منذ جرى
طرح فكرة الدستور في بلادنا وذلك في فبراير عام 1948م إلى أن تم توقيع إتفاق 23
منذ جرى طرح
فكرة الدستور في بلادنا وذلك في فبراير عام 1948م إلى أن تم توقيع إتفاق 23 فبراير
من عام 2009م بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، واليمن طيلة تلك الفترة
الزمنية تمر بظروف سياسية واقتصادية أشبه بما كانت عليه في السابق من الناحيتين
الدستورية والقانونية، لذلك لا فرق بين تنفيذ ذلك الإتفاق أو عدم تنفيذه
فالأمر سيان، لا لأنه قد جاء في ظل ضغوطات محلية ودولية فقط، وإنما لكون ذلك
الإتفاق تأسس على مبدأ تأجيل الإنتخابات البرلمانية بهدف تنظيمها في إنتخابات
مرتقبة دون أن يتوقف شركاء العمل السياسي عند عملية إجراء تقييم صحيح لطبيعة النظام
الإنتخابي وما سبق وأن شهده الوطن من دورات إنتخابية كان، أنفق عليها المليارات
المال العام في ظل تنامي الأزمة الإقتصادية الشاملة ،ولذا كان ذلك الإتفاق غير قادر
على إخراج اليمن من دوامة الأزمة القائمة، ولهذا فإنه يبقى بالتأكيد تعميقاً لتلك
الأزمة ما دام وقد حصر قضايا الحوار الوطني في التعديلات الدستورية والقانونية ولكن
وفقاً لما هو سياسي محض دون طرح قضايا أكثر حيوية تهم الوطن والمواطنين حتى صار
الحوار بسبب الحديث المكرور عنه في ساحة العمل الوطني أشبه ببقرة بني إسرائيل التي
تشابهت عليهم مثل تشابه الحوار على اليمنيين، فعل مدى ما يقارب سبعة عقود من الزمن
ولا زال ذلك الحديث دونما توقف عن الإصلاحات الدستورية وتطوير النظام
السياسي.
حتى ملَّ مصطلح الدستور من كثرة تداوله على ألسنة السياسين والإعلاميين
وغيرهم، وكذا ما يدور من جدل متناهٍ، حوله ولو تأملنا حقيقة ذلك فإن العالم لم يعرف
دستوراً في تاريخه المعاصر كدستور اليمن، الذي يجري تعديله بصفة شبه دائمة مما يؤكد
غياب الإستقرار السياسي وذلك أمر طبيعي ينعكس بشكل سلبي على إستقرار اليمن -
سياسياً وإقتصادياً - وكذا بالنسبة للقوانين فلا يوجد حكومة في العالم لديها قوانين
مثل ما هو موجود في اليمن، التي لا تعير تلك القوانين أدنى إلتزام بل يزداد الجدل
وبصورة ملحوظة للجميع بين القوى السياسية على خلفية إتفاق 23 فبراير حول مناقشة
التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام الإنتخابي بما في ذلك القائمة النسبية)
فيما هناك قضايا أساسية كما قلنا كالأزمة الإقتصادية التي تعصف بالبلاد والفساد
المالي والإداري...
كلها لا تمثل أي أولوية في أجندة تلك المناقشة مما دعى وزارة
التخطيط لأن تقول بأن اليمن خارج مسار الوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المنشودة،
التي كان مقرراً إنجازها في الألفية الثانية، لكن المشكلة الأساسية أن اليمنيين
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم يتجادلون حول الدستور الذي لا نجد أبلغ
دليل على وجوده إلا فيما تكتبه مطبوعة الدستور، مع أن لدى اليمن كما يعرف الجميع
دستور سماوي يؤمن به شركاء العمل السياسي شرعاً ومنهاجاً، كما يؤمنون بالجمهورية
نظاماً وبالوحدة قدراً ومصيراً وهو ما يجعلنا نتساءل: لماذا إذاً يختلف أولئك
الشركاء؟ خاصة وأن إختلافهم السياسي ماضياً وحاضراً قد ألحق الضرر بالوطن برغم
إدراكهم أن الديمقراطية ليست إلا وسيلة قابلة للمراجعة على أهمية ما جسدته من حرية
التعبير في الواقع العملي ،ولكن ما يؤخذ على تلك الديمقراطية أنها قد جعلت من اليمن
عملية سياسية مفتوحة لا تتوقف على اليمنيين فقط لكي يدلوا بآرائهم وإنما شملت
الآخرين، يناقشون ويدلون بآرائهم في الشأن الوطني على نحو ما قدمته روبن مدريد من
أفكار ومقترحات منسوبة للمعهد الديمقراطي الأمريكي، وقد أُحيطت تلك المقترحات بهالة
إعلامية واعتبرتها، بعض القوى السياسية مبادرة أميركية مع أن المبادرة لا تكون إلا
في نزاعات إقليمية أو دولية فهل يحتاج إتفاق فبراير إلى مبادرات خارجية لكي يتم
تنفيذها وإن كنا هنا لا نعترض على شفافية المقترحات السورية لتقريب وجهات النظر بين
الجانبين بحكم العلاقة بين الشعبين السوري واليمني، لكن ذلك الإتفاق لا يُعد حلاً
للمشكلة اليمنية بقدر ما هو جزء من الأزمة القائمة خاصة إذا إتجه التوتر بين طرفي
العملية السياسية نحو مزيد من التصعيد فإن الأفضل لليمن إبقاء تأجيل الإنتخابات إلى
غير مسمى، لأن بقاء الوطن أهم من الديمقراطية والصراع بين أبنائه.