مونديال 1978.. احتفال "حليق الشارب" وسط الجثث والسجناء

2022-11-17 00:49:20 أخبار اليوم/ متابعات

 

عندما حصلت الأرجنتين عام 1966 على حق استضافة مونديال 1978، لم يكن أبناؤها يتخيّلون أن منتخب "التانغو" سيحصد أول ألقابه العالمية تحت نير نظام "خونتا" دكتاتوري أخفى الآلاف منهم.

فقبل سنتين على انطلاق البطولة، شهدت البلاد مجيء مجلس عسكري بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، بعد انقلاب قضى على حكم الرئيسة إيسابيل بيرون، وسط أعمال عنف ذهب ضحيتها 10 آلاف قتيل، 15 ألف مفقود و8 آلاف سجين بحسب منظمة العفو الدولية.

واعتُقل أسرى "الحرب القذرة" في معسكر "إسما" السيئ السمعة، على مقربة من ملعب مونومنتال، مضيف المباراة النهائية بين الأرجنتين وهولندا (3-1).

وهدّدت بعض الدول، خصوصاً الأوروبية، بالمقاطعة، لكن الاتحاد الدولي "فيفا" برئاسة البرازيلي جواو هافيلانغ أصرّ على استضافة الأرجنتين، بعد مفاوضات صعبة وشاقة مع النظام العسكري الذي تعهد بأن لا تعكّر أي حادثة امنية صفو النهائيات.

وعلق لويس سيزار مينوتي مدرب الأرجنتين، والمعارض للنظام قبل النهائي على مسألة الدعاية عبر منتخب "ألبي سيليستي": نحن الشعب، ننتمي للطبقة الكادحة، نحن الضحايا، نمثل الشيء القانوني الوحيد في هذا البلد (كرة القدم) لن نلعب لمدرجات مليئة بالضباط، العسكريين، بل نلعب لأجل الشعب، لن ندافع عن الديكتاتورية، بل عن الحرية.

وكان يوهان كرويف أحد أفضل لاعبي العالم، وقاد هولندا قبل أربع سنوات إلى الوصافة، بأسلوب كرة شاملة سحر العقول والقلوب.

لكن "الهولندي الطائر" أعلن نهاية 1977 اعتزاله دولياً عن 30 عاماً، في قرار تباينت تفسيراته ودوافعه، بين دعمه ضحايا النظام، رضوخه لقرارات زوجته، أو تعرّضه لمحاولة خطف.

وقال كرويف لاذاعة كاتالونيا إن مسلحين دخلوا بيته ليلاً محاولين اختطافه مقابل فدية، وفصّل: كنت أواجه مشكلات في تلك الفترة من مسيرتي، وُضعت بندقية في رأسي، قُيّدت زوجتي، وكان الأطفال في الشقة في برشلونة.

وتمكن من الافلات بطريقة ما، لكن هذه الحادثة غيّرت نظرته للحياة، وُضعت شقته تحت مراقبة الشرطة نحو أربعة اشهر ورافق حرّاسٌ أولاده إلى المدرسة.

خوفه على عائلته منعه ربما من المشاركة في كأس العالم، إذ قال: لتخوض كأس العالم يجب أن تكون جاهزا بنسبة 200%. هناك لحظات توجد فيها قيم أخرى في الحياة.

وفي مقابلة أخرى مع صحيفة بيروفية، قال: لو كان السبب سياسياً، لما لعبت في إسبانيا مع برشلونة تحت ديكتاتورية فرانكو.

اعتُمد نفس نظام 1974، بتأهل بطلي مجموعتي الدور الثاني إلى النهائي. أقرّ فيفا ركلات الترجيح للمرة الأولى، لكنها لم تبصر النور قبل 1982.

ونسي الفرنسيون قمصانهم الزرقاء البديلة على بعد 400 كلم من ملعب مواجهتهم مع المجر، فاستعاروا قمصان فريق كيمبرلي المغمور مقلّمة بالأخضر والأبيض، ليتأخر انطلاق المباراة 45 دقيقة.

وبقرار غريب، ألغى الحكم الويلزي كلايف توماس هدفاً للبرازيل سجله زيكو في مرمى السويد في الدور الأول، مطلقا صافرة النهاية فوراً بعد تنفيذ الركنية.

وفي باكورة مشاركاتها، أصبحت تونس أوّل دولة إفريقية وعربية تحقق فوزاً في النهائيات، على المكسيك 3-1، وكادت تنتزع بطاقة التأهل لو تغلبت على ألمانيا الغربية (0-0).

وأمتع طارق ذياب، أفضل لاعب إفريقي في 1977 بدقة تمريراته بالقدم اليسرى، وقال المدرب عبد المجيد الشتالي: كانت الناس تسخر من الكرة الإفريقية، أعتقد أن هذا الزمن قد ولى.

وفيما ضمنت هولندا، رغم اعتزال كرويف، بطاقة النهائي متصدرةً مجموعة ضمت إيطاليا وألمانيا الغربية والنمسا، جاء تأهل الأرجنتين عن الثانية جدلياً، بعدما تعادلت مع البرازيل بالنقاط، ثم فازت الأخيرة على بولندا 3-1، ما وضع أصحاب الأرض أمام ضرورة الفوز على البيرو بفارق أربعة أهداف. لكن النتيجة جاءت 6-0!

وحامت شكوك حول دفع رشوة لحارس بيرو رامون كيروغا، المولود في روزاريو الأرجنتينية، لكنه نفى نفياً قاطعاً. فيما أكد آخرون أن لاعبي بيرو تعرضوا لتهديداتٍ بالقتل، وادعى موظف مدني أرجنتيني أن بيرو حصلت على شحنات حبوب كجزء من صفقة مع نظام فيديلا مقابل الخسارة.

بلغت الأرجنتين النهائي للمرة الثانية، بعد نسخة 1930 الأولى التي خسرتها أمام الأوروغواي 2-4، فيما تواجهت هولندا مع الدولة المضيفة مرة ثانية توالياً.

وأمام جمهور أرجنتيني شغوف ناهز 72 ألف متفرّج، أقيم النهائي في ظل عواصف من الورق الأزرق والابيض المتناثر، المعروف باسم "بابيليتوس"، وهو تقليد أميركي جنوبي يقضي برمي قصاصات الورق لإظهار الاحتفالات، لكنها تلوّث ارض الملعب.

كان ماريو كمبيس الأرجنتيني الوحيد المحترف خارج البلاد، بعد إحرازه لقب هداف الدوري الإسباني مرتين مع فالنسيا.

وقرّر حلق لحيته بعد صيامه عن التسجيل في أوّل مباراتين، لكنه عجز مجدداً في الثالثة. قال له مينوتي: لم لا تحلق شاربك أيضاً، ربما ينقلب حظّك وتتذكر كيف تسجل الأهداف.

حلق كمبيس شاربه، فسجّل 6 مرات في أربع مباريات، ليتوّج بلقب الهداف، بواقع ثنائية في مرمى كل من بولندا والبيرو والأغلى أمام هولندا في النهائي.

بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل 1-1 وارتداد كرة الهولندي روب رنسنبرينك في الرمق الأخير من القائم، سجّل "سوبر ماريو" هدفه الثاني في الدقيقة 105، قبل أن يقضي دانيال برتوني على آمال الطواحين، فسلّم الجنرال فيديلا الكأس للقائد دانيال باساريلا وسط أجواء احتفالية.

قال كمبيس في إشارة إلى تمسّك باساريلا بالكأس: لم يكن بمقدورنا القيام بلفة احتفالية كاملة بالملعب، حتى أني لم المس الكأس.

في المقابل، تحسّر رنسنبرينك على فرصة قتل المباراة في وقتها الأصلي: لو كان مسار تسديدتي مختلفاً بمقدار خمسة سنتيمترات، لكنا أبطال العالم. علاوة على ذلك، كنت لأتوج بلقب الهداف وربما أفضل لاعب في البطولة. كل ذلك في مباراة واحدة.

وتذكّر زميله رود كرول في كتاب" البرتقاليون الرائعون": كنا في فندق خارج بوينوس أيرس، وأخذونا في طريق طويل حول الملعب. توقفت الحافلة في قرية وبدأ الناس يقرعون على النوافذ ويصرخون (أرخنتينا، أرخنتين) لمدة عشرين دقيقة علقنا في القرية.

رفض الهولنديون الغاضبون حضور حفل الختام وقال رنسنبرينك: الأمن كان كارثياً. الجماهير مجنونة. ماذا كان سيحدث لو فزنا؟.

عوّلت الأرجنتين على قائد دفاعها باساريلا، لاعب الوسط الدفاعي أوسفالدو أدريليس، الهداف كمبيس بالإضافة إلى الحارس أوبالدو فيّول المكنى "إل باتو" (البطّة).

وبانجازاته، ساهم بوصول الارجنتين الى اللقب، لكن مشاركته لم تكن مؤكدة لرفضه لعب الدور البديل، ما دفع مينوتي إلى القول: قد يعتقد فيّول انه بيليه، لكنه ليس كذلك. إصابة الأساسي أوغو غاتي أجبرت مينوتي في نهاية المطاف على استدعاء فيّول.

وقبل حقبة الولد الذهبي مارادونا، حسمت الأرجنتين لقبها الأول بفضل لعب جماعي تحدث عنه أرديليس قائلاً: الخسارة أمام إيطاليا (في الدور الأول) أجبرتنا على خوض الدور الثاني في روساريو، وهو ما ناسبنا اكثر من بوينوس أيرس. ارتكزنا على الجماعية بدلاً من الفردية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد