رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثانية والعشرون )

2012-08-18 03:00:05 أخبار اليوم/ خاص


نحن والحكومات
فأما موقفنا من الحكومات المصرية على اختلاف ألوانها فهو موقف الناصح الشفيق , الذي يتمنى لها السداد والتوفيق , وأن يصلح الله بها الفساد , وإن كانت التجارب الكثيرة كلها تقنعنا بأننا في واد وهي في واد , ويا ويح الشجيّ من الخليّ.
لقد رسمنا للحكومات المصرية المتعاقبة كثيرا من مناهج الإصلاح , وتقدمنا لكثير منها بمذكرات إضافية في كثير من الشؤون التي تمس صميم الحياة المصرية ..
لقد لفتنا نظرها إلى وجوب العناية بإصلاح الأداة الحكومية نفسها باختيار الرجال وتركيز الأعمال وتبسيط الإجراءات ومراعاة الكفايات و القضاء على الاستثناءات ..
وإلى إصلاح منابع الثقافة العامة بإعادة النظر في سياسة التعليم ومراقبة الصحف والكتب والسينما والمسارح والإذاعة , واستدراك نواحي النقص فيها وتوجيهها الوجهة الصالحة.
وإصلاح القانون باستمداده من شرائع الإسلام , ومحاربة المنكر ومقاومة الإثم بالحدود وبالعقوبات الزاجرة الرادعة ..
وتوجيه الشعب وجهة صالحة بشغله بالنافع من الأعمال في أوقات الفراغ.
فماذا أفاد كل ذلك؟ .. لا شيء , ولقد قامت وزارة الشؤون الاجتماعية لسد هذا الفراغ فماذا فعلت وقد مضى عليها أكثر من عام ونصف عام؟
ماذا أنجزت من الأعمال ؟ .. لا شيء , وستظل "لا شيء" هي الجواب لكل المقترحات مادمنا لا نجد الشجاعة الكافية للخروج من سجن التقليد والثورة على هذا الروتين العتيق , وما دمنا لم نحدد المنهاج ولم نتخير لإنفاذه الأكفاء من الرجال , ومع هذا فسنظل في موقف الناصحين يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
نحن و الأحزاب
أما موقفنا من الأحزاب السياسية فلسنا نفاضل بينها ولا ننحاز إلى واحد منها ولكننا نعتقد أنها تتفق جميعا في عدة أمور :
تتفق في أن كثيراً من رجالها قد عملوا على خدمة القضية السياسية المصرية، واشتركوا فعلاً في الجهاد في سبيلها، وفي الوصول إلى ما وصلت إليه مصر من ثمرات هذا الجهاد الضئيلة أو الجليلة، فنحن في هذه الناحية لا نبخس هؤلاء الرجال حقهم.
وتتفق كذلك في أن حزباً منها لم يحدد بعدُ منهاجًا دقيقاً لما يريد من ضروب الإصلاح ، ولم يضع هدفاً يرمي إليه ، وهي لهذا لا تتفاوت في المناهج والأغراض والغايات.
وتتفق كذلك في أنها جميعاً لم تقتنع بعدُ بوجوب المناداة بالإصلاح الاجتماعي على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام ، ولا زال أقطابها جميعاً يفهمون الإسلام على أنه ضروب من العبادات والروحانيات لا صلة لها بحياة الأمم والشعوب الاجتماعية والدنيوية.
وتتفق بعد ذلك في أنها تعاقبت على حكم هذا البلد فلم تأت بجديد ، ولم يجد الناس في ظل حكمها ما كانوا يأملون من تقدم مادّي أو أدبيّ , ولقد كان لهذا أثر العملي , فقامت في مصر الحكومات غير الحزبية في أحرج الظروف وأدق المواقف , ومنها الحكومة الحالية.
وإذاً فلا خلاف بين الأحزاب المصرية إلا في مظاهر شكلية ، وشؤون شخصية ، لا يهتم لها الإخوان المسلمون ، ولهذا فهم ينظرون إلى هذه الأحزاب جميعاً نظرة واحدة ، ويرفعون دعوتهــم ـ وهي ميراث رسول الله ـ فوق هذا المستوى الحزبي كله ، ويوجهونها واضحة مستنيرة إلى كل رجال هذه الأحزاب على السواء ، ويودّون أن لو أدرك حضراتهم هذه الحقيقة ، وقدّروا هذه الظروف الدقيقة ، ونزلوا على حكم الوطنية الصحيحة ، فتوحدت كلمتهم ، واجتمعوا على منهاج واحد ، تصلح به الأحوال وتتحقق الآمال ، وليس أمامهم إلا منهاج الإخوان المسلمين ، بل هدى رب العالمين (صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) (الشورى:53)
ونحن لا نهاجم لأننا في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة والكفاح السلبي لننفقه في عمل نافع وكفاح إيجابي وندع حسابهم للزمن معتقدين أن البقاء للأصلح (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد:17).
نحن والهيئات الإسلامية
وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية علي اختلاف نزعاتها ، فموقف حب و إخاء وتعاون وولاء ، نحبها ونعاونها ، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب . ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي أو خلاف مذهبي ، فدين الله يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه . ولقد وفقنا الله إلى خطة مثلي ، إذ نتحري الحق في أسلوب لين يستهوي القلوب وتطمئن إليه العقول ، ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب والفوارق الشكلية والحواجز النظرية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون ، للدين عاملون وفي سبيل الله مجاهدون : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:56) .

كلمة حــق
نحب بعد هذا أن نقول كلمة صريحة لأولئك الذين لا زالوا يظنون أن الإخوان يعملون لحساب شخص أو جماعة : اتقوا الله أيها الناس ، ولا تقولون ما لا تعملون . واذكروا قول الله تعالي : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) ، وقول رسول الله r :
(وإن أبغضكم إلى وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرءاء العيب) ، وليعلموا تماماً أن اليوم الذي يكون فيه الإخوان المسلمون مطية لغيرهم أو أداة لمنهاج لا يتصل بمنهاجهم لم يخلق بعد . و أذكر أنني كتبت في إحدى المناسبات خطاباً لأحد الباشوات جاء في آخره :
(والإخوان المسلمون يا رفعة الباشا لا يقادون برغبة ولا برهبة ، ولا يخشون أحداً إلا الله ، ولا يغريهم جاه ولا منصب ، ولا يطمعون في منفعة ولا مال ، ولا تعلق نفوسهم بعرض من أعراض هذه الحياة الفانية ، ولكنهم يبتغون رضوان الله ويرجون ثواب الآخرة ، ويتمثلون في كل خطواتهم قول الله تبارك وتعالي : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذريات:50)
فهم يفرون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة ومقصد واحد هو رضوان الله ، وهم لهذا لا يشتغلون في منهاج غير منهاجهم ولا يصلحون لدعوة غير دعوتهم ، ولا يصطبغون بلون غير الإسلام : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:138) ... فمن حاول أن يخدعهم خدع ، ومن أراد أن يستغلهم خسر ، ومن طمع في تسخيرهم لهواه أخفق ... ومن أخلص معهم في غايتهم ووافقهم على متن طريقهم سعد بهم وسعدوا به ، ورأى فيهم الجنود البسلاء والإخوة الأوفياء ، يفدونه بأرواحهم ويحوطونه بقلوبهم وجهودهم ، ويرون له بعد ذلك الفضل عليهم........
أكتب لكم هذا يا رفعة الباشا لا رجاء معونة مادية لجماعة الإخوان المسلمين ولا رغبة في مساعدة نفعية لأحد أعضائها العاملين ، ولكن لأدعوكم إلى صف هؤلاء الإخوان بعد دراستهم دراسة جدية صحيحة تقنعكم بمنهاجهم وتنتج تعاونكم معهم في إصلاح المجتمع المصري على أساس متين من الخلق الإسلامي وتعاليم الإسلام .. و (للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ , بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:4-5) .
بمثل هذا الأسلوب نخاطب الناس , ونكتب لرفعة النحاس باشا ومحمد محمود باشا وعلي ماهر باشا وحسين سري باشا , وغيرهم مما نريد أن نعذر إلى الله بإبلاغهم الدعوة وتوجيههم إلى ما نعتقد أن فيه الخير والصواب لهم وللناس ..
أفيقال بعد هذا أن الإخوان المسلمين يعملون لحساب شخص أو هيئة كبر ذلك أم صغر قل أم كثر .. (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور:12) . ومعاذ الله أن نكون في يوم من الأيام لغير الإسلام وتعاليم الإسلام .


موقفنا في الظروف الحاضرة
من المؤتمر الخامس إلى المؤتمر السادس مضى عامان , تعاقبت فيها الحوادث الجسام على مصر في الداخل والخارج . وقد قابل المركز العام للإخوان المسلمين ومن ورائه شعبه جميعا كل حادثة بما يناسبها , ووقفوا منها الموقف الذي يلائمها , من تأييد أو تسديد أو نقد أو تزكية , مستنيرين في ذلك بوحي الغاية السامية , وبقواعد منهاجهم السليم .
وكان أجل تلك الحوادث وأشدها خطرا وأعمقها أثرا إعلان الحرب وامتداد لهيبها إلى مصر ,ووقوف أوربا معسكرين متناحرين يعمل كل منهما على إفناء الآخر وإبادته ,حتى أخفقت وسائل التهدئة وسل الحسام بعد أن خرس الكلام .
لقد أعلنت الحكومة المصرية موقف مصر , وأيدها في ذلك البرلمان , وأيدها في ذلك الرأي العام , وأيدها الإخوان المسلمون أيضا , ويمكن تلخيص هذا الموقف في كلمتين (الحياد والاستعداد) .
وهو موقف واضح مستنير لو استكمل شروط الصحة فإن هذا الحياد محال أن يكون حقيقيا والمعاهدة المصرية الإنجليزية تفرض علينا أن نقدم كل المساعدات الممكنة للقوات البريطانية ونحن قد قمنا بذلك فعلا , وجندت مصر تجنيدا حقيقيا لمساعدة إنجلترا , فأعلنت الأحكام العرفية وفرضت الرقابة على الصحف واستخدمت السكك الحديدية والمطارات والموانئ والتليفونات والتلغرافات وكل طرق المواصلات , وقدمت طلبات السلطة العسكرية البريطانية في جميع الشؤون على كل الطلبات , وحجزت المواد اللازمة للجيش وللأعمال الحربية مهما كانت الحاجة إليها شديدة , وأرسل الجيش المصري إلى الحدود وإلى السودان , وصارت مصر حقيقة لا خيالا في حالة حرب مما جعل هذا الحياد لا قيمة له في الواقع .
كما أن الاستعداد لن يكون كاملا وأمامه عقبات مادية وسياسية تجعل الوقت يمر دون أن نجهز أنفسنا بالقليل من المعدات العسكرية أو المدنية .
وإذاً فرضاء مصر بهذا الموقف الصوري العجيب ليس عن طواعية واختيار , وكلنه عن كراهية واضطرار , وليس هناك موقف أفضل منه مادمنا مجبرين عليه ,ونهيب بالحكومة المصرية جاهدين أن تعمل ما وسعها العمل على استكمال العدة , وتجهيز الشعب بوسائل الدفاع العسكرية والمدنية أخذا بالحيطة واستعدادا للطوارئ .
أما الوقف الذي ترضاه مصر وتهش له وتقنع به فلا يخرج عن أحد أمرين :
إما أن إنجلترا لا تثق بنا ولا تعتمد علينا ولا تعتبرنا حلفاء حقيقين لها , وحينئذٍ يكون عليها أن تصارحنا بذلك وأن تخلي أرضنا وأن توفر علينا مساعداتنا وأن تحلنا من قيود المعاهدة التي تنص على المحالفة وترتب عليها المساعدة , وذلك فرض مستبعد طبعا .
وإما أنها تثق بنا وتعتبرنا حلفاء لها وتقدر حسن نيتنا وصدق معونتنا , وقد قدمنا البرهان على ذلك فعلا ,فمنذ نشبت الحرب إلى الآن والحكومة المصرية لا تدخر وسعا في مشاركتها سراء الحرب وضرائها , فعليها حينئذٍ أن تطمئنا على مستقبلنا في هذه الحوادث وبعدها , فتعلن الآن بصفة رسمية المحافظة على استقلال مصر والسودان , وأن بققاء القوات البريطانية في مصر موقوت بالحرب , وتشمل هذا الإعلان بالمساعدة الفعلية لنا , فتسمح لنا بزيادة عدد جيشنا وبتقوية سلاحنا وبإعداد شعبنا , وحينئذٍ نتعاون تعاونا صادقا ونحمل أعباء الحرب معا ونتقاسم الأعمال العسكرية والمدنية ,فيحمل الجيش المصري عبء الحرب في السودان مثلا حتى يطهره الله من العدو المغير , وتحرس الجيوش البريطانية الحدود الغربية حتى تضع الحرب أوزارها .هذا كلام صريح نعتقد أنه من الخير أن يكون واضحا , ولا يغني مصر شيئا أن تسمع ثناء الجرائد والمجلات الإنجليزية وعبارات المجاملة التي يحييها بها الساسة البريطانيون , ولا عبارات التقدير التي يشكرون بها المساعدة المصرية الجليلة , وإنما ينفعها الكلام الرسمي والعمل المنتج .إن مصر ستفي من جانبها بالتزاماتها التي سجلتها عليها المعاهدة , لأنها لا تملك إلا هذا ولا تستطيع غيره ماديا وأدبيا , ولكن تمسك الحكومة البريطانية تمسكا جامدا بروح المعاهدة ونصها في وقت واحد تفسر فيه هذه النصوص لمصلحة طرف واحد , وفي ظروف تعصف بالدول والشعوب والأموال والأرواح والأمم والحكومات والنظم والمعاهدات , فهو تمسك إن رضيه الفقه السياسي فلن يرضاه الشعب الأبي , ولقد جاهدت مصر في سبيل استقلالها , وستجاهد في سبيل ذلك إن أعوزها الجهاد , وهي ضنية بهذا الاستقلال أن يسلب قبل أن يكتمل ,ويزول قبل أن يتم , ولا تريد أن تكون في حمى غيرها , أو أن تظل تحت رحمة سواها مهما كلفها ذلك من التضحيات , وإذ كانت الحكومة البريطانية تسمع من الحكومة المصرية أو الساسة المصريين كلاما غير هذا فإنما هي المجاملة الدبلوماسية .
أما نحن فنصور عقائد الشعب الحقيقية على صورتها الطبيعية , لا نبتغي من وراء ذلك إلا تعاونا سليما على أساس سليم .
بل إننا نريد أن ننتهز هذه الفرصة , فنتقدم مخلصين إلى الساسة الغربيين فنلفت أنظارهم إلى فرصة سانحة لعلها إن أفلتت منهم اليوم فلن تعود إلا بعد حين لا يعلم إلا الله مداه , وإن وفقوا إلى الانتفاع بها فهو الخير لهم وللعالم أجمع .
لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد " ... فهتلر يريد أن يتقدم للناس بنظام جديد ، وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة ستحمل الناس على نظام جديد ، وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا النظام الجديد ، والجميع يشيرون إلى أن هذا النظام الجديد سينظم أوروبا ويعيد إليها الأمن والطمأنينة والسلام ، فأين حظ الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟
نريد هنا أن نلفت أنظار الساسة الغربيين إلى أن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست في الماضي مرة ، فهي في المستقبل أشد فشلاً لا محالة ، وقد تنبهت المشاعر وتيقظت حواس الشعوب ، وان سياسة القهر والضغط والجبروت لم تأت في الماضي إلا بعكس المقصود منه ، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب ، وهى في المستقبل أشد عجزاً .
وأن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية إن هدأ بها الجو حينا فلا تلبث أن تهب العاصفة قوية عنيفة . وقد تكشفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات ، وهى في المستقبل أضعف من أن توصل إلى المقصود .
وإذاً فلا بد من سياسة جديدة ، وهى سياسة التعاون والتحالف الصادق البريء ، المبنى على التآخي والتقدير ، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية في الشرق والغرب ، لا بين دول أوروبا فقط ، وبهذه السياسة وحدها يستقر النظام الجديد وينتشر في ظله الأمن والسلام .
إن حكم الجبروت والقهر قد فات ، ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم أن تحكم الشرق بالحديد والنار . وأن هذه النظريات السياسية البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة الأمم الإسلامية ، ولا مع المبادئ والمشاعر التي ستطلع بها هذه الحرب الضروس على الناس .
ولسنا وحدنا الذين نقول هذا ، بل هم الساسة الأوروبيون أنفسهم ، ونحن نضع هذه النظريات أمام أعين الساسة البريطانيين والساسة الفرنسيين وغيرهم من ساسة الدول الاستعمارية ، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هي مطالب تنفعنا ، فليأخذوا أو ليدعوا ، وقد وطَنًا أنفسنا على ان نعيش أحراراً عظماء أو نموت أطهاراً كرماء .
ونحن لا نطمع في حق سوانا ، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا. وان خيراً لكل أمة أن تعيش متعاونة مع غيرها ، من أن تعيش متنافسة مع سواها حينا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة في البلاد المغصوبة ، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة
هذا كلام قد يراه الناس من الإفراط في حسن الظن , ولعله إلى الخيال أقرب , ولعل من الناس من يرى أن من الكياسة ألا يقال في مثل هذه الظروف , ولكني أعتقد أن المصارحة دائما هي أفضل طريق للوصول , ولا ندري متى وكيف تتم هذه الحرب , ولأن ننبه أذهان قومنا إلى ما يجب أن يكون فنبرئ بذلك ذمتنا ونقدم نصيحتنا أولى بنا من أن نفوت الفرصة المواتية , (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب:4).
وعلى هذه الأسس العادلة يظفر العالم بتعاون شريف وسلام طويل , أما أغنية الديمقراطية والديكتاتورية فأنشودة نعتقد أنم الحرب الحالية ستدخل عليها ألحانا جديدة وأنغاما جديدة , ولكن يكون في الدنيا بعد هذه المحنة ديمقراطية كالتي عهدها الناس , ولا ديكتاتورية كهذه الديكتاتورية التي عرفوها . ولن تكون هناك فاشية ولا شيوعية على غرار هذه الأوضاع المألوفة , ولكن ستكون هناك نظم في الحكم وأساليب في الاجتماع تبدعها الحرب ابتداعا ويخترعها الساسة اختراعا , ثم يضعونها موضع التجربة من جديد . وتلك سنة الله ونظام المجتمع .
وما أجل أن يهتدي أولئك الساسة يومئذ بنور الله , ويكشفوا عن قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم غشاوة التعصب الممقوت , ويتخذوا الإسلام الحنيف الذي أخذ من كل شيء أحسنه أساسا لنظمهم السياسية والمدنية والاجتماعية , فتتحقق الوحدة الإنسانية الروحية التي طال عليها الأمد والتي لا يحققها إلا سماحة الإسلام وهدي الإسلام , (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16) .
حسـن البنــا

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد