الثورة الفعل المتغير الضروري لانجاز الدولة المدنية الحديثة.. الأسباب والدوافع

2011-05-30 16:06:20 بقلم / محمد اللوزي


النظام في كل ما يقدم عليه من ردود أفعال يعبر عن خيبة أمل لمن يتابع إفلاسه وقد وصل إلى مستويات لا يقدر فيها حتى على صياغة الكذب وتسويقه بطريقة أفضل، على الأقل يجدها المتابع قابلة للهضم وإن كان الكذب في كل الأحوال عملاً مشيناً ولا أخلاقياً.. ويبدو أن الارتجالية والعشوائية هي التي تسوق الأكاذيب دونما إدراك للصدى أو رد الفعل أو العواقب التي ستنتجها هذه الممارسة التي باتت محل استنكار واسع وكشفت عن أزمة نظام على كافة الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية وعن افتقاده لمؤسسات تدير الحوار مع الآخر. ولعل هذا هو ما جعله يعيش احتقانات متعددة. وجعل ثلة من الانتفاعيين يديرون المواجهة لمزيد من المواجهة وليس للوصول إلى حالة إقناع للآخرين وفق أساليب أخلاقية فيها قدر من الصدق حتى يحترمها المتلقي.. ويبدو أن عشوائيتهم في التبرير للعنف والدم وادعائهم بالبطولات في هذا الجانب وتصدرهم المرتبة الأولى بلا منازع في مواجهة شباب الثورة قد دفعهم إلى مواقع مخيبة للآمال حقاً، وهم يدركون في قرارة أعماقهم أنهم أشخاص لم يعودوا يتمتعون بأدنى احترام حتى من ذويهم بل إنهم يمارسون التبرم حتى من أنفسهم

حينما يعيشون على انفراد، وقد قال أحدهم إنه لا يعرف طعم النوم الهانئ وله أشهر على حالة التعب والسهر ووخز الضمير. لكنه لا يقدر إلا أن يمارس التضليل إلى أقصى حد باعتبار أن فقدانه للاحترام من قبل الآخرين يضعه في مستوى الاستمرارية وعدم التراجع. إذ أنه من غير المعقول أن يصدق اليوم بأنه ضد النظام أو يقبله الآخرون لكثرة الخيبات التي يعيشها مع نفسه والآخرين.. وفي كل الأحوال فإن الوصول بالنفر القليل ممن عمدوا إلى الخداع والتضليل ضد الآخرين إلى أن يجدوا أنفسهم في حالة لا يقدرون إلا على التوغل في امتهان الأكاذيب قد كشف صورة مخجلة للنظام الذي كان ينظر إليه أنه يبادل الجماهير الوفاء، كما روج لها الحزب الحاكم، غير أن هذا الوفاء سرعان ما تلاشى ليحل بدلاً عنه الخديعة والتضليل الذي أثبت الممارسون له أنه بات السلوك اليومي للنظام، على الأقل هذا ما برز في الآونة الأخيرة في مواجهة ساحات التغيير والتي قدمت الصورة الأخرى لما يمكن أن يكون عليه القادم من سلام وأمن واستقرار من خلال شعار سلمية قولاً وعملاً. وهو شعار أثبت قدرته على اختراق حدود السلطة ليكشف أزمتها الأخلاقية والمؤسسية. من حيث أنها لم تتحلَ بالمسؤولية في الحوار مع الآخر وظلت تعيش البحث عن الوقيعة بين الشباب ومن حيث أن الإعلام لم يكن معبراً عن نظام سياسي له بنية متداخلة ومتماسكة قدر ما برز أنه إعلام لا علاقة له بالجماهير وعديم الفاعلية والتأثير، لم يستطع التخلص من الخداع وتزييف الحقائق وبأسلوب عقيم ومكشوف، بما يعني أن هذا التمترس خلف الترويج للكذب قد أصاب الجماهير بخيبة أمل كبيرة وهي تنظر إلى إعلام طالما كانت تصغي إليه وتأخذ المعلومة منه لتكتشف أنه إعلام مأزوم فعلاً وأنه تلفيق يمتهن المغالطات ولا يجيدها. وربما أن هذا العمل المتداعي والذي لم يستطع أن يكون موضوعياً مرة واحدة هو الذي جعل الإعلام أكثر فاعلية وتأثيراً ومصداقية رغم العديد من الهيئات.. ولأن إعلام السلطة لم يقدر على إقامة علاقة مع المتلقي تحترم رغباته وتوجهاته وعمل على نقل الواقع ولو جزئياً. وهذا الاخفاق الكبير هو الذي أنجز مهاماً ما كانت لتتم لدى الاعلام الآخر الذي برز بقدرة إقناعية قوية توضح الأكاذيب والشائعات وتنقل الصورة الميدانية الكبيرة لما يعتمل في الواقع بكل إيقاعاته.. ولعل هذا التوجه قد أحدث انتكاسة لإعلام السلطة الذي أدى بالمثقف السلطوي إلى أن يأخذ دور البوق الكبير للنظام بطريقة متبلدة انفعالية آنية تتسم بردة الفعل العشوائية وليس من خلال المبادرة.. ويبدو أن فقدان المثقف القدرة على المبادرة هو نتيجة إخفاقات النظام في العمل على إنجاز شيء يستحق الوقوف أمامه والدفاع عنه والعمل من أجله وإبرازه في مستوى يقدر على مواجهة إعلام الآخر من المعارضة..

فقدان الحزب الحاكم القدرة على المبادرة أدى إلى اخفاقات عديدة فقد معها النظام مصداقيته مع الجماهير التي خذلها

وإزاء هذا التردي في العمل المؤسسي والمطابخ الإعلامية الانفعالية والاستمرار في خداع الملايين بأكاذيب سرعان ما تعرف أنها كذلك نجد وضعاً للنظام لا يحسد عليه ذلك أنه لم يكن قادراً على الوعي بالراهن ولا بتداعياته وهذا خلف الكثير من التداعيات السلبية التي تآزرت معها جملة من الممارسات السلبية، في المقدمة اللجوء إلى العنف واستخدام القوة المفرطة ضد شباب التغيير الذين رفعوا شعار سلمية وهو استخدام أحرج كل المتعاطفين مع النظام بما فيها الدوائر الغربية التي وجدت نفسها ملزمة - رغم تعاطفها مع نظام طالما كان موالياً لها - إلى إدانة القمع واستخدام القوة ضد شباب الثورة وبهذه الإدانة يزداد الواقع قوة لدى ميادين التغيير ويقدمون صورة مع التلاحم، ما أفشل كل محاولات النظام من التدخل في إحداث شيء من التباين على الساحة، وإزاء هذا الفشل لم يحدث أن النظام راجع تصرفاته وسلوكياته مع الآخرين ولم يعترف بالقدرة لدى شباب التغيير في أنهم يمتلكون الفاعلية لإنجاح الثورة وظل ينظر إلى ساحات التغيير بعيون ثلة من المثقفين الانتهازيين الذي يقدمون تحليلات وهمية تجبر النظام على التمترس وتزيد الأمور اشتعالاً، وهم بهذا السلوك الانتهازي يقدمون أسوأ صورة لقوى تهتم بالمصلحة الذاتية على حساب وطن ويكشفون في المقابل عن نظام عاجز عن التفكير وعن القدرة في التحليل وعن ارتهانه إلى ثقافة اللامنتمي التي تريد الواقع محتقناً ومأزوماً، وهي بهذا السلوك المخيف تخون النظام الذي منحها امتيازات الثراء وتخون الوطن الذي قدر لها الكثير قبل ان تجد نفسها معبرة عن أزمات متعددة تستفيد منها. ويبدو ومع كل هذه الممارسات أن الواقع من خلال ساحات التغيير قد فتحت له أكثر من طريقة يسير عليها فارتكاب الأخطاء التي بلا حدود من قبل النظام وإعلامه وعدم الإيمان الحقيقي بالجماهير والانتماء إليها وتمثلها قدم الدعم الكافي لأن تتضح الصورة كاملة لصالح التغيير ولتتساقط كل الأكاذيب على إثر الضربات القوية للنظام الذي لم يجد من يتعاطف معه بصدق إلا من خلال الفائدة والمنفعة.. ويبدو أن الإفراط في استخدام القوة وسقوط العديد من الشهداء في كل ساحات التغيير قد أكسب الفعل الوطني قوة لا يستهان بها وانتقل الوطن إلى مرحلة الوحدة الجذرية التي لم يكن يحسب لها النظام والذي طالما اشتغل من أجل الفرقة والانقسام، لتقدم ساحات التغيير من خلال التضحية مرحلة جديدة يعيشها الوطن هي مرحلة رفض النظام وكل ما يصدر عنه من تضليل إعلامي وأكاذيب والعمل من خلال رؤية واحدة على إحداث تغيير جذري يعيد للوطن حضوره في العصر ويقطع الطريق على قوى تريد الوقوع بالوطن في مناطق التطرف والإرهاب والفوضى والتخريب وتفكيك أوصاله بأساليب متعددة تعتمد الفوضى القاسم المشترك لأن يتسيد النظام على الجميع واعتبار أن لولاه لحدث الخوف في كل شبر من هذه الأرض.. ولعل هذا التمادي في إنهاك الوطن وإدخاله في اتون أزمات عديدة ومتواصلة، وجعل هذه الطريقة من التخريب هي الأعم على حساب تطلعات الجماهير وأمانيها وطموحاتها. لعل هذا قد خلق مناخاً وطنياً استطاعت الجماهير من خلاله أن تصل إلى مرحلة نضال جديدة وهي من أجل تغيير كل أركان النظام الذي بات مفروغاً منه أنه أعجز من أن يحقق نصاً دستورياً واحداً لصالح الأمن والاستقرار والتنمية والقضاء على الفساد والأزمات والاحتقانات الاقتصادية والاستئثار بالمال العام والمحسوبية والشللية والفوضى والعنف وافتقاد السيادة والاستقلال للوطن، وكل هذه الأمور تحولت من حالة في الواقع إلى وعي عميق لدى الجماهير أدركت من خلاله أن لا مفر من إحداث ثورة سلمية تعيد للوطن حضوره ونجعله أرضاً للجميع بمواطنة متساوية وشراكة مجتمعية ورؤية اخلاقية تعتمد البناء والتنمية التي تقوم على خطط واضحة ومنهجية علمية وليس ارتجالاً وعشوائية وسلوكيات تكشف عن فرد مستبد وحاكم ديكتاتور هو الذي يقرر ما الذي يجب وما الذي لا يجب.. والواضح ان استثمار إعلام العارضة لهذه السلبيات رغم أهميتها لم يكن بالمستوى المطلوب، ومع ذلك فقد استطاع ان يبرز القليل منها ليحدث صدمة لدى المتلقي "الجماهير"، وهي صدمة أعادت لها حسابات مهمة لتدرك أن الإعلام السلطوي مخادع وكاذب وإعلام فرد وديكتاتور وأن ما هو قائم لا يمكن السكوت عنه.. وهكذا اتسعت ميادين التغيير والتحق بها السواد الأعظم لنرى جماهير غفيرة تطالب بإسقاط النظام.. هذا المطلب الذي بات هاجساً يسيطر على القلوب والعقول بإصرار عجيب وعزيمة لا تلين ورغبة في التحول إلى الأفضل لم يستطع النظام وشلته الانتهازية أن يحسنوا قراءتها وأن يكونوا صادقين ولو في الحدود الدنيا مع الطموحات من أجل خلق علاقة وفاء متبادل مع الجماهير، ولو أن النظام أمتلك مؤسسات أبحاث ودراسات وبنى خطواته في بناء الدولة وفق منهجية وضمن احترام للحقوق والحريات كواقع وليس شعاراً يرفع من أجل المغالطات وتزييف الوعي، لو أن النظام لديه مثقف نخبوي متخصص يركن إلى القراءة التبيانية للواقع ويقدم حلولاً من ذات الفهم العميق لهذا الواقع ومتطلباته.. واحترام مؤسسات الدولة، لو أن الأمر كذلك لما وصل الوضع إلى المطالبة بإسقاط النظام لكنه الغرور الذي ركن إليه النظام من أنه الحاكم بأمره، وسلبية المثقف الانتهازي الذي لم يكن صادقاً مع النظام قدر ما كان مثقفاً تبريرياً مخادعاً مضللاً كاذباً يبحث تخريجات للغلط وعن ترحيل أزمة إلى ما بعد.



رتابة الأداء المؤسسي وتدخلات من ليس لهم علاقة بالحكومة مفردات أدت إلى ضرورة التغيير لبناء دولة مؤسسية قائمة على النظام والقانون والسلم الاجتماعي

وهي أمور أحدثت تصدعات لدى بنية النظام ذاته الذي تحول الواهب العطايا منه إلى أكثر من شخص وصاحب القرار من رأس الدولة إلى أكثر من رأس.. جميعها تتنافس على التدخل في مؤسسات الدولة وجعل الحكومة تتبع كل رأس من الإخوة والأقرباء وترتهن إلى الشللية وليس إلى النظام وتؤمن بالتوجهات التي تأتي من أكثر من شخصية لتترك العمل المؤسسي وتتعطل مؤسسات دولة بانتظار من يوجه من الأسرة والأقرباء، ويبارك الغلط ويتفنن فيه دون الشعور بالمسؤولية أن هذا وطن ودولة يجب أن يسوده النظام والقانون والحد من الوساطات وأن يكون للقدرات والكفاءات دورها بعيداً عن المجاملات وأن يكون الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية هي التي يجب ان تعزز بدلاً من مصالح أفراد وحماية أفراد وأمن واستقرار أفراد وسيادة أفراد على آخرين.
إن هذه المتواليات التي اشتغل عليها النظام دونما مراجعة في أن هكذا أمور لا بد أن تحدث ما لا يحمد عقباه قد أدى إلى أن يحدث الشباب ثورتهم التي ينادون بها ويعملون من أجلها إدراكاً أن لا شيء قابل لأن يعيد للوطن وحدته وللدولة هيبتها سوى التغيير الشامل وفي مختلف المستويات، تغيير يعيد الهوية لوطن 22 مايو 90 بعد أن كادت ان تتشظى وان يسير الوطن في اتجاهات متعددة تفقد الوحدة ديمومتها، ولعل ثورة التغيير بهذا المعنى الكبير قد استطاعت ان تصنع إرادة وحدوية عظيمة حققت حتى الآن جملة من المعاني الجليلة في مقدمتها التحام كل أبناء الوطن في مسيرة النصر المظفرة وإدراكهم جميعاً أن الخصومة مع النظام وليس الوطن أبداً وان النتوءات التي حدثت من إرهاب وفوضى وخراب وفساد هي منجزات نظام أراد ان يوقع بين أبناء الوطن الواحد الخصام والكراهية وشق الصف لأهداف تخصه كنظام وهو ما أدى بالفعل إلى التسريع بوتيرة الثورة لتتجلى مشاهد الانتماء الوطني في الفداء والتضحية وتحقق الجماهير أحلامها في إنجاز ثورة مبنية على المنهجية وبناء الدولة المدنية الحديثة، دولة نظام وقانون وإطلاق طاقات وإتاحة فرص وبناء تنمية شاملة لا مجال فيها للرغبات الذاتية وتصريف الأمور دونما تخطيط مبني على دراسة الواقع بكل مكوناته وإمكانياته المادية والبشرية وإنما على تصنيف الرجل الأول في سدة الحكم الذي يوجه ببناء جامعة أو مستوصف وكأنها هبات ومكرمة منه وليس بفعل الضرورة والحاجة، وهو ما يعني أن الوطن فعلاً لم يكن لديه مؤسسات مدنية حديثة بفعل التدخلات من المقربين الذين رغبوا في ان يكونوا المرجعية لإدارة دولة، وهو ما عطل مؤسسات لها كوادرها وامكانياتها لتظل التنمية رهن أفراد يشتغل عليها من يمتلكون زمام الأمور ويسيطرون على مفاصل العمل المؤسسي، فهم من يقررون ما الذي يجب ومن يقود هذه المؤسسة أو تلك بمعزل عن الخبرة والتجربة والقدرة والكفاءة وإنما وفق الرضى والولاء الشخصي البحت وفي هذا ظلم كبير على كفاءات كبيرة لم تجد حقها من الانصاف بما يعني ان الثورة وفق هذا المفهوم كانت ضرورة وتحمل في طياتها قوة وطموح الشباب كرمز للعطاء والفاعلية والإصرار والصمود والمستقبل في مقابل دولة شاخت تماماً وتكلست وصارت مرتهنة بيد أفراد وليس الشعب.. هذا الارتهان هو الذي دفع بالقوة الشبابية لأن تنجز معاني التطور والبناء والتقدم من ذات الحلم الرائع والتطلعات المستقبلية، ثورة خالصة الوفاء للوحدة الوطنية بقيمها السامية تعبر عن السلمية التي تفصح في أحد أهم تجلياتها عن دولة مدنية حديثة..

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد