في ظل الأوضاع المربكة والظروف القاسية التي تمر بها الأمة الإسلامية...

2008-08-02 07:59:30

الهتار: قامت الوزارة بإلزام خطباء الجوامع في عموم محافظات الجمهورية بعدم التطرق إلى كل ما من شأنه إثارة الفتن وشق الصف.

المشهور: العديد من خطباء المنابر اضطروا إلى تغيير لغة الخطاب وفق الحاجة المادية، وبعض الجماعات تبذل المال في سبيل تسييس الخطاب والمنبر.

الجفري: بعض الناس يطلبون من العالم أن يكون "سوبرمان" يتكلم  في كل شيء وإلا فليس بعالم.

السعيدي: دور الخطباء والمرشدين في معالجة المشاكل لا يفي بالغرض المطلوب منهم.

العيسوي: لا بد من تشكيل هيئة كبار العلماء بإشراف من وزارة الأوقاف والإرشاد لها حق الفتوى وإعطاء العلماء الفرصة الكافية للقيام بدورهم عبر وسائل الإعلام.

اليماني: دور الدعاة يجب أن يصب في لملمة جراح الأمة ونبذ العنف والغلو والتطرف والتزام الوسطية والاعتدال.

الكميم: على الخطيب والداعية أن يوازن بين الخطاب العاطفي والخطاب العقلي الهادف.

 

لقد قلبت لنا الأيام ظهر المجن، وتفرقنا أيدي سبأ، وتكالبت علينا الأمم،وادلهمت علينا الدنيا واكفهرت بنا جنبات الحياة، وأصبحت الأمة تعصف بها الأعاصير من كل جانب. . . تنادي. .   تصرخ. . تستغيث، علها وعساها أن تجد من يلملم شعثها ويستعيد مجدها أو حتى من يسكن من روعها أو يداوي جراحاها.

فلم تجد من تلجأ إليهم ليخرجوها مما هي فيه وينتشلوها من الوهن الذي أصابها سوى صنفين هما الحكام والعلماء واللذين إذا صلحوا صلحت الأمة وإذا فسدوا فسدت الأمة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فبدأنا بصنف العلماء بمختلف مشاربهم وسألناهم عن دورهم في رأب الصدع بين فرقاء السياسة؟ ولماذا لا يجتمعون حول طاولة واحدة لمناقشة الأوضاع التي تمر بها الأمة؟ وعن دور الخطاب الإسلامي وماذا أصابه؟ وكذا عن الدور الذي يجب على الدولة القيام به؟ وغيرها من الأسئلة التي ستعرفون إجاباتها من خلال هذا الاستطلاع الذي أجريناه مع عدد من العلماء الذين يهمهم أمر الأمة الإسلامية ويؤرقهم حالها الذي وصلت إليه فإلى تفاصيل الاستطلاع. .

استطلاع/ يونس الشجاع

وبينما نحن ندور بين أروقة المؤسسات الدينية في بلادنا نبحث عن القائمين على معالجة الأدواء التي استشرت في أمتنا الإسلامية وكيف يمكن استئصالها وعن دور العلماء والدعاة والوعاظ في معالجة الأوضاع الراهنة - دخلنا وزارة الأوقاف والإرشاد نبحث عن من ينير الطريق للحائرين من أبناء هذه الأمة التي أصبحت تعاني الأمرين، بينما  ونحن على مفترق الطريق التقينا بالقاضي/ حمود بن عبدالحميد الهتار وزير الأوقاف والإرشاد سألناه عن دور الوزارة في لم شعث الأمة في قواسمها المشتتركة وإصلاح ما يمكن إصلاحه فتحدث إلينا قائلاً:

 وزارة الأوقاف والإرشاد تبذل قصار جهودها وكل ما في وسعها لأداء الدور المناط بها وحماية أفراد المجتمع اليمني من كافة الأفكار الهدامة والغلو والتطرف والعمل الجاد على إشاعة ثقافة الحوار والتسامح وبما يعزز ويقوي وحدة وتماسك المجتمع اليمني والحفاظ على وحدته وقيمه ومبادئه النبيلة.

* وأشار الهتار في حديثه ل"أخبار اليوم" إلى أن الوزارة قامت في سبيل ذلك بإلزام خطباء الجوامع في كافة أنحاء الوطن بالعمل في هذا الإطار وعدم التطرق إلى كل ما من شأنه إثارة الفتن وشق الصف وإبعاد الجوامع عن المهاترات والمماحكات السياسية حتى تتمكن الجوامع من أداء رسالتها النبيلة والدور المناط بها لخدمة مجتمعها وأمتها العربية والإسلامية من أجل تحقيق وحدة الأمة.

* أما العلامة / أبو بكر المشهور مفتي عدن والموجه العام لجميع الأربطة في اليمن فقد تحدث في بداية كلامه ل"أخبار اليوم" عن الآليات التي يجب أن تتبع في تصحيح مسار الخطاب الإسلامي بما يسهم في النهوض بالأمة الإسلامية من جديد قائلاً:

الآليات التي يجب أن تتبع لتصحيح مسار الخطاب الإسلامي هي تشخيص مبتدأ العلة التي أفسدت دور الخطاب، ثم معالجة هذه العلة أو العلل على يد من يوثق به في مرحلة انعدام الثقة بين حملة الخطاب أنفسهم.

وبالطبع قد لا يتأتى اتفاق الجميع على صيغة محدودة لاختلاف وجهات النظر ولكن الجهات الراعية للترشيد من مهامها إيجاد مبدأ القواسم المشتركة فيما يجمع الله به لغة الخطاب للشعوب الحائرة، ومما يؤسف له أن تعدد جهات الإشراف على الخطاب الإسلامي ومن وجهات نظر سياسية أو مسيسة أسهمت في رسم دوائر الحيرة في الواقع الشعبي والرسمي.

* وأكد المشهور أن من أهم الآليات الضرورية لإنجاح دور الخطاب الإسلامي تحييد المنابر عن التسييس الطائفي والطبقي والاعتقادي واحترام رأي الأغلبية في البلدان متعددة المذاهب؛ وتساءل المشهور قائلاً ولكن من المستجيب لهذا الأمر ومن الذي سيقوم بتنفيذه؟

ومن الآليات المهمة في تصحيح دور الخطاب الإسلامي رفع مستوى الخطيب ورجل المنبر من الناحيتين العلمية والمادية.

فالمستوى العلمي بإقامة الدورات واختيار الخطباء أولي الشهادات العلمية والمستويات الواعية، وأما المستوى المادي فمساواة رجل المنبر بغيره من الموظفين في الإدارات الأخرى.

حيث أن العديد من خطباء المنابر اضطروا إلى تغيير لغة الخطاب وفق الحاجة المادية، وصار في واقعنا العناصر من يجد من الجماعات من يبذل المال في سبيل تسييس الخطاب والمنبر، وقد نجحت هذه الجماعات في تغيير العشرات من المنابر ولغة الخطابة الإيجابية إلى ما نشهده من المظاهر السلبية المسيسة.

* وأضاف المشهور: إن تركيزنا على تحسين المستوى العلمي والمادي لا يعني نزع فتيل التأثير لدى الجماعات وتحجيم دورهم الخطابي، وإنما مساعدة المواطن والمصلي على تصحيح مسار حياته المضطربة في الواقع المضطرب وخاصة أن كثيراً من لغة الخطاب المسيس وظيفتها زيادة الإضطراب النفسي والعقدي في الواقع الاجتماعي.

أما قضية النهوض بالأمة الإسلامية من جديد فمسئلة فيها نظر حيث أن الأمة الإسلامية لا يقف خوضها عند مسألة الخطاب أو تجديده بل هناك أمور أهم من قضية الخطاب الإسلامي ومسئلة النظر إليه من هذه الزاوية.

* أما بالنسبة عن عدم تبنيه دعوة العلماء بمختلف مشاربهم – كونه من العلماء الكبار – إلى مؤتمر يلتقون فيه على طاولة واحدة لمعالجة الأوضاع الراهنة التي تمر بها أمتنا بشكل عام والوطن بشكل خاص فأجاب بأن مثل هذا السؤال يثير لديه استغراباً كبيراً وحيرة في الأمر حيث أن تصور البعض محصور في مثل هذه الفكرة التي لا تخص ذاتاً بعينها ولا داعية ولا عالماً وإنما تخص موقع قرار الحكم وقرار العلم وكلا الموقعين لا ناقة له فيه ولا جمل، وإنما موقعه الصحيح إعادة ترتيب الواقع الشعبي ومناصحة الآخرين وفق الظروف المتاحة والإمكانات.

* وواصل المشهور حديثه قائلاً: ولأننا نعلم أن قرار الحكم وقرار العلم يخدم الواقع الشعبي في الاساس ولكنه مشوب بالتسييس والسياسة فنحن نسبق الجميع في مسئلة الاهتمام بالشعوب والغوص في الواقع ذاته لنرشد الأمة من داخلها إلى ما يجب عليها نحو الدين والوطن والحياة الدنيا والآخرة دون الحاجة لانشغال المتنازعين على القرارات أن يجعلونا جزءاً من معركة الصراع فيما بينهم مع أنهم قد فعلوا ذلك وحرص بعضهم على تفعيله وتبنيه لخلط الأوراق واستثمار المرحلة وإحراجنا فيما لا يعنينا، والأوضاع الراهنة التي تمر بها الأمة بشكل عام والوطن بشكل خاص هي مسئلة معقدة الجوانب متشعبة الأسباب، وإذا ما أردنا فعلاً أن نصنع في هذا الواقع شيئاً فعلينا أن نحدد مواقع المسؤولية في قراري الحكم والعلم أولاً نخاطب حملة القرار كي يعملوا بجدية على لم شعث الرعايا في مستوى الحكم العلمي إن كان هذا ممكناً وإلا فإن الدور الذي نحن نعتني به ونقوم به في مستوى طاقاتنا وقدراتنا نراه من وجهة نظرنا يسهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولو بنسبة محددة.

* وعن دور العلماء في رأب الصدع بين فرقاء السياسة على الساحة اليمنية تحدث قائلاً:

لقد بذل العلماء الأفاضل دوراً لا يستهان به في محاولة رأب الصدع بين فرقاء السياسة على الساحة اليمنية وشهدت السنوات الماضية نماذج متعددة من هذه المحاولات، وتعجب المشهور من هذا السؤال بالقول: ويبدوا أن الأمر الذي تتساءلون عنه منطلق من فكرة إلقاء اللائمة على الغير ومنهم العلماء مع العلم أن مثل هذه الأمور عند دراستها دراسة واعية يجدها المرء خارجة عن دائرة المعالجة المحدودة داخلياً حيث أنها خرجت في كثير من نماذجها لتصبح إحدى القضايا المتداولة إقليمياً وعربياً وعالمياً سلباً وإيجابا، ومع هذا وذاك فمهمتنا إسداء النصيحة لهؤلاء الفرقاء كي يستفيدوا من قليل العمر وقاسم الحياة المشترك ليستثمروا حياتهم وجهدهم في خدمة المبادئ التي يتنازعون من أجلها إن كانت هناك مبادئ صحيحة، وإن كانت المسئلة تتجاوز المنافسات فأحيل الجميع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لست أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها فتهلككم كما أهلكت من كان قبلكم".

* وأشار المشهور إلى أن الفرقاء السياسيين يحلمون بمستقبل واعد على الأوراق أما الواقع فمخرجاته لا تدل على مستقبل يدعوا إلى الاستقرار لأنهم في كل أحوالهم يعملون ضد مفهوم الاستقرار ويسعون بالمجتمع كله إلى معركة لا منتصر فيها إلا الشيطان ووكلائه وللأسف، ويستغرب المشهور قائلاً: ولكن من يستوعب هذا!!.

واختتم المشهور حديثه ل"أخبار اليوم" بالقول ألا تعلم أن بعض القراء عندما يقرؤون مثل هذا يبادرون إلى تصنيف القلم وصاحبه ضمن إحدى كتل الصراع بين الفرقاء ويبررون استمرار المعركة لصالح الشيطان لا لصالح استقرار الإنسان وهذه إحدى المعضلات في الواقع المرير.

* أما الداعية الإسلامي المعروف الحبيب/ علي زين العابدين الجفري نائب عميد دار المصطفى للدراسات الإسلامية فقد تحدث عما مني به الخطاب الإسلامي بعد مرحلة سقوط الخلافة العثمانية قائلاً: بعد هذه المرحلة مني الخطاب الإسلامي بإشكاليتين كبيرتين، الأولى: تغيُر آلية التهيئة لمن يتولى الخطاب الإسلامي، وتحول تهيئة من يتولى الخطاب الإسلامي من مسلك الأخذ المتصل بالسند الذي يمتزج فيه التسلسل في الرواية مع التسلسل في الدراية مع التسلسل في التزكية للنفوس وتربيتها إلى جعل الأكاديمية في الدراسة الشرعية بديلاً عن ذلك.

* وأشار الجفري إلى أن الأكاديمية ستكون مفيدة للغاية كمنهج بحث حديث توصل إليه العقل الإنساني عندما تكون رديفاً للمنهج الأصيل المتلقى لتهيئة من يقوم بالخطاب الإسلامي، لكنها عندما تحل كبديل تأتي الكارثة.

* وواصل الجفري حديثه بالقول: الإشكالية الأخرى التي مني بها الخطاب الإسلامي هي التوجه الحاد الحثيث نحو منهجية تحمل مفردات من اختزال المفهوم الواسع للخطاب الإسلامي من حيث المضمون ومن حيث الوسائل، وجعل هذا الاختزال يبرز بصورة تشعر المستمع لكل طرف من الأطراف التي تتولى الخطاب الإسلامي وكأن هذا الطرف وحده هو الذي يمثل الإسلام، فسرنا باتجاه تخلية محتوى الخطاب الإسلامي أو تفريغه من قيمة التنوع وقيمة قبول التعدد في الرأي ووجهة النظر.

لكن يمكن للمستمع إذا ارتفع الوعي عنده نوعاً ما أن يمثل وسيلة من وسائل التقويم لهذا الخطاب، ويمكن ضرب مثل على ذلك وهو أن المستمع إذا لاحظ أن الذي يوجه الخطاب يحمل في خطابه نبرة احتقان أو تعبئة مجموعة ضد مجموعة داخل إطار البيت الإسلامي فينبغي للمستمع أن يشعر المتكلم أنه غير مقبول بأدب وينصرف دون ضجة أو صياح أو مشاكل، ويشعر من يلقي خطاباً إسلامياً أنه لو حاد عن هذا الطريق لن يجد من يتقبل الاستماع.

* وعن واقع الخطاب الإسلامي في اليمن تحدث الحبيب الجفري قائلاً: الإنسان اليمني اليوم عنده استعداد لان يتقبل الجميع ويتعامل معهم لكن كثرة الضرب على ظهره اليوم تجعل مساحة تقبله للتفاهم مع غيره تضيق، الإنسان اليمني له تجربة تاريخية في تغيير خارطة الأرض من الناحية السكانية بغير إراقة دماء في جنوب شرق آسيا وفي شرق أفريقيا، فهو مصدر ومتبني وصاحب رؤية راقية في الخطاب الإسلامي. ما تعاني منه اليوم  هو أن هناك ضرباً لهذه الرؤية من داخل اليمن بسبب بعض المدخلات التي طرأت على الخطاب الإسلامي في اليمن جاءت من خارجه، وتبناها بعض أبناء اليمن، فإذا بهم أنفسهم يئدون هذه الثروة الموجودة من حيث لا يشعرون بأيدي بعض المتشددين في الخطاب.

خلاصة هذا الأمر أن الشعب اليمني ممكن أن يكون من أفضل الشعوب في الأرض إثراءً للإنسانية فيما لو أعيد الاهتمام به مرة أخرى على نحو صحيح.

* وأشار الجفري إلى أنه "في المقابل أيضاً يوجد شكوى عند كثير من الناس فيما سمعت به في اليمن من انشغال كثير من المنابر بالقضايا السياسية اليومية، حتى تحولت بعض المنابر كأنها برلمانات أو مجالس نواب، لا ينبغي للعالم أو الداعية أن يغيب عن واقعه، لكن أيضاً لا ينبغي أن يقع في واقعه".

نحن بحاجة إلى علماء يتخاطبون مع الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بوعي وفهم لا مجرد تكرار ما تتناقله نشرات الأخبار والجرائد، كمن يقرأ كلاماً في جريدة ثم يصعد على المنبر ويتكلم عن مسئلة اقتصادية دون تبصر أو احترام للاختصاص.

* وواصل الحبيب حديثه قائلاً: أنا سأجد نفسي لا أحترم العمامة التي ألبسها إذا صعدت على المنبر وتكلمت عن مسئلة اقتصادية دون أن أجلس إلى اقتصادي وأسأله حول حقيقة الأمر، بعضهم اليوم للأسف يطلب من العالم يكون "سوبرمان" فلا بد أن يتكلم في كل شيء وإلا فهو ليس بعالم، وفي المقابل البعض تجاوب مع ما يطلبه الناس، فتراه يصعد المنبر، فإذا كان المطلوب أن يكون فقيهاً كان فقيهاً، أو أن يكون جيولوجياً يكون كذلك، أو تاجراً أو سياسياً يكون كذلك، كما يقولون "من حيث ما ضربته يطن".

* وعما إذا كان غياب الدولة هو ما أدى إلى هذا المستوى من الجهل فتحدث الجفري قائلاً:

لست من النوع الذي يحب أن يبحث دائماً عمن يحمله المسؤولية، دعونا ننتقل من مرحلة البحث عن المتهم حتى نلبسه القضية فيما مضى إلى مرحلة البحث عن الحل فما يأتي في المستقبل، وأشار الجفري إلى أن التشخيص يبدأ من منطلق من أين جاءت المشكلة وليس ممن جاءت، الدولة عليها واجب ينبغي أن تؤديه، والإعلام عليه واجب ينبغي أن يؤديه، والعلماء عليهم مسؤولية، ورجال الأعمال وأصحاب المال عليهم مسؤولية، والأكاديميون والمعلمون عليهم مسؤولية.

* وقال الجفري: دعونا نبدأ نطرح السؤال من الناحية الأخرى بدل أن نقول من هو المسؤول عن هذه المشكلة نبدأ نسن سنة جديدة. . ما هي مسؤوليتي تجاه هذه المشكلة؟ الصحيفة تسأل نفسها ما هي مسؤوليتي تجاه حل هذه المشكلة والداعية يقول ما هي مسؤوليتي تجاهها، والحاكم يقول ما هي مسؤوليتي تجاهها، بدلاً من أن يجلس كل منا وهو متكئ مرتاح ويقول هؤلاء هم المشكلة وهم السبب وهم الخطأ، ويشعر أنه أدى الدور لأنه صريح وعرض نفسه للمسائلة وللتحقيق لأنه تكلم بكلمة جريئة وخلاص جاهد وانتهت المسئلة.

* وعن توجيه مسار الخطاب الإسلامي الصحيح إلى الحكام أشار الجفري بالقول: في الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" "رواه أبو داود والترمذي"، قال كلمة حق عند وليس على، وهناك فرق كبير بين من يستعرض عضلاته على المنبر – مسجد أو إعلام أو غيره – ليرائي الشعب بشجاعة يبرزها في التهجم على الحاكم، وبين من يجلس إلى جانب الحاكم بأدب واحترام ويخاطبه كما قال تعالى: "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا" فبدلاً من أن نحول عواطف الشعب الغاضبة المتبرمة من الأخطاء الموجودة إلى مطية يصل بها آخرون يكونون هم جلادونا الجدد، ينبغي أن ننظر بنظرة أخرى، تعالوا نتكلم عن دورنا نحن.

* وأشار الجفري إلى أن أحد الوعاظ دخل على المأمون ووعظه بطريقة جريئة فيها تهجم – ولعله صادق في إرادة التقرب من الله لكنه نقص في الوعي – فتبسم المأمون وقال على رسلك فقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل هارون وموسى إلى فرعون وأمرهما بقوله: "فقولا له قولاً ليناً".

فإن هذا هو منهج النبوة، فبدلاً أن نضيع الوقت في تجارب بعيدة عن المنهج النبوة تعالوا نعود مرة أخرى إلى المنهج النبوي، كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصدع بكلمة الحق أمام الظلمة، هل كان بالسب واللعن والشتم والتحريض والاستثارة؟ أو كان بالتي هي أحسن، أو كما قال الله: وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا"؟ هل كان يجرح بأسماء ويصرح بأسماء ويصرح بالتهجم عليها أو كان يقول ما بال أقوام؟ أيهما كان الغالب على خطابه؟

* وأضاف الجفري أنه ينبغي أن نفهم أن أي حاكم في أي أرض أفرزه الشعب الموجود في تلك الأرض، فهو لم ينزل بمظلة من السماء، بل هو إفراز للواقع الذي نعيشه، على أن العديد من حكامنا وأقولها بكل طمأنينة وبدون قلق لديهم قابلية كبيرة للخير، إن كثرة المصائب والهموم التي تعيشها الشعوب اليوم، جعلت النخب الصادقة من بينها، وقد كثر تململها من تملق النخب المداهنة، لا تستطيع استجلاء أوجه الخيرية الموجودة عند حكامها، الذين لا يوجد عندهم شر مطلق، بل شر مختلط بخير، فإلى أي مدى اجتهدنا على الخير الموجود في نفسية الحاكم لينمو ويتسع؟ كم من الجهود بذلنا في هذا السبيل؟ لقد مكث سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام أربعين سنة يحاولان مع فرعون قبل أن يهلكه الله.

فأي محاولات جادة بذلناها فيها شيء من إنصاف الحاكم؟

* مشيراً خلال حديثه إلى أن الحاكم وقع بين مشكلتين: مشكلة المداهن الذي يصفق له على كل شيء ويرائيه ويشعره أنه دائماً على صواب، ومشكلة المعارض الناقم دائم التهجم الذي لا يثني على أي خير ولو كان موجوداً في الحاكم، بل إنه يتهم كل من يثني على أي خير موجود في الحاكم بأنه منافق، ردود الأفعال أو الانفعالات هذه ينبغي أن لا تأسرنا، في الحديث عن إشكالاتنا اليوم أو في تناول حلها.

* وعما إذا كانت الليبرالية تعتبر خصماً أو نداً للخطاب الديني أجاب الداعية الجفري بالقول: "أنا لا أقتنع بذلك ولا أرى الأمر أن الخطاب الليبرالي ذاته مضاد أو خصم للخطاب الإسلامي، لكن سلوكيات بعض الإسلاميين وبعض الليبراليين هي التي صورت هذه الصورة أمام الناس في العالم، على سبيل المثال الذي سمح للمسلمين ببناء مساجد في أوروبا لم يكن رجال الدين المسيحي قط، في حين كانت الكنيسة هي التي تتولى الزمام في أوروبا حصلت مذابح للمسلمين، وما جرى في الأندلس خير شاهد على ذلك لكن الذي فسح الفرصة للمسلمين أن يبنوا مساجدهم ويمارسوا دعوتهم وعبادتهم هي الليبرالية، ليست الليبرالية دائماً خصماً للإسلام.

 وأضاف الداعية الإسلامي المعروف الجفري: وهناك أيضاً مشكلة ترسخت في نفوس كثير من الذين يتحدثون بالخطاب الإسلامي من أن الليبرالية معناها معاداة الدين، وغالب من يقول هذا الكلام لم يقرأ عن الليبرالية وإنما سمع عنها في خطبة أو وسيلة إعلام وتكلم من هذا المنطلق، أنا لا أبرئ الليبرالية ولا أرى أنها الصواب الذي ينبغي أن نبحث عنه، لكن أيضاً لا أرى أنها الشيطان الذي ينبغي أن نستعيذ بالله تعالى منه، بل ينبغي أن تتأمل كنتاج للفكر والتجربة الإنسانية حملت بعض الشوائب أو احتوت على بعض النقائض والأخطاء وتحتاج إلى حوار للوصول إلى المفيد منها. ملحوظة "كلام الجفري من موقعه على الشبكة لأننا لم نستطع الاتصال به".

* * أما الأخ/ حمود علي السعيدي مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والإرشاد فقد سألناه عما إذا كان دور الخطباء والمرشدين يفي بالغرض في معالجة الأوضاع الراهنة، أم أن هناك تقصيراً؟ وإذا كان هناك تقصير فكيف يمكن معالجته؟ فرد قائلاً:

لا شك أن دور الخطباء والمرشدين في معالجة المشاكل التي تبرز على الساحة هنا أو هناك من حين لآخر غير كاف ولا يفي بالغرض المطلوب منهم.

وعلى الرغم أننا نعد الخطب والمحاضرات، ونصدر التعاميم إلى مكاتب الأوقاف والإرشاد في عموم المحافظات لتعميمها على الخطباء والزامهم بتوعية المواطنين بمخاطر الفرقة والإختلاف وتحذيرهم من الاستماع إلى أصحاب الأفكار المنحرفة والوقوف صفاً واحداً خلف القيادة السياسية في مواجهة تلك الأفكار الضالة والدخيلة على ديننا الحنيف، ومع ذلك كله لا يزال الدور ضعيفاً.

* وأضاف السعيدي أن السبب في ذلك يعود إلى أن بلادنا تتمتع بحرية الرأي والرأي الآخر وتعددية حزبية سياسية وهناك حكومة المؤتمر الشعبي العام، وهناك أحزاب اللقاء المشترك، وجمعيات سلفية وكل حزب أو جمعية جوامع يسيطرون عليها وخطباء وخطاب، وبالتالي ليس كل الجوامع في عموم المحافظات تسيطر عليها وزارة الأوقاف والإرشاد، كما أنها ليست خاضعة لسياستها الإرشادية التي تتسم بالوسطية والتوازن والاعتدال، ومن هنا يأتي تقصير الخطاب الإرشادي في معالجة الأوضاع الراهنة كما يجب.

* وعن كيفية معالجة هذا التقصير أجاب السعيدي بالقول:

تتمثل معالجة هذا التقصير بما يلي:

1- أن تقوم وزارة الأوقاف والإرشاد بدورها الريادي باحتواء المساجد والسيطرة عليها سيطرة كاملة في الامانة وعموم المحافظات من حيث إعمارها وموظفيها وخطبائها، وإلزامهم بنظام الوزارة وسياستها ومواقيتها والتمسك بضوابط بيوت الله، فهذا هو واجبها لأنها تمثل الدولة والواجهة الدينية لها فهناك فتور لدى الوزارة وتقصير في هذا الجانب يجب أن يتلافى.

2- يجب على الدولة ممثلة بالوزارة أن تهتم بالخطباء، والعلماء من حيث مستواهم وأوضاعهم المعيشية فبعض الخطباء من الذين لهم ارتباط بالوزارة يتقاضى من الفين إلى خمسة آلاف ريال، ومعظمهم تبع الأحزاب، والجمعيات وأهل الخير.

كما يجب أن تهتم بتأهيلهم علمياً وتربوياً عن طريق الدراسات العليا، والدورات التأهيلية.

3- أن يلتزم الخطباء بالابتعاد عن الحزبية والتعصبات المذهبية المقيتة لأنهم للأمة جميعاً وليسوا لحزب أو جماعة معينة.

* وأشار السعيدي في ختام حديثه ل"أخبار اليوم" إلى أنه إذا ما التزمت الدولة والوزارة والخطباء بما ذكر فهنا سيكون الخطاب لله وحده، وستعالج قضايا الأمة والدين والوطن، وبدون ذلك لا يمكن وسنظل نراوح في وضعنا وأوضاعنا إلى ما شاء الله.

* من جانب آخر التقينا بإمام وخطيب جامع الشهداء بأمانة العاصمة الشيخ/ محمد بن إبراهيم العيسوي وسألناه عن الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء في معالجة الأوضاع الراهنة فتحدث إلينا بالقول:

دور العلماء اليوم قبل كل شيء هو تقييم الوضع من جميع جوانبه بطريقة منهجية ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بأمور:

1) تشكيل هيئة كبار علماء بإشراف من وزارة الأوقاف يكون لها حق الفتوى والكلمة العلمية المسموعة النهائية.

2) لجنة علمية مقرها وزارة الأوقاف لدراسة جميع الأفكار الوافدة والغريبة عن ديننا وثوابتنا، وتفنيدها والرد عليها وإبطالها.

3) ما من فكر غريب أصله إثارة الفتنة واستباحة دماء المسلمين باسم الدين إلا وله جذور تاريخية قديمة، فواجب العلماء بيان الأصل التاريخي لكل فكر والتحذير منه.

4) إعطاءهم الفرصة الكافية للقيام بدورهم عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والوقت الكافي لذلك.

5) العمل على تخليص الأمة والأجيال من العادات والتقاليد المخالفة لروح الحب والأخوة الإسلامية ونبذ جميع أشكال التعصب المذهبي والطبقي والسلالي والمناطقي والمماحكات الحزبية، وأن وحدة الصف عزة وقوة.

6) بيان حكم الله في الخارجين على الجماعة والمستبيحين لدماء المسلمين والمخربين والمثيرين للفتنة والخارجيين عن ولي أمر الأمة أياً كانت أخطاؤه – وإجماع الأمة على ذلك.

7) إلقاء خطب الجمعة والدروس اليومية في المساجد وتعليم وربط الناس  بربهم ودينهم وكتابهم ووطنهم وتاريخهم وأمتهم.

8) بيان طبيعة هذه الأمة الوسط في عقيدتها وشريعتها وعبادتها وأخلاقها التي لا إفراط فيها ولا تفريط.

* واختتم العيسوي حديثه ل"أخبار اليوم" قائلاً:

حين يكون هذا الدور ويترك للعلماء والمرشدين المجال سوف نرى أن أهل العقائد الفاسدة والعاملين في الظلام والظلمات يخسرون ويتلاشون مع الأيام ويطهر المجتمع اليمني المسلم السليم الفطرة الرقيق القلب والفؤاد وجميع المجتمعات المسلمة من هذه الشراذم ولا يصح إلا الصحيح.

·   أما الشيخ/ سراج الدين اليماني مسؤول التوجيه للمراكز الصيفية بوزارة الأوقاف والإرشاد والباحث في شؤون جماعات الإرهاب فقد أشار إلى أن الواجب على علماء الأمة بالدرجة الأولى وعلى الدعاة والمثقفين وعلى الخطباء والمرشدين من على المنابر في المساجد أو المنابر الصحفية والإعلامية أن يتعاونوا في الدعوة لأبناء الأمة المكلومة إلى الوحدة والإئتلاف والوفاق ونبذ الفرقة والاختلاف والتعصب للمذاهب أو للاحزاب أو للقبلية وعدم إثارة النعرات الجاهلية والمناطقية وأن يمتثلوا لقول الحق جلَّ في علا ه: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"، وقوله تعالى: "وكونوا عباد الله إخواناً" وقوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، فإن وحدة الأمة الإسلامية يهابها أعداء الله.

·    واختتم اليماني حديثه ل"أخبار اليوم" بالقول: فهذا دور عظيم للخطباء والمرشدين والمربين والقائمين بالوعظ والإرشاد في جميع أنحاء اليمن، لملمة جراح الأمة ونبذ العنف والإرهاب والغلو والتطرف والتزام الوسطية والاعتدال والرجوع إلى الله واحترام السيادة الوطنية وأعطاء الطاعة لولي الأمر في غير معصية الله سبحانه وعدم الخروج عليه لا بالسلاح ولا بالكلمة.

·   وفي نهاية المطاف التقينا بالشيخ/ عبدالسلام الكميم خطيب وإمام جامع المهاجرين في أمانة العاصمة فسألناه عن الدور الملقى على عاتق الخطباء والمرشدين وأئمة المساجد في معالجة العلل النازلة على أبناء الأمة الإسلامية وإصلاح مكامن الخلل في هذه الأمة، فأشار إلى أن هناك مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الخطباء والمرشدين إذ أنهم منبر الأمة المصدق، ومحرابها المقبول وهم منبر الحق ومحراب الضمير، وقناة التوجيه والإرشاد للأمة.

والخطيب مبلغ عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسلم لهذا فإن على الخطيب أن يدرك الوضع إدراكاً حقيقياً، وأن يعرف الداء، وأن يصف الدواء النافع، حتى يعرف الأمة بواجبها تجاه هذه الأوضاع المتأزمة، وعليه أن يكون واقعياً لا خيالياً بحيث أنه إذا طرق موضوعاً من هذه المواضيع فإنه يحرص أن لا يخرج السامع من عنده إلا وقد عرف الموضوع، وعلاجه، وواجبه نحو دينه وأمته.

* واختتم الكميم حديثه ل"أخبار اليوم" قائلاً: وعلى الخطيب أو الداعية أن يوازن بين الخطاب العاطفي والخطاب العقلي الهادف حتى يحقق المصلحة العامة من خلال منبره.

والله تعالى يقول: "قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني".


 


 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد