المقاومة تحوّل شوارع غزة إلى مقبرة للجنود الإسرائيليين

لعبة المتاهة المميتة.. حماس تجعل من تضاريس غزة جحيما لقوات الاحتلال

2023-12-18 07:40:07 أخبار اليوم /أنيس العرقوبي

  

يعكس ارتفاع عدد القتلى في صفوف الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة إلى ما يقرب من المثلين مقارنة بالخسائر التي تكبدها في هجومه البري عام 2014، مدى براعة حركة المقاومة الإسلامية حماس في إدارة المعركة وفي استخدام أسلوب حرب الشوارع وحجم ترسانتها الكبيرة من الأسلحة.

 

ويؤشر استمرار المقاومة في صد هجمات العدو الإسرائيلي على قدراتها في رسم خرطة المعارك وفق تكتيكاتها وما تملكه من أسلحة قادرة على تعطيل توغل الاحتلال الساعي إلى إنهاء حربه الانتقامية في أسرع وقت.

 

المقاومة تثخن في العدو

 

كشف خبراء عسكريون إسرائيليون ومصدر من حماس كيف أن الحركة الفلسطينية تستخدم مخزونها من الأسلحة وتستفيد من معرفتها بالتضاريس وشبكة الأنفاق الكبيرة لتحويل شوارع غزة إلى متاهة مميتة.

 

وتستخدم الحركة أسلحة مثل الطائرات المسيرة المزودة بالقنابل اليدوية وأسلحة مضادة للدبابات بعبوات متفجرة مزدوجة تنفجر على مرحلتين في تتابع سريع.

 

ومنذ بدء الحملة البرية الإسرائيلية في أواخر أكتوبر الماضي، قُتل نحو 110 من الجنود الإسرائيليين عندما توغلت الدبابات وجنود المشاة في المدن ومخيمات اللاجئين، حسب أرقام إسرائيلية رسمية. وكان ربع هذا العدد تقريبا من أطقم الدبابات.

 

ويقارن هذا العدد بنحو 66 جنديا لقوا حتفهم في صراع عام 2014 عندما شن الاحتلال الإسرائيلي توغلا بريا محدودا دام ثلاثة أسابيع لكن الهدف حينها لم يكن القضاء على حماس.

 

وقال جنرال إسرائيلي متقاعد ومستشار يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، يعقوب عميدرور: “لا يمكن مقارنة نطاق هذه الحرب بعام 2014، عندما كانت عمليات قواتنا لا تتجاوز في الغالب كيلومترا واحدا داخل غزة”.

 

وأضاف أن القوات الإسرائيلية “لم تجد بعد حلا جيدا للأنفاق”، وهي شبكة توسعت بصورة كبيرة في العقد الماضي.

 

وبدأ هجوم الاحتلال الإسرائيلي بعدما توغلت عناصر من حماس في الأراضي المحتلة في السابع من أكتوبر، مما أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 200 أسير أُطلق سراح بعضهم في وقت لاحق.

 

ومنذ اندلاع الحرب قُتل ما يقرب من 19 ألف فلسطيني في غزة، مما أثار مطالب دولية بوقف إطلاق النار ودعوات من جانب الولايات المتحدة إلى تغيير الاستراتيجية الإسرائيلية في الحرب وتوجيه ضربات أكثر دقة.

 

حرب طويلة وثمن باهظ

 

تقول تقارير دولية إن الاحتلال الإسرائيلي صدم من قدرات المقاومة في قطاع غزة ومن تطور تقنياتها القتالية، ما دفعه إلى تغيير الجدول الزمني للحرب في أكثر من مناسبة.

 

وفي وقت سابق، قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الاحتلال سيشن حربا حتى النصر المبين”، في إشارة إلى إمكانية تواصل العمليات العسكرية بعد أن صرّح في مناسبة أخرى بأنها ستنتهي في جانفي، فيما أوضح مسؤولون إسرائيليون أن الأمر قد يستغرق أشهرا قبل الانتهاء من الحرب.

 

وعن الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة بقوات الاحتلال، قال مستشار نتنياهو للسياسة الخارجية، أوفير فولك، في تصريحات لرويترز: “لقد كان تحديا منذ اليوم الأول”، مضيفا أن الهجوم كان له “ثمن باهظ” في صفوف القوات الإسرائيلية.

 

ومضى فولك قائلا: “نعلم أنه سيتعين علينا على الأرجح دفع ثمن إضافي لإكمال المهمة”.

 

وقال إيال بينكو وهو مسؤول كبير سابق في أجهزة الأمن الإسرائيلية ويعمل حاليا في مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان: “اتخذت حماس بعض الخطوات الكبيرة لبناء قوتها منذ عام 2014”.

 

وتابع:” حصلت على أسلحة من إيران لكنها أتقنت صنع أسلحة أخرى في غزة، مثل القذائف الصاروخية من طراز آر. بي. جي-7.. أصبح لديها الآن احتياطي أكبر من الذخائر”.

 

وقال قائد إسرائيلي قاتل في 2014 إن اتساع نطاق هذه العملية يشير إلى وجود المزيد من القوات على الأرض، مما يمنح حماس “مزايا الطرف المدافع”، لذلك كان من المتوقع وقوع خسائر أكبر في صفوف القوات.

 

متاهة غزة.. قتال وتوثيق

 

في تقرير نشرته رويترز، استعرضت الوكالة تفاصيل عن إدارة حركة حماس للحرب الدائرة، مشيرة إلى أن مقاطع مصورة في قناة المقاومة في تطبيق تيليجرام تظهر مقاتلين يحملون كاميرات ويتحركون وسط المباني لإطلاق صواريخ محمولة على الكتف على مركبات مدرعة.

 

وذكّرت الوكالة بمقطع يظهر كاميرا تخرج من نفق في ما يشبه المنظار لمسح معسكر إسرائيلي تستريح فيه القوات، مشيرة إلى أن هذا الموقع تعرض لاحقا لتفجير من تحت الأرض، حسب منشور لاحق للمقاومة.

 

ويؤشر اعتماد المقاومة التوثيق (صور وفيديو) على أمرين مهمين -حسب مراقبين- أولهما نشر رواية صحيحة عن محاور القتال وأعداد قتلى القوات الصهيونية على اعتبار أن الاحتلال يعمل على تزييف الوقائع وطمس الحقائق.

 

أما الأمر الثاني فيتعلق بالدعاية الحربية، إذ تكشف هذه الطريقة عن القدرات القتالية والإعلامية لعناصر المقاومة وتهدف إلى ضرب معنويات العدو الإسرائيلي. 

 

وتظهر مقاطع الفيديو أن أفراد المقاومة يقتربون قدر الإمكان لنصب كمائن مستفيدين من خبرتهم بالميدان والأرض التي يعرفونها كما لا يعرفها أحد غيرهم.

 

وتقول تقارير إن هناك فجوة بين ما تملكه المقاومة من وسائل قوة وبين ترسانة العدو، لكن الفارق يكمن في معرفة الأرض وفي قدرة عناصر القسام على التمويه والمباغتة.

 

ويؤكد خبراء عسكريون أن ترسانة حماس العسكرية لا تقارن من قريب ولا من بعيد بالقدرات العسكرية الإسرائيلية وبقواتها المزودة بأحدث الأسلحة في البر والبحر والجو واستخباراتها والدعم الأمريكي اللامحدود، لكن المقاومة في القطاع المحاصر في رقعة ضيقة أظهرت قدرات فائقة في القتال.

 

وأضافوا أن استمرار القتال لأكثر من شهرين يؤكد أن المقاومة تقف ندا لند أمام الاحتلال وأن تكتيكاتها العسكرية نجحت إلى حد ما في إيقاف توغل قواته وألحقت به خسائر جسيمة.

 

وحسب خبراء عسكريين فإن قدرات المقاومة لا تكمن في قتال الشوارع والتخفي ثم الظهور بل في إمكاناتها اللوجستية المتمثلة في التنسيق بين جبهات الصراع وإيصال الإمدادات والتواصل مع فصائل المقاومة الأخرى الناشطة في الميدان.

 

وفي ما يتعلق بتكتيكات حماس، يؤكد الخبراء أن المقاومة خبرت العدو الصهيوني في محطات سابقة ورسمت خططا لإدارة المعركة، مشيرين إلى أن كتائب عزالدين القسام وباقي الفصائل تعمل على استدراج قوات العدو وجرها إلى نقاط معدة مسبقا ومن ثمة استهدافها.

 

وإلى جانب الاستدراج تنصب عناصر المقاومة الفخاخ والكمائن كما تعمد إلى فصل القوات المتوغلة عن بعضها البعض ثم الإجهاز عليها سواء عبر القناصة أو القصف أو قتال رجل لرجل.

 

ويقول خبراء عسكريون إن حركة حماس جعلت من مربعات قطاع غزة متاهة مميتة قد تدخل منها قوات الاحتلال متمترسة بجرافاتها ودباباتها لكنها لن تخرج منها إلا أشلاء، أو عبر جنود قد خرجوا عن الخدمة بسبب الإصابات البليغة التي وصلت إلى حد الإعاقة.

 

وفي وقت سابق، ذكرت “يديعوت أحرونوت” أن 5 آلاف جندي جرحوا منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر الماضي، وأن وزارة الحرب اعترفت بألفين من الجنود معاقين حتى الآن.

 

تدرك حركة حماس جيدا أن موازين القوى غير متكافئة وأن العدو متقدم في العدد والعدة ومتفوق عليها تكنولوجيا، لكنها تعرف جيدا أن هذه الحرب غير نظامية لا تقوّم بالمقارنة والتعداد بل بإيقاع القتال والخطط المرسومة التي تراعي تضاريس الأرض وقدرات المقاتل، لذلك فهي تعمل على إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في الكيان الذي سيرضخ لأصوات الداخل المتخوفة من ارتفاع تكلفة الحرب بشريا وماديا، وعلى صورة الكيان خارجيا.

      

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد