مركز دراسات يكشف أسرار حارس الازدهار وأهداف دول الغرب في البحر الأحمر ..

أسباب العزوف العربي عن تحالف حماية الملاحة بالبحر الأحمر؟

2024-01-01 01:43:55 أخبار اليوم_ خاص

 

  

أعلنت الولايات المتحدة إطلاق تحالف من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم "حارس الازدهار"، وسط الهجمات المتكررة التي تشنها ميليشيا الحوثي على السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب.

وتصاعد الجدل حول الدور الأمريكي في البحر الأحمر ومدى استفادته من الوضع الراهن؛ فيما تتحدث وسائل إعلام أوروبية وأمريكية في الأيام القليلة الماضية عن تأثر عملية السلام اليمنية بالتصعيد الراهن هناك؛ وبخاصة التدابير التي تم التوافق بشأنها، والمتعلقة بوقف إطلاق النار ومعالجات إنسانية اقتصادية. وأبرز تلك التحديات التي تواجه عملية السلام تتمثل في موقف واشنطن الرافض لتوقيع الاتفاق قبل إيقاف ميليشيا الحوثي الإرهابية تصعيدها في جنوب البحر الأحمر؛ وهو أمر يرفضه (ميليشيات) الحوثيون، الذين يؤكدون أنهم لن يوقفوا عملياتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل أو التي يقولون إنها تتجه صوب إسرائيل، إلا برفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح بدخول الغذاء والدواء.

 

واعتبر محللون أن مشروع الاتفاق الراهن هو مجرد تفاهمات على معالجات إنسانية اقتصادية، ولم تتم استكمال التفاهم على خارطة طريق واضحة المعالم بشأن الانتقال إلى عملية سياسية انتقالية تضم جميع الأطراف اليمنية. فالانتقالي (الانفصالي) يصعد قبل يومين، ويقول إنه سيستخدم القوة في حال لم يتم التركيز على قضيته. وميليشيا الحوثي في الوقت الراهن غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية. ما تزال تحتفظ بالسلاح وتحتفظ بالعاصمة صنعاء. ما يعني أن الوصول إلى تسوية سياسية في ظل الأوضاع الراهنة مازال صعبا”.

وتبقى عملية السلام في اليمن محاطة باعتبارات عديدة، وتتطلب تضافر عوامل مختلفة، إلا أن الاتفاق على وقف إطلاق النار والتوافق على تدابير إنسانية واقتصادية، وهو ما تم، يمثل مرحلة مهمة ومتطورة في سبيل التوصل إلى توافق على المرحلتين الثانية والثالثة من خارطة الطريق، التي يأمل المراقبون أن تشهد خطوات للأمام تقطعها الأطراف اليمنية، بالقدر الذي حصلت عليه تدابير المرحلة الأولى؛ وإن كان الطرفان قد أعلنا توافقهما بشأن مجمل ما تضمنته مسودة اتفاق الخارطة، لكنهما لم يصدرا بهذا التوافق تصريحات واضحة وشفافة تعزز بشكل إيجابي ما حمله إعلان المبعوث الأممي، السبت الماضي؛ في إشارة قد يقرأها المراقبون على أنها رغبة لدى كل منهما على إبقاء الوضع على ما هو عليه.

كما أن التصعيد الراهن في المنطقة قد يسهم في تأخير توقيع الاتفاق أو على الأقل تأخير التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وما تُعرف بـ”تدابير بناء الثقة”؛ لأن واشنطن تضع مصالح إسرائيل في المقدمة؛ وموافقة واشنطن على مسار هذا الاتفاق، في ظل الأوضاع الراهنة في الإقليم، سيزعج تل أبيب كما يرى بعض المتابعين. إلا أن الرياض تبذل جهودا مع مسقط لتجاوز الواقع الراهن، والعمل باتجاه الترتيب للتوقيع على الاتفاق المرتقب مع مستهل العام الجديد الذي نولج إليه على احتمالات عديدة.

 

البحر الأحمر

وشهد البحر الأحمر منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني تصعيدًا من قِبل (ميليشيات) الحوثيين ضد السفن التي يعتقدون أنها مرتبطة بإسرائيليين أو تتجه إلى إسرائيل؛ ونجم عن ذلك تحرك أمريكي أفضى إلى تشكيل قوة دولية متعددة المهام والجنسيات لتأمين الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن؛ وهو ما تم الإعلان عنه رسميًا من قبل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وعلى الرغم من إعلان بعض الدول تراجعها عن المشاركة، والبعض أعلن حصر مشاركته بعدد من الضباط، فان الدول المتبقية في التحالف كافية لتسيير مهام القوة الجديدة في تعزيز الحضور الغربي الأمريكي (بما فيه الإسرائيلي) لاحقا في البحر الأحمر بشكل أكبر مما كان عليه من قبل، إلا أن تنفيذ (ميليشيات) الحوثيين عمليات عقب إعلان إنشاء القوة الجديدة يمثل تحديًا قد يُفضي إلى تطورات غير متوقعة.

  

في السياق ذاته لخصت دراسة أعدها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية عن أسباب عزوف الدول العربية عن انضمامها إلى حارس الازدهار في أربع نقاط.

 

وأكدت أن من أسباب العزوف هي المصالح الأمريكية، كما لخصت الدراسة أن من أهم الأسباب حرص الدول العربية على عدم الاصطدام مع إيران وأذرعها في المنطقة، وهو ما سيخدم إسرائيل في عدوانها على قطاع غزَّة.

 

وأشارت إلى رغبة السعودية في عدم إفشال جهودها في الدفع بالأطراف اليمينية للتوقيع على اتِّفاق هدنة موسَّعة، اتِّساقًا مع توجُّهاتها في التفرُّغ لتطوير قدراتها الاقتصادية ومكانتها الدولية.

 

 كما أشارت الدراسة أن ما يحدث في البحر الأحمر يمثِّل هدفًا مشتركًا للولايات المتَّحدة وإيران وميليشيا الحوثي على السواء، فهو يمنع حدوث صدام حقيقي بينهم، ويتيح لكلٍّ مِنهم تحقيق أكبر قدر مِن الأهداف الدعائية. فبعد ضبط الأمور، اتَّجه كلُّ طرف إلى رفع خطابه تجاه الآخر تحقيقًا لأهداف دعائية.

 

فإيران استمرَّت في التحذير مِن تشكيل تحالف عسكري في البحر الأحمر. والإدارة الأمريكية رفعت مِن نبرتها، حيث صرَّحت مديرة المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، "لايل برينارد"، بأنَّ فريق الأمن القومي يراقب عن كثب الوضع في البحر الأحمر، وأنَّ الإدارة الأمريكية ستظلُّ في حالة تأهُّب للمخاطر.. في البحر الأحمر.

 

 وبدوره أعلن زعيم ميليشيا الحوثي الإرهابية استهداف البارجات الأمريكية في حال شنَّ الأمريكيُّون هجمات عليهم.

عسكرة البحر الأحمر

كما أشارت الدراسة في ورقة (تقدير موقف) تحت عنوان “حارس الازدهار – التحالف الذي دعت له واشنطن في البحر الأحمر- الدور وحدود التأثير “خلصت القراءة الصادرة، الخميس، عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، ومقره إسطنبول، إلى أنه “توجد رغبة لدى الدول الغربية في فرض حضورها العسكري في منطقة البحر الأحمر، نظرًا لأهميَّتها في التجارة والطاقة والاقتصاد العالمي. وقد كانت تترجم ذلك عمليًّا في كلِّ منعطف يسمح لها بذلك.

 وتتابعت مراحل عسكرة منطقة البحر الأحمر؛ فإلى جانب القوَّات الأمريكية التي تمَّ جلبها قبل عملية “طوفان الأقصى”، وتلك التي جرى جلبها بعدها، يتوافر فيها بشكل دائم ما يقرب مِن (15) قاعدة عسكرية، مِنها (6) قواعد عسكرية كبيرة في جيبوتي. وإلى جانب تلك القواعد هناك عدد مِن العمليات والتحالفات البحرية، ومِنها: عملية أتلانتا التي أنشأتها القوَّة البحرية التابعة للاتِّحاد الأوربِّي في الصومال، وتعمل قبالة القرن الأفريقي، وفي غرب المحيط الهندي، لدعم قرارات الأمم المتَّحدة لحماية البحار مِن القرصنة. ومقرُّها في إسبانيا. عملية أجينور، وهي بقيادة أوروبِّية، وتستهدف ضمان حرِّية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممرٌّ ملاحي رئيس لصادرات النفط مِن دول الخليج. الفرقة الأمنية (153)، والتي أنشئت عام 2022 لمكافحة أعمال التهريب، والتصدِّي للأنشطة غير المشروعة، خاصَّة الإرهابية، مِنها في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

 

وذهبت الورقة إلى اعتبار أن ما يحصل حاليًا سيسهم في تعزيز حضور إسرائيل في البحر الأحمر، وتزايد مهددات الأمن القومي العربي، حيث تمكنت القوى الغربية من تثبيت وجودها العسكري الكثيف في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن على حساب الدول العربية المشاطئة.

ولفتت الدراسة أنه يزيد من عسكرة البحر الأحمر وهي رغبة جامحة لدى الدول الغربية في فرض حضورها العسكري في منطقة البحر الأحمر، نظرًا لأهميَّتها في التجارة والطاقة والاقتصاد العالمي.

 

وهو ما ترجم ذلك عمليًّا في كلِّ منعطف يسمح لها بذلك. وتتابعت مراحل عسكرة منطقة البحر الأحمر؛ فإلى جانب القوَّات الأمريكية التي تمَّ جلبها قبل عملية "طوفان الأقصى"، وتلك التي جرى جلبها بعدها، يتوافر فيها بشكل دائم ما يقرب مِن (15) قاعدة عسكرية، مِنها (6) قواعد عسكرية كبيرة في جيبوتي. وإلى جانب تلك القواعد هناك عدد مِن العمليات والتحالفات البحرية، ومِنها:

 

وفي السياق ذاته أشار تقرير أعده موقع DW ) في مقابلة أجراها، قال دانيال غيرلاخ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب، "العداء لإسرائيل أحد مبررات الوجود الاستراتيجي لـ (ميليشيات) الحوثيين؛ رغم أن الواقع لا يشير إلى وجود صراع إقليمي مباشر بينهم وبين إسرائيل". وأضاف "يرغب (ميليشيات) الحوثيون في أن يظهروا للعالم الإسلامي والعربي بأكمله بأنهم يؤازرون الفلسطينيين".

 

يشار إلى أنه في 19 من نوفمبر / تشرين الثاني، قام (ميليشيات) الحوثيون بخطف سفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر بالتوازي مع مهاجمة سفن أخرى بمسيرات حيث شهد مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، معظم هذه الوقائع.

 

الجدير بالذكر أن المضيق يبلغ عرضه نحو 32 كيلومتراً عند أضيق نقطة فيما يسمح للسفن بالوصول إلى قناة السويس التي تعد أقصر طريق بين أوروبا وآسيا.

 

وعلى وقع هذه الهجمات، قررت العديد من كبرى الشركات الابتعاد عن المضيق والإبحار صوب "رأس الرجاء الصالح" حول قارة أفريقيا لتفادي المرور عبر البحر الأحمر.

نص الدراسة

أولا تحليل السياق:

ساهت سنوات الحرب الثمان السابقة، بشكل أو بآخر، في تطوِّر القدرات العسكرية لـ (ميليشيات) الحوثيين، خاصَّة فيما يتِّصل بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، مِن خلال الدعم الإيراني. وقد جرى استخدام تلك القدرات في الهجوم على مصالح إستراتيجية سعودية وإماراتية خلال السنوات الأخيرة مِن الحرب.

ومع قيام إسرائيل بالعدوان على قطاع غزَّة، بعد عملية "طوفان الأقصى" التي جرت في 7 أكتوبر الماضي، توفَّرت لـ (ميليشيات) الحوثيين فرصة لتوظيف ما بحوزتهم مِن صواريخ وطائرات مسيَّرة لتحقيق أهداف دعائية، في إطار الدور المرسوم لهم فيما يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران، فقامت في 19 نوفمبر (2023م) باحتجاز سفينة شحن واقتادتها إلى الساحل اليمني، وشنَّت بعد ذلك عددًا مِن العمليَّات استهدفت فيها سفنًا تجارية كانت في طريقها عبر مضيق باب المندب.

ومع تزايد تلك الهجمات قرَّرت كبريات شركات النقل البحري تجنُّب الإبحار في مياه البحر الأحمر، وتغيير مسار سفنها باتِّجاه رأس الرجاء الصالح، والطواف حول القارة الأفريقية.

وقد أدانت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات (ميليشيات) الحوثيين، وحاولت إسناد عدد مِن السفن في مواجهة ما تتعرَّض له مِن هجمات. لكن ومع استمرار تلك العمليَّات أعلنت واشنطن أنَّها تُجري مشاورات لتشكيل قوَّة دوليَّة متعدِّدة الأطراف لحماية سفن الشَّحن التي تمخر عبر البحر الأحمر.

وخلال زيارة له إلى منطقة الشرق الأوسط، أعلن وزير الدفاع الأمريكي -على نحو ما سبق- عن تشكيل قوَّة متعدِّدة الجنسيَّات؛ وأوضح أنَّ الدول المشاركة في القوَّة هي: بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، مضيفًا أنَّها ستقوم بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، لتنفيذ ما أطق عليها عملية "حارس الازدهار"، لضمان حرِّية الملاحة وتعزيز الأمن الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن.

وخلافًا للإعلان الأمريكي أظهرت ردود الأفعال تحفُّظ بعض الدول على الانضمام إلى هذه القوَّة، بما فيها عدد مِن الدول التي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية انضمامها. فقد أعلنت فرنسا أنَّها تدعم الجهود الرامية إلى تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر والمنطقة المحيطة به، وأنَّها تعمل بالفعل في المنطقة، لكن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية. وقالت إيطاليا: إنَّها سترسل الفرقاطة البحرية "فيرجينيو فاسان" إلى البحر الأحمر لحماية مصالحها استجابة لطلبات محدَّدة قدَّمها أصحاب سفن إيطاليُّون، وأنَّ هذا يأتي في إطار عمليَّاتها الحالية، وليس جزءًا مِن عملية "حارس الازدهار". وقالت إسبانيا -التي كان صوتها الأعلى في رفض الانضمام: إنَّها لن تشارك إلَّا في مهام يقودها حلف شمال الأطلسي، أو عمليَّات ينسِّقها الاتِّحاد الأوربِّي؛ وأنَّها لن تشارك مِن جانب واحد في عملية البحر الأحمر. وبخلاف ذلك أعلنت بريطانيا أنَّها ستنضمُّ المدمِّرة "إتش. إم. إس دايموند" إلى عملية "حارس الازدهار"، وأنَّ التحالف سيعمل كجزء مِن القوَّات البحرية المشتركة التي تقودها الولايات المتَّحدة. ونفس الأمر بالنسبة لليونان التي أعلنت أنَّها سترسل فرقاطة بحرية إلى البحر الأحمر، والتي ستنضم إلى عملية "حارس الازدهار". وأعلنت هولندا والنرويج -بشكل منفرد- أنَّهما سترسلان عددًا مِن ضبَّاط بحرية إلى البحرين التي تستضيف مقرَّ قيادة القوَّات البحرية المشتركة.

وباستثناء البحرين التي يقع فيها مقرَّ الأسطول الأمريكي الخامس، لم تنضم أيٌّ مِن الدول العربية إلى هذا التحالف، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتَّحدة. وفيما قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري: إنَّ الدول المطلَّة على البحر الأحمر تتحمَّل مسئولية حمايته، وأنَّ مصر تواصل التعاون مع العديد مِن شركائها لتوفير الظروف المناسبة لحرِّية الملاحة في البحر الأحمر؛ آثرت السعودية -وبقية الدول العربية- الصمت. وعلى الأرجح أنَّ ذلك يعود إلى ما يلي:

1-     أنَّ الدول العربية وإن كان لها مصالح في تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر إلَّا أنَّها آثرت عدم الانضمام إلى تحالف بدا وكأنُّه حماية لمصالح إسرائيل (التي تشنُّ عدوانًا غير مسبوق على الفلسطينيين في غزَّة والضفة الغربية).

2-     أنَّ الدول العربية لاحظت أنَّ ما يحرِّك الولايات المتحدة تجاه (ميليشيات) الحوثيين هي مصالحها فقط، دون النظر إلى مصالح حلفائها؛ فقد مارست الكثير مِن الضغوط لمنع الجيش الوطني التابع للسلطة الشرعية مِن السيطرة على ميناء الحديدة في عام 2017م، وضغطت على دولتي التحالف والسلطة الشرعية للقبول بـ"اتِّفاق ستوكهولم"، ووضعت خطوطًا حمراء على وصول الجيش الوطني إلى العاصمة صنعاء بحسب رئيس مجلس النوَّاب اليمني .

3-     حرص الدول العربية على عدم الاصطدام مع إيران وأذرعها في المنطقة، وهو ما سيخدم إسرائيل في عدوانها على قطاع غزَّة.

4-     رغبة السعودية في عدم إفشال جهودها في الدفع بالأطراف اليمينية للتوقيع على اتِّفاق هدنة موسَّعة، اتِّساقًا مع توجُّهاتها في التفرُّغ لتطوير قدراتها الاقتصادية ومكانتها الدولية.

وبالنسبة لإيران فقد تبنَّت خطابًا ينطوي على الكثير مِن الشطط؛ فقد حذَّر وزير الدفاع الإيراني، محمد رضا أشتياني، الولايات المتَّحدة مِن أنَّها ستواجه مشاكل استثنائية إذا أرادت تشكيل قوَّة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وأكَّد أنَّه لا يمكن لأحد التحرُّك في منطقة اليد العليا فيها لإيران . ولا يُعرف على وجه الدقَّة على ماذا تعوِّل إيران لإفشال تشكيل تلك القوَّة.

حدود الدور وخياراته:

يفيد سياق تشكيل عملية "حماية الازدهار" أنَّها ذات طبيعة دفاعية، وأنَّ الهدف مِنها هو احتواء الهجمات التي تعيق مسار الملاحة في البحر الأحمر؛ ومع هذا مِن الوارد وفي حدود شروط معيِّنة أن تصبح ذات مهام هجومية، على النحو التالي:

الخيار الأوَّل: تأمين مسارات السفن:

فقد نصَّ بيان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الذي أعلن عن تشكيل هذه العملية، أنَّ مهمَّتها التصدِّي المشترك للتحدِّيات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وضمان حرِّية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين، وذلك بتنسيق مع القوَّات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل (153). وهذا يعني أنَّها ستضطلع بمرافقة السفن التجارية، والردِّ على مصادر التهديد، ومحاولة إغراق الزوارق البحرية المهاجمة للسفن.

هذه المهمَّة تتَّفق مع الهدف المعلن للولايات المتحدة، والمتمثِّل في عدم توسيع الصراع في المنطقة، وحصره قدر الإمكان في قطاع غزَّة، ولتحقيق هذا الغرض أرسلت البارجات والقطع البحرية إلى البحرين الأبيض والأحمر، ومارست الكثير مِن الضغوط على القوى في المنطقة، وتعاملت بدرجة عالية مِن الاحتواء مع هجمات (ميليشيات) الحوثيين.

وقد عملت السياسة الأمريكية على تحقيق هدفها الرئيس في منع توسُّع الصراع في البحر الأحمر مِن خلال:

1-     الضغط على إسرائيل لمنعها مِن الردِّ العسكري على (ميليشيات) الحوثيين.

2-     التقليل مِن خطر الهجمات التي قام بها (ميليشيات) الحوثيُّون وخاصَّة في بداية الأمر.

3-     تشكيل تحالف متعدِّد الأطراف، ومحاولة منحه غطاء دوليًّا.

4-     تصوير تلك الهجمات على أنَّها استهداف للملاحة الدولية، وهي لذلك تطلب ردًّا جماعيًّا (وليس أمريكيًّا فقط).

5-     توجيه الضغوط نحو إيران في محاولة لتوظيف نفوذها لإيقاف تلك الهجمات.

ويبدو أنَّ تطوُّر الأمور ستُبقي دور التحالف البحري الجديد في حدود هذا المنحى، فقد غيَّرت كبريات شركات النقل البحري مسارات سفنها باتِّجاه رأس الرجاء الصالح، وأثمر تشكيل القوَّة الجديدة على ما يبدو، مضافًا إليه ضغوط أطراف إقليمية في التقليل مِن الهجمات، وتَعمُّد ألَّا تستهدف السفن بشكل مباشر، وأنَّ يكون الاستهداف لمسافات قريبة مِنها، بما يبقيها في حدود المسموح، ولا يظهر أنَّ (ميليشيات) الحوثيين تراجعوا، ولا يجبر الأمريكيين على الرد العسكري.

إنَّ إبقاء الأمور في حدود هذا الخيار يمثِّل هدفًا مشتركًا للولايات المتَّحدة وإيران و(ميليشيات) الحوثيين على السواء، فهو يمنع حدوث صدام حقيقي بينهم، ويتيح لكلٍّ مِنهم تحقيق أكبر قدر مِن الأهداف الدعائية. فبعد ضبط الأمور، اتَّجه كلُّ طرف إلى رفع خطابه تجاه الآخر تحقيقًا لأهداف دعائية. فإيران استمرَّت في التحذير مِن تشكيل تحالف عسكري في البحر الأحمر. والإدارة الأمريكية رفعت مِن نبرتها، حيث صرَّحت مديرة المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، "لايل برينارد"، بأنَّ فريق الأمن القومي يراقب عن كثب الوضع في البحر الأحمر، وأنَّ الإدارة الأمريكية ستظلُّ في حالة تأهُّب للمخاطر.. في البحر الأحمر.

وبدوره أعلن زعيم ميليشيا الحوثي استهداف البارجات الأمريكية في حال شنَّ الأمريكيُّون هجمات عليهم.

الخيار الثاني: شنَّ عمليَّات هجومية:

ويمكن أن نطلق عليه خيار الاضطرار، فقد تلجأ الإدارة الأمريكية إلى استهداف منصَّات الصواريخ الحوثية في داخل اليمن، إذا ما تعرَّضت لحالة عالية مِن الإحراج أو تعرَّض جنودها وتعرَّضت مصالحها الحيوية للضرر. والمضي في هذا الخيار سيكون مشروطًا بما يلي:

1-     استمرار هجمات (ميليشيات) الحوثيين بما يجعل الإدارة الأمريكية تحت ضغط حرج كبير.

2-     استهداف سفن أو بوارج أمريكية.

3-     في حال أدَّت الهجمات إلى مقتل جنود أمريكيين.

التداعيات:

وبغض النظر عن المسار الذي ستتَّجه إليه الأمور فإنَّ ثمَّة تداعيات ستترتَّب على هذه العملية، ومِنها:

1-     المزيد مِن عسكرة البحر الأحمر:

فتاريخيًّا، توجد رغبة لدى الدول الغربية في فرض حضورها العسكري في منطقة البحر الأحمر، نظرًا لأهميَّتها في التجارة والطاقة والاقتصاد العالمي. وقد كانت تترجم ذلك عمليًّا في كلِّ منعطف يسمح لها بذلك. وتتابعت مراحل عسكرة منطقة البحر الأحمر؛ فإلى جانب القوَّات الأمريكية التي تمَّ جلبها قبل عملية "طوفان الأقصى"، وتلك التي جرى جلبها بعدها، يتوافر فيها بشكل دائم ما يقرب مِن (15) قاعدة عسكرية، مِنها (6) قواعد عسكرية كبيرة في جيبوتي. وإلى جانب تلك القواعد هناك عدد مِن العمليات والتحالفات البحرية، ومِنها:

- عملية "أتلانتا" التي أنشأتها القوَّة البحرية التابعة للاتِّحاد الأوربِّي في الصومال، وتعمل قبالة القرن الأفريقي، وفي غرب المحيط الهندي، لدعم قرارات الأمم المتَّحدة لحماية البحار مِن القرصنة. ومقرُّها في إسبانيا.

- عملية "أجينور" وهي بقيادة أوربِّية، وتستهدف ضمان حرِّية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممرٌّ ملاحي رئيس لصادرات النفط مِن دول الخليج.

- الفرقة الأمنية (153)، والتي أنشئت عام 2022م لمكافحة أعمال التهريب، والتصدِّي للأنشطة غير المشروعة، خاصَّة "الإرهابية" مِنها في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن .

2-     تثبيت واقع يخدم المصالح الإسرائيلية:

فقد عملت الدول العربية خلال العقود السابقة على أن تكون إسرائيل بعيدة عن مضيق باب المندب وخليج عدن، غير أنَّ أطماع إيران وسلوك الأطراف المحلِّية غير المسئولة وفَّرت الذرائع لحضور عسكري غربي كثيف، وهذا الحضور غالبًا ما سيكون مظلَّة للوجود الإسرائيلي، وهو ما يهدِّد أمن مصر والمصالح العربية. ويرجَّح أن تثبت قوَّة "حماة الازدهار" الوجود الإسرائيلي بشكل أو بآخر بالقرب مِن باب المندب.

3-     تزايد مهدِّدات الأمن القومي العربي:

فقد تمكَّنت القوى الغربية مِن تثبيت وجودها العسكري الكثيف في جنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، على حساب الدول العربية المشاطئة، وخاصَّة مصر والسعودية والسودان واليمن. وقد أخلَّ هذا الحضور الكثيف بالتوازن العسكري في هذه المنطقة على حساب الدول العربية. كما أنَّ الوجود العسكري الغربي غالبًا ما يكون مظلَّة للوجود العسكري الإسرائيلي على نحو ما ذكرنا. ومِن المرجَّح أن تساند القوَّات الغربية إسرائيل في مواجهة الدول العربية في أيِّ حرب قادمة.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد