تزامناً مع العيد الثامن عشر لقيام الوحدة اليمنية .. مشائخ ومثقفو كرش يتحدثون عن مآسي التشطير ونعمة الوحدة

2008-05-21 12:00:10

منطقة كرش هي إحدى المناطق التي كانت تفصل بين جمهوريتين بحدود مصطنعة وبراميل مجوفة وجيش من كبار السن موزعين على الجبال والمنحدرات كحرس حدود. . كرش البراميل هكذا عرفت كلما تذكرت أنين المعذبين وآهات المكلومين تذكرت الرجال الذين غدر بهم نظام الجنوب سابقاً في ساحات الإعدام والمشانق وطابور الهاربين من الجحيم وغياهب السجون والتقارير الاستخباراتية ولهب الباروت وأصوات الرصاص وحياة الاضطرابات والقلق وتسلط الأشرار وتحكيم الإلحاد. . عرفت كرش آخر محطة سكانية جنوباً كما بقيت الشريجة آخر طرف من تجمعات سكانية شمالاً وجميعهم احترقوا بويلات التشطير، وبعد تحقيق الوحدة اليمنية وإزاحة البراميل تحطمت قيود الخوف والهلع في فجر الثاني والعشرين من 90م سقطت الويلات وتفتحت أزهار الحرية وتعانق الأهل والأحباب بعد فراق طويل من عناق الأخوة والعزة حتى سقطت دموع الفرح وأطرب العطروش "زغردي يا شريجة وارقصي يا كرش".

"أخبار اليوم" بدورها نزلت إلى كرش واستمعت لعدد من المشائخ والمثقفين عن المآسي التي اكتوى بها الناس آنذاك ونعمة الوحدة اليمنية.

استطلاع: أبو مصعب الصبيحي

"أيام الله لا عادها"

تحدث الشيخ أحمد هادي علصان عن مشاهد الظلم التي تعرض لها مواطنو كرش في الحدود فبعضهم اختفوا قسرياً لم يعرف مصيرهم حتى اليوم وآخرون خلف القضبان وتحت الزنازن كانوا ضحية تقارير سياسية استخباراتية كاذبة، الجميع معذبون في كرش وإن كانت بعض الماديات متوفرة لكن غير آمنين ولا مطمئنين ينام أحدنا في منزله ويصبح جثة هامدة في حبل المشنقة بتهمة مجهولة منطلقين من نظرية لابد من إزالة ثلاثة أرباع الشعب ليكون الربع الأخير اشتراكياً مخلصاً.

وباللهجة العامية استطرد الشيخ أحمد هادي عبارته بحسرة وقشعريرة عن الوقوف طابوراً للحصول على قليل من الدقيق والأرز والطماطم بفاتورة مقسمة وموزعة على حسب عدد الأسرة وتنهد هادي وهو يشرب كأساً من الماء "أيام الله لا عادها ".

"زواج بعقدين"

تناول الشاب الجامعي خالد أحمد محمد سريع قصة صحيحة تضحك وتبكي يتناقلها أبناء كرش، قصة حقيقية لا يزال أبطالها أحياءً يرزقون، وتدور تفاصيل القصة حول شاب يدعى سعيد مقبل أسعد من مناطق الربوع بالقبيطة شمالاً وفتاة تدعى "ح. ج. ه" من الجرمية كرش جنوباً، حيث تعرف سعيد على تلك الفتاة وهو يرعى الأغنام وأثناء عمليات التهريب المتبادل بين الشطرين وطلب سعيد مقبل الزواج من فتاة كرش وهو يحمل هوية شمالية وتحت طرق الطلب والخطبة بين رجل الشمال وفتاة الجنوب وبعد علم السلطات القضائية بما يدور تم سجن ولي أمر الفتاة، مطالبة أن يكون عقد النكاح في محكمة كرش والاستئذان من رئيس الوزراء، فيما طلبت حكومة الشمال عن طريق الأمين الشرعي مرور عقد الزواج عبرها، وبعد مفاوضات طويلة وتدخل رئيسي وزراء الشطرين وجد أولياء أمور الفتاة والشاب نفسهما في دهاليز الضياع ثم عمل عقد نكاح شرعي في محكمة كرش وعقد نكاح ثاني من الأمين الشرعي بالشمال فكان حقاً زواجاً بعقدين.

"الهروب من البطش"

فمن ظلم النظام الجنوبي في كرش وجد كثير من أبناء الصبيحة أنفسهم أمام خيارين إما الطاعة العمياء والذل والرضى بالتنكيل وتنغيص عيشهم ومصادرة حقوقهم وأراضيهم وتأميم ممتلكاتهم وأموالهم وإما الفرار والهجرة إلى الراهدة وتعز وبالطبع أصبح في مدينة الراهدة حواري وقرى سكانية متكاملة من أبناء الصبيحة الهاربين من تعنت نظام الجنوب ومن بينهم الشيخ/ أحمد علي سعيد العامري والشيخ/ محمد سالم الخضر تم تشريدهم لأنهم محسوبين على طبقة المشائخ، يقول الشيخ/ أحمد علي: ظلت الوحدة اليمنية هاجساً يستوطن في النفوس حتى تحققت والحمد لله لو سألتني عن أفضل موقف شعرت فيه بالسرور والفرحة الغامرة في حياتي لقلت لك يوم تحقيق الوحدة اليمنية لكني اليوم أسمع عن محاولات تآمرية خارجية لازالت تعمل على تصعيد حدة النزاعات وإثارة النعرات، هناك أصوات نشاز حاقدة انفصالية تخدم الأعداء تريد النيل من الوحدة بعد حوالي مرور ثمانية عشر عاماً من عمرها التي هي أساساً نعمة عظيمة لا تقارنو ليس لها ميزان، الوحدة عزة وكرامة وأمان وتكافل اجتماعي.

ويذكر الشيخ/ أحمد محمد حميدة أن الوحدة عمقاً تاريخياً والشعب اليمني وحدوياً منذ القدم والتجزئة التي حصلت كانت بفعل عوامل استعمارية خارجية، أعداءنا يريدوننا مقسمين مشتتين وإن كانت هناك بعض الممارسات الخاطئة للفاسدين فما هو ذنب الوحدة اليمنية لابد من التصدي للفساد والتصدي للانفصاليين لأن الوحدة اليمنية غالية لا إفراط ولا تفريط فيها كل شيء يهون في سبيل بقاءنا موحدين.

"مصادرة الأبقار واستغلال المطالب"

وقف الأستاذ التربوي المعاق/ علي صالح علي يستذكر قصة الثور والبقرة التي كانت بحوزة والدته ووالده لحرث الأرض وهو في بداية شبابه حينما تم مصادرة الثور والبقرة وانتزاعها بعنجهية من قبل مسؤولي البلد حينها بكت والدتي دماً ودموعاً، لقد كان من يملك بقرة وثور جريمة وجناية، وسرد علي صالح ذكريات سوداء قاتمة منها اقتياد رجل ومحاكمته لأنه يلبس فوطة ذات صناعة يدوية من الشمال أهديت له في عيد الفطر، فيما ظهر عاطف محمد علي قائلاً: كان من السهل أن نسافر إلى أي دولة في الشرق والغرب لكن من الصعوبة بمكان الدخول إلى الشريجة والراهدة، وأضاف عاطف بصراحة التشطير كان مرضاً سرطانياً وعندما تحققت الوحدة ولدنا من جديد وأبناء كرش كان لهم ميلادان يوم خرجوا من بطون أمهاتهم ويوم تحققت الوحدة اليمنية، وحقاً بعد تحقيقها عشنا حياة آمنة مطمئنة طيبة، فلقد أعطت الوحدة لكل ذي حق حقه، كما عبر د. فيصل سالم علي عن استنكاره للذين يعكرون صفو وحدتهم ويسعون إلى تمزيق الوطن بالبيانات والخطابات الزائفة واستغلال مطالب الناس، مضيفاً الوحدة لا خلاف ولا منازع بشأنها نحن مع رفع المطالب الحقوقية بطرق شرعية وقد تجرعنا صنوف الأذى في أرضنا وأهلنا وحقوقنا، قبل الوحدة كانت حياتنا مرهونة بتقرير عسكري وما يؤلمني ويزعجني هي الأصوات التي تنادي بحق تقرير المصير، علينا الاتعاظ وأخذ العبر والدروس من الشعوب التي تتقاتل ويتم تشريد أبناءها، لا نريد أن تكون اليمن كالعراق والصومال فما أجمل أن يمسي أحدنا في صنعاء ويأكل فاكهه، ذمار ويستريح على شواطئ عدن في أمان وسكينة، وأضاف معلقاً على الأحداث الأخيرة بقوله: نحن ضد استغلال مطالب الناس فيما له من ضرر على الوحدة الوطنية.

"وحدويون ولكن! "

لا تزال ذاكرة أبناء كرش مليئة بالقصص وحكايات ليس لها نهاية عن ألغام التشطير وعن القلوب التي تشطرت وتفرقت ثم التئمت والتحمت بعد مايو 90م.

قصص كثيرة تبحث عن توثيق كشاهد إدانة على مخططات الأعداء وبيّنة صريحة على فائدة الوحدة وعظمتها في النفوس، لقد أصلحت الوحدة اليمنية ما أفسده الشيطان الذي يئس أن يعبد في جزيرة العرب ويسعى للتحريش بينهم والتفريق، ويذكر الأستاذ/ عريف علي عبيد أن الوحدة كانت حلماً تراود أهالي كرش وهدفهم الوحيد قائلاً: "لقد تعلمنا أن نقول كل صباح في الطابور الصباحي للمدارس لنناضل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية"، واليوم أصبحت الوحدة حقيقة تاريخية لابد من الحفاظ على ديمومتها من عبث المتآمرين، وأضاف عريف عبيد نحن في كرش وحدويون ولكن على السلطة أن تهتم بالبنية التحتية والخدماتية لمناطق كرش تقديراً لموقعها الإستراتيجي ورد الاعتبار على ما لحق بهم من ضرر التشطير ومراجعة التقسيم الجغرافي والإداري وجعل كرش البالغ تعداد سكانها أربعة وعشرون ألف نسمة مديرية مستقلة مالياً وإدارياً وضم مناطق الشريجة والراهدة وأجزاء من الصبيحة إلى مديرية كرش لتعميق مبادئ وأهداف الوحدة اليمنية وإغلاق الأبواب أمام المتربصين والمتآمرين على وحدة الشعب.

هكذا خرجت كلمات أبناء كرش استشعاراً لعظمة وحدتهم حيث كان التشطير بالنسبة لهم كابوساً مرعباً أوهن عزمهم وأضعف مناطقهم بمآسي متتابعة انقشع ظلامها فجر مايو 90 تحولت البراميل من نقطة تفتيش بين دولتين إلى كتل حديدية بالت عليها الثعالب ونقلت إلى المتاحف كدرس تاريخي لتعليم الأجيال ماذا فعل بهم الأعداء قال الله تعالى: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد