الإعلام ودوره في إخراج القضاء من خانة التأخير والتسويف

2010-05-03 04:36:25

كثيراً ما نسمع عن صدور عدد من الأحكام القضائية في عدد من القضايا التي تتسم بأخذ طابع رأي عام وأثيرت في أكثر من وسيلة إعلامية محلياً وخارجياً، وعلى إثر ذلك تقوم المحاكم بالتعجيل بالبت في تلك القضايا المثارة إعلامياً والنطق بأحكامها وهذا أمر محمود ، وفي مقابل ذلك الإسراع والتعجيل في تلك القضايا، هناك مئات القضايا التي مضى عليها سنوات عدة ولم يتم البت فيها ولازالت حبيسة أدراج المحاكم، وهناك قضايا كانت قد صدرت فيها أحكام هي الأخرى لكنه لم يتم تنفيذها رغم مرور سنوات عليها ، وما ذاك إلا لأنها لم تكن قضايا الرأي العام،أو أن أطرافها لاحول لهم ولاقوة.
وفي ذات اليوم وفي شهر مارس الماضي "حكمت المحكمة الجزائية اليمنية المتخصصة في قضايا أمن الدولة على باكستاني بالإعدام، وعلى 14 آخرين من المواطنين اليمنيين بالسجن 25 عاما، بتهمة تهريب المخدرات.
وكذلك تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل المصلين بجامع "بيت العقاري" بمنطقة "قهال" بمديرية "عيال سريح" محافظة عمران .
عبد الله صالح حزام القهالي (32عاماً ) والمدان بإطلاق النار على جمع المصلين يوم الجمعة الموافق 06- 04-2007م وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص وجرح ثلاثة آخرين.
ومن تلك القضايا التي كان لوسائل الإعلام دور في جعل القضاء يسارع للبت فيها وإصدار الأحكام بشكل غير معتاد، تلك القضايا والحوادث التي لعب الرأي العام فيها دوراً كبيراً: ومنها مقتل اليهودي "ماشا" في محافظة عمران.
ومن القضايا التي أسهم الرأي العام في جعل القضاء يسارع في البت فيها وإصدار الحكم حادثة اغتصاب وقتل الطفلة "نسيبة نادر الشرعبي" البالغة من العمر خمس سنوات في محافظة تعز.
والتي كانت قد تعرضت للخطف والاغتصاب والقتل والرمي من الدور الرابع بمديرية المظفر يوم الجمعة 7/8/ 2009م.
حيث قضت محكمة غرب تعز في جلستها بتاريخ 9/11/ 2009م بإعدام المغتصب رمياً بالرصاص ودفع مبلغ ثلاثمائة ألف ريال لولي المجني عليها.
وكذلك إعدام شخصين ضمن عصابة قامت في نوفمبر من العام 2007م بقتل العقيد جمال الكميم (38)عاماً مدير قسم شرطة 14 أكتوبر بأمانة العاصمة وإصابة 6 من أفراد الأمن الذين كانوا بمعيته خلال ملاحقتهم لأفراد عصابة قامت بسرقة إحدى السيارات.
وفي واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها المجتمع اليمني، وأخذت طابع رأي عام الحكم الذي صدر من المحكمة الجزائية وقضى بإعدام المدان يحيى يحيى حسين الذي قام باغتصاب وقتل الطفل حمدي أحمد عبدالله 11 عاماً قصاصاً وتعزيراً.
وفي نهاية يناير من العام 2008م أيدت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة حكم الإعدام في حق واحد من بين 14 متهماً بالانتماء إلى جماعة الحوثي .
وأعلنت وزارة الداخلية في نوفمبر الماضي أنها أعدمت ثلاثة يمنيين رميا بالرصاص كان قد حكم عليهم بالإعدام بعد إدانتِهم بجرائم مختلفة.
سنوات لم يبت فيها ولم تنفذ: ما سبق كانت نماذج لقضايا كان لها تأثير كبير على المستوى المجتمعي،فكان لابد من سرعة البت فيها وتنفيذ حكمها،في المقابل لازالت مئات القضايا عالقة ،ولم ينظر فيها،وإن وجدت قضايا قد نظر فيها وصدرت أحكام ولم يتم التنفيذ فلا فرق بينها وبين القضايا المجمدة ، فهذه قضية "قتل" وقعت بحق عضو مجلس محلي في مديرية القفر - محافظة إب خلال عام 2001م، أخذت كما يقول "حمود العكيمي" أحد أعيان المنطقة أكثر من 4 سنوات حتى صدر الحكم فيها من قبل المحكمة الابتدائية بإعدام المتهم،ورغم ذلك مرت 4 سنوات أخرى ولم يتم تنفيذ الحكم".
وتعتبر قضية أحد المتهمين بالقتل الأطول في تاريخ القضاء اليمني وليس مبالغة أن قلنا العربي، والذي مضى عليه في السجن المركزي بصنعاء أكثر من (40 عاماً) وفي نهاية العام الماضي تم تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
وهذا لا يعد إلا جزءاً يسيراً من بين آلاف القضايا التي تمتد لسنوات ولم يبت فيها ولربما مرت عليها عشرات السنين وهي حبيسة الأدراج، يأتي جيل بعد جيل ولم ينظر فيها".
الحاجة إلى 10 آلاف قاضي: وقد اعتبر رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود" - المحامي /محمد ناجي علاو سرعة البت في قضايا الرأي العام والتأخير في القضايا الأخرى - عنواناً ظاهراً للخلل الموجود في بناء السلطة القضائية ،والأصل أن كل الجرائم أو القضايا يتم التعامل معها بذات المستوى من الانجاز وحسن الأداء.
مشيراً إلى أن من أهم أسباب ذلك الخلل "أن عدد القضاة الموجودين غير كافي للفصل في مختلف القضايا، حيث أن مجمل قضاة اليمن "قضاة وأعضاء نيابة وقضاة محاكم من القضاة العاملين" لا يتجاوز عددهم (2500 قاضي وعضو نيابة) في الوقت الذي نجد فيه أن البلد بحاجة إلى ما لا يقل عن (10 آلاف قاضي وعضو نيابة) ليتمكن القضاء من مواكبة ما يجري في المجتمع بشكل سلس وسليم ويغطي كل المناشط سواء كان ذلك قضاء المخالفات أو الجنايات أو القضاء التجاري أو المرور.لكن للأسف الشديد هذا العدد القليل من القضاة لا يستطيع أن يواجه كل هذه القضايا" حسب قوله.
ويضيف علاو أن من ضمن أسباب خلل الأداء في القضاء" تعيين القضاة وعدم الرقابة عليهم,وعدم تأهيلهم وتدريبهم فتأهيلهم سيء، والرقابة عليهم أيضا بذات النوعية .
كما أن المشكلة الأكبر في هذا البلد حقوق القضاة إذ يشعر القاضي انه ليس قاضٍ وإنما موظف يتبع السلطة التنفيذية، وأصبحوا لا حقوق لهم ولا حرية والذي ليس لديه حق وحرية لا يمكن أن يحمي حريته وحقوق غيره".
وأعتبر الحديث عن انجاز حكم قضية ذات رأي عام بأنها لا تحل المشكلة، بل العكس فهي تعبر عن خلل في عدم المساواة بإتباع منهج الحق لتحقيق العدالة سواء لأولياء دم القتيل أو للسجناء الذين يكون لهم الحق الذي يجب أن يتوفر للجميع أمام القضاء.
وحول تحول مسار بعض القضايا في نهايتها بشكل لا يلبي مطالب أهالي المجني عليهم عزى المحامي والناشط الحقوقي علاو ذلك " إلى ممارسة ضغوط على القاضي في بعضها، والبعض الآخر من القضايا تكون ناتجة عن جهل القاضي وبواجبه القضائي ، وهي أمور بعضها يستوجب عزل القاضي فيها" حسب تعبيره.
واستدل علاو على قوله السابق بالحكم القضائي الصادر ضد قاتل اليهودي ماشا قائلاً: القاضي اخذ بمسألة وهي التقرير الطبي الصادر عن لجنة الطب الشرعي والتي اعتمدت بالأساس على تقارير الدكتور الخليدي عندما كان يعالج المتهم، مشيراً في تقرير إلى أن الرجل يكثر من تناول القات والسيجارة وعليه أن يخفف منهما أو يمتنع وسيكون بخير، وبالتالي وصف حالته بحالة نفسية فقط، لكن للأسف الشديد زور الطب الشرعي فقال: بأن التقارير الطبية تحدثت عن عاهة عقلية رغم وجود تقارير الخليدي بالملف فهذه واقعة تزوير،ومع ذلك تقرير الطب الشرعي نفسه قال: أن المتهم ارتكب الفعل وهو في حالة وعي كامل ومع ذلك يقضي القاضي بهذا الحكم الغير مقبول" بأن الرجل يذهب إلى المصحة وان لديه عاهة عقلية" في الوقت الذي تخلو الأوراق من هذا القول".
ويواصل" الشيء الآخر: الشريعة الإسلامية لاتأخذ بالحالات النفسية وإنما تأخذ بالجنون المطلق أو الجنون المتقطع الذي يرتكب الشخص الحادثة فيه وهو في حالة جنون المتقطع وليس حالة صحوة، وبالتالي الحالات النفسية وردت في مئات القضايا أمام المحاكم ومع ذلك الخطأ الكبير أو نسميه "فعل فاضح" الذي وقع فيه القاضي" أن يحكم عليه بالدية .
إذ أن الدية لاتكون إلا دية عمدية والدية العمدية لاتكون إلا على العاقل.فكيف يقول: انه غير مسئول عن فعله ثم يحكم عليه بدية؟ لو صح الحديث الذي ذهب إليه.
ويقول: أن الدية من ماله، والأصل أن الدية لو صح ما ذهب إليه انه مجنون تكون على العاقلة ، وهذا تناقض فاضح يكشف عن جهل بقواعد الشرع والقانون وهو في الحقيقة يوجب عزله وليس فقط تعديل حكمه" مؤكداً أن الحكم سيعدل يقيناً بمحكمة الاستئناف لأنه لا أساس له من الشرع".
واعتبر علاو ذلك الإجراء القضائي كشف عن الانفلات القائم في القضاء وضعف الرقابة وضعف التأهيل وتكشف عن خلل عام في البناء المؤسسي وخاص في القضاء .
بالإضافة إلى المشكلة الأكبر وهي حقوق القضاة الذين لا يشعرون أنهم قضاة ويشعرون أنهم موظفون تابعون للسلطة التنفيذية,كما أن القضاة مقموعون لاحرية لهم ولاحق".
تعديلات للبت في القضايا: في محاولة حثيثة لسرعة البت في القضايا العالقة في مختلف المحاكم كان البرلمان قد سعى لإدخال تعديلات جديدة في القانون رقم (40) لسنة 2002م بشأن المرافعات.
ويشمل المشروع المعدل ثلاثين نصا في ذات القانون، وبهدف تخفيف تراكم القضايا في المحاكم وبالتالي طول بقائها قيد النظر أمام القضاة فكان نص تعديل المادة (112) على استبعاد القضايا التي يتغيب الخصوم عن جلساتها، واعتبارها كأن لم تكن حال استبعاد قضية ما لستين يوما.
وأتاح تعديل للمادة (162) للمحكمة أن تحكم على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في المعاد الذي حددته بغرامة تتراوح بين ألف وستة آلاف ريال، مع عدم جواز الطعن فيه وله من القوة التنفيذية ما للأحكام.
وإذا تخلف المدعى عليه حسب المادة (169) عن تنفيذ ما أدى لتأجيل دعوى للمرة الثانية وطلب التأجيل جاز للمحكمة أن تحكم عليه بغرامة مناسبة للمدعي كتعويض، وأيضا للمحكمة عدم الاستجابة للتأجيل مرتين لنفس السبب وطلب المدعي الاستمرار في نظر الدعوى.
ووفق المادة (216) من مشروع التعديل تسقط الخصومة بقوة القانون في حال توقف سير الخصومة سنتين من تاريخ آخر إجراء صحيح.
ومع عدم الإخلال بالمسؤولية التأديبية والجنائية نص تعديل المادة (282) على الحكم بغرامة بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ريال على من تخلف من العاملين بالمحاكم عن القيام بأي إجراء متعلق بالمواعيد.
وأكدت المادة (285) على محكمة الاستئناف المختصة تقييد الطعون أمامها وطلب ملف القضية من المحكمة الابتدائية خلال ثلاثة أيام وتقوم باتخاذ إجراءات إعلان الطعن للخصم في اليوم التالي.
وأجازت مادة (101) مضافة للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تنيب محكمة أخرى للقيام بالإعلان القضائي أو بإجراء من إجراءات التحقيق وعلى المحكمة المنابة قبول الإنابة.
قد يمكن لهذا المشروع أن يسهم في التسريع بالبت بالقضايا بيد أن هذا مازال بحاجة لمساندة بإصلاح قضائي شامل يتولاه تشريعيا قانون جديد للسلطة القضائية، إضافة لمعالجة النقص في عدد الكوادر القضائية.
أسباب تعثر القضايا: تتعدد أسباب تعثر القضايا في المحاكم وطول فترة البت فيها مما يؤدي إلى تراكمها ويعود ذلك حسب آراء حقوقيين إلى : التنقلات المستمرة للقضاة وانتقالهم إلى أماكن لا يرغبون بالعمل فيها ، مع كثرة القضايا الواردة إلى المحاكم يقابلها شحة في الكادر القضائي.
ومن الأسباب :عدم التقيد بالسير في الإجراءات وفقا لنصوص قانون المرافعات وقانون الإثبات.
كما أن القضايا الواردة من المحكمين إلى المحاكم والتي أضافت عبئا فوق عبء وإصدار تلك الأحكام من قبل المحكمين وهم غير مؤهلين للحكم والفصل في المنازعات.
إضافة إلى أن النظام الإداري والسجلات المعمول بها في محاكم المديريات تضاعف العمل وتأخر كتابة الأحكام ومنه ما يكون مكرراً.
مع عدم تناسب المباني والقاعات وعمل المحاكم.وكذا عدم الاهتمام بمستحقات الكادر القضائي والإداري من ترقيات وعلاوات.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد