رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة السابعة عشرة)

2012-08-12 00:56:01 أخبار اليوم/ خاص


ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلاء المسجد ، وأنضاء العبادة ، وحفظة الكتاب الكريم ، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم ، لا يقنعون باستقلال بلادهم ، ولا بعزة قومهم ، ولا بتحرير شعوبهم ، ولكنهم ينسابون في الأرض ، ويسيحون في آفاق البلاد فاتحين معلمين ، يحررون الأمم كما تحرروا ، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به ، ويرشدونها إلي سعادة الدنيا والآخرة ، لا يغلون ولا يغدرون ، ولا يظلمون ولا يعتدون ، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
ومن هنا رأينا عقبة بن نافع يخوض الأطلسي بلبة جواده قائلاً : (اللهم لو علمت وراء هذا البحر أرضاً لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك) ، في الوقت الذي يكون فيه أبناء العباس الأشقاء قد دفن أحدهم بالطائف إلي جوار مكة ، والثاني بأرض الترك من أقصي الشرق ، والثالث بأفريقيا من أقصي المغرب ، جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته . وهكذا فهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان أن السياسة الخارجية من صميم الإسلام .
 
 
الحـقوق الـدولــية
وأحب قبل أن أختم هذا الاسترسال أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين ، سواء أكانت حقوق دولية أم كانت حقوق وطنية للأقليات غير المسلمة ، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ ، والله تبارك وتعالى يقول :(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (لأنفال:58) ، ويقول :(إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4) ، ويقول تعالى :(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (لأنفال:61).
ولئن كانت إيطاليا المتمدنة قد غزت الحبشة حتى استولت عليها ولم تعلن عليها حرباً ولم تسبق إلي ذلك بإنذار ، وحذت حذوها اليابان الراقية فهي تحارب الصين ولم تخطرها ولم تعلنها ، فإن التاريخ لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته أنهم قاتلوا قوماً أو غزوا قبيلاً دون أن يوجهوا الدعوة ويتقدموا بالإنذار وينبذوا إليه علي سواء . 
وقد كفل الإسلام حقوق الأقليات بنص قرآني هو قول الله تبارك وتعالى :(لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) .
كما أن هذه السياسة الإسلامية نفسها لا تنافي أبداً الحكم الدستوري الشورى ، وهي واضعة أصله ومرشدة الناس إليه في قوله تعالى من أوصاف المؤمنين(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38) ، وقوله تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (آل عمران:159) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه وينزل علي رأي الفرد منهم متي وضح له صوابه كما فعل ذلك مع الحباب بن منذر في غزوة بدر ، ويقول لأبي بكر وعمر : (لو اجتمعتما ما خالفتكما) ، وكذلك ترك عمر الأمر شوري بين المسلمين ، ومازال المسلمون بخير ما كان أمرهم شورى بينهم .

سـعة التشـريع الإسـلامي
كما أن تعاليم الإسلام وسياسته ليس فيها معني رجعي أبداً ، بل هي علي أدق قواعد التشريع الصالح ، وقد اعترف التشريع لكثير منها ـ وسيكشف الزمن للناس علي جلاله ما لم يعرفوا ـ بأنها قد سبقته في دقة الأحكام وتصوير الأمور وسعة النظر ، وشهد بذلك كثير من غير المسلمين كما ورد كثيراً في كلام "الميسو لامبير" و إضرابه ، وأكدت ذلك مؤتمرات التشريع الدولية علي أن الإسلام قد وضع من القواعد الكلية ما يترك للمسلم باباً واسعاً في الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده و أثاب علي الاجتهاد بشروطه ، وقرر قاعدة المصالح المرسلة ، واعتبر العرف ، واحترم رأي الإمام . كل هذه القواعد تجعل التشريع الإسلامي في الذروة السامية بين الشرائع والقوانين والأحكام .
هذه معان أحب أيها السادة أن تذيع بيننا وأن نذيعها في الناس ، فإن كثيرين لازالوا يفهمون من معنى النظام الإسلامي ما لا يتفق بحال مع الحقيقة ، وهم لهذا ينفرون منه ويحاربون الدعوة إليه ، ولو فقهوه علي وجهه لرجعوا به ولكانوا من أوائل أنصاره وأشدهم تحمساً له وأعلاهم صوتاً في الدعوة إليه .
الحـزبيـة السـياسـية
أيها الاخوة الكرام ..
بقي للسياسة معني آخر يؤسفني أن أقول أنه وحده هو المعني الذي يرادفها ويلازمها بغير حق في أذهان كثير منا ، ذلك هو (الحزبية).
وإن لي في الحزبية السياسية آراء هي لي خاصة ولا أحب أن أفرضها علي الناس فإن ذلك ليس لي ولا لأحد ، ولكني كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم ، وأري أن واجب النصيحة للامة ـ وخصوصاً في مثل هذا الظروف ـ يدعوني إلي المجاهرة بها وعرضها علي الناس في وضوح وجلاء ، وأحب كذلك أن يفهم جيداً أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معني هذا أني أعرض لحزب دون حزب ، أو أرجح أحد الأحزاب علي غيره ، أو أن أنتقص أحدها وأزكي الأخر ، ليس ذلك من مهماتي ، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو ، وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه ، وأدع الحكم علي الأحزاب للتاريخ وللرأي العام والجزاء الحق لله وحده(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران:30) .
أعتقد أيها السادة ، أن الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف في بعض البلدان ، فهي لا تجوز في كلها ، وهي لا تجوز في مصر أبداً ، وخاصةً في هذا الوقت الذي نستفتح فيه عهداً جديداً ، ونريد أن نبني أمتنا بناء قوياً يستلزم تعاون الجهود وتوافر القوي والانتفاع بكل المواهب ، والاستقرار الكامل والتفرغ التام لنواحي الإصلاح . إن وراءنا في الإصلاح الداخلي منهاجاً واسعاً مطولاً ، يجب أن نصرف كل الجهود إلي تحقيقه ، لإنقاذ هذا الشعب الدائم الحيوية ، الجم النشاط ، المجهز بكل وسائل النشاط ، الذي لا ينقصه إلا القيادة الصالحة والتوجيه القويم ، حتى يتكون أصلح تكوين ، يقضي علي الضعف والفقر والجهل والرذيلة ، وهي معاول الهدم وسوس النهضات ، وليس هنا محل تفصيل هذا المنهاج فذلك له وقت آخر ، وأنا أعلم أننا جميعاً نشعر بثقل وطأة الأعباء ، وبالمجهودات العظيمة التي يجب أن تبذل في سبيل التنظيم الداخلي في كل مظاهر الحياة .
وأعتقد كذلك أننا جربنا الوحدة مرتين , كانت كل واحدة منهما ألمع نجم في تاريخ النهضة , أما أولاهما ففي فجر النهضة حينما برزت الأمة صفا متحدا تنادي بحقها وتطالب باستحقاقها في اجتماع أفزع الغاصبين وروع المستعمرين ووهنت أمام سلطانه قوى الظالمين , أما الثاني فحين تكوين الجبهة الوطنية التي خطت بنا خطوة مهما كانت قصيرة فهي إلى الأمام على كل حال , وجربنا التفرقة في مرات كثيرة من قبل ومن بعد فما رأينا إلا تمزيق الجهود , وإحباط الأعمال , وإفساد الشؤون , وإتلاف الأخلاق , وخراب البيوت وتقطيع الأرحام , واستفادة الخصوم على حساب المختلفين المتنابزين .
الحزبيـة والتدخل
وأعتقد أيها السادة أن التدخل الأجنبي في شؤون الأمة , ليس له من باب إلا التدابر والخلاف , وهذا النظام الحزبي البغيض , وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد , يلوّحون له بخصمه الآخر , ويقفون منهما موقف القرد من القطتين , ولا يجني الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته واستقلاله وأخلاقه ومصالحه .
إننا يا إخوان أمة لم نستكمل استقلالنا بعد استكمالا تاما , ولا زلنا في الميزان , ولا زالت المطامع تحيط بنا من كل مكان , ولا سياج لحماية هذا الاستقلال والقضاء على تلك المطامع إلا الوحدة والتكلف .
وإذا جاز لبعض الأمم التي استكملت استقلالها وفرغت من تكوين نفسها أن تختلف وتتحزب في فرعيات الأمور , فإن ذلك لا يجوز في الأمم الناشئة أبدا , على أننا نلاحظ أن الحوادث العالمية قد ألجأت الأمم جميعا إلى التجرد من الحزبية مطلقا , أو الإبقاء على حزبية صورية تقليدية مع الوحدة في كل الاتجاهات
 
لا أحـزاب في مصـر
وأعتقد كذلك أن هذه الأحزاب المصرية الحالية أحزاب مصنوعة أكثر منها حقيقية , وأن العامل في وجودها شخصي أكثر منه وطني , وأن المهمة والحوادث التي كونت هذه الأحزاب ويجب أن ينتهي هذا النظام بانتهائها.
لقد تكوّن الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة وتلك هي مهمته , ثم تفرع منه حزب الأحرار الدستوريين للخلاف في أسلوب المفاوضات , وقد انتهت المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك , , وتكوّن حزب الشعب لإيجاد نظام خاص ودستور خاص , وقد انتهى ذلك الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته هو الآخر , وتكون حزب الشعب لموقف خاص بين السراي والأحزاب , لقد انتهت هذه الظروف جميعا , وتجددت ظروف أخرى تستدعي مناهج وأعمالا , فلا معنى أبدا لبقاء هذه الأحزاب , ولا معنى أبدا للرجوع على الماضي والمستقبل يلح إلحاحا صارخا بالعمل والسير بأسرع ما يمكن من الخطوات.
 
الإسـلام لا يقـر الحـزبية
وبعد هذا كله أعتقد أيها السادة أن الإسلام وهو دين الوحدة في كل شئ , وهو دين سلامة الصدور , ونقاء القلوب , والإخاء الصحيح , والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعا فضلا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد , لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه , والقرآن الكريم يقول :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103) , ويقول رسول الله e (هل أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين , فإن فساد ذات البين هي الحالقة , لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) .
وكل ما يستتبعه هذا النظام الحزبي ,من تنابز وتقاطع , وتدابر وبغضاء , يمقته الإسلام أشد المقت , ويحذر منه في كثير من الأحاديث والآيات , وتفصيل ذلك يطول و وكل حضراتكم به عليم.
 


حـرية الـرأي
وفرق أيها الإخوان بين الحزبية التي شعارها الخلاف والانقسام في الرأي والوجهة العامة وفي كل ما يتفرع منها , وبين حرية الآراء التي يبيحها الإسلام ويحض عليها , وبين تمحيص الأمور وبحث الشؤون والاختلاف فيما يعرض تحريا للحق , حتى إذا وضح نزل على حكمه الجميع سواء أكان ذلك اتباعا للأغلبية أو للإجماع , فلا تظهر الأمة إلا مجتمعة ولا يرى القادة إلا متفقين.
أيها الإخوان لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر , وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود .
هذه نظرات يرى الإخوان المسلمون أن واجبهم الإسلامي أولا والوطني ثانيا والإنساني ثالثا يفرض عليهم فرضا لا مناص منه أن يجهروا بها وأن يعرضوها على الناس و في إيمان عميق وبرهان وثيق , معتقدين أن تحقيقها هو السبيل الوحيد لتدعيم النهضة على أفضل القواعد والأصول ,(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (لأنفال:24) .
 
خـاتمــــة
وبعد أيها الإخوان , فهذه نظرات سيضحك لها كثير من الناس حين يستمعون إليها , وأولئك هم الذين يئسوا من أنفسهم وغفلوا عن تأييد الله لعباده المؤمنين , وجهلوا أن هذا الذي تجهرون به اليوم ليس شيئا جديدا ولكنه دعوة الإسلام التي جاء بها رسول الله e وجاهد في سبيلها وعمل لها أصحابه من بعده , والتي يجب على كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله وكتابه أن يعمل لها كما عملوا ويجاهد في سبيلها كما جاهدوا.
أمّا أنتم أيها الإخوان فتؤمنون بذلك كله و وتعتقدون أن الله غالب على أمره , وان الله معكم على ذلك البرهان العلمي والتطور التاريخي والوضع الجغرافي والتأييد الرباني , وتجدون البشرى في قول رب العالمين :(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) , واعلموا أن الله معكم , ولا أطيل عليكم في بيان واجبكم فإنكم لتعلمونه , فآمنوا وأخلصوا واعملوا وانتظروا ساعة الفوز وترقبوا وقت الانتصار ..   و(للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ , بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:5) . 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسـن البنــا

دعوة للشباب
بِسـْـــــمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيـمِ
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ , قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ , قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ , قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ , قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}
عـوامـل النجــاح
أيها الشباب :
أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد إمام المصلحين وسيد المجاهدين ، وعلى اله وصحبه والتابعين.
أيها الشباب :
إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها . وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة : الإيمان، والإخلاص ، والحماسة ، والعمل من خصائص الشباب . لان أساس الإيمان القلب الذكي ، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي ، وأساس الحماسة الشعور القوي ، وأساس العمل العزم الفتي ، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها ، وفي كل نهضة سر قوتها ، وفي كل فكرة حامل رايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13) .
ومن هنا كثرت واجباتكم ، ومن هنا عظمت تبعاتكم ، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم ، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم . ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا ، وأن تعملوا كثيرا ، وأن تحددوا موقفكم ، وأن تتقدموا للإنقاذ ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملا من هذا الشباب.
قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة ، قوي سلطانها واستبحر عمرانها ، فينصرف إلى نفسه اكثر مما ينصرف إلى أمته ، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير . وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها ، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه. وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله. ولعل من حسن حظنا أن كنت من الفريق الثاني فتفتحت أعيننا على أمة دائبة الجهاد مستمرة الكفاح في سبيل الحق والحرية. واستعدوا يا رجال فما أقرب النصر للمؤمنين وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين.
أيها الشباب:
لعل من أخطر النواحي في الأمة الناهضة- وهي في فجر نهضتها- اختلاف الدعوات، واختلاط الصيحات، وتعدد المناهج ، وتباين الخطط والطرائق ، و كثرة المتصدين للتزعم والقيادة . وكل ذلك تفريق في الجهود وتوزيع للقوى يتعذر معه الوصول إلى الغايات. ومن هنا كانت دراسة هذه الدعوات والموازنة بينها أمرا أساسيا لا بد منه لمن يريد الإصلاح .
ومن هنا كان من واجبي أن أشرح لكم في وضوح موجز دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر.
دعوتنـا في العصـر الحـديث
لقد آمنا إيمانا لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحي في سبيل إعلانها و التبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال، هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه :
 (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) .
 (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة:3) .
ففكرتنا لهذا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل إعلاء كلمته تعمل , لا تعدل بالإسلام نظاما ، ولا ترضى سواه إماما ، ولا تطيع لغيره أحكاما.
 (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران:85) .
و لقد أتى على الإسلام والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث، وعمل خصوم الإسلام على إطفاء روائه وإخفاء بهائه وتضليل أبنائه و تعطيل حدوده ، و إضعاف جنوده ، وتحريف تعاليمه وأحكامه تارة بالنقص منها ، وأخرى بالزيادة فيها ، وثالثة بتأويلها على غير وجهها ، وساعدهم على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية و تمزيق إمبراطوريته العالمية وتسريح جيوشه المحمدية ووقوع أممه في قبضة أهل الكفر مستذلين مستعمرين.
فأول واجباتنا نحن الإخوان أن نبين للناس حدود هذا الإسلام واضحة كاملة بينة لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها، وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملي لي هذه الفكرة.
وعمادنا في ذلك كله كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة ، لا نبغي من وراء ذلك إلا إرضاء الله وأداء الواجب وهداية البشر وإرشاد الناس.
وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا وسندعو الناس جميعا إليها ، وسنبذل كل شيء في سبيلها ، فنحيا بها كراما أو نموت كراما ، وسيكون شعارنا الدائم : الله غايتنا ، والرسول زعيمنا ، والقرآن دستورنا ، والجهاد سبيلنا ، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
أيها الشباب :
إن الله قد أعزكم بالنسبة إليه والإيمان به والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الأستاذ بين تلامذته.
 (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110) .
 (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة:143)
فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم ، أن تعلموا منزلتكم وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا وإن أراد لكم خصومكم الذل ، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين.
فجددوا أيها الشباب إيمانكم ، وحددوا غاياتكم وأهدافكم، وأول القوة الإيمان ، ونتيجة هذا الإيمان الوحدة ، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين. فآمنوا وتآخوا واعلموا وترقبوا بعد ذلك النصر.. وبشر المؤمنين.
إن العالم كله حائر يضطرب ، كل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها.
مــاذا نريــد؟
أيها الشباب :
إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات، فنحن نعلم تماما ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة .
ا - نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته ، وفي خلقه وعاطفته ، وفي عمله وتصرفه. فهذا هو تكويننا الفردي.
2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل ، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري.
3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت ، وأن يسمع صوتنا في كل مكان ، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهدا ولا نترك وسيلة.
4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هدا الشعب إلى المسجد ، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بكر وعمر من قبل . ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه ، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ، ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره ، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام.
5- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية. ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها. فمصر وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول : لا إله إلا الله ، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضم أجزائه بعضها إلى بعض.
ولئن كان الرايخ الألماني يفرض نفسه حاميا لكل من يجري في عروقه دم الألمان ، فإن العقيدة إسلامية توجب على كل مسلم قوي أن يعتبر نفسه حاميا لكل من تشربت نفسه تعاليم القرآن . فلا يجوز في عرف الإسلام أن يكون العامل العنصري أقوى في الرابطة من العامل الإيماني. والعقيدة هي كل شيء في الإسلام، وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟
6- ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل ، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام . فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم ، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام ، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل , ولئن كان السنيور موسوليني يرى من حقه أن يعيد الإمبراطورية الرومانية ، وما تكونت هذه الإمبراطورية المزعومة قديما إلا على أساس المطامع والأهواء ، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التي قامت على العدالة والإنصاف ونشر النور والهداية ببن الناس.
7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم وان نبلغ الناس جميعا ، وأن نعم بها آفاق الأرض ، وأن نخضع لها كل جبار ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .
ولكل مرحلة من هذه المراحل خطواتها وفروعها ووسائلها، وإنما نجمل هنا القول دون إطالة ولا تفصيل ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ليقل القاصرون الجبناء أن هذا خيال عريق ووهم استولى على نفوس هؤلاء الناس ، وذلك هو الضعف الذي لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام . ذلك هو الوهن الذي قذف في قلوب هذه الأمة فمكن لأعدائها فيها ، وذلك هو خراب القلب من الإيمان وهو علة سقوط المسلمين . وإنما نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لاحظ له في الإسلام ، فليبحث له عن فكرة أخرى يدين بها ويعمل لها.
يا شباب :
لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج فلا تهنوا وتضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى:
 (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) .
سنربي أنفسنا ليكون منا الرجل المسلم ، وسنربي بيوتنا ليكون منها البيت المسلم ، وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم؟ وسنكون من بين هذا الشعب المسلم ، وسنسير بخطوات ثابتة إلى تمام الشوط ، والى الهدف الذي وضعه الله لنا لا الذي وضعناه لأنفسنا، وسنصل بإذن الله وبمعونته ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون.
وقد أعددنا لذلك إيمانا لا يتزعزع ، وعملا لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف ، وأرواحا أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله.
فليكن ذلك من صميم السياسة الداخلية والخارجية ، فإنما نستمد ذلك من الإسلام، ونجد بأن هذا التفريق بين الدين والسياسة ليس من تعاليم الإسلام الحنيف ، ولا يعرفه المسلمون الصادقون في دينهم الفاهمون لروحه وتعاليمه، فليهجرنا من يريد تحويلنا عن هذا المنهاج فإنه خصم للإسلام أو جاهل به، وليس له سبيل إلا أحد هذين الوضعين.
مـن هـم الإخوان المسـلمـين؟
أيها الشباب: يخطئ من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين (جماعة دراويش) قد حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية ، كل همهم صلاة وصوم وذكر وتسبيح. فالمسلمون الأولون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو؟ ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطنا وجنسية ، وخلقا ومادة ، وثقافة وقانونا ، وسماحة و قوة . واعتقدوه نظاما كاملا يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة وينظم أمر الدنيا كما ينظم الآخرة . اعتقدوه نظاما عمليا وروحيا معا فهو عندهم دين ودولة ، ومصحف وسيف . وهم مع هذا لا يهملون أمر عبادتهم ولا يقصرون في أداء فرائضهم لربهم ، يحاولون إحسان الصلاة ويتلون كتاب الله ، ويذكرون الله تبارك وتعالى على النحو الذي أمر به وفي الحدود التي وضعها لهم، في غير غلو ولا سرف ، فلا تنطع ولا تعمق ، وهم أعرف بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) ، وهم مع هذا يأخذون من دنياهم بالنصيب الذي لا يضر بآخرتهم، ويعلمون قول الله تبارك وتعالى:
 (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (لأعراف:32) .
و إن الإخوان ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : (رهبان في الليل فرسان في النهار) ، وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان.
ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية، فالمسلمون أشد الناس إخلاصا لأوطانهم وتفانيا في خدمة هذه الأوطان واحتراما لكل من يعمل لها مخلصا، وها قد علمت إلى أي حد يذهبون في وطنيتهم والى أي عزة يبغون بأمتهم . ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية. فهم يعملون لوطن مثل مصر ويجاهدون في سبيله ويفنون في هذا الجهاد لان مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه؟ كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية وكل وطن إسلامي ، على حين يقف كل وطني مجرد عند حدود أمته ولا يشعر بفريضة العمل للوطن إلا عن طريق التقليد أو الظهور أو المباهاة أو المنافع، لا عن طريق الفريضة المنزلة من الله على عباده . وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا.
ويخطئ من يظن أن الأخوان المسلمين دعاة كسل أو إهمال، فالإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إماما في كل شيء ، ولا يرضون بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في كل شيء ، في العلم وفي القوة وفي الصحة وفي المال. والتأخر في أية ناحية من النواحي ضار بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا ، ونحن مع هذا ننكر على الناس هذه المادية الجارفة التي تجعلهم يريدون أن يعيشوا لأنفسهم فقط وأن ينصرفوا بمواهبهم وأوقاتهم وجهودهم إلى الأنانية الشخصية ، فلا يعمل أحدهم لغيره شيئا ولا يعنى من أمر أمته بشيء ، والنبي صلى الله عليه و سلم يقول: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ، كما يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).
ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان في مثل . قوله تعالى: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة:285) . وقد حرم الإسلام الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة فقال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8) .
وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (الممتحنة:8).
كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم: ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ). نعلم كل هذا فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ، ولا إلى عصبية طائفية . ولكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين ، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة وكفى. فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده وأبنا له خطأ ما ذهب إليه: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يعملون لحساب هيئة من الهيئات أو يعتمدون على جماعة من الجماعات . فالإخوان المسلمون يعملون لغايتهم على هدى من ربهم، وهي الإسلام وأبناؤه في كل زمان ومكان ، وينفقون مما رزقهم الله ابتغاء مرضاته، ويفخرون بأنهم إلى الآن لم يمدوا يدهم إلى أحد ولم يستعينوا بفرد ولا هيئة ولا جماعة.
أيها الشباب:
على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعا. فإن آمنتم بفكرتنا ، واتبعتم خطواتنا ، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف ، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك ، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة ، وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول ، وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يرضى همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين .
وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب ، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة ، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة : (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران:126). 
حســن البنــا

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد