هل استعد الجيش الصهيوني للحرب القادمة؟

2008-11-16 03:39:21

أحمد الغريب

أعد الخبير الصهيوني زائيف بونين رئيس هيئة تطوير الوسائل القتالية بالجيش الصهيوني (رفائيل) والباحث بمركز بيجين - السادات للبحوث السياسية والإستراتيجية دراسة حول استعداد الجيش الصهيوني والتحديات التي تواجهه في المستقبل، وحملت عنوان "بناء القوة لمواجهة مختلف السيناريوهات",وهي دراسة هامة تلقي بظلها حول كيفية التفكير الصهيوني في دعم قدراتها العسكرية لكي تتمكن من التعامل مع أي ظروف قد تطرأ مستقبلاً.

حيث أشار في مستهل دراسته للحديث عن إدراكه الشديد خلال عمله في هيئة تطوير الوسائل القتالية بالجيش الصهيوني إلى أهمية السعي من وراء ضم كبار العسكريين المتقاعدين للعمل كمستشارين في الهيئة، لأن هذا الأمر من شأنه أن يدعم العلاقة بين التكنولوجيا ورجال الجيش، ويؤدي إلى إيجاد لغة حوار مشتركة تساعد بالطبع على تطوير تكنولوجيا عسكرية تلبي احتياجات الجيش الصهيوني، مشيرًا إلى أن هذا الأمر بدأ يُطبق بالفعل في مؤسسة (رفائيل) خلال حقبة الثمانينيات ومازال مستمرًا حتى يومنا هذا، حيث يقوم هؤلاء العسكريون بدور هام جدًا داخل المؤسسة.

إمكانية بناء جيش قوي

وقال الخبير الصهيوني "زائيف بونين" إن دراسته تلك تناقش بشيء من التفصيل إمكانية بناء جيش يكون مستعدًا لمواجهة عدد من السيناريوهات المختلفة، وتابع حديثه بالقول"كما هو معروف فإن عملية بناء القوة تستغرق فترة زمنية طويلة، فالقوة لا تُبنى في نصف عام أو حتى في عام، بل هي عملية طويلة ,فمن جهة لا يمكن معرفة طبيعة الأحداث التي قد تظهر خلال عشر سنوات، ودائمًا ما يكون هنا اتجاه نحو متابعة التهديد الحالي، فمثلاً نجد أن التهديد الموجود في وقتنا هذا يتمثل في وجود حرب استنزاف متعددة الأجيال تتم من خلال مواجهات محدودة لحركات المقاومة والإرهاب، ولكن قد تتطور تلك المواجهات لتتحول إلى حرب تقليدية واسعة ضد الدول، ولكن بأساليب عسكرية جديدة، تختلف عن الأساليب والعقائد العسكرية التي كانت سائدة في السابق.

كيفية مواجهة السيناريوهات المستقبلية

وهنا طرح الخبير زائيف بونين سؤالاً حول كيفية بناء قوة عسكرية يمكنها مواجهة عدة سيناريوهات؟ وهل هذا ممكن في حد ذاته؟ وأجاب على هذا بقوله "إن ذلك يستلزم التعامل مع حدث مفاجئ، يتمثل في بناء قوة مرنة وقادرة على التكيف، مشيرًا إلى أن المقصود بالتكيف هنا، هو القدرة على الاختيار بين مجموعات مختلفة من القوة، أي اختيار الوحدات والوسائل المؤقتة الملائمة للحدث الحالي، وهذا التكيف منقسم إلى جزءين هما: تكيف تكنولوجي ، وتكيف بشري.

مشيرًا إلى أنه من الأفضل بدء الحديث عن العنصر الثاني وهو تكيف العنصر البشري لأنه يمثل المشكلة الرئيسية، فالتكنولوجيا لا يمكنها حل كل شيء، وقال إنه شخصيًا لا يتفق مع مصطلح "تأليه التكنولوجيا" لأنه يمثل كارثة في حد ذاته، ومعناه ألا نقوم بأي شيء، وألا نستفيد من التكنولوجيا نفسها بشكل جيد، لذلك فإنه يرى أن تكيف العنصر البشري أهم بكثير من التكيف التكنولوجي، ولكن المشكلة هنا تتمثل في كيفية تهيئة الأوضاع لكي نتمكن من تكيف العنصر البشري، وكيفية تأهيل القيادات العسكرية الكبيرة على تنفيذ هذا الأمر، وتابع حديثه بالقول" إن الأهم في هذا السياق هو تناول مسألة القوات البرية لأنها تعتمد بشكل أساسي على قوات الاحتياط، مما يجعل عملية إعدادها لمواجهة عدة سيناريوهات مختلفة عملية في غاية الصعوبة، وأشار كذلك إلى أنه سيقوم باستعراض مختلف السيناريوهات، ومن ثم التطرق إلى السؤال الأساسي المتمثل فيما يمكن "لإسرائيل" أن تفعله على المدى القصير وعلى المدى البعيد لزيادة عملية التكيف والمرونة. وما هو تأثير عنصر المفاجأة والأزمات غير المتوقعة، وكيف يمكن التعامل معها؟ مشيرًا إلى أن درجة المرونة وتكيف العامل البشري تتأثر بعدة نقاط ومنها: الحرب على مستوى عال ضد دولة أو جيش تابع لمنظمة إرهابية، وكذلك مسألة الدخول فى مواجهات محدودة ، ثم طبيعة منطقة القتال سواء أكانت مفتوحة أم سكنية أم جبلية، أما آخر تلك النقاط فيتمثل في وقوع حادث مفاجئ.

سيناريو الحرب الشاملة

ثم أشار الخبير الصهيوني "زائيف بونين" رئيس هيئة تطوير الوسائل القتالية بالجيش الصهيوني إلى أنه وكما هو معروف فإن المواجهات المحدودة التي تستمر لعدة أجيال تتطور كل عدة سنوات لتتحول إلى حرب شاملة ضد دولة بعينها، ولا يجب علينا استبعاد حدوث حرب شاملة ضد دولة ما في غضون عشر سنوات، لأنه من المتوقع أن يكون شكل الحروب التي ستقع بين الدول في المستقبل مختلفًا عن الحروب السابقة، لذا علينا أن نستعد لهذه الحروب، فمثلاً إذا وقعت حرب بين "إسرائيل" وسوريا خلال عام أو عدة أعوام من الآن، فلن تكون هذه الحرب مثل الحروب التي خاضتها "إسرائيل" ضد سوريا في السابق، وقال "هناك سؤال آخر يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن نفاجأ بحدث مختلف يمكن استنتاجه عن طريق الدمج بين عدد من الأحداث المذكورة بأعلى؟ وهنا أشار بقوله" أرى أن الإجابة هي لا، لأنه لكي يتم بناء قدرة مؤثرة لإحداث تهديد فعلي من نوع جديد، فإن العدو يحتاج العديد من السنوات لفعل ذلك، ولا يمكن إخفاء قيامه بهذا الأمر، ولكن إذا قمنا نحن بتجاهل أي تهديد جديد، ولم نقم بالتعامل معه بشكل صحيح فمن الممكن أن نجد أنفسنا أمام مفاجأة خطيرة داخل ميدان القتال، فمثلاً جميعنا يعلم مدى تأثير الصواريخ المضادة للدبابات خلال حرب أكتوبر 1973، ورغم وجود معلومات مفصلة وصور كثيرة تفيد بنشر كميات ضخمة من هذه الصواريخ على الضفة الغربية للقناة، إلا أن "إسرائيل" لم تستعد لهذا الأمر بشكل جيد، ولم تبد تجاهه الاهتمام المطلوب، مما أحدث مفاجأة لها أثناء اجتياز المصريين للقناة، لذلك أقول إن المفاجأة لا تحدث إلا إذا لم نستعد للحدث بشكل مناسب، وإن لم ندرس الأوضاع السائدة بشكل جيد.

واستدرك الباحث "زائيف بونين" حديثه بالإشارة إلى أن هناك نقطة أخرى هامة تتمثل في أن جميع السيناريوهات العسكرية يجب أن تتضمن حربًا ضد الجبهة الداخلية، فحزب الله على سبيل المثال يرى أنه انتصر في حرب لبنان الثانية، لأنه استمر في إمطار الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" بقذائف الكاتيوشا بكميات كبيرة حتى اليوم الأخير للحرب، لذلك يجب أن ندرك أن الحرب ضد الجبهة الداخلية تُعد عنصرًا مكملاً لأي حرب، ففي حرب لبنان الثانية والتي اندلعت في يوليو 2006 وجدنا أنه وعلى الرغم من أن "إسرائيل" حسمت الأمر داخل ميادين القتال، إلا أن حزب الله والعالم أجمع اعتبرها مهزومة لأنها فشلت في حماية جبهتها الداخلية.

ثم عاد الباحث الصهيوني وطرح سؤالاً آخر يتعلق بما يجب فعله لتحسين القدرة على التكيف على المدى القصير والمدى البعيد. مشيرًا إلى أنه وفيما يتعلق بالمدى البعيد، فإنه إذا كانت هناك وسائل قتالية قائمة، فيجب دمجها بشكل سريع، لا يزيد عن ثلاث سنوات مع المنتجات العسكرية الجديدة، بحيث يتم الاحتفاظ بأسلوب التشغيل الأساسي، ونستنتج من ذلك أن تطوير القدرة على التكيف تكون محدودة على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد يكون الوضع أفضل بكثير.

لكن وفيما يتعلق بالمدى البعيد وإذا كنا نريد امتلاك قوة مرنة متعددة القدرات، تكون مستعدة للتعامل مع مختلف السيناريوهات، فعلينا أولاً تناول التكيف والمرونة من الناحية التكنولوجية، فبعد عشر سنوات من الآن سيكون هناك عتاد عسكري حديث متعدد القدرات، يمكنه التعامل مع مختلف السيناريوهات، ورغم أن العتاد العسكري متعدد القدرات باهظ الثمن إلا أنه ضروري لبناء قوات مرنة. ونوه الباحث إلى أن التكنولوجيا التي سنستخدمها خلال العشر سنوات القادمة هي تكنولوجيا تم تطويرها بالفعل وخرجت من معامل الأبحاث، أو على وشك الخروج منها، وقدراتها معروفة بالفعل. وفي المقابل يجب تطوير تكنولوجيا جديدة لاستخدامها على المدى البعيد، أي بعد خمسة عشر عامًا على الأقل، ولكن يجب مراعاة أن تعتمد هذه التكنولوجيا في أساسها على التكنولوجيا الحالية المعروفة لدى الجميع، ولكن يجب أن نشير إلى أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتم معها عملية تكييف بشري، تتمثل في القدرة على سرعة بناء الوحدات والمعدات المناسبة للتعامل مع الأحداث المفاجئة.

ثم عدد الخبير الصهيوني زائيف بونين رئيس هيئة تطوير الوسائل القتالية بالجيش الصهيوني عدة نقاط لتكيف العنصر البشري، ومنها وجود مرونة تنظيمية، تسمح بإعادة ترتيب التشكيلات المختلفة بشكل سريع ، وكذلك وجود مرونة في أسلوب العمل العام، أي القدرة على الانتقال بسرعة من أسلوب إلى آخر. وأخيرًا وجود مرونة في الوعي القيادي، أي القدرة على قراءة الظروف المحيطة بسرعة واتخاذ القرارات المناسبة للأوضاع الحالية.

ونوه إلى أن التأهيل المُسبق للضباط الذين يتولون منصب قائد كتيبة فما فوق، يُعد أمرًا أكثر أهمية من إعداد المقاتلين حاملي الدرجات الأصغر داخل ميادين القتال، لأن تأهيل هؤلاء المقاتلين لن يغير من الأمر شيئًا، عكس القيادات الكبيرة المنوط بها اتخاذ القرارت، مشيرًا إلى أن هناك عدة مشاكل تعترض عملية الإعداد تتمثل في عدة نقاط، ومنها هل هناك وقت لفعل ذلك مع أفراد الاحتياط؟ حيث إن تأهيل الرتب القيادية ابتدأ من قائد كتيبة فما فوق، يستلزم وقتًا طويلاً، وكذلك مدى إمكانية أن يؤدي هذا الأمر إلى إحداث بلبلة وحالة من التخبط لدى هؤلاء القيادات في الوقت الحاسم. مشيرًا إلى أن يقصد هنا التخبط بين مختلف السيناريوهات، والذي من شأنه أن يُوجد تقديرات غير صحيحة، وبالتالي اتخاذ خطوات خاطئة، وهذه تُعد مشكلة فعلية تأتي نتيجة للتطلع إلى التعامل مع الأحداث المفاجئة، ثم مدى سماح الثقافة العسكرية بوجه عام بحدوث مرونة من هذا النوع، وهل تسمح بحدوث مثل هذا الإعداد، مشيرًا إلى أنه شخصيًا لا يعرف على وجه الدقة هذا الأمر.

ونوه الخبير الصهيوني في ختام دراسته إلى أنه وبشكل شخصييرى أنه حتى إذا نجحت "إسرائيل" في رسم وتنفيذ خطة إعداد جيدة، فستجد أن الاختبار الحقيقي سيكون لحظة حدوث الأزمة، فعندما تبدأ الأزمة سنجد أنفسنا مضطرين لتحديد السيناريو الصحيح فورًا، واختيار الحل المناسب، والقيام بتعبئة سريعة، ومثل هذا الأمر يتعارض مع الجمود في أسلوب التفكير البشري، الذي يتضمن جمودًا في الثقافة، بما فيها الثقافة العسكرية، وجمودًا في التفكير، والذي يتضمن كيفية ترتيب الإنسان لأفكاره داخل عقله واختيار أنسبها، وجمودًا في التنظيم.

مشيرًا إلى أن خلاصة القول تتمثل في أن مسألة الجمود الذي تعاني منه الطبيعة البشرية يتعارض مع المرونة داخل القطاع العسكري، وأيضًا في القطاع المدني؛ حيث يمثل هذا الجمود عنصرًا يؤثر بشكل كبير على إحداث تغييرات، مما يصعب معه تغيير التوجهات خلال الأزمات الطارئة ، وقال إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الإعداد المُسبق يمكننا من القيام بذلك وقت حدوث الأزمة؟ مشيرًا إلى أنه يرى أن هذا الأمر رغم صعوبته، إلا أنه ممكن.وقال " أنا بطبيعتي متفائل دائمًا، وفي النهاية أقول إن مفتاح المرونة والتكيف في ميدان القتال يتمثل في المرونة البشرية لدى السلك القيادي، وخاصة لدى الرتب القيادية الكبيرة، لذا نحن في حاجة إلى وضع خطة إعداد لتحقيق هذه المرونة، وإعداد مثل هذه الخطة وتنفيذها يُعد بمثابة التحدي الأصعب، وأنا آمل أن يتمكن "الجيش الإسرائيلي" من التعامل معه بنجاح.

نقلاً عن مفكرة الإسلام

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد