بعد فشل الحلول السياسية وتوقف التحركات الدبلوماسية..

هل بات تشكيل مجلس عسكري ضرورة مرحلية لنجاح الثورة ؟

2011-07-03 16:01:34 تحليل/عارف العمري

اكتمل حتى اليوم شهر على خروج الرئيس صالح من اليمن خروجاً اضطرارياً, وخلال الشهر المنصرم بحت أصوات اليمنيين رجالاً ونساءً, شباناً وشيوخاً وهم ينادون بسرعة تشكيل مجلس انتقالي يدير شؤون البلد وينقذ الاقتصاد من حالة التدهور والركود التي مني بها طيلة خمسة أشهر من عمر الثورة, إلا أن صرخاتهم لم تجد شيئاً ومثلما لم يستجب نظام صالح للرحيل لم تستجب المعارضة لخيار شباب الثورة في تشكيل مجلس انتقالي خوفاً من بعبع " الحرس الجمهوري " وهاهي تتدارس اليوم تشكيله وسط أنباء متضاربة.
الأزمة الاقتصادية أحكمت قبضتها على كل شيء وانصرف الناس من الحديث عن الثورة وضرورة التغيير إلى الحديث عن الأزمة الاقتصادية وضرورة توفير لقمة العيش, وتحول المئات من الاعتصام في ساحات الحرية والتغيير إلى الاعتصام أمام محطات الديزل والبترول, وبالرغم من تورط بقايا النظام البائد في افتعال أزمة المشتقات النفطية إلا أن الذاكرة الجمعية لأولئك البسطاء والأميين السذج تلقي باللائمة على شباب الساحات باعتبارهم احد أسباب الأزمة.
يوم الخميس الماضي خرجت مسيرة في محافظة البيضاء تحمل لافتات كتب عليها " الشعب يريد مجلس عسكري انتقالي " وكان صوت الميكرفون يجلجل في سماء المدينة الثائرة بهتاف " ياعليوه يامحسن نشتي مجلس أحسن".. ربما كان هذا الشعار جديداً على الساحات وغير مستساغ من قبل البعض ,إلا أنه يعبر عن مدى الخيبة التي مني بها شباب الساحات من قبل العقليات الراديكالية لبعض أطراف اللعبة السياسية.
خلال العقود الثلاثة الماضية برزت إلى الوجود قاعدة تقول " إن القدرة على هدم الباطل تفوق بكثير القدرة على إقامة الحق بديلاً " وهو ما نشاهده من واقع ملموس على الأرض إذا استطاعت ثورة الشباب أن تهدم كل التحالفات التي بناها نظام صالح وأن تسقط كل الرهانات التي راهن النظام على نجاحها بدءاً من الحرب الأهلية ومروراً بتقسيم الوطن وانتهاء بإخلاء الساحات بقوة العسكر, إلا أن كلمة الحق التي يجب أن تقال أن إقامة دولة مدنية قد يحتاج من الوقت الكثير حتى تنقرض الديناصورات الملوثة بالصفقات السياسية, والتي لولاها ما استمرت شرعية صالح ثلاثة وثلاثين عاماً.
المجلس العسكري ضرورة ملحة
على مدى أربعين عاماً تلازمت كلمة الجيش في العالم العربي مع مصطلح الانقلابات العسكرية وحالات الطوارئ والسرية والرقابة والقبضة الحديدية .. هذه المؤسسة استطاعت اليوم أن تغير من نظرة الناس إليها وان تضطلع بدور هام بعد أن أخذت على عاتقها دور الحامي للشعب والمنقذ للوطن وهو ما تمثل بجلاء واضح في تونس ومصر واليمن, وإن كانت الثورات الجديدة قد أفرزت عن توجه جديد للجيش لا أستبعد انه طغى حتى على الجيوش العربية لتصبح في يوم من الأيام في مواجهة الملكيات العتيقة.
ما يجعلنا نثق مجدداً بالجيش هو إدراكنا بأنه قد أصبح مدركاً للعبة التي انطلت عليه طيلة السنوات الماضية والتي تعرض خلالها لعمليات قص الأظافر ونتف الريش وقص الجناح في اغلب الأحيان, وتكبيل قوته في مقابل فك الحبل على الغارب لأجهزة الأمن التي أصبح الحاكم يراهن عليها في قمع الشعب وجمع المعلومات التي غالباً ما تكون معلومات مغلوطة.
وفي ذات السياق يبدو ثمة سؤال يفرض نفسه : ما الذي حصل حتى يصل الأمر بالمجتمعات إلى الارتياح لتدخل العسكر, وحتى المطالبة به جسداً وصوتاً كما شاهدناه في تونس ومصر وقريباً قد نشاهده في اليمن؟.
المعطيات التالية قد تفسر ذلك وتعطي إجابات شافية لمثل هكذا تساؤل, إذ أن معظم الزعماء العرب أدركوا فور وصولهم إلى قصور الرئاسة وجلوسهم على كراسي الحكم خطر الجيش وما يمكن أن يقوم به من مهمة قد تسلب منهم ملكهم وحكمهم,فاتجهوا إلى تهميشه وتعطيل دوره من خلال منحه امتيازات اقتصادية كما حدث في مصر أثناء عهد الراحل أنور السادات, أو من خلال تطوير مركب من الأجهزة الأمنية بقيادة ضباط الصفوف العليا الذين وجدوا أنفسهم منساقين إلى منطق جديد, فتحولت مهمتهم من حماية الدولة إلى حماية النظام, وقد أمنت تلك الأجهزة مهمات الاستخبارات والحفاظ على النظام, وهي تراقب حركات المواطنين وتحركات السياسيين وكتابات الصحفيين, وقد فاق عدد أفراد تلك الأجهزة بكثير عدد أفراد الجيش بأضعاف مضاعفة, ففي مصر بلغ عدد أفراد الأجهزة الأمنية مليون وأربعمائة ألف عنصر في مقابل خمسمائة ألف جندي, وفي سوريا يمثل أفراد الأجهزة الأمنية نحو 15% من إجمالي تعداد السكان, وفي اليمن تداخلت الأجهزة الأمنية, وتعددت مهامها وأصبحت كلها تؤدي دوراً واحداً هو حماية النظام ؛من أمن مركزي إلى حرس جمهوري إلى أمن سياسي وقومي وأمن عام واستخبارات عسكرية.
الإخطبوط الأمني المنتشر في كل مفاصل الدولة والحياة العامة جعل بإمكان الزعماء أن يناموا مطمئنين ،فرجال الأمن يهتمون بكل شيء وهو ما اثأر تذمر واسع في صفوف الجيش ليقف في ربيع الغضب العربي إلى جانب الشعوب في مواجهة حكامها المستبدين بالثروة والحكم.
في اليمن كان طابع المفاجأة الغالب على الثورة ,الأمر الذي سبب إرباكاً واضحاً في صفوف النخب السياسية الحاكمة والمعارضة, وبالتالي عدم
امتلاك الرؤية الواضحة من قبل الأحزاب المؤيدة للثورة, الأمر الذي قد يترتب عليه تحول مسار الثورة إلى انقلاب شعبي, وللحيلولة دون ذلك يجب
تشكيل مجلس عسكري انتقالي لمدة ستة أشهر حتى ترتب الأحزاب أولوياتها وترسم ملامح وأبجديات المرحلة القادمة .

عملية تقليم الأظافر 
أدى نزول الشعب إلى الشارع إلى تفريق المؤسسات وانقسامها بين من يخدم الدولة ومن يخدم النظام , وأثبت الجيش خلال ثورة تونس ومصر واليمن أنه يخدم الدولة وأن علاقته بالنظام لم تخرج عما حدده الدستور سلفاً وبالتالي فإن الجيش الذي أقصي عن مهمات حفظ النظام يمكنه اليوم أن يلعب دور الضامن لعملية الانتقال السلمي للسلطة وخصوصاً في اليمن.
الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي انتقل من الثكنة العسكرية إلى القصر الرئاسي كان يخشى طموحات العسكر ,فما إن وصل إلى الحكم عام 1987م حتى قام بعملية تقليم الأظافر للعسكريين التونسيين من خلال تخفيض أعداد الجيش وإمكاناته وإزاحة عدد من قياداته وتدبير عملية الاغتيال لبعض جنرالات الجيش مثل الجنرال عبدالعزيز سكيك وعدد من كبار الضباط في عملية تحطم الطائرة المروحية عام 2002م, وبالتالي فقد اتسعت الهوة بين قادة الجيش وزين العابدين بن علي وأصبح قصر قرطاج يعاني شبه قطيعة مع المؤسسة العسكرية, وما إن اندلعت ثورة الياسمين حتى وجد الجيش التونسي نفسه مضطراً للوقوف بجانب الشعب الذي عانى من الأجهزة الأمنية أصنافاً من التعذيب في الزنازين والمعتقلات.
وفي مصر تعرض الجيش لعملية تهميش متعمدة من قبل " أنور السادات " وبعد رحيل السادات كان الجيش المصري ينظر إلى مبارك كرجل الدولة القوي الذي قد يعيد للجيش هيبته ومكانته اللائقة به, إلا أن ما جرى هو العكس ؛حيث سعى مبارك إلى تهميش الجيش في مقابل الاعتناء بالأجهزة الأمنية التي بلغ عددها مليون وأربعمائة ألف فرد في مقابل نصف مليون جندي فقط, وهو ما جعل حقد العسكريين يتنامى على مبارك وقد لامه الجيش لعدم تعيينه نائباً له طيلة فترة حكمه, ولتشبثه بتوريث الحكم لنجله جمال, وبرزت الخلافات بين قادة الجيش أنفسهم هل يجب الاستمرار في دعم مبارك أم يجب إرغامه على الاستقالة؟؟وكان ذلك قبل اندلاع ثورة مصر بأيام قليلة , وما إن نزل المتظاهرون إلى الشوارع حتى تدخل الجيش المصري وكان تدخله ضرورياً لحماية مسار التحول الداخلي من التدخلات الإقليمية والأجنبية.
وخلال المقارنة بين موقف الجيش التونسي والمصري من الثورة نرى بأن الجيش التونسي هو من أرغم بن علي على الرحيل من البلاد, بينما كان نزول الجيش المصري إلى الشارع لملء الفراغ الأمني, وفيما بعد بقي على الحياد عندما اعتدت مليشيات مبارك على المتظاهرين وفي نهاية المطاف اتخذ قراره بالقطيعة مع قيادة محتضرة.
وفي ليبيا أيضاً بقي الجيش مهمشاً لصالح " اللجان الثورية " وقام العقيد/معمر القذافي بإبعاد معسكرات الجيش نحو الصحراء تحسباً لأي طموح سياسي في صفوفه وفي الأيام الأولى من الثورة الليبية تم تسجيل بعض الانشقاقات في صفوف الجيش, وتم وضع الرجل القوي فيه الجنرال أبو بكر يونس جابر تحت الإقامة الجبرية, وهذا يؤكد تعزيز النظام الأمني اعتماداً على وحدات خاصة تدين بالولاء للقذافي والاستعانة بمرتزقة أفارقة.

عملية قص الجناح 
لا يختلف الحال في اليمن عما هو عليه في مصر وتونس وباقي الدول العربية , فعلي عبدالله صالح الرجل العسكري لم يلتزم بأهداف ثورة 26 سبتمبر التي كان من ضمن أهدافها بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد, وسعى خلال فترة حكمه إلى الاعتماد على أجهزة خاصة تدين له بالولاء المطلق في مقابل عملية مقننة لإجهاض الدور القوي للجيش, فقد سعى نظام صالح إلى الاعتماد على جهاز الأمن السياسي في قمع المعارضين وتصفية البعض الآخر كما جرى مع جارالله عمر, واعتمد على قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري في حماية دار الرئاسة, وأخيراً تم إنشاء جهاز الأمن القومي بزعامة نجل أخ الرئيس والذي تم منحه الكثير من الصلاحيات والامتيازات في مقابل تهميش الأمن السياسي .

إن رهاننا على الحل السياسي فقط في نجاح الثورة قد يجعلنا نستفيق على خراب مالطا

وتظل قصة الطائرة التي تحطمت بقائد المنطقة الجنوبية الشرقية محمد إسماعيل القاضي وعدد من قيادات المنطقة الجنوبية الشرقية لغزاً لا يفك
طلاسمه إلا علي عبدالله صالح, بالرغم من وجود تفسيرات تؤول ذلك بعملية مدبرة للتخلص من ثاني أهم رجل في المؤسسة العسكرية بعد اللواء/ علي محسن الذي تعرض هو الآخر لأكثر من عملية اغتيال.
وخلال الست السنوات الماضية أراد صالح أن يقضي على قوة الجيش وأن يكسر شوكته ,فاختلق له حروب صعدة الست, بغرض تصفية قادة عسكريين وإضعاف الفرقة الأولى مدرع لصالح الحرس الجمهوري الصاعد, وبالتالي الاستراحة من بعض الضباط الذين كانوا يمثلون حجر عثرة في طريق مشروع توريث الحكم للعميد/احمد علي عبدالله, وقد أثبتت وثائق ويكيليكس بعضاً من خيوط المؤامرة ضد أهم شخصية عسكرية في الجيش.
بعد انطلاق ثورة الشباب السلمية في الـ "3"من فبراير وبعد مجزرة الكرامة في الـ "18"من مارس أدرك الجيش مسؤوليته لانتزاع الفرصة التاريخية لإعلان فك الارتباط عن دار الرئاسة فخرج الجنرال علي محسن الأحمر في الـ "21"من مارس ليعلن تأييده للثورة وعلى منواله التحق كل قادة المناطق العسكرية باستثناء قائد المنطقة الجنوبية الغربية مهدي مقولة,والمنطقة الوسطى والمركزية ولازالت عملية التأييد للثورة من قبل أفراد وضباط الحرس الجمهوري والأمن المركزي تتوالي حتى اليوم.
الخلاصة
تشكيل مجلس عسكري يضم قيادات من الجنوب والشمال بات ضرورة لتأمين مسار التحولات الداخلية من التدخلات الإقليمية والدولية وخصوصاً التدخلات السعودية والأمريكية, ولعودة هيبة الدولة وفرض سيادتها بعد أن تلاشت في أكثر من محافظة, وللحفاظ على الاقتصاد المترنح من الانهيار وخصوصاً أن المناورات السياسية طيلة خمسة أشهر لم تخرج بنتيجة ولم تقدم حلولاً بقدر ما قلصت من المد الثوري وفاقمت من معاناة الناس جراء الأزمة الاقتصادية الخانفة.
قد لا يروق هذا الطرح للبعض خوفاً من العودة مجدداً لحكم العسكر, إلا أنه وحتى الساعة ما من شيء يسمح بالتشكيك في أن الجيش يسعى للسلطة, وخصوصاً بعد تصريحات قادة الجيش بأنهم يريدون العيش في كنف الدولة المدنية.
وأخيراً إن أردنا الحفاظ على بلدنا من متاهات الأزمة الاقتصادية المطبقة على الناس اليوم, ودرء سيناريو الصوملة عن اليمن, فليكن شعارنا " الشعب يريد مجلس عسكري انتقالي" مالم فإن رهاننا على الحل السياسي في نجاح الثورة قد يجعلنا نستفيق على خراب مالطا.


المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد