فضل الصبر في الإسلام

2024-03-23 03:03:54 أخبار اليوم/ متابعات

  

ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺴﺪ ومقام الصبر من أعظم مقامات الإيمان لأنه يكف عن اجتراح السيئات والوقوع في الشبهات وبحمي العبد عن سلوك قبائح العادات ويقويه على فعل القرب والطاعات ويثبته عند نزول المدلهمات. قال تعالى: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

 

وﺍﻟﺼﺒﺮ لغة ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻭﺍﻟﺤﺒﺲ ﻭﻫﻮ ﻧﻘﻴﺾ ﺍﻟﺠﺰﻉ ﻭﺳﻤﻲ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺻﺒﺮﺍ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺒﺲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ.

ﻭمعناه في ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ: ﻫﻮ ﺧﻠﻖ ﻓﺎﺿﻞ ﻣﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺑﻪ المرء من ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻭﻻ ﻳﺠﻤﻞ وحقيقته شرعا حبس النفس عن كل ما يسخط الله في القلب والسان والجوارح.

 

ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﺈﺟﻤﺎﻉ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ قال تعالى: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ). ﻭمما يبين أهمية الصبر وعظم منزلته في الدين أن الله ذكره في كتابه في ﺗﺴﻌﻴﻦ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻧﻮﻋﺎ ﻟﻜﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪﺓ جليلة.

 

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصبر بأنه ضياء كما ورد في صحيح مسلم والضياء هو النور المصحوب بالإحراق كنور الشمس قال ابن رجب: (ولما كان الصبر شاقا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه كان ضياء فإن معنى الصبر في اللغة الحبس ومنه قتل الصبر وهو أن يحبس الرجل حتى يقتل).

 

ومما يدل على أهمية الصبر وشدة حاجته أن المؤمن يتقلب في الدنيا بين حالين إما السراء فيشرع له الشكر أو الضراء فيشرع له الصبر فإذا أنعم عليه أحسن وإذا ابتلي حبس نفسه عن القول والفعل المحرم وكل ذلك خير لأنه ممتثل لعبادة يحبها الله مناسبة للحال التي نزلت به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له). رواه مسلم.

 

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين في القيام بالفرائض واجتناب النواهي والصبر على الشدائد وكان من أصبر الناس عند نزول البلاء وضرب أروع الأمثلة في صنوف الصبر وأحواله فصبر على أذى قومه حين جهر بالدعوة وصبر على حصارهم له بالشعب وصبر على هجرته وتركه بلده وقومه وماله في سبيل الله وصبر على مشقة الجهاد وصبر على الزهد والتقلل من ملذات الدنيا وصبر على الوقيعة في عرض أهله وصبر على أذى المنافقين.

 

وقد أوصى أئمة السلف الصالح بالصبر وحثوا عليه قال عمر رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر). وقال علي رضي الله عنه: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان). وقال الحسن: (وجدت الخير في صبر ساعة). وقال عمر بن عبد العزيز: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاض مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه).

 

 وﺍﻟﺼﺒﺮ له فضائل:

(1) الثواب العظيم في الآخرة قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). قال سفيان الثوري: (إنما الأجر على قدر الصبر).

(2) محبة الله قال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).

(3) الجنة لمن صبر على البلاء في الدنيا قال عطاء بن أبي رباح: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت: بلى. قال: (هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها). متفق عليه. وقال سفيان بن عيينة: (لم يعط العباد أفضل من الصبر به دخلوا الجنة).

(4) تحقق معية الله للصابرين قال تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

(5) خير عطاء من الله للمؤمن كما ورد في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر).

(6) لذة الإيمان وحلاوته لمن صبر على ترك المعاصي قال ابن تيمية: (وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب وكذلك ترك المعاصي فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع).

(7) للصابر ثلاث بشائر بشر الله بها فقال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

 

ومن أعظم فوائد الصبر الاستقامة على شرع الله والثبات على الدين والحذر من سوء الخاتمة والوقاية من الانحرافات والسلامة من الشرور. 

والصبر ثلاثة أنواع:

الأول: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ أداء الطاعة بحيث يحتسب الأجر في فعلها ويصبر على مشقتها ويؤديها على الوجه المشروع ويداوم على فعلها قال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأمور). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على مشقة قيام الليل فيقوم قياما طويلا حتى تفطرت قدماه ولامته عائشة رضي الله عنها فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا). متفق عليه.

الثاني: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻦ ارتكاب معصية الله بحيث يجاهد هواه والشيطان ويصبر على مشقة ترك المألوف واجتناب الفساد وأهله ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ). وقد صبر النبي يوسف عليه السلام عن ارتكاب الزنا حين أغرته امرأة العزيز واجتمعت له دواعي الشهوة وتيسير أمرها وغاب عنه الرقيب فصبر صبرا عظيما لقوة إيمانه واستحضاره مراقبة الله واستحيا من الله فعصمه الله عن الوقوع في الفاحشة وحماه من الرذيلة.

الثالث: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﺪﺍﺭ المؤلمة بحيث يصبر على مشقتها والآثار المترتبة عليها ويتجنب جميع الأقوال والأفعال التي تسخط الرب قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). رواه الترمذي. ولا يؤجر المؤمن على صبره إلا إذا احتسب الأجر من الله بأن يوقن أن الله قدر عليه هذه المصيبة لحكمة بالغة ليبتليه ويختبر إيمانه ويرفع درجته ويكفر سيئاته وأنه إذا صبر عليها جازاه الله بالثواب في الآخرة.

 

ويدخل في الصبر على المصائب ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻠﻮﻯ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ لأن الشكوى للمخلوق مذلة ومناف لمعنى الصبر ونقص في التوكل والنبي أيوب عليه الصلاة والسلام لما ابتلي شكى إلى ربه ﻣﻊ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻀﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). وقد أثنى الله عليه بصفة الصبر فقال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرً). وقال سفيان الثوري: (ثلاثة من الصبر لا تحدث بمصيبتك ولا بوجعك ولا تزك نفسك). 

 

ويثبت أجر الصبر ويكمل عند نزول البلاء فورا أما إذا جزع المؤمن ثم سلى عن المصيبة مع فوات الوقت فلا ثواب له لخلوه من الاحتساب ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري. قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك. فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

 

والصبر على المصيبة واجب أما الرضا بسوء القضاء فمستحب وليس بواجب عند أكثر أهل العلم قال عمر بن عبد العزيز: (أما الرضا فمنزلة عزيزة أو منيعة ولكن جعل الله في الصبر معولا حسنا). قال ابن تيمية: (الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذل مستحب في أحد قولي العلماء وليس بواجب وقد قيل إنه واجب والصحيح أن الواجب هو الصبر). وذلك لأن الرضا أمر زائد على الصبر بحيث يكون المبتلى غير كاره لوقوع المصيبة راض بالقضاء لا يتألم به يستوي عنده الأمران البلاء والعافية ليقينه بالثواب وأن الخيرة له ما كتبه الله عليه وأنه في عبادة وأن الله يصرف العبد على مايشاء وأن جميع أحواله مخبتة وتابعة لمراد الله وهذا من مشاهد الإخلاص قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء). رواه أحمد.

 

وقال ابن رجب: (والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة صرح بذلك السلف منهم سعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهما وقد روي بإسناد ضعيف من حديث علي مرفوعا: (إن الصبر على المعصية يكتب به للعبد ثلاثمائة درجة وإن الصبر على الطاعة تكتب به ستمائة درجة وإن الصبر عن المعاصي يكتب له به تسعمائة درجة). وقد خرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير الطبري).

   

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد