• المشروعية واللامشروعية في ممارسات الحاكم

2011-04-16 09:34:27 اخبار اليوم/تحليل خاص


 الحشد والحشد الآخر.. هذا ما نجده اليوم حينما يذهب النظام إلى البحث عن الشرعية المفقودة من خلال ما يقدر عليه من الحشود في مواجهة ساحات التغيير بعموم الجمهورية، وهي ساحات متعالية رافضية للواقع المزري وللانفلات وغياب النظام والقانون وتعدد الأزمات من غاز وكهرباء ومياه إلى قتل ووسحل وبلاطجة .. إلخ. وكل ذلك يشير إلى أن النظام لم يعد يمتلك القدرة على إدارة دولة وبناء وتنمية؟
 وكيف له أن يستطيع عمل شيء من ذلك وهو أعجز من أن يؤمن اسطوانة غاز لمواطن بسيط، وتراه يذهب إلى تحميل المسؤولية الآخرين وكأنه ليس دولة بالجيش ومعني بحماية النظام والقانون وبسط النفوذ الشرعي الحقيقي لخلق الأمن والاستقرار وليس العجز والشكا والبكاء ليتحول النظام إلى ما يشبه مواطن هو الآخر يحدثك عن قصف لأبراج الكهرباء، ولا نعرف من الذي قصف ولماذا الدولة تتساهل مع الفاعل؟ ويحدثك عن احتجاز قاطرات الغاز ولا يقدر على الافراج عنها فأي نظام هذا لم يعد مسؤولاً سوى عن تأزيم المؤزم ولا يبسط نفوذه على مستوى نصف العاصمة ، وماذا بمقدوره إذاً أن ينجز وقد سقطت الهيبة منه وتحول إلى نظام خائر القوى وفاشل وعاجز بامتياز ولا يمتلك من أمره سوى إنفاق الأموال الطائلة على مؤامرة هنا وأزمة هناك ، واختلاق الأكاذيب على شباب التغيير والثورة وهي إشاعات وأكاذيب تصل إلى حد الرعب وتكشف أيضاً عن أزمة قيم لدى هذا النظام تضاف إلى أزمات الواقع المادي الذي صار رهن الخوف والحصار وفرض إرادات بقوة المال وسطوة المنصب.

افتقاد النظام القدرة على السيطرة وتوفير حاجيات المجتمع تأكيد عدم الشرعية وعجز الحكم عن ممارسة مهامه

غير أن الواقع وما آل إليه يوضح بجلاء أن حاجز الخوف انتهى وإلى الأبد، وأن من كان ينظر إليه باحترام هو الآن محل اتهام وإدانة، وكشف للسبي فالملايين من الجماهير في ساحات التغيير باتت تصر على إلحاق أكبر هزيمة في التاريخ لنظام تراه يلعب بمقدرات الوطن ويهدر الإمكانيات ويحتكر الحياة للأسرة الواحدة ومن لفَّ لفها، ولا يعنيه بعد ذلك الشعب والذي لا ينظر إليه إلا من خلال مصلحته واستجلاب الجماهير إلى ميدان السبعين لإلقاء كلمة وبعد ذلك لا وعود تتم ولا حياة كريمة لمواطن ولا تأمين فرص عمل ولا توفير حاجيات سوى الركونية وحماية النظام لنفسه فقط ويتحول الجيش والأمن من حامي ربوع وطن إلى كرسي نظام وأسرة فقط، على الأقل هذا ما نجده اليوم .
وإلا ما الذي حققه النظام من إنجازات للأمن والاستقرار، كم من القتلة تم القبض عليهم؟! أو كم من اللصوص تم إيداعهم السجن، ونقصد هنا لصوص المال العام؟ وكم من الفاسدين تمت إزاحتهم؟! وكم من الطرق تم تأمينها؟! وكم من المحافظات على مستوى الوطن النظام هو الآن يمتد بحكمه إليها؟!.
يدرك النظام وغيره أن لا شيء من ذلك وأن بقاءه على سدة الحكم هو مكابرة فقط ومزيد من تدهور الأوضاع ومزيد من رفع حاجيات المواطن لتصل إلى مرحلة تأزيم حقيقي، ويدرك النظام أنه فقد شرعيته نهائياً حينما تحول إلى عبء على الدولة ونظامها وعرقل مسيرة حياة وثورة وتحول إلى مجرد باحث عن حشود لخطبة في السبعين ومن ثم العودة إلى موقع الاحتماء من سطوة الشعب، وإذاً فالشرعية كلها هي لمن يريد أمناً واستقراراً وحياة خالية من الرهانات الخاسرة، ومن المبادرات تلو المبادرات، حياة لا مجال فيها للمزايدات والكذب على الجماهير والوعود الوهمية التي لا وجود لها سوى في ذهنية النظام.
هذا النظام الذي استخذى طيلة ثلاثة وثلاثين عاماً للحالة التي يعيشها، وهي أن كل شيء طوع الأمر وأن الكذب مقبول ويمكن أن يستمر وأن ما قاله هو أمر وطاعة واجبة وتحول بفعل التضليل الإعلامي من حالة بشرية تخطئ وتصيب إلى أخرى أقرب إلى الصنمية التي غرسها في ذاكرته إعلام كاذب ومضلل أشبع الجماهير كلاماً لا يجد ما يوازيه على مستوى الواقع ليتراكم كل ذلك ويقدم نفسه في لحظة انفجار نراها اليوم في شكل ثورة وإصرار قوي على التغيير مهما كان الثمن، وهو ما لم يفطن إليه بعد النظام لكثرة ما ألف من أن يكون هو السيد المطاع والآخر هو الذي يقبل حتى بالنكد يأتيه.

الذين مع الحاكم يمارسون الابتزاز ويقفون معه من منطلق الحرص على مصالحهم الذاتية 

ولعل هذا الاستخذاء قد ولد لدى النظام حالة غرور ونرجسية هي اليوم من يكابر ويعاند ويرفض التخلي عن الكرسي الذي ارتاح إليه طويلاً ولم يعد بمقدوره أن يصدق نفسه خارج هذا المريح، لذلك يعمد إلى المراوغة وإلى تحشيد الجماهير وإلى الخداع والأكاذيب لنكتشف أن الجماهير لدى النظام، ليست حاضرة أو ماثلة في ذهنه بصدق قدر ما هي لإزاحته وخلق حالة استعلاء لم يعد الثائر وهو الشعب بمقدوره البقاء هكذا بلا موقف، لذلك آمنت الجماهير بالوطن والثورة والتغيير، وأدركت أن هذا النظام لم يعد قادراً على أن يكون شئياً يذكر وأنه تحول إلى عبءٍ حقيقي ينتج الأزمات ويرمي بها على الآخرين ويظن أنه مصدق لديها.. وكان على الشعب أن يقول لا للفقر والجهل والمرض ..نعم للسيادة الوطنية، للأمن والاستقرار، للحياة الحرة الكريمة خالية من حكم ملكي أسري ارتهن إلى الفاشلين وكانوا من يديرون وطناً وهم لا يفقهون شيئاً عن إطلاق الطاقات وإتاحة الفرص بين كل أبناء الوطن.
واليوم وبصدق لا بد للنظام أن يعقل بأنه لم يعد مقبولاً من الملايين في ساحات التغيير وأنه لم يعد بمقدوره الحكم وإدارة بلاد من أقصاها إلى أقصاها وقد سقط حاجز الخوف وبات النظام محل اتهام مستمر وإدانة من أنه صانع أزمات وأكاذيب ومضلل لمسيرة وطن، وأنه التحدي الذي يجب الوقوف أمامه ومقاومته.. وإذا كان الأمر كذلك فإنه يصبح النظام أعجز من أن يجد حتى نفسه وأن عليه فقط أن يستجيب لنداء الجماهير ونداء الحياة ونداء الوطن، فيرحل.

*تصدير الأزمات مغالطة لما يجب القيام به وطنياً واختلاقها سلوك لا يستطيع الحاكم الفكاك منه

الرحيل وحده هو إنقاذ وطن وثورة، هو الذي لا بد أن يقدم عليه النظام إن كان يمتلك الشجاعة والقدرة في أن يتعامل بموضوعية مع الواقع بعيداً عن الشطحات وما يزينه له ثلة الانتفاعيين والانتهازيين من يريدونه مستمراً لمزيد من الثراء والابتزاز له، ولنجده بعدئذٍ يتحول من نظام دولة إلى نظام مبتزين أما أن يجزل العطايا لهم أو أن يفروا عنه فلا يجد أحداً سواه وخشية هذا الفرار يحدث أن تنهب الأموال المودعة في البنك المركزي لصالح هذا الفريق الفاشل الذي يصيغ نظرية مقاومة لجماهير وهو يدرك أن ما يقدم عليه هو خطأ فادح، النظام يتحمل كامل المسؤولية عن ذلك، ولا يهم هذا الفريق الانتفاعي إلى أين تؤدي هذه الأمور؟! وما الذي سيحدث من ثورة تلتهم الأخضر واليابس بفعل هذا التمادي، فما يهمه هو المزيد من المصالح الذاتية والكسب غير المشروع والدخول في تحالفات نهب الثروة والسطو على مقدرات وطن، وتبقى الجماهير مطالبة بإنجاز طموحاتها الوطنية في إنجاح الثورة والانتصار لها.. ولم يحدث في تاريخ البشرية كلها أن الجماهير انهزمت أمام أفراد، وأن البقاء للشعوب وآمال الشعوب وطموحات الملايين، البقاء للحياة الحرة الكريمة الخالية من العسف والجور والظلم والطغيان، البقاء للإنسان مرفوع الرأية لا يقبل بالذل والخنوع، البقاء للآمال التي تصوغها أفئدة وعقول الجماهير من قدم الشهداء قوافل في مواجهة الأراجيف والأكاذيب وتحدي الخوف وهزيمة الديكتاتور الذي أدمن السيطرة والاستعلاء وأخذته العزة بالإثم وصار بفعل عبثيته يظلم يعتقد أنه الحاكم الكوني الذي تذل له الرقاب وأن من حقه العبث وإهدار المال العام وإزهاق نفس كل من يعترض، وتلك أزمة دخل إليها بلا رقيب داخلي وضمير وطني أو ديني ليجد نفسه اليوم مشتتاً لا يقدر على مواجهة شعب فيفتح الخزائن يسخرها لثلة الحرس الهزيل من أجل أن يأتوا إليه بمن يقدر على هتاف بالروح بالدم نفديك... 
هذا الهتاف الذي استبدل اليوم في ساحات العزة والكرامة والشهادة والإيمان بالوطن وبالله واليوم الآخر استبدل بهتاف حناجر الملايين "الشعب يريد إسقاط النظام"، وإذاً فلم يعد هناك قدسية لأحد ولا يوجد رهبة لأي كان ولا يوجد احترام إلا لسيادة القانون ولم يعد أحد يستسيغ شعارات وعناوين الزيف التي تصوغها للحاكم أجهزة إعلامه من أنه القائد الرمز الجهبذ العبقري والملهم والمعظم والقائد الضرورة ....الخ هذه الأسماء الغير حسنى والتي نفخت أوداجه وظن أنه هكذا حامي البلاد والعباد لولاه لما استطاعت الملايين أن تتنفس، لولاه لحدث للكون اضطراب ولاختلت موازين الحياة، لولاه لاندثرت النجوم والكواكب وجفلت الإنسانية واهترأ الإنسان وتحول إلى جسم بلا روح.. هكذا صور الإعلام الحاكم أنه ظل الله في الأرض ماذا يعني الوطن بدونه ماذا يعني دوران الأرض إن لم يكن هو سيد هذا الدوران، هو تعاقب الفصول، هو الليل والنهار، هو من يصنع المستحيل ويدير دفة موازين الأرض.. ويتحول بفعل هذا الهيلمان والنفخ الهائل في قلبه وعقله من إنسان بسيط يتألم من شوكة صغيرة أو حمى بسيطة تعتريه إلى إنسان طاغية إن خرجت الجماهير عليه أو رفضته فإنها تستحق الموت والدمار، لأنها لا تعرف أين تكمن مصلحتها، ولا تعرف أين يكون النصر، ولا أين المجد.. هكذا يداخله الزهو والغرور ومن معه من الأسرة التي تريد أن تحكم بما تراه لا بما هو قانوني ودستوري..!
ولعل هذا الزخم الكبير في ساحات التغيير قد أحدث ارتجاجاً كبيراً في ذاكرة الحاكم وأدرك إلى حدٍ ما أنه مجرد وهم الذي كان يعيشه، وأن عليه أن يفيق ويصحو ليرى كم هو مرفوض وغير مرغوب، وكيف أن هناك لديه رغبة في الموت من أجل إسقاطه وإسقاط هذه الصنمية الموحشة التي خلقها فيه أصحاب الكلمة الموبوءة والشهادة الزور والإعلام الكسيح المنهزم تاريخياً.
وإذاً فإن الثورة وهي تتصاعد، لا بد لها أن تواجه تحديات هذه الصناعة الإعلامية الظالمة والطاغية، ومواجهة التحديات يتم بمزيد من الوعي بما يحاك من مؤامرات وإشاعات ومحاولات إفساد وطن وثورة.
وغرس الشكوك والتضليل ومحاولة إحداث شرخ في جدار التحالف القوي وعلى وجه الخصوص أحزاب اللقاء المشترك وإثارة الفوضى والنعرات بين المعتصمين وتلفيق أخبار كاذبة لتثبيط العزيمة والتشكيك في رجالات التغيير.
ومحاولة كسب البعض بالمال أو بالترغيب والترهيب وهي تحديات لا بد من التيقظ لها، وأن من يحاول وضع اسفين انشقاق بين الثوار لا بد من كشفه وهزيمته وفضح أساليبه الملتوية.. وعلى وجه الخصوص تلك القوى الثالثة الانتهازية التي تضمر ولا تصرح، التي تحاول النيل من الثورة بحجة أن هناك من يريد الاستيلاء عليها وأن هناك من يعمل على مصادرتها وبهذا يحدث اختلاف واختلال ينتصر فيها الأعداء للوطن والثورة والذين لم يعيشوا هذه السنين الطوال إلا من خلال نظرية المؤامرة التي يجيدون إنجازها من خلال الادعاءات بأن هناك إرهاباً وقاعدة وحوثية ومؤامرات حراك وطائفية ومناطقية ما كانت يوماً بارزة مثل ما هي الآن بفعل هذا النظام الذي اعتمد على حكمه واستمراره من خلال هذه الوقيعة والإيقاع بين أبناء الوطن الواحد ليبرز هو الأقوى والشعب هو الضعيف الذي تتجاذبه مراكز قوى وتهيمن عليه ثلة فاسدين فيما هو يتخبط في الأنين مجروحاً ويعيش الفرقة والانقسام والتشرذم النفسي والفكري ويغيب الوطن وحدة واحدة فاعلة ومؤثرة لصالح الحاكم الظالم والطاغية، وهنا فقط لا بد للثوار والأحرار في كل ميادين التغيير من استيعاب هذا الدرس جيداً ليدركوا أن التحديات لا بد من مواجهتها وأن النظام لن يكف عن تصدير الأزمات واختلاق الأكاذيب وأن تجاوزها يكمن في الوعي بها وكشف التنابلة والمرجفين في كل ساحات التغيير. 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد