. مشاهد مضيئة

2022-09-10 06:27:55 أخبار اليوم/ متابعات

 

إن مبدأ الحرية من المبادئ الأساسيَّة؛ الَّتي قام عليها الحكم في عهد الخلفاء الرَّاشدين، ويقضي هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحرِّيَّات العامَّة للنَّاس كافَّة ضمن حدود الشَّريعة الإِسلاميَّة، وبما لا يتناقض معها، فقد كانت دعوة الإِسلام لحرِّيَّة النَّاس -جميع النَّاس- دعوةً واسعةً وعريضةً، قلَّما تشتمل على مثلها دعوةٌ في التَّاريخ، وقد أسهم مبدأ الحرِّيَّة مساهمةً فعَّالةً بانتشار الدِّين الإِسلاميِّ، وبتسهيل فتوحات المسلمين، واتِّساع رقعة دولتهم؛ لأنَّ الإِسلام كرَّم الإِنسان، وكفل حرِّياته على أوسع نطاق، ولأنَّ النُّظم السِّياسيَّة الأخرى السَّائدة آنذاك في دولة الرُّوم والفرس كانت أنظمةً استبداديَّةً، وتسلُّطيَّةً، وفئويَّةً، قاسى بسببها الرَّعايا وبصورةٍ خاصَّةٍ المناوئون السِّياسيُّون، والأقلِّيات الدِّينيَّة أشد درجات الكبت، والاضطهاد، والظُّلم. وقد تجلى هذا المبدأ بأبهى صوره في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذه بعض المشاهد والمواقف التي تشهد على احترام الحرِّيات في زمن الفاروق رضي الله عنه :

  

1 ـ حرية العقيدة الدِّينيَّة :

 

إن حركة الفتوحات في عهد الفاروق الَّتي قام بها الصَّحابة تشهد على احترام الإِسلام للأديان الأخرى، وحرص القيادة العليا على عدم إِكراه أحدٍ في الدُّخول في الإِسلام، حتَّى إِنَّ الفاروق نفسه جاءته ذات يوم امرأة نصرانية عجوز كانت لها حاجةٌ عنده، فقال لها: أسلمي؛ تسلمي، إِنَّ الله بعث محمَّداً بالحقِّ، فقالت: أنا عجوزٌ كبيرةٌ، والموت إِليَّ أقرب، فقضى حاجتها، ولكنَّه خشي أن يكون في مسلكه هذا ما ينطوي على استغلال حاجتها لمحاولة إِكراهها على الإِسلام، فاستغفر الله ممَّا فعل، وقال: اللَّهمَّ إِنِّي أرشدت، ولم أكره !

 

لقد حرص الفاروق على تنفيذ قاعدة حرِّيَّة الاعتقاد في المجتمع، ولخَّص سياسته حيال النَّصارى، واليهود بقوله: وإِنَّا أعطيناهم العهد على أن نخلي بينهم وبين كنائسهم، يقولون فيها ما بدا لهم، وألا نحمِّلهم ما لا يطيقون، وإِن أرادهم عدوُّهم بسوءٍ قاتلنا دونهم، وعلى أن نخلِّي بينهم وبين أحكامهم، إِلا أن يأتوا راضين بأحكامنا، فنحكم بينهم، وإِن غيَّبوا عنَّا؛ لم نتعرَّض لهم .

 

وقد ثبت عن عمر : أنه كان شديد التَّسامح مع أهل الذِّمَّة، حيث كان يعفيهم من الجزية عندما يعجزون عن تسديدها .

  

2 ـ حقُّ الأمن، وحرمة المسكن، وحرِّيَّة الملكيَّة :

 

ومن المنطلق القرآني، والممارسة النَّبويَّة تكفَّل الفاروق في عهده للأفراد بحقِّ الأمن، وحقِّ الحياة، وسهر على تأمينهما، وصيانتهما من أيِّ عبثٍ، أو تطاول. وكان الفاروق -رضي الله عنه- يقول: (إِني لم أستعمل عليكم عمَّالي ليضربوا أبشاركم، ويشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلِّموكم كتاب ربِّكم، وسنَّة نبيِّكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فليرفعها إِليَّ حتَّى أقصَّه منه)، وجاء عن عمر أيضاً قوله: ليس الرَّجل بمأمونٍ على نفسه إِن أجعتُه، أو أخفتُه، أو حبستُه أن يقرَّ على نفسه .

  

وفيما يتعلَّق بحرمة السكن فقد كانت مكفولةً، ومصونةً في عهد الفاروق، وعصر الخلفاء الرَّاشدين، وأمَّا حرِّيَّة الملكيَّة؛ فقد كانت مكفولةً، ومصونةً أيضاً في عصر الخلفاء الرَّاشدين ضمن أبعد الحدود الَّتي تقرُّها الشَّريعة الإِسلاميَّة في هذا المجال، فحين اضطر عمر -رضي الله عنه - لأسبابٍ سياسيَّة، وحربيَّة لإِجلاء نصارى نجران، ويهود خيبر من قلب شبه الجزيرة العربيَّة، إِلى العراق والشام أمر بإِعطائهم أرضاً كأرضهم في الأماكن الَّتي انتقلوا إِليها احتراماً منه، وإِقراراً لحقِّ الملكيَّة الفردية؛ الذي يكفله الإِسلام لأهل الذمَّة مثلما يكفله للمسلمين، وعندما اضطر عمر إِلى نزع ملكيَّة بعض الدُّور من أجل العمل على توسيع المسجد الحرام في مكَّة، ولم يكن دفعه للتَّعويض العادل إلا اعترافاً منه، وإِقراراً بحقِّ الملكيَّة الفرديَّة؛ الَّتي لا يجوز مصادرتها حتَّى في حالة الضَّرورة إِلا بعد إِنصاف أصحابها .

  

3 ـ حرية الرأي :

 

ما من شهادة أدل على مكانة الحرية عند عمر من مقولته التي خلدها التاريخ حين خاطب عمرو بن العاص قائلاً: "يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "

  

وقد جاء في خطبة عمر لما تولَّى الخلافة: أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإِحضاري النَّصيحة. واعتبر الفاروق ممارسة الحرِّيَّة السِّياسيَّة البنَّاءة (النَّصيحة) تعد واجباً على الرَّعيَّة، ومن حقِّ الحاكم أن يطلب بها: أيُّها الرَّعية إِنَّ لنا عليكم حقّاً: النَّصيحة بالغيب، والمعونة على الخير. وكان يرى أنَّ من حقِّ أيِّ فردٍ في الأمَّة أن يراقبه، ويقوِّم اعوجاجه؛ ولو بحدِّ السَّيف؛ إِن هو حاد عن الطَّريق، فقال: أيها النَّاس من رأى منكم فيَّ اعوجاجاً؛ فليقوِّمه .

 

وكان يقول: أحبُّ النَّاس إِليَّ مَنْ رفع إِليَّ عيوبي، وقال أيضاً: إِنِّي أخاف أن أخطأ فلا يردَّني أحدٌ منكم تهيُّباً منِّي. وجاءه يوماً رجلٌ، فقال له على رؤوس الأشهاد: اتَّق الله يا عمر! فغضب بعض الحاضرين من قوله، وأرادوا أن يُسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إِذا لم تقولوها، ولا خير فينا إِذا لم نسمعها.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد