حمــاس تــُستــَدرج إلى مــقتلــها في حــوار القاهرة (2-2)

2008-10-11 04:22:14

* الكثير من الوقائع التي عاشتها الساحة الفلسطينية في الأيام والأسابيع الماضية، سواء أكانت في غزة أو الضفة الغربية، تعطي الكثير من الدلالات على أن الحوار الفلسطيني الداخلي بعيد جدا ًأكثر من أي وقت مضى

* وصل الأمر ببعض مسؤولي السلطة الفلسطينية، للإعلان في الآونة الأخيرة -والقاهرة تعد العدة لاستقبال المتحاورين- أنهم لن يترددوا في استعادة القطاع بكل السبل والوسائل، حتى لو كان الثمن أن يغرق القطاع المحاصر بسيول من دماء الأشقاء الأعداء

* إذا كان مستضيفو الحوار جادين حقيقة في مساعدة الفلسطينيين للتخلص من حالة الانقسام المزري القائمة، فقد كان بإمكانهم الاكتفاء بدعوة الفصيلين الكبيرين، وكفى، إلى طاولة الحوار، لأن ما سيتفق عليه الأخوان الكبيران، ستلتزم به باقي أطراف العائلة الفلسطينية الكبيرة

* ما يجري التدبير له من حوار وطني فلسطيني لا يتعدى كونه استدراجاً لحماس، الأمر الذي يستلزم من حماس محاولة تحسين مواقعها ومواقفها السياسية والشعبية، بعيداً عن مفردات الشرعية المزعومة "

*عدنان أبو عامر

لم يعد سرا أن ما يجري التحضير له في القاهرة أبعد ما يكون عن مفردات الحوار والمصالحة والوفاق بين الفرقاء الفلسطينيين، ذلك أن هناك الكثير من الشواهد والمعطيات التي "زكمت رائحتها أنوف الفلسطينيين" وتركت بما لا يدع مجالا للشك أن "طبخة" ما تدبر، وأن هناك أيد كثيرة قد تكون مشاركة فيها، فلسطينية وعربية وإسرائيلية ودولية.

ولئن كان المقام هنا لا يتسع لتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة، إلا أن وضع النقاط على الحروف، وتحمل المسؤوليات، أصبح محتما قبل فوات الميعاد، بعيدا عن عبارات الإطراء والمديح لحساب جهة، وكلمات التجريح والهجاء ضد جهة أخرى.




وهنا بالإمكان إلقاء نظرة على أهم الإجراءات والخطوات التي تعيشها مدن الضفة وقراها ومخيماتها، وتشير كلها إلى أن الحوار الوطني غير مدرج أساسا على أجندة صناع القرار السياسي والأمني لدى ساسة المقاطعة في رام الله.

1- التغول غير المسبوق الذي تمارسه الأجهزة الأمنية هناك، وما أكثرها (أمن وقائي، مخابرات عامة، استخبارات عسكرية، شرطة مدنية) على حركة حماس وعناصرها ومؤسساتها، للدرجة التي ذكرت الجميع بإجراءات هذه الأجهزة عام 1996 ضد حركة حماس في غزة.

فلا يكاد يوم يمر إلا ويعتقل فيه أفراد من حماس في أقبية تحقيق سجون الضفة، وهذه المرة على سمع وبصر وإشراف المنسق الأمني الأميركي سيء الصيت كيث دايتون، وبإمكان القراء أن يعودوا إلى محضر الاجتماع الذي عقده المسؤولون الأمنيون الفلسطينيون مع نظرائهم الإسرائيليين قبل أيام قليلة، ويرى حجم اللهفة التي يبديها هؤلاء للقضاء على حماس، ولسان حالهم يقول للإسرائيليين: عدو عدوي (حماس) صديقي.

2- السياسة المجافية لمبادئ الوطنية، فضلا عن الإنسانية، التي ما زالت تمارسها حكومة رام الله -في ذروة الحديث عن الحوار المزعوم- بحق عشرات آلاف الموظفين المقيمين في قطاع غزة، وهي تحرمهم من مصدر دخلهم الوحيد، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم يؤدن أعمالهم، ويداومون في مكاتبهم، وهو ما تفسره تلك الحكومة على أنها دعم لحكومة الانقلاب كما تسميها.

فأي حوار يدعو إليه أبو مازن وحكومته تحارب الغزيين في أرزاقهم، وتمارس عليهم سياسة لم تمارسها حتى حكومات الاحتلال المتعاقبة؟

3- حالة التجييش التي تقوم بها قيادة حركة فتح التي لجأت إلى الضفة الغربية، لقواعدها التنظيمية في قطاع غزة، والإيحاء لهم بأنهم عائدون عائدون، سواء بصندوق الاقتراع أو صندوق الذخيرة، وهو أمر يتجلى في اكتشاف خلية هنا وشبكة هناك تسعى لزرع عبوات ناسفة وتفجير أماكن عامة في غزة.

بل لقد وصل الأمر ببعض مسؤولي السلطة الفلسطينية، سياسيين وأمنيين، للإعلان في الآونة الأخيرة، والقاهرة تعد العدة لاستقبال المتحاورين، أنهم لن يترددوا في استعادة القطاع بكل السبل والوسائل، حتى لو كان الثمن أن يغرق القطاع المحاصر بسيول من دماء الأشقاء الأعداء.

إيجاد تكتل فلسطيني إقليمي ضد حماس

هناك عيب بنيوي يطال الحوار المزمع في القاهرة، يتعلق بالرغبة التي لا تقبل الشك من قبل من يستضيف الحوار في إيجاد حالة من التكتل والاصطفاف من قبل جملة من "الفسائل" وليس الفصائل، لتشكيل حالة من الموقف السياسي المجمع عليه ضد حماس التي ستبدو خارجة عن الصف الوطني، ومن شقت عصا الطاعة.

وإلا بماذا يتم تفسير الدعوات المبكرة التي وجهتها القاهرة، لكل من هب ودب من القوى والمجموعات وأشباه الفصائل، وترتيب ما سيقال يوم انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، والاتفاق على بنود الرؤية المصرية التي سيتم تعريبها لاحقا، والتروي والانتظار بحيث أجلت الدعوة لحركة حماس صاحبة الشأن الأكبر والأهم في هذا الحوار إلى آخر المطاف. أليس وراء الأكمة ما وراءها؟

إذا كان مستضيفو الحوار جادين حقيقة في مساعدة الفلسطينيين للتخلص من حالة الانقسام المزري القائمة، فقد كان بإمكانهم الاكتفاء بدعوة الفصيلين الكبيرين، وكفى، إلى طاولة الحوار، لأن ما سيتفق عليه الأخوان الكبيران، ستلتزم به باقي أطراف العائلة الفلسطينية الكبيرة.

الأخطر من ذلك، أن حالة التكتل والاصطفاف وصلت الإقليم العربي بصورة أثارت استغراب المتابع لآليات الدول العربية في معالجة الملفات الشائكة، وكان آخرها ملف الأزمة اللبنانية الداخلية، وألا يبدو السؤال مشرعا ومشروعا في آن واحد: بأي منطق يهدد بعض العرب بفرض عقوبات صارمة على كل من يعطل الحوار الفلسطيني؟ وما هو المسوغ المنطقي الذي تنطلق منه بعض العواصم بشأن تشكيل محاكمات سياسية لمن يعرقل الوصول إلى توافق فلسطيني؟

ليس هناك من شك في أن العمق العربي كان وما زال وسيبقى صاحب البعد الأكثر تأثيرا في إدارة الصراع مع الإسرائيليين، بغض النظر عن طبيعة الموقف الرسمي العربي من المعطيات السياسية القائمة، لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يستحضر الموقف العربي حينا، بل وأن يتم الاستقواء به، والتلويح به من باب الابتزاز، إن تعلق الأمر بشركاء المسيرة والمصير، ويغيب ويهمش حينا آخر ويسار في القنوات الخلفية إذ تعلق الأمر بالشريك الإسرائيلي في عملية التسوية.

إن ما تمارسه قيادة السلطة الفلسطينية اليوم من حالة ارتماء "مؤقت" في أحضان عواصم الاعتدال العربي، ورضا وقبول بكل ما تقدمه من رؤى ومقترحات لوضع حد لحالة الانقسام الفلسطيني المؤسف، لا يتعدى كونه توظيفا رخيصا لحالة التشرذم العربي من جهة، ومن جهة أخرى ممارسة لعبة خطرة تتمثل في تخويف الجوار العربي من نقل تجربة الإسلام السياسي القائمة في غزة -اتفقنا معها أو اختلفنا- إلى عواصمها، عبر ربطها بالجماعات الإسلامية، الإخوانية منها والقاعدية.

مشكلة الرئاسة ذريعة للحل الأمني

بعيدا عن الجدل القانوني، والتراشق الدستوري، والمحاججات الفقهية، المتعلقة بانتهاء ولاية محمود عباس، وما أثير من إمكانية التمديد له عاما آخر، ورد حماس عليه بأنها لن تعترف به رئيسا بعد أشهر قليلة، أرى أن المشكلة الأساسية هي سياسية بامتياز، وليس البعد القانوني المثار سوى ذريعة واهية لإحراز نقطة لهذا الطرف على ذاك في المعضلة القائمة.

القانون الفلسطيني ضحية أخرى من ضحايا الفصام السياسي النكد القائم بين الخصمين الكبيرين، والطرفان بكل اقتدار يوظفان القانون والدستور لخدمة مواقفهما السياسية، ويدوسان عليه حين يعلن لهما خطيئتهما الوطنية.

السلطة برمتها، رئاسة وحكومة وبرلمانا وأجهزة، لا تساوي شيئا أمام المشروع الوطني الكبير الذي جمع الفلسطينيين عقودا من الزمن تحت رايته، وجاءت السلطة الهزيلة الألعوبة لتفرقهم وتشتت شملهم.

رغم أنني توقعت منذ أشهر أن الطرفين (فتح وحماس) سيدخلان نفقا جديدا من أنفاق الصراع الداخلي، وليس أنفاق المقاومة التي غادرها بعضهم منذ زمن، لكنني لم أتصور أن السجال سيدخل مرحلة ساخنة للدرجة التي نشهدها اليوم.

ولئن كانت السلطة في رام الله متشبثة بآخر مواقعها ومواقفها المتمثلة بكرسي الرئاسة المدعوم عربيا وإسرائيليا ودوليا، فإن الأمر غير المتفهم حقيقة أن تعلن أوساط في حماس أن مهزلة الرئاسة هي "أم المعارك" وأن كسبها لهذه المسألة سيكون الضربة القاضية لخصمها الذي بات يخسر نقاطه، نقطة بعد أخرى، وموقعا يتلوه موقع.

وبالتالي لم يكن من الداعي والضرورة أن يعلن خالد مشعل أنه لن يعترف بأي رئيس للسلطة بعد تاريخ (9 يناير، 9 كانون ثاني)، إلا بالانتخابات أو التوافق، لأن هذا التاريخ ليس علامة فارقة في الصراع مع المحتل الغاصب، وتجاوز هذا التاريخ ليس نهاية الدنيا، والمتابع للخلافات الفلسطينية الداخلية طوال عقود مضت من الزمن يرى عدم وجود تواريخ مقدسة، والتراجع عن أي تعهد هو سمة السياسة الفلسطينية، كما العربية.

وإن كانت حماس تأخذ اليوم على محمود عباس تمديد ولايته، متجاوزا بذلك القانون والدستور، فإن الفلسطينيين سيطالبون حماس بعد عام من الآن ألا تمدد لمجلسها التشريعي..فهل تراها فاعلة.

خلاصة القول: أن ما يجري التدبير له من حوار وطني فلسطيني لا يتعدى كونه استدراجا لحماس، بإرادتها وعدم أخذها الاحتياطات اللازمة، الآنية والبعيدة المدى، ورغما عنها عبر تحالف فلسطيني عربي دولي يرى فيها عدوا مشتركا، الأمر الذي يستلزم من حماس محاولة تحسين مواقعها ومواقفها، السياسية والشعبية، بعيدا عن مفردات الشرعية المزعومة.

* كاتب فلسطيني

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد