في ظل الحديث ن تسهيلات لجذب الاستثمارات الخارجية .. ماهي عوامل جذب الاستثمارات ومن هو المستثمر الحقيقي؟

2010-10-14 05:00:20 تحقيق

يجري الحديث هذه الأيام عن اتفاقيات تم توقيعها بين الحكومة والدول ا لأوروبية والآسوية كتركيا وروسيا وكوريا وغيرها من الدول وسط ترحيب الحكومة بقدوم الشركات للاستثمار في اليمن، وهذا أمر جيد، وخطوات يتمنى كل يمني أن تكلل بالنجاح، ذلك أن بلدنا فيها الكثير من فرص الاستثمار، وفرص النجاح والربح المضمون أيضاً، إلا أن دعوات الترحيب بالاستثمار تأتي في وقت يتحدث فيه البعض ممن يسمون مستثمرين بأن البيئة الاستثمارية في اليمن غير ملائمة، وأن معوقات الاستثمار في هذا البلد كثيرة، فهل ما يقوله هؤلاء من قبيل الزعم المبالغ فيه والتشويه المتعمد؟ وهل هم مستثمرون حقيقيون أم مجرد أسماء في عالم آخر للاستثمار؟ وما هي عوامل جذب الاستثمارات؟ هذا.. ما يجيب عليه مختصون في الاقتصاد في التحقيق التالي:

بداية يقول الدكتور/ محمد جبران ـ أستاذ المحاسبة بجامعة صنعاء ـ إن الحديث عن الاستثمار في ظل البيئة الحالية له لا يعد عن كونه حديث عبثي، ذلك أنه ووفقاً للتقارير الإحصائية التي أظهرتها الحكومة عن حجم الاستثمارات الكلي عام 2009م انخفضت بمقدار 700 مليار ريال لتصبح تريليون ريال فقط مقارنة بالعام 2008م حيث بلغ قيمة الاستثمارات الكلية تريلون وسبعمائة مليار ريال، بمعدل 40 % نسبة التراجع أما هذا العام فلا توجد أي مؤشرات تدل على أن الاستثمارات زادت أو ارتفعت سواءً الاستثمارات المحلية أي التي يقوم بها يمنيون أو الاستثمارات الخارجية التي ترجع لمستثمرين عرب وأجانب، باستثناء أولئك الذين يتم بيع الأراضي اليمنية لهم مجاناًُ كما هو حاصل في تلال الريان التي تم بيعها بخسارة بلغت 130 مليار ريال، كون قيمة اللبنة الواحدة وفقاً لسوق العقارات المحلي 15 مليون ريال، إذ تبلغ مساحة الأرض "10" ألف لبنة، لكن الحكومة ـ بحسب جبران ـ قامت ببيعها كاملة بـ13 مليون ريال أي أن اللبنة بألف وثلاثمائة ريال فقط لا غير ، وكل هذا كي يقال بأن عندنا استثمار.
* عوامل أساسية
مشيراً إلى أن هناك عدد من العوامل الكفيلة بجذب الاستثمارات وتدفقها ويأتي العاملان السياسي والأمني في مقدمة هذه العوامل، ثم الاستقرار الاقتصادي ووجود معدل نمو ملحوظ، على ضرورة توفر تشريعات قانونية تسهم في حماية حقوق المستثمر وهذا ما تفتقد إليه بلادنا.
وأما وصف البعض لقانون الاستثمار اليمني بأنه من أفضل القوانين في المنطقة فإن جبران يرى غير هذا ذلك أن أهم ما يتميز به هذا القانون هو منح المستثمرين إعفاءات حزبية بملايين الريالات بل بمليارات وهذا أسوأ ما فيه إذ أنه ووفقاً لمزايا الاستثمار فإن الضرائب تأتي في المرتبة العاشرة ضمن التسهيلات والمزايا وليست في المرتبة الأولى.
* استقرار سياسي
ويؤكد جبران على أهمية الاستقرار السياسي في جذب الاستثمارات وكذلك تبين نوعية نظام الحكم ثم رفع معدل النمو الذي هو الآن في مستويات سالبة، لافتاً إلى أهمية محاربة الفساد والقضاء عليه بصورة نهائية حتى يتسنى للراغبين في الاستثمار أن يطمئنوا البيئة الاستثمارية في هذا البلد.
* أخبار سيئة
وينوه أستاذ المحاسبة ـ إلى سمعة البلد في وسائل الإعلام الخارجية، حيث باتت اليمن تتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحافة العربية والعالمية بأحداثها السيئة، الأمر الذي يجعل كل من يفكر في الاستثمار في هذا البلد يتراجع عن الإقدام على هكذا قرار.
* إصلاح القضاء
وبحسب جبران فإنه ولكي تتدفق الاستثمارات على بلادنا لابد أن تكون هناك منظومة تشريعية ملائمة إلى جانب إصلاح القضاء، بحيث إذا اختلف المستثمر مع الحكومة أو المسؤول اليمني يلجأ إلى القضاء وهو على يقين أن هذا القضاء سيرد له حقوقه وسوف ينصفه.
* ميزانية الحكومة
ويقول جبران إن الإنفاق الحكومي بصورته الحالية لا يشجع المستثمرين الأجانب أو المحليين على المجيء إلى اليمن للاستثمار في أي مشروع من المشاريع، ذلك أن ميزانية الحكومة لا تتجاوز 9 مليارات ريال، وهذه لا تساوي إنفاق شركة خليجية فضلاً عن شركة عالمية، وبالتالي فإن هذا لا يشجع المستثمرين على الاستثمار، إضافة إلى أن الإدارة في اليمن تعاني من اختلالات وهذا أثر بدوره على الوضع الاقتصادي للبلد.
ويفرق جبران بين الاستثمار الحقيقي والاستثمار الكاذب أو الوهمي والذي هو الغالب في البلد ولا تنطبق عليه شروط المشاريع الاستثمارية، غير أنه يحصل على مزيد من الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الجمركية حيث يشير إلى أن صوالين الحلاقة والمطاعم أصبحت معفية من الضرائب بموجب قرارات الهيئة العامة للاستثمار، وهذا ما يثير الضحك، مع أن من شروط الاستثمار التي يمكن للمستثمر بموجها الحصول على إعفاء ضريبي أن لا يقل حجم استثماره عن 150 مليون دولار، وهذا ما يطالب به ـ جبران ـ إذ يقول: لا يحق لأي مستثمر سواءً كان محلياً أو أجنبياً الحصول على إعفاءات ضريبية، مالم يكن حجم استثماره يتجاوز 150 مليون دولار، لأن هذا من شأنه توفير مزيد من فرص العمل ويزيد من حجم الإنتاج المحلي، وبهذا يتحسن الاقتصاد، أما أن يأتي شخص ليفتح صالون حلاقة ثم نعفيه من الضرائب، فهذا إهدار لموارد الدولة وهو جزء من الفساد القائم اليوم، ومن المآسي التي لا توجد في العالم ـ على حد جبران.
*
أبعاد متعددة
من جانبه يوضح الدكتور/ طه أحمد الفسيل ـ أستاذ اقتصاد بجامعة صنعاء ـ أن موضوع الاستثمار في اليمن وعوامل جذبه موضوع ذو أبعاد متعددة، وترتبط هذه الأبعاد إرتباطاً وثيقاً بالبيئة الاستثمارية والمناخ الاستثماري، التي هي الأخرى على صلة مباشرة بعوامل اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية وثقافية وتنموية، ولذا لا يمكن فصل هذه العوامل والأبعاد عن بعضها البعض، إذا لا يمكن أن نقول أن المنظومة التشريعية والقانونية الخاصة بالاستثمار ملائمة، لكن الجوانب الأخرى غير مناسبة وتحتاج إلى أن يعاد النظر فيها، بل على العكس من هذا فقضية الاستثمار في اليمن ـ بحسب الفسيل ـ كل لا يتجزأ، وعليه لابد أن يتم التعامل مع عملية الاستثمار بصورة كلية تشمل كافة الجوانب الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
* محاولات للإصلاح
وأشار الفسيل إلى أن قضية الاستثمار لا ينبغي حصرها في الهيئة العامة للاستثمار أو وزارة السياحة، بل هي مسؤولية كافة القطاعات في الحكومة بشكل عام.
لافتاً إلى أن اليمن ورغم المشاكل التي تعانيها فإن هناك العديد من المحاولات الإصلاحية، كالتشريعات القانونية، لكن محاولات الإصلاح تلك تصطدم بالعوامل والأوضاع السياسية وصورة اليمن في الخارج، كما تصطدم أيضاً بالأوضاع الداخلية، وما يحدث في بعض مديريات المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة، وبالتالي هذا يؤثر على المناخ الاستثماري بشكل كبير.
* الأمن والاستقرار
ويؤكد الدكتور الفسيل أن الأمن والاستقرار بمفهومها الشامل هما البوابة الرئيسية لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى اليمن، وعاملان أساسيان في خلق بيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات.
ويضرب الفسيل مثالاً على هذا بقوله: فعلى سبيل المثال عندما يأتي مستثمر إلى صنعاء ويشاهد عمليات التفتيش التي تتم، يتأثر كبيراً، وينعكس ذلك على الحالة النفسية له.
ويستشهد هنا بقول لأحد ممثلي المنظمات الدولية حيث يذكر أنه عندما يأتي إلى صنعاء يشعر بالأمن، لكنه عندما يدخل إلى الفندق ويشاهد عملية التفتيش التي يقوم بها الأمن يتحول الأمن إلى خوف، ولهذا فإن الدكتور طه الفسيل يرى أن مشاهدة الرجل الأجنبي ومن يزور اليمن عمليات التفتيش والمظاهر المصاحبة لها تؤثر سلباً عليه كمستثمر أو زائر وبالتالي يجب التنبه لمثل هذه الأشياء التي يتم القيام بها بقصد حسن ولهدف جيد، لكنها لا تقرأ هكذا لدى الآخرين من مستثمرين وزائرين وسياح وغيرهم.
* مسألة كٌلَّية
وبحسب الفسيل فإن المستثمر لا ينظر إلى عملية الاستثمار كما ينظر لها البعض وخصوصاً فيما يتعلق بالضرائب والرسوم المطلوبة منه، بل ينظر إلى المسألة بشكل كلي، لأن معدل الربحية لديهم عالٍ، وبالتالي فإن العملية تقاس لدى المستثمرين بتوفر الأمن والاستقرار.
* القطاعات الإنتاجية
واعتبر الفسيل أن الاستثمار الحقيقي هو الذي يتجه للقطاعات الإنتاجية كقطاع الزراعة، وقطاع الأسماك، لكنه يبدي أسفه الشديد، كون معظم الاستثمارات تتجه إلى القطاعات الخدمية، وتم إهمال القطاعات الإنتاجية، وإن كانت القطاعات الخدمية جزءاً من الاستثمار، لكن أثرها حتى على المدى الطويل لا ينعكس على الاقتصاد من حيث إيجاد فرص عمل جديدة وتشغيل العمالة، وخلق قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني.
وعليه فإن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، ومع هذا فإن المستثمر الحقيقي يحتاج إلى بيئة استثمار ملائمة، لأنه يأتي لإنشاء مصنع، أو مشروع عملاق، وهذا يحتاج من 5 ـ 10 سنوات كي يعود عليه بما يؤمله من هذا المشروع.
* قطاع الأسماك
وبالنسبة لرأس المال فإنه يشكل قضية لدى الدكتور/ الفسيل ـ بل هو يرى أن لدينا في اليمن قطاع الأسماك وهو من أهم القطاعات التي لو تم استغلالها استغلالاً أمثل وبصورة جيدة، فإنه سيخدم سفناً وسيخدم مصانع، ناهيك عن أنه قطاع لا ينفذ، لكنه يحتاج إلى حماية أمنية بحرية وأخرى في البر، إضافة إلى أنه يحتاج إلى استقرار اقتصادي، لأن معدل سعر الصرف لا تستطيع أن تتنبأ به خلال فترة طويلة وهذا يخلق مشكلة للمستثمر وللاقتصاد اليمني، ومتى ما توفر في البيئة الاستثمارية الاستقرار الاقتصادي النسبي والاستقرار الأمني يجب أن يتوجه الاستثمار إلى المجالات الإنتاجية.
* البيئة الاستثمارية
واختتم الفسيل حديثه لـ"أخبار اليوم" بقوله: لكنه ونظراً لأن البيئة الاستثمارية في اليمن لا تتوفر فيها، العوامل الملائمة، فإن الكثير من المستثمرين سواءً المحليين أو العرب أو الأجانب يتجهون إلى الاستثمار السهل اليسير، وفي نفس الوقت ذي العائد السريع.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد