استخدم من إهدار المال العام وسيلة لبقائه..

مافيا النظام واستثماراتها السرية سببٌ في الانهيار الذي يهدد الاقتصاد اليمني

2011-07-20 16:44:58 تقرير/ عبدالرب الفتاحي


منذ بداية الثورة وهناك حالة من الضعف في كيان الاقتصاد اليمني المنهار مسبقاً والمؤشرات التي سبقت الثورة تدل على تلك الظاهرة، ويرتبط هذا الاتجاه - حسب الخبراء الاقتصاديين- إلى غياب إستراتيجية واضحة في المجال الاقتصادي تساعد على خلق حالة من الانتعاش على مختلف مكونات الاستثمار الفقير من حيث تعزيز الخيارات التي تلبي التحديات التي تقف أمام البلاد في انتشال نفسها من الظروف الحاصلة, حيث ارتبطت الحالة الاقتصادية اليمنية بمؤثرات متعددة، منها الفساد المستشري وكذلك عدم خلق قوانين تدعم الفرص الاقتصادية في تعزيز مساحة كبيرة من الخطط التي كان يمكن للنظام القيام بها، لكن قوة الأطراف التي كونت حلقة ضيقة من تداول المصالح جعل من الصعب فتح الاستثمار وكذلك إنقاذ الاقتصاد أو تلك الإصلاحات التي كانت تجري في ظل تحميل المواطن اليمني وزر الأخطاء التي تحدث من أجل تعويض الحكومة العجز الذي يصل إلى المليارات وذلك نتيجة الفساد وغياب الأدوات الرقابية والمحاسبة وبطش المسؤولين وتقصيرهم في أداء واجبهم الوظيفي وغياب الرقابة وذهاب أكثر الأموال إلى الجيوب الخاصة.

* اتفاقيات النفوذ.. وانهيار الاقتصاد 
واشتركت السلطة من خلال قرارات تعمد رأس النظام فرضها بنفوذه إلى التوقيع على اتفاقيات سببت إشكالية من حيث قيمة الفائدة التي يمكن أن تحصل عليها الحكومة، خاصة ومعظم تلك الاتفاقيات تتركز حول المجال النفطي وكذلك ما تعرض له ميناء عدن من احتكار من مجموعة شركة "دبي" التي اتجهت إلى تقليص دور الميناء ووضعت كل الإمكانيات المتاحة في إفشال أي حركة قد تتجه بها أي جهة أو شركة في وضع الميناء على حافة التنافس مع ميناء دبي وبذلك تقلصت الحركات الملاحية والبحرية وقل نتيجة ذلك وصول معظم المنتجات التي يمكن أن يتميز بها الميناء وكانت العملية فقط في عزل الميناء وإفشال المساعي الرامية في تحريك عجلة تطويره.
النظام كان سيئاً في كل تعاملاته والأكثر من ذلك أنه كان يمارس معظم تصرفاته مقابل عمولات سرية وأحياناً الاتفاقيات الخفية في المجال السياسي.. هذا ساعد على فرض طرق لم تكن واضحة وشكلت تحدي أمام أي توجه في التخطيط لمساعدة البلاد على وضع كل سياستها في تحسين الموارد وإتاحة فرص تؤدي إلى اكتشاف ما يمكن أن يبرز مجالات أو قطاعات أخرى لكي تخرج البلاد من الأزمات المتلاحقة التي كانت تتم في الغالب من خلال تعمد النظام وأطرافه الممتدة إلى إفشال كل الإدارات، وإتاحة قدر من الغموض في إيرادات معظم الصادرات النفطية كما أن الاتفاقية التي قامت بها السلطة مع كوريا تمثل أيضاً وجهاً آخر من حالة التجاوزات التي تحدث دون أي مساءلة على حجم الخسائر التي لحقت بالبلاد جراء تلك المعطيات، وكانت النتائج التي كشفت أن اليمن تعرض لهذه الكارثة من خلال حجم المخزون الذي تم الاتفاق عليه وكذلك سعر الغاز المصدر مقابل طريقة البيع في الداخل للمواطن اليمني.



ثورة الشباب تسعى لإنقاذ الاقتصاد المنهار الذي أعاق نهوضه اتفاقيات النفوذ والفساد المنظم 

* الفساد المُنظم:
وصدرت تقارير عدة كشفت أن النظام يمارس فساداً واسعاً من خلال النظر إلى مختلف المخرجات التي تتم من الميزانية في مشروعات صغيرة، بينما وضحت تقارير أخرى أن هناك فساداً منظماً بطريقة لا يتم رصدها وهي حالة تعمدت القوى التي تشكل النظام على أساسها على تحقيق المكاسب الشخصية وقل بروز الشركات المتطورة والحديثة وهي تلك الشركات التي تهتم في الاستثمار في الجوانب النفطية أو الغذائية أو التكنولوجية وتدخلت الشخصيات الحاكمة في وضع يديها على الاستثمار.
وتملك الكثير من المسؤولين على شركات متعددة في مجال النقل والأسماك والنفط والطيران وكان معظم المسيطرين على الإدارات هم قوى تتبع النظام وهذا فرض شيء من تجاوز الأرقام الدقيقة وكذلك الارتباطات التي اشتدت من خلال ربط الجانب السياسي بالتجارة، وفي الحالات الاستثنائية، نجد أن تحول الاستثمار وبناء الاقتصاد كان يتركز على خدمة ضيقة في الإطار الشخصي، بينما تغيب الاتجاه في تعزيز المزيد من القوانين التي تحمي الاستثمار وتعزز الاقتصاد بشكل آخر من الحلول التي لا تقف عند احتكار كل الجوانب التي يمكن الاستفادة منها في وضع البلاد على أعتاب مرحلة أخرى.
كانت مشكلة بن غانم -رئيس مجلس الوزراء السابق- تكمن في ضرورة الإرشاد في الإنفاق وإزاحة الشخصيات الفاسدة والتعرف على المحصلة المالية التي تحصل عليها الدولة من بعض الصادرات ومعرفة الأموال التي تذهب إلى بعض الجهات الحكومية ووضع ميزانية وتخطيط مسبق لكل المخرجات، لكن النظام رفض حزمة الحلول وقدم رئيس الوزراء استقالته، عندها تمت تشكيلات وزارية بغطاء الحكومة وكلها غير قادرة على تأدية مهامها.

* إهدار المال العام وسيلة للبقاء
هناك خوف بدأ يتداول من التضخم الذي قد يرتفع إلى 30 % هذا العام بسبب الاضطرابات الحالية التي قد تشل اقتصاد البلاد والأضرار التي لحقت بخط أنبوب النفط في مأرب وهذا يضغط على الإيرادات الحكومية الضعيفة أصلاً.
وفي ظل الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر ضد النظام، أصبح الاقتصاد اليمني على شفا الانهيار إذ يواجه اليمنيون نقصاً في الوقود والمياه والكهرباء.
وفي تقرير اقتصادي لشهر إبريل توقع تسارع التضخم إلى 13% هذا العام من 12.1 % في 2010م وعدل الصندوق أيضاً توقعه للنمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي الذي قال في إبريل أنه سيتباطأ إلى 3.4 % في 2011 من 8% في العام الماضي.
فالخسائر التي تكبدها الاقتصاد اليمني منذ بداية الاضطرابات السياسية في البلاد قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر تقدر بما يقارب 6 مليارات دولار.
هذا ما توصلت إليه مصادر اقتصادية يمنية رسمية، وأرجعت حجم الخسائر إلى توقف العديد من القطاعات الإنتاجية المهمة التي تشكل عصب الاقتصاد اليمني بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للرئيس/ علي صالح والمطالبة برحيله الفوري، كالنفط الذي يغطي 65% من الإيرادات العامة للدولة وتعتمد عليه الموازنة العامة للدولة بنسبة 70%..


كان النظام يمارس معظم تصرفاته مقابل عمولات سرية وأحياناً اتفاقيات خفية في المجال السياسي وهذا بدوره تسبب في الانهيار الاقتصادي


وفجرت اعترافات الحكومة اليمنية بعجزها عن سداد أرصدة استيراد "120" ألف طن من النفط لتلبية الاحتياجات المحلية وتحذيرها من انهيار حاد للاقتصاد الوطني مخاوف كبيرة لدى رجال المال والأعمال والمستثمرين في البلد الذين يخشون تبخر رؤوس أموالهم.
وتسبب هذا الاعتراف الحكومي على لسان وزير النفط في تصاعد حدة المضاربات بالعملات الأجنبية في سوق الصرف المحلي، ليصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 240 ريالاً يمنياً، وترفض شركات الصرافة بيعه للمواطنين منذ بداية الأزمة الراهنة.
النظام أيضاً المتهم بكونه اتخذ من المال العام طرفاً من إطالة بقاءه وكذلك العمليات العسكرية التي تحدث ضد المتظاهرين والحالة السياسة واستمرار المطالب الشعبية التي قادها الشباب اليمني.. كما أن المسيرات التي تخرج لتأييد النظام كان يتم تمويلها من خزينة الدولة ونشطت حركة التهريب والسوق السوداء، وبحسب مراقبون فإن نافذين في النظام يقفون وراء هذه الأسواق السوداء.. ولذلك قلت رقابة الدولة واستغلالها للموارد المتبقية في الحفاظ على بعض الخدمات وتتجه بلادنا إلى خسارة كبيرة في احتياطها النقدي والغذائي، مما قد يؤدي إلى إعاقة كل الحلول، لأن الثورة التي ينتظرها الكثير لن تكون سياسية من خلال إبدال النظام، ولكن من خلال إيجاد الموارد التي ستعمل على التسريع في تطوير المرافق وإيجاد الوظائف وتعزيز المبادرات التي ستكون مختلفة على ما كان النظام قد قام به من خلال قطع الدعم الذي كان يقدم للمواطنين في المواد الضرورية والسلعية.. فالنظام في تلك الفترة أشار إلى أن تلك المبالغ سيتم وضعها لتخدم الاقتصاد، لكن ما تم اكتشافه أن الفساد يقتل الأموال بطريقة كبيرة، حيث قد لا يتعدى الدعم سوى قطرة من محيط الفساد الذي يرتبط بكل المؤسسات القائمة والشخصيات التي تمارس وضعها الإداري على تلك الهيئات، مما جعل أحد الأمراء السعوديين يرد على بعض الاتهامات على عدم مساعدة السعودية لليمن، موضحاً أن هناك الكثير من الأموال التي تدفع في مجال الدعم تذهب إلى بنوك سويسرا بطريقة شخصية.

* ثورة لإنقاذ الاقتصاد المنهار
لكن هناك من ينظر إلى الثورة على أنها لن تكون سياسية فقط، فالنظام وضع كل قوته في التضييق على اليمنيين من خلال لقمة عيشهم وعمل على بيع الثروات بثمن أقل من المنتظر وكانت الأسباب كلها سياسية وشخصية في استثمارات خفية، تتم لقطاعات متنوعة لا يعلم عنها الكثير، ويتم التعامل مع مافيا سرية توسعت في دائرة عدم الكشف عن الصادرات والمبالغ التي يتم الحصول عليها من أجل وضعها في حسابات شخصية، حتى أن هناك من يعتبر أن الارتفاع في الأسعار وعدم الإشراف على المواد التي يحتاجها المجتمع اليمني تدل على تعامل المسؤولين اليمنيين في تلك الاحتياجات وعملهم على توفير المناخ الملائم لهم في الاستثمار على حساب الجانب الأخلاقي الذي كان يجب على الدولة وضعه في الحسبان لحماية فئات متعددة من المجتمع من الجوع والبطالة، كما أن النظام كان مستثمراً بشخصيته في الجانب النفطي وهذا ما جعل تلك المواد تجد لها تسلسل في الارتفاع، فكان باهظاً في النقل والحركة وقلت عملية الإنتاج الصناعي والزراعي، لذلك كان النظام سبباً في المأزق الذي تعيشه اليمن في الماضي والحاضر.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد