نفقات الدفاع والمساعدات الخارجية بين أوباما وماكين

2008-11-01 03:23:16

* أسامة عبد الله

تتجه آراء العديد من المحللين الاقتصاديين إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية حاليا سوف تقود إلى حالات من الركود الاقتصادي على الأقل خلال العامين الأولين من فترة الرئاسة الأمريكية المقبلة.

ومن المحتمل أن تتسبب هذه الأزمة في تقييد الإنفاق الحكومي على الدفاع والمساعدات الخارجية، الأمر الذي قد يقيد من خيارات السياسة الخارجية للرئيس المقبل.

ولا ريب في أن تطوير القدرات العسكرية وحجم الإنفاق العسكري يعدان من عوامل القوة الصلبة للدولة، في حين أن المساعدات الخارجية التي تقدمها للبلدان الأخرى تمثل أحد أشكال استخدام القوة المرنة، وإن كان ذلك يهدف بالأساس إلى تحقيق أولويات في سياسة أمريكا الخارجية، إذ دائما ما ترتبط المساعدات بممارسة أنواع متباينة من الضغوط على الدولة المتلقية، والمفترض أنها حليف لأمريكا.

لهذا فإن تناول رؤية كل من المرشح الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك أوباما لهاتين المسألتين قد يساعد بعض الشيء في توقع الانعكاسات للأزمة المالية على السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما في قضايا تهم العرب والمسلمين.

الإنفاق على الدفاع

يستقطع بند الإنفاق على الدفاع نسبة كبيرة من الميزانية الأمريكية، حيث يستحوذ على 21.6% من إجمالي النفقات في الميزانية، ويلاحظ أن الإنفاق على الدفاع في زيادة مستمرة خلال الثماني السنوات الماضية، إذ ارتفع المخصص للإنفاق على الدفاع من 361 مليار دولار عام 2000 إلى 515 مليار دولار عام 2008، هذا إلى جانب طلب زيادة ميزانية الدفاع في الصيغة النهائية للميزانية الأمريكية المقترحة لعام 2009 إلى 537 مليار دولار بنسبة زيادة تقدر بنحو 7% عما تم تخصيصه عام 2008، ولا يشمل هذا المبلغ 70 مليار دولار أخرى كميزانية إضافية لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان.

وبالتالي فإن إجمالي المخصص لنفقات الدفاع في ميزانية عام 2009 يبلغ 607 مليارات دولار قابلة للزيادة في ضوء توقع الخبراء زيادة نفقات الحرب في العراق وأفغانستان عن مبلغ 70 مليار المطلوبة، وهذه المبالغ في مجموعها تعد أعلى مستوى إنفاق عسكري منذ الحرب العالمية الثانية.

ورغم توقع الخبراء أنه قد يتم تقليص هذه الميزانية الضخمة للدفاع، فالواضح أن أيا من المرشحين سيجد نفسه مضطرا إلى الزيادة لا التقليص، وذلك بالنظر إلى أن كليهما أشار إلى الحاجة إلى زيادة نفقات الدفاع، وإن لم يحددا نسبة هذه الزيادة.

ويطالب كل من المرشحين بضرورة إصلاح نظام المشتريات والتعاقدات لوزارة الدفاع للحد من تجاوز التكاليف المخصصة، والحد من الفساد في هذا القطاع وإعادة النظر في أو إلغاء الميزانيات المكملة (الاعتمادات الإضافية) التي تمول الحرب في العراق وأفغانستان وعمليات مكافحة الإرهاب الدولي، والتي تجاوزت تكاليفها مبلغ 800 مليار دولار خلال الست السنوات الماضية، مع ضرورة إدراج بنود الميزانيات الإضافية في الميزانية العامة للدولة.

إلى جانب ذلك يرى المرشح الديمقراطي ضرورة زيادة عدد جنود الجيش بنحو 65 ألف جندي وزيادة جنود البحرية بعدد 27 ألف جندي بتكلفة 100 مليار دولار، وضرورة مراجعة برنامج الدفاع الصاروخي من حيث التكلفة العالية التي تجاوزت 160 مليار دولار والمخصصات السنوية الكبيرة له والبالغة 11 مليار دولار سنويا، كما يدعو إلى زيادة قوات العمليات الخاصة والاستخبارات البشرية لتحسين إجراء عمليات مكافحة التمرد.

وحول الوضع في العراق ركز باراك أوباما على ضرورة زيادة القوات الأمريكية المنتشرة في أفغانستان على حساب تخفيض القوات الموجودة في العراق مع وضع جدول زمني يضمن الخروج في أقرب وقت ممكن من العراق مع التركيز على باكستان وأفغانستان وزيادة الضغط السياسي والعسكري على باكستان لمواجهة تنظيم القاعدة الذي ازداد قوة الآن عن أي وقت مضى.

وركز أوباما أيضا على ضرورة تدعيم القوات البحرية وإحلال السفن الحربية المتطورة السريعة صغيرة الحجم بدلا من السفن المتهالكة، إلى جانب تدعيم الدفاعات الصاروخية وزيادة الاستثمار في الأسلحة المتقدمة لحماية أمريكا من الأنظمة المارقة مثل كوريا الشمالية التي تمتلك الصواريخ عابرة القارات وكذلك إيران.

أما المرشح الجمهوري ماكين فقد ركز على ضرورة إعادة هيكلة الجيش للحد من التركيز على النماذج التقليدية للقتال بالدبابات والسيطرة على الأرض والتركيز على حرب المعلومات والحرب الإلكترونية ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وضرورة تدعيم الدفاعات الصاروخية، ويعتبر ماكين من أشد المدافعين عن برنامج الدفاع الصاروخي، ولذلك دعا إلى زيادة الاهتمام به وتطويره.

وحول الوضع في العراق يرى ماكين أنه يجب التمهل في سحب القوات من العراق، وإن مهمة الرئيس المقبل ليست في تقرير صحة الهجوم على العراق من خطئه، بل كيف يمكن أن نغادر العراق؟ ومن نترك وراءنا هناك؟

وفي ضوء البرنامج الانتخابي لكلا المرشحين يمكن استنتاج عدة ملاحظات أهمها ما يلي:

1- تشير التوقعات إلى أن أوباما سيكون المرشح الأكثر إنفاقا على الدفاع، فهو أكثر تحديدا لمصادر هذه الزيادة المتوقعة من حيث زيادة الجيش بأعداد معينة وزيادة القوات في أفغانستان، وبالتالي فإن أوباما واقعيا سيعطي أولوية خاصة في سياسته الخارجية لمحاربة تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان.

2- بالنسبة للعراق يعده أوباما مدخلا لتخفيض الإنفاق من خلال التخفيض السريع للقوات المتواجدة وزيادة التركيز على أفغانستان، كما أنه سيسعى لتخصيص مبالغ خاصة لزيادة نفقات الحرب ضد الإرهاب ومكافحة حركات التمرد، ولعله قد ذكر في مناظرته الثانية مع ماكين أنه لولا حرب العراق لأمكن التدخل من أجل أزمة دارفور، وبالتالي فإن أوباما يريد التدخل في حالات يعتبرها "إنسانية".

أما ماكين فواضح أنه لن يغير من تكتيكات الإدارة الراهنة، وهو ينادي بزيادة الإنفاق على الدفاع الصاروخي، ما قد يؤشر لإمكانية زيادة الخلاف مع روسيا.. وماكين يحاول زيادة الإنفاق في مجال الحرب البرية والسيطرة على الأرض، ما يؤكد أنه انزعج كثيرا من تجربة القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان.

3- إن نمط تركيز المرشحين على زيادة الإنفاق على الدفاع لا يعني بالضرورة الإعداد لحرب جديدة، وخصوصا ضد إيران، بل الهدف الأساسي عمل نقلة نوعية وإستراتيجية للجيش الأمريكي من الشكل التقليدي للجيش من دبابات ومشاة إلى تطوير البنية التحتية العسكرية والاهتمام بالحرب الإلكترونية والمعلوماتية وتطوير النظام الصاروخي والسفن الحربية والقوات الجوية والاستخبارات البشرية، أما إيران فهي ليست بحال موضع حديث من هذا النوع إلا بعد انقضاء وقت ما من رئاسة أيهما للولايات المتحدة.

* باحث اقتصادي

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد