البحر الأحمر جبهة أخرى للحرب ضد العرب : غداً يندب العرب حظهم على إضاعة ((مفاتيح)) باب المندب

2008-10-08 00:31:42

زهير بوحرام وشاكر الجوهرى

سجل مراقبون التصاعد الدراماتيكى المفاجئ خلال الفترة القليلة الماضية لظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية لتشكل تهديدا خطرا لأهم ممر بحرى استراتيجى مايزال العرب بحكم الموقع الجغرافى يمتلكون مفاتيحه وهو ممر خليج عدن- البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب الذى تستمد منه الخارطة اليمنية أهمية استراتيجية لطالما جعلت البلد فى غياب الظهير العربى الحقيقى عرضة لمحاولات الضغط والابتزاز التى لا يفتأ يحاول بما أوتى من وسائل مقاومتها والتصدى لها.

وإذ يجد المراقبون فى انخرام الوضع الأمنى فى الصومال تفسيرا جزئيا للمنحى الخطر الذى أخذته ظاهرة القرصنة فى المنطقة لا من حيث عدد العمليات التى بلغت 55 عملية خلال العام الحالى وحده، بل أيضا من حيث نوعيتها حيث تجاوز الأمر خطف اليخوت المدنية والسفن التجارية إلى احتجاز سفينة أوكرانية محملة بمعدات عسكرية ثقيلة ما استنفر قوى دولية للتحرك باتجاه المنطقة على رأسها روسيا وفرنسا وإسبانيا فضلا عن الولايات المتحدة. . إلا أنّ ذلك التفسير يبقى قاصرا عن الإجابة عن بعض المسائل وأهمها أن الانخرام الأمنى فى الصومال ليس جديدا وترجع بداياته إلى سقوط حكم سياد برى سنة 1991 فضلا عن أن عمليات القرصنة لم تنقطع فى المنطقة على مدار العشريات الماضية إلا أنها ظلت فى حدود العمليات الهادفة إلى النهب وابتزاز الفديات ولم تبلغ ما بلغته اليوم من حجم أقرب إلى "شُغْلِ دُوَلٍ" أو على الأقل مافيات كبرى مُحكمة التنظيم والتسليح الأمر الذى يثير شكوكا حول إمكانية أن يكون وراء التصاعد المفاجئ للقرصنة فى خليج عدن وباب المندب لعبة دولية ذات أهداف استراتيجية لا تمثل أنشطة القراصنة فيها سوى الجزء الظاهر من الجبل.

ويشرّع لهذه الشكوك وجود دول تضلعت فى الاستفادة من الأنشطة الإرهابية وتجييرها لخدمة مصالحها وتحويل الحرب على الإرهاب -والقرصنة جزء منه- إلى ذريعة لاحتلال مناطق والاستيلاء على دول.

وليس عسيرا على المراقبين ربط الصلة بين هذا التحليل وما اشتهر حول المحاولات الإسرائيلية الأمريكية المتكررة السيطرة على ممر خليج عدن-باب المندب-البحر الأحمر، خصوصا وأن الأخير تعتبره إسرائيل أحد متنفساتها الرئيسة، ومن ثم عملها المستمر على خلخلة الأمن فيه كخطوة أساسية باتجاه إخراجه من حيز الإشراف العربى عليه وتدويله.

ولم تعدم إسرائيل الوسيلة التى تقرّبها من تحقيق ذلك الهدف دون التورط المباشر فى حرب تنضاف إلى حروبها المتعددة الجبهات ضد العرب، فكان العدوان الأريترى على جزيرة حنيش اليمنية أوائل تسعينيات القرن الماضى واحتلالها بتسليح وتمويل وخبرة عسكرية إسرائيلية، قبل أن تضطر القوات الأريترية لمغادرتها تحت ضغط الاستعدادات العسكرية البحرية اليمنية، وقرار محكمة العدل الدولية فى لاهاي، الذى أكد يمنية الجزيرة.

وإلى اليوم يستمر التنسيق السياسى والأمنى بين اريتريا وإسرائيل، حيث توجد قاعدة عسكرية اسرائيلية فى جزيرة دهلك الأريترية، كما أن تحركا سياسيا بدأته أسمرة بهدف تدويل البحر الأحمر من خلال المقترح الذى تقدمت به لعدد من دول الإقليم وغيرها. فقد كشف عثمان صالح وزير خارجية اريتريا منتصف تموز/يوليو الماضى أن بلاده تقدمت بمقترح "استراتيجية خاصة بأمن البحر الأحمر تشارك فيها جميع الدول المطلة عليه وعلى رأسها مصر والسعودية". . مضيفا أن أسمرة "طرحت موقفها من هذا الأمر وتنتظر مواقف الدول الأخرى".

بالطبع الصيغة التى تحدث عنها الوزير الأريتيرى تشمل إسرائيل، ذلك أنه تحدث عن "جميع الدول المطلة" على البحر الأحمر. ومع أنه خص بالذكر السعودية ومصر، إلا أنه لم يخص اسرائيل بالاستثناء، ولا كان منتظرا منه ذلك.

وللتذكير سبق لإسرائيل أن كانت أول من طرح فكرة تدويل البحر الأحمر، كما أن اوروبا تعمل على تحقيق ذات الفكرة الآن، بموافقة اميركية، ما دامت واشنطن تؤيد كل ما يخدم المصالح الإسرائيلية، وتتنصل من دورها. وهى فكرة تعيد الذاكرة إلى أيام التنافس البرتغالى الإسبانى البريطانى الفرنسى الهولندى على السيطرة على هذا البحر الإستراتيجى منذ القرن الخامس عشر.

غير أن الأكثر أهمية هو أن مقترح تدويل البحر الأحمر يجب أن ينظر إليه باعتباره جزءا من مخطط إقامة الشرق الأوسط الكبير، الذى طرحه شيمون بيريس الرئيس الإسرائيلي، وتبنته واشنطن بعد توقيع اتفاق أوسلو، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية سنة 1994.

واليوم ها أن المشروع الذى حالت عدة عوامل، من بينها الجهد اليمنى المنفرد، دون مروره يحاول النفاذ من باب مقاومة القرصنة تماما كما نفذت مشاريع كثيرة من بوابة "الحرب على الإرهاب"، وها أن دول الاتحاد الأوروبى -كمظهر عملى من مظاهر التدويل- تتسابق فى الإعلان عن استعدادها لإرسال اساطيلها إلى البحر الأحمر بحجة الاهتمام بمواجهة القرصنة الصومالية فيه، دون أن تأتى على ذكر القرصنة الأريترية، ما دامت اريتريا مرشحة لأن تكون حليفة المرحلة المقبلة من مؤامرة التدويل. . !

حيال هذا الخطر المحدق بمنطقة تعد أخطر مفاتيح الأمن القومى العربى بعد أن غدت السيادة على مياه الخليج العربى متقاسمة بين إيران والولايات المتحدة، يبدو العرب فى شغل عن حماية باب المندب تاركين اليمن يواجه منفردا -عدا بعض الدعم اللفظي- تيارا قويا بعد أن أظهرت القيادة اليمنية يقظة تحسب لها وتجلت فى قطع الرئيس اليمنى على عبد الله صالح عطلة عيد الفطر بتحركات استراتيجية انصب الجهد فيها على حماية أمن البحر الأحمر، واتجهت الوجهة الطبيعية والصحيحة، وجهة العرب الذين يتعين عليهم الإسراع باتخاذ اجراءات عملية كفيلة بقطع الطريق على مخطط تدويل البحر الأحمر الذى يبدو أنه أخذ فى غفلة منهم طريقه العملى باتجاه التنفيذ، قبل أن تغدو "مفاتيح" باب المندب بأيدى ألد أعدائهم وساعتها لن يفيد الندب على ما فات. . <

نقلا عن العرب اون لاين

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد