طقوس رمضانية يمنية في طريقها إلى الاندثار

2024-03-16 01:37:05 أخبار اليوم /قناة بلقيس

  

يتذكَّر اليمنيون صوت المدفع بحنين كبير؛ لأنه يذكِّرهم بعادة خالدة تخص رمضان، حيث يحظى المدفع بمكانة كبيرة لدى الأهالي؛ لاتصاله بطريقة إحيائهم الشهر الكريم على مدى بعيد، فضلاً عن كونه أبرز مظاهر الموروث الشعبي الرمضاني المترسّخ في أذهانهم وتقاليدهم.

 

وبتوقّف مدفع رمضان في عدد من المحافظات اليمنية منذ بداية الحرب في اليمن كواحدة من الطقوس الرمضانية، التي بدأت بالاندثار، يغيب تقليد رمضاني مُهم ومتوارث؛ أحياه اليمنيون، منذ أكثر من خمسة قرون، حيث كان يُستخدم لتعريف الناس بموعد الإفطار والسحور أيضا.

 

- طقوس أخرى

ليس المدفع وحده من غاب عن مائدة إفطار اليمنيين، لكن هناك بعض العادات الأخرى التي بدأت بالاندثار؛ بسبب التطوّر في ضبط الوقت، ووجود مكِّبرات الصَّوت في المساجد؛ لتختفي مهمة المسحراتي، الذي كان يمر في القرى والأحياء السكنية؛ لإشعار الناس بدخول وقت السحور.

 

ويشدد الكثير على ضرورة إبراز هذه العادات حتى لا تندثر مستقبلا؛ كونها تشكل جزءا أساسيا من ملامح الشخصية اليمنية، ومن أجواء قدوم الشهر الكريم.

 

وحتى ما قبل الانقلاب، كان يوجد في صنعاء 3 مدافع قديمة وأثرية، يعود تأريخها إلى العهد العثماني، منذ حوالي 500 عام، في سفوح جبال نُقم وعيبان وعطان، تطلق ذخائرها أثناء الفطور والسحور في شهر رمضان الفضيل، في وقت واحد، يسمعها كل سكان صنعاء.

 

وتفيد الروايات المتداولة أن مسلحين حوثيين أنزلوا المدفع من الجبل بعد الانقلاب، واختفى أثره، ولم يعلم أحد إلى أين ذهبوا به.

 

- مظاهر غائبة

الحاج علي الفهد (75 عاما)، أحد سكان المدينة القديمة، يتحدث عن الطقوس الرمضانية، التي باتت مختفية، وكيف كان الناس (رجالاً ونساءً وأطفالاً) يستعدون لها، منذ منتصف شعبان، لاستقبال الشهر الفضيل؟

 

في حديثه لـ"بلقيس" يقول الفهد: "كنا نستقبل رمضان، منذ منتصف شعبان، بما يسمى بـ'الشعبانية'، في المساجد ومجالس الذكر والدواوين، بالأهازيج والأناشيد والابتهالات والترانيم المرحِّبة بشهر الصيام، والأدعية، والنساء يعمدن إلى تنظيف المنازل، ويغسلن النوافذ، ويشعلن البخور".

 

يستذكر الحاج الفهد كيف كانت غالبية الأسر تستقبل رمضان بالفرح، وتُزيّن منازلها بالمصابيح والفوانيس، انتهاء بالتسوّق، وشراء كل حاجيات رمضان، وكيف أصبح حال الناس اليوم من الفقر والفاقة وغياب كل تلك المظاهر؟

 

صالح غالب هو الآخر يرى أن الحرب والفقر وارتفاع الأسعار أفقدوا رمضان روحانيّته مع غياب كل مظاهر الفرح؛ لأن "غالبية الأسر تعجز عن توفير قوت يومها، وبات الكثير يتضورون جوعا، في النهار صوم، وفي الليل جوع، ما تلاقي ما تأكل"، حد قوله.

 

يقول غالب لـ"بلقيس": "روحانية رمضان، التي اختفت كانت تتمثل بالأهازيج وصلاة التراويح والذكر والإفطار الجماعي في المساجد، وتغنِّي الأطفال بالكثير من الأهازيج، تعبيرا عن فرحتهم بقدوم الشكر الفضيل، ومنها: يا مرحبا بك يا رمضان.. شهر التوبة والغفران، ويا رمضان يا بو الحماحم.. إدي لنا قرعة دراهم". وإلى جانب فرقة الأطفال والإضاءات بالشارع، يقف باعة الحلويات والكنافة والقطايف لإعداد ما يشتهي الأطفال أكله، وما ترغب الأسر في إعداده.

 

وبحسب غالب، فإن تلك المظاهر لم تعد موجودة؛ نظرا لعدم امتلاك غالبية الأسر المال، وانعدام مصادر الدخل، وارتفاع الأسعار التي أثقلت كاهل اليمنيين.

 

- روح التكافل الاجتماعي

ومن الملاحظ، خلال سنوات الحرب الأخيرة، أن الموائد الكبيرة في المساجد، التي تقدمها الأسر للمارّة والباعة المتجوِّلين والفقراء، قد غابت واقتصر الأمر على صحون صغيرة من الطماطم المسحوق والخبز والتمر، غالبا ما تكون مخصصة لأفراد معدودين.

 

وأيضاً تراجعت جهود المبادرات الشبابية، والجمعيات الأهلية لإفطار الصائم، عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، التي حوَّلت جزءا كبيرا من موارد الزكاة إلى الجهات التابعة لها.

 

وإلى جانب ذلك، اختفت المبادرات الشبابية، التي تنطلق في الشهر الفضيل لتوزيع المساعدات ووجبات إفطار الصائم على المارّة والأحياء الفقيرة.

 

كما تسببت الأوضاع الراهنة في إيقاف عمل معظم المطابخ الخيرية، التي كانت قد انتعشت، خلال السنوات الأولى من الحرب، وبقي القليل منها يعمل فقط.

 

ولعلّ أبرز العادات، التي تكاد تنعدم، هي توقف تبادل الأطباق والاكلات التي كانت سائدة بين الأهالي، ومنذ أول أيام الشهر الفضيل بات الكثير من الناس يفضلون الانكفاء على أنفسهم، وفي منازلهم؛ بسبب الفقر والحرب، بينما اختفت مظاهر التكافل والتآلف التي لطالما كانت عامرة بين الأسر اليمنية.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد