من فقدوا مصالحهم يحيكون المؤامرات لإرباك العملية الانتقالية في اليمن

2012-05-12 16:24:21 عارف العمري


المراقب لمسيرة تنظيم القاعدة منذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر التي هزت برجي التجارة العالمية في أميركا وحتى اليوم، يلاحظ أن القاعدة أقدمت على تغيير سياستها كلياً وأصبحت لها إستراتيجية تختلف عن تلك الإستراتيجية التي عملت بها منذ 2001م وحتى 2005م, وبدأ التنظيم يبحث عن موطئ قدم بعد أن ظل مطارداً لفترات طويلة, وكانت المناطق التي ترتفع فيها معدلات الفقر وتنعدم فيها مؤشرات الاستقرار بيئة حاضنة لذلك التنظيم ليقيم معسكراته فيها.
يبدو أن طموح القاعدة أكبر من حجمها ومحاولاتها المستمرة إحراق الكثير من المراحل بغية الوصول إلى الهدف بأسرع وقت قد جعلها تدفع الكثير من أبنائها إلى محرقة الموت, في مقابل خسارتها لجمهور كبير من الناس ظل متعاطفاً معها طيلة سنوات الحرب في أفغانستان, والقاعدة بذلك تتحدى السنة الكونية القائمة على التدرج في الخطوات التي توصل غالباً إلى قمة الهرم ونهاية الطريق.
كانت البداية من "الصومال" تلك الدولة الغنية بخيراتها, والتي كانت ديكتاتورية سياد بري السبب الرئيسي في تمزقها, وجعلها عرضة لانتهاك سيادتها من قبل دول الجوار, وحينما لجأ الصوماليون إلى العنف بدلاً من الحوار, والى الكراهية بدلاً من المحبة, والى القتل بدلاً من النقد.. حينها تفجرت نار الحرب, وفتحت القبور أبوابها, ودق ناقوس الفقر والموت بوابة كل صومالي, وهنا وجدت القاعدة فرصتها الذهبية في إيجاد موطئ قدم لها في الصومال، مستغلة فقر الناس هناك, فجندت الآلاف من الصوماليين، الذين يعملون ليلاً ونهاراً على إفشال حكومة شيخ شريف, طامحين في حكم
الصومال على الطريقة الخاصة بهم, وباتت الصومال تصدر عناصر القاعدة إلى الدول التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية كاليمن.
في اليمن كانت القاعدة حاضرة وليست وليدة اللحظة, وسبق وأن أفرجت الحكومة اليمنية عن العديد منهم تارة تحت مسمى العفو, وأخرى تحت مبرر الهروب الجماعي, وكانت تستخدم من قبل النظام البائد كوسيلة من وسائل الثراء غير المشروع, وورقة ابتزاز للغرب الذي ظل يغدق على قوات مكافحة الإرهاب, في الوقت الذي تذهب معظم تلك المساعدات إلى حسابات المسؤولين اليمنيين في بنوك أوروبا.
كانت الثورة الشبابية الشعبية السلمية قد حولت موازين القوى في اليمن وبدأت تحالفات جديدة تقوم أغلبها على تصفية حسابات سابقة, بينما ظل الشباب يحلمون بتحقيق أهدافهم في رحيل العائلة التي انفردت بالحكم طيلة ثلاثة عقود من الزمن, فتحالف النظام السابق مع الحوثيين والقاعدة وقطاع الطرق والمخربين وبعض المرتزقة من أجل مواجهة المد الثوري الذي هز العرش وأحدث شرخاً في منظومة النظام البائد, وهدد الرئيس السابق عدة مرات بأن البديل عن حكمه هو الفوضى والقاعدة, وهذا ما يحاول أن يجعله واقعاً ملموساً منذ مارس من العام الماضي وحتى اليوم بعد أن خرج صورياً من سدة الحكم, في الوقت الذي لازال الحرس الجمهوري ينفذ الكثير من الطموحات الشيطانية التي يرغب صالح في تحقيقها.
دشن صالح مشروعه التخريبي بتسليم زنجبار إلى القاعدة بعد رفض طارق الفضلي استلام المحافظة, كما تم تسليم محافظة صعدة في الشمال للحوثيين, وأحبطت القبائل الموالية للثورة تسليم بقية المحافظات الأخرى للقاعدة والحوثيين كالجوف والبيضاء.
دخلت القاعدة كقوة ضاربة مدينة زنجبار بعد أن سلمت لها كل المنشآت العسكرية والمدنية بكل ما تحتويه من معدات وتجهيزات, وسهل النظام البائد لها عملية التسلح عبر قيادة المنطقة الجنوبية, فما لبثت أن تسلحت بسلاح متطور بدءاً من الدبابات والمصفحات والمدافع المتطورة والصواريخ والرشاشات وانتهاءً بالسلاح التقليدي, الذي استطاعت به الدخول إلى جعار والتمدد إلى عزان في شبوة ومحاولتها الأخيرة دخول مدينة لودر.
استفادت القاعدة من الحالة الأمنية والاقتصادية في مد نفوذها, وكانت البطالة والفقر أهم عامل مساعد في تجنيد العشرات من الشباب في صفوف القاعدة, كما استفادت القاعدة من الصراعات القبلية ودعوات الانفصال التي يروج لها بعض المقيمين في بيروت ومن لهم علاقة بإيران, التي تسعى إلى خلق عملاء يسهلون لها السيطرة على المنافذ البحرية في جنوب اليمن.
إرباك العملية الانتقالية في اليمن:
تمر اليمن بمرحلة انتقالية وهي مرحلة حرجة وحساسة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لإخراج اليمن من شرنقة الفوضى إلى متنفس الحرية والأمن، ولكن من فقدوا مصالحهم غير المشروعة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يروا اليمن يستقر ودوائر نفوذهم تضيق يوماً بعد آخر, ومصالحهم تفقد واحدة تلو الأخرى, وبالتالي فإن الخيار لديهم هو إرباك المرحلة الانتقالية التي تشهدها اليمن, ولو بدعم الفوضى وضخ الملايين لقطاع الطرق ومخربي الكهرباء ومفجري أنابيب النفط.
وبحسب الدكتور والمحلل السياسي فارس السقاف، فإن معسكر صالح يسعى إلى "إرباك المرحلة الانتقالية"، لتثبت دوراً له في السياسة الداخلية للبلاد.
ويأخذ السقاف دليلاً على ذلك، تسليم عدة مراكز عسكرية للقاعدة من دون مقاومة كبيرة.
وفي حوار مع صحيفة المدينة السعودية نشر نهاية الشهر المنصرم حمل رئيس الوزراء الأسبق/ حيدر أبوبكر العطاس، الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح مسؤولية ما يحدث في باليمن، مشيراً إلى أنه لم يرحل حتى الآن عن السلطة.
واتهم العطاس صالح بأنه هو من صنع تنظيم القاعدة في اليمن، ودعمه مادياً وعسكرياً، ليقول في رسالة إلى العالم إنه الوحيد القادر على ضبط الأوضاع في اليمن.
وقال حمود الهتار - وزير الأوقاف السابق الذي رأس لجنة الحوار الفكري مع عناصر القاعدة خلال الفترة من 30 أغسطس 2002م إلى نهاية 2005م- إن تمدد القاعدة جاء نتيجة لوجود رغبة لدى بعض رموز النظام السابق إلى صومال آخر، وتعاون بعض العناصر الأمنية والعسكرية مع تنظيم القاعدة وتسليمها محافظة أبين ومدينة رداع وتسليمها كمية كبيرة من الأسلحة والعتاد التي كانت موجودة في معسكر الأمن المركزي ومدينتي جعار وزنجبار، إضافة إلى الأسلحة التي كانت قد حصلت عليها إثر عملية وادي دوفس، مضيفاً: بعد أن حققت تجربة الحوار نجاحاً في تغيير القناعات والسلوك لدى أولئك الأشخاص الذين كانوا متأثرين بأفكار القاعدة، وحل الرفق محل العنف والسلام محل الإرهاب، استاءت السلطة من ذلك لأنها فوتت فرصة على من كانوا يحاولون تخويف دول الجوار والغرب من خطر القاعدة بهدف الحصول على مزيد من المساعدات المالية، وابتزاز الخزينة العامة تحت مبرر مكافحة الإرهاب.
وقالت صحيفة "الشرق" السعودية إن صالح قرر التحالف مع أعدائه في الماضي القريب، جماعة الحوثي في الشمال، والحراك الانفصالي في الجنوب وتنظيم القاعدة بغرض زعزعة أمن بلاده والمنطقة بأسرها لإيهام الجميع بأنه لن تقوم لليمن قائمة دونه وأنه ينبغي أن يظل رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية، ضارباً بالتوافق الوطني - الذي تمخض عنه تشكيل حكومة ائتلاف وطني- عرض الحائط.
وأشارت الصحيفة في افتتاحيتها الاثنين الماضي إلى أن صالح يعتمد في مواجهته مع الإدارة اليمنية الجديدة على استخدام نفوذه في بعض الدوائر لإعاقة خطوات الإصلاح، مستعيناً بأذرعه المستمرة حتى الآن في مؤسسات الدولة، وهو ما عكسه مؤخراً رفض أقاربه قرارات الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي بنقلهم من مناصبهم في المؤسسة العسكرية.
" الرصاصة الفضية" لتدمير القاعدة:
منذ تسعة أبريل الماضي وحتى اليوم لازالت عناصر القاعدة تتمركز في ذات الأماكن التي احتلتها أول يوم في هجومها على لودر ولم يحقق الطيران الحربي الذي يقصف مواقع تمركز مسلحي القاعدة وكذلك المدفعية واللجان الشعبية أي تقدم باتجاه المناطق التي يسيطر عليها مسلحو القاعدة, ولكن يبقى السؤال الأهم؛ هل إذا استطاعت الحكومة اليمنية تطهير كل القرى والمدن بحسب خطاب الرئيس هادي يوم السبت الماضي هل معنى ذلك أن اليمن استطاعت القضاء على تنظيم القاعدة, باعتقادي أن مثل هكذا قول: "إن القاعدة ستنتهي وتتلاشى في اليمن" كلام عار من الصحة.
 في نهاية الشهر الماضي أقرت الحكومة الأمريكية، بعدم وجود حل "سحري" ونهائي للقضاء على تنظيم القاعدة وشبكاته العالمية، رغم مقتل زعيمه السابق أسامة بن لادن، في وقت رفعت فيه وزارة الأمن الداخلي الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من مستوى التحذيرات الأمنية في البلاد، تزامناً مع اقتراب الذكرى الأولى لمقتل بن لادن في عملية أمريكية خاصة جرت في الثاني من مايو/أيار العام الماضي.
ونقلت شبكة CNN الأمريكية، عن وزير الدفاع الأمريكي "ليون بانيتا" قوله في حديث صحفي: "إن الولايات المتحدة باتت بالتأكيد أكثر أمناً، بعد مقتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي تحل بعد أيام الذكرى السنوية الأولى لعملية تصفيته في باكستان، غير أنه ما من حل سحري للتخلص من القاعدة وشبكاتها العالمية حتى بعد مقتل بن لادن".
وأضاف بانيتا - في حديث للصحفيين- عقب لقاء جمعه مع نظرائه من أميركا الجنوبية: "بعد انخراطي المطول في العمليات، حتى قبل بن لادن، فإنه بات من الواضح عدم وجود رصاصة فضية (كحل سحري) تسمح لنا فجأة بتدمير تنظيم القاعدة، وهذا الأمر ما زال قائماً، حتى بعد بن لادن".. مشيراً إلى أن الولايات المتحدة باتت أفضل أمناً بعد مقتل بن لادن، غير أنه أكد أن "هذا لا يعني أن أعضاء القاعدة، ما عادوا يشكلون خطراً علينا، كما لا يعني أن علينا وقف عمليات مطاردتهم حيثما كانوا" - وفق قوله.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي أن: "الطريقة التي تعمل بها الأمور تقوم على أنه كلما نجحنا في قتل رموزهم القيادية الأيديولوجية والروحية، كلما ازدادت قدرتنا على إضعاف خطرهم الموجه ضد بلدنا"، في إشارة إلى قيادات وأعضاء تنظيم القاعدة التي عاشت أميركا حالة من الرعب والتوجس، خشية تنفيذهم لأعمال انتحارية انتقامية، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لاغتيال زعيمهم السابق في عملية عسكرية أمريكية بباكستان، حيث كان يقيم مع زوجتيه اليمنية أمل السادة وأولادها وأخرى سعودية قالت سلطات المملكة، إنها سمحت لاعتبارات إنسانية باستقبالها ضمن بقية عائلة "بن لادن" المكونة من أرامله الثلاث وعشرة من أولاده.
ووفقاً لذات الشبكة الأمريكية الناطقة بالعربي، فإن تصريحات بانيتا - وزير الدفاع الأمريكي- تأتي في وقت رفعت فيه وزارة الأمن الداخلي الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من مستوى التحذيرات الأمنية في البلاد، استناداً على بيانات موضوعة من قبل أشخاص على شبكة الانترنت، دعوا فيها إلى شن هجمات على أهداف أمريكية بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لمقتل بن لادن في تلك العملية الأمريكية الخاصة التي جرت في الثاني من مايو من العام الماضي، وبعد مطاردته طوال عقد من الزمن على إثر تفجير برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر2001م.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد