الرحلة بين ما مضى من قرون وسنوات الربيع العربي تُبشر بشعارٍ رائع كان يرفعه الذي أدَّبه ربه فأحسن تأديبه هو (مكارم الأخلاق).. نعم كان يدعو إلى تلك المكارم دعوة استلهمها من الخالق العظيم، كان ثائراً، وقائداً، وكانت الرحلة طويلة، وشاقة، وعسيرة.

وقد أنشأ العرب خلال تلك الرحلة حضارة عظيمة ملأت الفراغ الذي تركته حضارات أخرى كالحضارة الرومانية والإغريقية والصينية والفارسية والهندية.. ولكن وأقولها بكل أسف وحسرة: إن حضارة العرب لم تستمر طويلاً إذ سرعان ما عاد الظلام ومعه الظلم والاستبداد والقهر.. ومعه أيضاً الفرق والملل والنِحل، فتعددت الأحزاب والفئات، وانقسم القوم إلى شيعٍ وأحزاب ومذاهب وطوائف!!..

قوم في الخير ينعمون، وفي أسبابه يتحكمون.. وقوم في البؤس والشقاء يكابدون ولأسبابه يجهلون!!..

ورغم هذا الظلام ترتفع أصوات الضمائر بين الحين والآخر تستصرخ الناس لأن يسيروا على جادة الحق والصواب، فصرخة عمر تدوي على امتداد التاريخ: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحراراً !!..) ويجيبه علي وكأنه استشعر الفقر بيت الداء فيصرخ: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته !!..).. ويتلقف النداء الغفاري فيصيح: (عجبتُ لامرئ يرى الفاقة في بيته ولا يخرج شاهراً سيفه في الطرقات!!.)..

وتتسابق الأصوات التي تريد إيقاظ الضمائر في الأمة لتثبيت العدل للبشر كل البشر فيصيح ابن خلدون: (العدل أساس العمران).. أي أن لا حضارة بدون عدل بين الناس جميعاً..

ولكن هذه الأصوات وآلاف غيرها التي تستصرخنا عبر التاريخ، قد ضاعت وسط الظلام الذي أخذ يسود الحياة.. الى أن ظهرت بوادر الربيع العربي!!..

والسؤال: هل سنعود إلى التاريخ العربي والإسلامي فنستقرئه ونستخرج منه ما ينفعنا في يومنا وفي ما سنستقبل من أيامٍ وأعوام ؟!.. أم هل سنمضي في التغني بأمجادنا وبأشعارنا وبأيامنا الغابرة؟!.. سؤال ينبغي ألا يضيع وسط المخاضات العسيرة التي نستقبل بها أيامنا القادمة، وإن كان البعض منا قد انتابته نوبة من التشاؤم بسبب ما يجري من أحداث أصابتنا بعد الربيع العربي، إلا أننا يجب ألا نبتئس، لأن حاجز الخوف عند الإنسان العربي قد انكسر، وليس أمامه من سبيل إلا أن يعيش بكرامة.. ليرفع تلك الراية، راية (مكارم الأخلاق).. فهل نحن فاعلون؟!..
العربية نت