هنا يجب أن نستثمر أموالنا، لا أحد يعرف ما الذي تخبأه الأقدار لأطفالنا، لقد رأيت في وجوههم وعيونهم البريئة صورة طفلي الذي لا أعلم عنه..

أركان.
أصغر يتيم في المؤسسة لا يتجاوز عمره أربعة أيام، ككل المواليد يفتح فمه الصغير وهو يحرك رأسه بحثاً عن ثدي أمه، تحتضنه أمه البديلة هنا في الدار بحنان تكاد تشعر أنك ستلمسه لفرطه.
عانى والده من حالة نفسية أوصلته إلى حرق نفسه، كانت الأم لا تزال في شهور حملها الأولى، وما كان من أهل الأب الإ أن وجهوا أصابع الاتهام إلى الأم التي كانت هي الأخرى مصابة بمرض السرطان، وضعت الأم طفلها فبادر أهلها إلى إجبارها على التخلي عنه والذهاب به إلى أسرة الأب المتوفى ولكنهم بالمقابل رفضوا استلامه بحجة أن الأم هي من قتلت ابنهم، وأعادوه إلى أسرة الأم الذين رفضوا أن تعتني ابنتهم بوليدها، فدلهم الجيران على مؤسسة الرحمة التي بدورها احتضنته، لتثبت أن لهؤلاء الأطفال الحق في الحياة دون تحمل أحقاد الكبار أياً كانوا..

نور..
لا تبرح "نور" ـ التي لا يتجاوز عمرها العامين ـ التوقف عن الرقص، حين تقع عيناك عليها لأول وهلة تظن أنها من أسرة ثرية لما هي عليها من هندام نظيف وجميل، ولما في وجهها الصغير من نظارة، ولما بها من مرح طفولي يوحي كم تتمتع هذه اليتيمة بحالة نفسية مستقرة..

لجين..
كعصفور ولد للتو تنام لجين على سريرها الوثير، تأملتها طويلاً وأنا أفكر ترى بما تحلم هذه الطفلة؟ وفكرت بالأقدار التي تقد تجلب أطفالنا إلى هنا يوماً ما..

عبدالملك:
يفرح عبد الملك بالزائرين، حين رآني جرى إلي واحتضنني كأنه يعرفني، ضميته إلى صدري وهيئ إلي أن كل من حولي كان يسمع نبضات قلبي التي أخذت تتسارع، تمنيت لو أني أستطيع أن أسكنه أقصى قلبي واحتفظ بحرارة حضنه إلى الآبد.
 احتضان اليتيم يشعرك بفرحة ممزوجة بألم له طعم اليتم وانكساره، يعتصر عبد الملك يداه دليلا على سعادته وخجله الطفولي اللذيذ..
كم يحتاج اليتيم من الحب؟ كم يحتاج من المواساة، كم يحتاج من الأمان الذي يعوضه حضن أمه وأبيه؟..
طوبى لكل الأياد التي تمتد لتمنح هؤلاء الأطفال شيئاً من البسمة التي هي عند الله عظيمة..