المقاومة الإسلامية التحدي الأكبر للجيش الصهيوني

2008-10-12 03:45:38

* أحمد الغريب

أكثر ما يشغل مراكز الأبحاث والدراسات الصهيونية في تلك الآونة هو فهم وإدراك مواقف تنظيمات المقاومة في العالم العربي، خاصة وأن الصراع معها طال أكثر من اللازم، ولم يعرف حتى الآن سبيلاً للخلاص منها والقضاء عليها، ولهذا سعى "إيهود يعاري" محلل الشئون العربية بالقناة الثانية بالتلفزيون الصهيوني، لإعداد ورقة بحثية هامة صدرت ضمن دراسة خاصة حملت عنوان استعداد الجيش الصهيوني للتحديات المستقبلية، ونشرها مركز بيجين - السادات للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة بار إيلان الصهيونية مطلع الشهر الحالي، في ذكرى مرور خمسة وثلاثين عامًا على حرب أكتوبر.

تناول "يعاري" في ورقته البحثية التي حملت عنوان "العالم العربي والعقيدة القتالية الجديدة" وجهة نظره بشأن التغيرات التي طرأت على العقيدة القتالية لدى الدول العربية، حيث استهل حديثه بالتأكيد على أنه سيحاول خلال ورقته تلك الحديث باستفاضة عن عقيدة المقاومة لدى العرب، مشيرًا إلى أنه وبحسب رؤيته فإن تلك العقيدة تعد العقيدة العسكرية الأكثر انتشارًا في العالم العربي، مشيرًا بقوله "إلى أنه وعلى الرغم من أن كلمة مقاومة تعني التصدي للمعتدي والوقوف في وجهه، إلا إنه يعتقد أن هذا ليس هو المقصد من المقاومة عند العرب، فالمقاومة عندهم هي بمثابة عقيدة وحرب دينية وجهاد مقدس أبدي لا نهاية له، منوهًا إلى أن عقيدة المقاومة بمفهومها هذا الذي ذكره مسبقًا ظهرت خلال السنوات الأخيرة الماضية في الوطن العربي، ثم ازدادت بشيء لافت للنظر مؤخرًا.

وتناول الخبير الصهيوني في ورقته البحثية بعض المؤشرات التي حاول من خلالها تأكيد صحة نظريته، مشيرًا إلى أن الأمر اللافت للنظر هو ظهور العديد من الإصدارات في المكتبة العربية، منها إصدارات حققت نسبة مبيعات ضخمة جدًا، كان من بينها كتاب حمل عنوان "إخراج العرب من التاريخ"، معتبرًا أن ذلك الأمر يعكس الشعور السائد لدى العرب، حيث نجد أن العالم العربي مر خلال العقود الأخيرة بأزمة خطيرة، اعتقد أنها لا تقل خطورتها وتداعياتها الثقافية عن الأزمة الكبرى التي مر بها العرب بوجه عام نتيجة حرب 1948م، ونتيجة لموجة التغيرات التي أعقبتها بعد ذلك.

انقسام في معسكرات المقاومة

وأشار "يعاري" في ورقته البحثية إلى أن العقيدة القتالية عند العرب والمتمثلة في عقيدة المقاومة، يتبناها في الوقت الحاضر ثلاثة معسكرات متنافسة في العالمين العربي والإسلامي، وتلك المعسكرات الثلاثة تتنافس الآن على تحقيق آمالهم في جني ثمار فشل الولايات المتحدة من خلال رؤية تقوم على أن نجم الولايات المتحدة آخذ في الأفول، كقطب أوحد في العالم، على الأقل في قارة آسيا، وهم في ذلك مثل آخرين حول العالم، مشيرًا إلى أن أول تلك المعسكرات الثلاثة هو المعسكر الذي يضم أتباع تنظيم القاعدة وخلاياه المنتشرة في العالم، ويمكن أن ندخل في إطاره أيضًا حزب التحرير الإسلامي، وهو حزب ليس له أي نشاطات عسكرية داخل "إسرائيل"، لكنه تنظيم موجود ونشط، ولكني أخشى من أن نشاهد له أنشطة عسكرية مثل التي ينفذها تنظيم القاعدة، ثم يليه المعسكر الثاني المتمثل في أتباع المعسكر الشيعي الراديكالي، والذي يمثله الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بقيادة أمينه العام حسن نصر الله، وأخيرًا هناك المعسكر الثالث والذي يمثله جماعة الإخوان المسلمين، والحركات التابعة ومنها حركة حماس الفلسطينية.

حالة من التنافر بين المعسكرات الثلاثة

وأشار إيهود يعاري في ورقته البحثية الصادرة عن مركز بيجن - سادات إلى أنه وعلى الرغم من وجود معسكرات ثلاثة يوجد بينها حالة من التنافر وعدم التناغم، بل يمكن أن يصل الأمر بينها إلى أن كل معسكر يستبيح دماء أتباع المعسكرات الأخرى، إلا أن هناك تلاقيًا فيما بينها، حيث يشتركون جميعًا في توجه واحد، وعلى الرغم من عدم وجود أي شراكة أو تعاون بينهم، أو حتى يجمعهم مصير مشترك، إلا أن الشيء الوحيد الذي يشتركون فيه هو العقيدة القتالية المتمثلة في عقيدة المقاومة، وهي عقيدة بدأت تنتشر خلال الأعوام الماضية بشكل لافت للنظر.

ثم أشار الخبير الصهيوني إلى أنه سيحاول في القسم الثاني من ورقته البحثية توضيح أهم النقاط الخاصة بعقيدة المقاومة لدى العرب، قائلاً "إن النقطة الأولى تتمثل في عدم السعي نحو إحراز النصر، مشيرًا إلى أنه وعلى هذا الأساس يجب أن يعلم كل من "الإسرائيليين" والأمريكيين وحلف الناتو في أفغانستان، أنهم يواجهون عدوًا، لا يُعد النصر هو هدفه الأساسي حاليًا، ولا هو الدافع الذي يسعى من أجل تحقيقه، بل إن هذا العدو يضع نصب عينيه هدفًا آخر تمامًا، ألا وهو الحيلولة دون انتصار الطرف الآخر، ونجد أن هذه هي المرة الأولى منذ أن هزم البرتغال الأسطول العثماني في البحر الأحمر أو قد يقول البعض منذ دخول نابليون أرض مصر، أو يقول آخرون: منذ أن تم وقف العثمانيين على بوابات فيينا، فكل فرد يختار الفترة الزمنية التي يريدها والتي يشعر فيها العالم الإسلامي أنه عثر على الطريق الصحيح، لمواجهة التفوق التام للتكنولوجيا العسكرية الغربية، وهذا الطريق يتمثل في العمل على عدم تحقيق الطرف الآخر للنصر.

واستعرض الكاتب النقطة الثانية مشيرًا إلى أنها تتمثل في عدم التطلع إلى حسم أي قتال، حتى في حالات القتال المتفرقة التي تُديرها تلك المعسكرات، فإنه ليس من الضروري حسمها، والتوصل إلى حل في كل حالة قتالية، والأساس الذي يسيرون عليه هو الاستمرار في القتال بشكل متواصل مهما يكن الثمن، وليس من المهم تحقيق الانتصار في المعركة، أو حتى في القتال، لأن الجدول الزمني الذي حددوه لأنفسهم سيستمر لعدة أجيال.

الشيخ أحمد ياسين تنبأ بزوال "إسرائيل"

وأردف "يعاري" قائلاً"يجب أن نتذكر أن أحمد ياسين دائمًا ما كان يتحدث عن فناء "دولة إسرائيل"، وفي إحدى المرات حدد تاريخ فنائها بعام 2027م ، وفي الوقت ذاته نجد أن العالم العربي يشهد انتشار موجة كبيرة من الكتب الإسلامية التي تتناول مسألة متى ستفنى "دولة إسرائيل"؟ وأصبح الكتاب الأكثر مبيعًا في القاهرة الآن، أحد الكتب الذي يتضمن مقارنة بين "إسرائيل" والاتحاد السوفيتي، والذي يقول إن الاتحاد السوفيتي كان عمره سبعين عامًا و"إسرائيل" كذلك ستدمر بعد سبعين عامًا - ربما أقل قليلاً أو أكثر قليلاً، وهذا يعني أن هذا الكتاب يريد أن يوضح أن الجيل الحالي ليس مطلوبًا منه إحراز النصر، ولكن المطلوب منه هو التضحية بنفسه، حتى يأتي الجيل الذي يعقبه أو الجيل الثالث ليحرز هذا النصر.

ووصل الكاتب الصهيوني إلى استعراض النقطة الثالثة وقال إنها تتمثل في اعتراف الطرف الآخر بعدم تفوقه عسكريًا أمام خصمه، سواء أكان خصمه هذا هو "إسرائيل" أم الجيش الأمريكي أو الناتو. . . إلخ، ولكنه يرى أن موقف الضعف هذا يجب استخدامه مثل زر التشغيل، حيث نجد أن المثال البارز الذي يؤكد هذا الأمر هو خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق عقب حرب لبنان الثانية 2006م، عندما قال إن:" السلام هو خيارنا الإستراتيجي، رغم أن هذا السلام لا يُعد الطريق الوحيد، بل أن هناك خيارًا آخرًا، ألا وهو خيار المقاومة" ونجد أن بشار الأسد يقصد بكلامه هذا العقيدة القتالية التي نتحدث عنها هنا.

والجدير بالذكر أن بشار الأسد بكلامه هذا يكون قد ألقى بمواريث والده (حافظ) في سلة المهملات، وذلك لأن والده كان يتحدث عن تحقيق "توازن إستراتيجي" بين "إسرائيل" من جهة، وسوريا والعالم العربي من جهة أخرى، ولكن الآن تحول الضعف وعدم التفوق العسكري إلى زر التشغيل للمقاومة، وأصبح أمرًا لا يجب الانزعاج منه، بل الافتخار به.

وفي عرضه للنقطة الرابعة يشير معلق الشئون السياسية بالتلفزيون الصهيوني إلى أنه وعلى المستوى الديني نجد أن الحرب التي تشنها هذه الجماعات ليست حربًا تهدف إلى الحصول على أرض، ولكنها حرب تهدف إلى سفك الدماء، لذلك من الممكن أن يدخل الجيش الأمريكي إلى داخل العراق، ويسقط نظام حكم صدام حسين، ويمكث في بغداد، ولكن بدون أن يتمكن من إحراز النصر حتى يومنا هذا. ويرى يعاري أنه وفي خضم الثرثرة واللغط الذي نسمعه في الآونة الأخيرة من جميع قيادات وأجنحة حماس، عقب تحذيرات باراك من أن احتمالية شن عملية عسكرية في غزة أصبحت وشيكة، نجد أن قادة حماس يقولون لزعماء "إسرائيل" :"يمكنكم الدخول إلى غزة، ولكن هل سيضمن لكم هذا الأمر تحقيق النصر؟ انظروا إلى أفغانستان وإلى الصومال، وإلى باقي ميادين القتال الأخرى".

وفي حديثه عن النقطة الخامسة يشير الباحث في ورقته إلى أنها تتعلق بنظرة هؤلاء الذين أسماهم بالمتشددين لفكرة الموت، حيث يرون أنه كلما قصرت الحياة كان ذلك أفضل، لذا يُعد الموت سلاح المقاومة لديهم، وتابع حديثه بالقول"لهذا نرى أن إسماعيل هنية ذكر في إحدى جلسات المجلس التشريعي الفلسطيني المُنعقدة في غزة :"نحن لم يتم اختيارنا لنكون وزراء، ولكن تم اختيارنا لنموت على سيوفنا".

ونوه يعاري كذلك إلى أنه ومن خلال إمعان النظر في الأدب الذي يُدرس في الجامعات الفلسطينية، فإننا سنجد أنه يتناول بشكل جاد وموضوعي التساؤلات النابعة من هذه الرؤية المتعلقة بالموت، والحياة الأبدية التي سيعيشها الشهيد في الآخرة، بالإضافة إلى أن كبار المشايخ المسلمين يتحدثون عن الحور العين اللاتي ينتظرن هؤلاء الشهداء، وأن المرأة عندما تموت شهيدة هي الأخرى فإنها في الجنة ستختار - من بين مئات الشهداء الذين سبقوها، الشخص الذي تريد الزواج منه - وهذا كله يجذب الشباب المسلم إلى الاستشهاد للفوز بهذا الأمر.

الدولة الإسلامية في العراق نموذجًا

ويصل الكاتب لاستعراض النقطة السادسة والأخيرة من النقاط المتعلقة بعقيدة العرب القتالية في الوقت الراهن، ويشير بقوله إلى أنها تتعلق بمسألة أن هؤلاء المتشددين لا ينظرون إلى الدولة ككيان سياسي باعتبارها ضرورة، ويرون أنه لا فائدة لها، ولا تخدم أي يء؛ حيث يرون أن مصطلح الدولة العربية هي دولة فاشلة، ويقولون إنهم لا يحاربون فقط بشكل أفضل من الجيوش العربية النظامية، بل أنهم أي القاعدة وحماس وحزب الله أيضًا يقدمون خدمات جماهيرية واجتماعية للشعوب العربية، لذلك يتساءلون دومًا: ما الحاجة إذن إلى تلك الدول العربية؟ التي جميعها تمخضت عن اتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة.

وقال يعاري إنه إذا ما نظرنا إلى ما يُطلق عليه "الإمارات الإسلامية العراقية" سنجد أنهم لم يحددوا لها حدودًا إقليمية ثابتة، ولا حتى حدودًا مستقبلية متوقعة، لأنهم يعتقدون أن المهم هو الأداة وليس النظام أو الحدود، لذلك نرى أن الملوحين بهذه العقيدة التي تحدثنا عنها ليسوا دعاة حرية، كما أنهم ليسوا وطنيين جاءوا لتحرير وطنهم، ولكنهم يقاتلون من أجل الإسلام ومن أجل إحياء الخلافة الإسلامية، التي بطبيعتها لا تحدها حدود معينة، وهذه العقيدة مشتركة لدى جميع الجماعات الإسلامية المتشددة بمختلف توجهاتها، ووفقًا لهذه العقيدة، فليس هناك جبهة قتال واحدة مختارة، ولا جبهة قتال مفضلة، ولكنها عبارة عن حزمة من الجبهات المختلفة التي يتم فيها القتال والنضال بدون تفضيل جبهة على أخرى.

وتابع حديثه بالقول"كما أن هذه العقيدة لا تحدد جداول زمنية قصيرة المدى، ولكنها تتحدث عن كفاح متعاقب الأجيال، مما يعني أنك تواجه عدوًا، يقوم بإرسال جيل كامل من الجنود إلى ميادين القتال، وقد رسخ في ذهنهم منذ البداية أنهم ذاهبون إلى القتال ولا يُنتظر منهم إحراز النصر، لذا نجد أن هذا النوع من العدو مغاير تمامًا للعدو التقليدي، ويختلف عن الجندي النظامي الذي يرغب في إحراز النصر في المعارك القتالية، وبالتالي إحراز النصر في الحرب.

وأنهى ورقته البحثية بالقول" إن مواجهة هذه العقيدة لم تنجح في القضاء عليها في أي من الجبهات المختلفة، فرغم أن هناك أماكن شهدت انخفاضًا في نشاطات اتباع هذه العقيدة مثل مصر والسعودية والجزائر، إلا أنه لم يتم حسم أمرها بشكل تام في أي من تلك الجبهات".

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد