الأولى بامتياز مع مرتبة الشرف في الـ""IT..

المصورة نادية عبدالله: أنا هنا وهذه ثورتي

2011-12-11 04:48:08 محمد الجماعي


نادية عبد الله الحاصلة على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية العلوم والهندسة بجامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء،لم تكن تعشق الصورة من قبل، تكره أي شيء له علاقة بالتصوير,وما إن اندلعت الثورة، بحسب حديثها لموقع الثورة اليمنية،حتى وجدت بداخلها اندفاعاً نحو الكاميرا وشغفاً بمادة التصوير, لما للصورة من أثر في إيصال ثورتها للعالم أجمع، وشعور قوي بأن الصورة تخاطب الداخل والخارج: أنا هنا وهذه ثورتي..
لم تتلق الشابة الثائرة أي دورة في التصوير قبل انضمامها مبكراً إلى ساحة التغيير بصنعاء، التي أحبتها وفتنت بها وبتنوعها وصمود شبابها كما تقول، ولم تحضر سوى دورة نظمتها "استجابة" لعدد من المصورين والصحفيين على يد المصور المحترف كمال المحفدي، أما قبلها فقد كانت تتسلل على صور بعض الزملاء لتتعلم وتقارن بين الزوايا واللقطات،وربما قلدت بعضهم سيما إذا كانت تشترك معهم في الزاوية التي يأخذون منها الصورة..
أما الآن وقد أصبحت نادية من مصوري الساحة المشهورين، فقد صارت عدد من المواقع الشهيرة والصحف تشير إلى الصور في صفحتها بالإعجاب والمشاركة والتنزيل ومن ثم النشر,بل وأخذت بعض الفضائيات العديد من الفيديوهات التي أنتجتها للمركز الإعلامي في ساحة التغيير..
تستمتع نادية بوقتها مع زملائها وزميلاتها في الساحة بكل تفاصيلها، وتتذكر في هذا المجال أسماء مرموقة في مجال التصوير خلال أيام الثورة،مثل محمد العماد صاحب أشهر صفحة صور في الثورة اليمنية، وفاروق الشعراني،وعبدالسلام محمد، والمصورة صمود عبد الهادي النجار، ورضوان الحيمي،وكثير من المصورين مثل صلاح الهتاري وخالد راجح، ومصورين لهم رصيد من الشجاعة بحسب تعبيرها،مثل وليد الحمدي ونصر مطير ويحي السواري..
تستيقظ في الصباح ولا تبرح الساحة إلا وقد روت غليل عدستها بالصور والفيديوهات، وتكون قد رفعتها إلى موقع المركز الإعلامي في ساحة التغيير,لم تغب عن الساحة، فهي تشارك في معظم المسيرات،وصورت بكاميراتها معظم فعاليات الساحة وخارجها..

ذكريات ومواقف لا تنسى
لا تستطيع م. نادية أن تتذكر موقفاً واحداً هو الأفضل بالنسبة لها،بل ترى أن أجمل ذكريات الثورة هي الثورة ذاتها ,لأن كل ذكرياتها جميلة- حسب تعبيرها- لكن بإمكان المصورة المعروفة في الساحة أن تتذكر أكثر الموقف خوفاً ورعباً بالنسبة لها، وهي مواقف كثيرة ومآسٍ محزنة يعرفها الجميع.. ولنتركها هنا مع القارئ وجهاً لوجه وهي تروي أكثر المواقف الصعبة التي واجهتها وهي تمارس مهنة المصاعب كما يقال، ونظراً للجرأة والشجاعة التي تميزها فقد ذهبت إلى الحصبة قبل أن يفكر الصحفيون في الأمر لرعب المكان وشيوع أخبار الموت من هناك..

تقول نادية: "عندما ذهبت إلى الحصبة ثالث يوم الهدنة بعد الاعتداءات الأولى، كانت هناك جثث متعفنة في الشارع، ذهبت أنا وأحد الشباب واسمه إسماعيل شماخ، حيث وجدنا أول جثة بالقرب من الغرفة التجارية وعندما بدأنا بتصويرها أطلقوا علينا الرصاص فجأة!! لا نعرف من أين ولكن الموقف كان مرعباً، وأحسست أن مصيري سيكون نفس مصير تلك الجثث.. بعدها هربنا وأثناء هروبنا بالتاكسي كان السائق هو الآخر يهرب ويتخبط يميناً وشمالاً من شدة الهلع والخوف وسكون المكان,وعندما هدأ إطلاق الرصاص شاهدنا جثة أخرى أمام محطة سهيل (محطة بترول) المقابل لوزارة الإدارة المحلية ,فنزلنا مرة أخرى ولم نقبل نصيحة صاحب التاكسي بعدم النزول، وفعلاً نزلنا للتصوير مرة أخرى وصورنا الجثة ووجدنا ثالثة بجوار الإدارة المحلية في شارع فرعي صغير ورابعة خلف المحطة وكانت جثة مجنون لأنه كان مقيد بأرجله، وطبعا كانت الرائحة لا تطاق أبداً, أحسست بالغثيان أكثر من مرة وكنا نخبئ الكاميرا حتى لا يراها الجنود فيأخذوها منا".
وفي واحد من أكثر المشاهد غرابة وبؤساً في وقت واحدة تروي المصورة الشجاعة هذا الموقف لامرأة عجوز ورجل شايب: "أثناء مرورنا من أمام اللجنة الدائمة وجدنا امرأة عجوز ورجل شايب يقومان بجمع الحطب وتكسيره، وهم على بعد أمتار من جثث متعفنة ومتحللة ورائحة تملأ الشارع وأيضا تحت الرصاص.. فسألت العجوز ماذا تفعلين؟ قالت أحطب!! لأنه لا يوجد غاز.. فقلت لها: كيف تحطبين تحت الرصاص؟ قالت: الله هو الحامي ولا يموت الإنسان إلا بأجل..". تضيف نادية: "وطبعا ومن هناك اتصلت بالصليب الأحمر وطلبت منهم الحضور لأخذ الجثث وأخبرتهم عن مواقعها واتصلت لمنظمة هود وقاموا بالواجب عن طريق مناشدات الصليب الأحمر وفعلا لم يؤذن العصر إلا وقد أخذت الجثث ودفنت والحمدلله وأحسست يومها أنه عار علينا كمسلمين وكيمنيين وكبشر على هذه الأرض أن يتحلل الإنسان أمام أعيننا ولا نرفعه!! حسبنا الله ونعم الوكيل وتخيلت نفسي مكانهم والله شيء محزن جداً"...
الموت ولا الاعتقال
وبعد مرور ما يقرب من عشرة أيام من زيارتها الأولى للحصبة وتصويرها للجثث ذهبت م. نادية مع شماخ أيضاً لتصوير آثار الدمار هناك.. تواصل نادية هذا الحديث الشيق عن مهنة التعب اللذيذ كما يقال فتقول: "طبعا كنا نستأذن من الشرطة العسكرية، وأيضا من مرافقي الشيخ صادق الأحمر واستطعنا أن نصور أماكن كثيرة، وعندما وصلنا بالقرب من مدرسة الرماح، للأسف، لاحظنا أفراد النجدة المتواجدون هناك، وفجأة قاموا بالقبض علينا وأخذونا إلى عمليات النجدة، وكان هذا من أغرب المواقف أيضا لأنه بالنسبة لي: الموت ولا الاعتقال والبهدلة، ثم قاموا بأخذ ذواكر الكاميرا كاملة وتم التحقيق معي والحمد لله خرجنا بصعوبة، والجميع يعرف أن الإفراج يتم بعد التأكد من أننا لا ننتمي إلى شباب التغيير ولا كادر قناة سهيل أو أنصار الشيخ صادق الأحمر، وأننا مجرد ناشطين في حقوق الإنسان ليس إلا.. وطبعاً بوساطة من أحد المحسوبين على النظام"..

كما لا تزال تتذكر ذلك الرعب الذي حاصر الشباب وهي معهم فوق جسر الزبيري (كنتاكي)، حيث أطلق الجنود الرصاص عليهم عند المستشفى الجمهوري، وقتها كان الرصاص شديد جدا وأنا عند بداية الجسر من ناحية الجمهوري. وقتها كان الكل يتوارى، وعندما فكرت بالهرب أو الاختباء من الرصاص، لم أجد سوى الشهادتين وانتظار الفرج من الله، إذ لا مفر وقتها سوى الاستسلام لله عز وجل"..
من الساحة وإلى الساحة

"الثورة غيرت فيَّ أشياء كثيرة جدا، فلأول مرة أشعر أن حياتي يمكن أن أقدمها من أجل اليمن، وبالثورة فقط صرت أتخفف من عادات وسلوكيات وهوايات كانت تقيدني، لم يعد شيء يقيدني الآن...". هكذا قالت نادية عبدالله، معلنة أن الثورة شغلت حيزاً كبيراً من وقتها وراحتها.
تبدأ نادية يومها مع بواكير الصباح لتصل إلى الساحة التاسعة صباحا، ومع أول مسيرة تبدأ دوامها شبه اليومي فتقوم بالتصوير ثم تعود بعدها إلى المركز الإعلامي بساحة التغيير لتجهيز الصور ورفعها إلى صفحتها على الفيس بوك Nadia Abdullah وصفحة المركز الإعلامي لساحة التغيير،ثم تقوم بعمل مونتاج لبعض الفيديوهات ثم ترفعها وتصلي الظهر والعصر لتتناول الغداء، ثم يبدأ دوامها بعد العصر مع أي فعالية تقوم بتغطيتها، ويذكرها صوت الأذكار من المنصة بدنو المغرب. وفي البيت تتسمر أمام شاشة التلفاز لمشاهدة الأخبار من سهيل إلى الجزيرة إلى يمن شباب فالعربية والحرة والبي بي سي وهكذا.. فيما يتكفل خط الإنترنت في بيتها بالقضاء على ما تبقى من وقتها ترفع بقية الصور والفيديوهات والأخبار، بالإضافة إلى نشر بعض ما يحلو من أخبار أو آراء سياسية أغلبها في المعظم ضد النظام،فيما شوارد من قلمها تتجه ذات اليمين وذات الشمال، كنيران صديقة مرة على الإصلاح ومرة على المشترك واللجنة التنظيمية.. وهكذا يومياً..

 لا زالت تتذكر أول صورة التقطتها بعدستها في ساحة التغيير ليد ممسكة بصقر جارح وفي منقار الصقر لافتة ورقية مكتوب عليها "إرحل يا علي". ونشرت لها صحيفة الأولى في الصفحة الأولى صورة لأحد ضباط الفرقة الأولى مدرع وهو يرد التحية على نظيره من قوات الأمن المركزي وهو خلف مترسة في أحد المنافذ, كما التقطت بعدستها صورة لأحد الثوار في خيمة مفتوحة الواجهة، وهو نائم والسيل يجري من تحته، إذ كانت لجنة المهندسين قد أعدت لهذا الغرض ما يسمى بالطبليات الخشبية ليتسنى لمياه الأمطار المرور من تحت الخيام دون أن تؤذي أو تعيق حركة الشباب الثائر أو خيامهم..
لا تعود إلى البيت إلا لغسل البالطو
أثر فيها تصريح أحمد الشلفي -مراسل الجزيرة في اليمن، حيث وقعت أشد المجازر وطأة على نادية وغيرها من شباب الثورة وهي مجزرة كنتاكي في 18 و19 و20 من سبتمبر 2011، ففي اتصال مباشر مع الدوحة قال الشلفي بأنه وطاقم الجزيرة والمصورون لا يدرون هل يصورون أم يمسحون دموعهم!!.. تقول نادية: كانت من أشد الأيام حزنا وأكثر تعبا. وتقول: "ما إن أذهب لرفع الصور في خيمة المركز الإعلامي حتى أسمع سيارات الإسعاف قد عادت بشهداء جدد ومشاهد أشد بشاعة من المشاهد السابقة"..

المتابع لصفحتها على الفيس بوك وبعض الفيديوهات الممنتجة يمكنه معرفة مدى شجاعة هذه الفتاة وقوة بأسها كما يقال، في التقاط أبشع المناظر المؤلمة والمشاهد المؤثرة، بل ووصولها إلى جولة كنتاكي في أصعب اللحظات.. غير أن الصخر أشد من الرأس كما يقال، إذ تضيف: "كنت والله أصور قليلا ثم أجلس وأبكي.. وفعلا الأمور كانت كما قال المراسل الرائع احمد الشلفي فلم نكن نعرف هل نصور أم نمسح دموعنا، واليوم الثاني كنت وسط جولة كنتاكي وبدأ الضرب وأنا هناك، فرح الشباب بالاعتصام في جولة النصر فرجعت للمستشفى مع ثالث أو رابع جريح، وجاء يوم آخر من أبشع الأيام.. وأثناء تصويري للشهداء جاءت أم الشهيد عبدالله العلفي التي زغردت أول ما شافت ابنها شهيد وبعدها جلست عند رأس الشهيد وصورت فيديو لأم الشهيد العلفي وهي تودع ابنها - تحلف- والله والله قالت أم الشهيد كلاما تمنيت أن أكون شهيدة لكي أسمع نفس الكلام من أمي!!.. وتضيف: "كانت دموعنا تسيل بغزارة، أنا والصحفية سمر الجرباني، نصورها وهي تودع فلذة كبدها، وقتها تأكدت أن الله معنا وسوف ينصرنا مهما طال الزمن"...
وفي يوم 18 سبتمبر الذي أصيب فيه الزميل المصور حسن الوظاف كان يوما غير عادي بالنسبة للصحفيين جميعا، وبالنسبة لنادية، تقول: "كنت أرجع إلى المنزل متأخرة وأنا جدا متعبة نفسيا وجسديا، لا آكل إلا القليل جدا، فقد كنت أقضي الوقت كله في المستشفى الميداني أو في المركز لكي أرفع الصور والفيديوهات على النت أو اسلم الفيديوهات للشباب ليرفعوها على قناة المركز. كنت أرجع للبيت لغسل البالطو وهو مليء بدماء الجرحى والشهداء كانت أيام صعبة جدا ومحزنة جدا فارقنا ناس غاليين جداً والحمدلله على كل حال".

وتضيف نادية عبدالله: "أثناء تصويري في تلك الأيام كنت أصور قليلا ثم أبحث عن مكان داخل المستشفى الميداني لأبكي فيه وعندما كان يراني أحد يظن أني قريبة شهيد ويسألني، فأقول لا، بل كلهم أقربائي.. كانت المناظر بشعة جدا وكان القتل بشكل وحشي لا يطيقه أحد"..

تروي نادية ذلك لموقع الثورة اليمنية، وتؤكد بأنها تحتاج إلى مجلدات لكي تتحدث عن مجزرة أيام كنتاكي وعما شاهدته وصورته ورفعته في صفحتها على الفيسبوك وقناة المركز الإعلامي لثورة الشباب على الإنترنت فقط.. فضلاً عن الأيام الحزينة، جمعة الكرامة، القاع، الزبيري... وغيرها..
وتختتم نادية بالقول: "الثورة حررت نفسي من أشياء كثيرة، حيث كنت أعيش قبل الثورة لنفسي وبس، وأفكر بمستقبلي ومشاكلي فقط ,أما مع الثورة فقد تغيرت تماماً، وصرت أفكر بهم وبمستقبل وطني، وصار همي الأكبر أن أرى وطني بشكل أفضل، أن أرى دولة مدنية ,أن أرى سيادة القانون على الجميع ,صار همي أن تكون نعيش بكرامة وعزة صار همي أن أرفع رأسي بأني يمنية".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد