قمة العشرين.. تجميل للرأسمالية ومسكنات للفقراء ..1-2

2008-11-20 04:04:10

نبيل شبيب

الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، والرئيس الأمريكي، والرئيس الروسي، ورئيس صندوق النقد الدولي، وغيرهم من "كبار" المسئولين عن صناعة القرار المالي والاقتصادي والسياسي عالميا، رحبوا بحصيلة أول لقاء ينعقد على مستوى الدول الصناعية والناهضة، ويضع خطة عمل لمواجهة الأزمة المالية العالمية، وخطوطا عامة للحيلولة دون تكرارها.

الجدير بالذكر أن مجموعة العشرين هذه لم تنشأ الآن بل بصورة فضفاضة في عام 1999 عقب أزمات سابقة، ولكن بقيت مشاركة 11 دولة "ناهضة" قاصرة على اعتبارها "ضيوفا" من وقت لآخر على لقاءات القمم الصناعية، فكان وجودها مقتصرا على جانب من تلك اللقاءات، وفيما يشبه تبادل الاستشارة دون إفساح المجال لتدخلها فيما تقرره الدول السبع أو الثمان من خطوط عامة للقطاعات الاقتصادية والمالية والأمنية والسياسية عالميا.

المهم.. من داخل أبواب القمة

هل يمكن التفاؤل مع المتفائلين بأن قمة العشرين حققت الهدف منها، ووضعت حجر الأساس لنظام مالي عالمي جديد بعد إنهاء الأزمة المالية العالمية؟.. قد يفيد للجواب ذكر بعض الملاحظات المبدئية:

1- المشاركون في القمة أشادوا بنتائجها، وتفاءلوا بما سينبني على ذلك على أرض الواقع، ويوجد في عناوين النقاط الثلاثين الثابتة في خطة عمل، والعشرين الوقائية المطروحة للبحث؛ ما يمكن اعتباره مسوغا لتفاؤلهم بالفعل، شريطة الأخذ بمعيار: قياس النتائج على رغبات المشاركين.

2- وينبغي التنويه أيضا بوجود تفاوت بين حجم ما تحقق من هذه الرغبات عند مقارنة فريق من المشاركين (الأوروبي تخصيصا) بفريق آخر (الأمريكي تخصيصا)، ثم الرغبات "المتواضعة نسبيا" لفريق ثالث كالصين والهند والبرازيل، بينما لا يوجد ما يشير إلى تحقيق الرغبات ذات العلاقة باستقرار عائدات النفط كما نسب إلى السعودية، فالمفروض استمرار ربط ذلك بتحسن الاقتصاد العالمي وليس بتخفيض الضرائب على الوقود في الدول الصناعية مثلا، على النقيض من التعامل مع قطاع صناعة السيارات بالمقابل وما يلقاه من دعم رسمي!.

3- في النهاية تلاقى الجميع على ما اعتبروه مقبولا لديهم جميعا، وما لا يستبعد على ضوئه أن يسلك النظام المالي العالمي بالفعل طريقا جديدة بعد قمة العشرين الأولى، والعنصر الجديد هو التبدل المنتظر في المعادلات القائمة بين القوى الرئيسية عالميا، ولكن لا يوجد جديد يسمح بتوقع حدوث تغيير في المعادلات (أو علاقة الهيمنة) القائمة بين القوى المالية من جهة وبقية قطاعات الحياة الاقتصادية والسياسية وغيرها.

الأهم.. الباقي خارج أبواب القمة

يبقى السؤال الضروري طرحه عن مسوغات التفاؤل إذا وضعت القمة ونتائجها تحت مجهر أوسع نطاقا، أي بما يتجاوز حدود المشاركين فيها، وهم (عدا مفوضية الاتحاد الأوروبي) حكومات 19 دولة يقطنها أكثر من ثلثي سكان العالم (أكثر من 4 مليارات نسمة، نصفهم في الصين والهند) وتملك زهاء 90% من إنجازاته الاقتصادية، بينما يبقى خارج هذا الإطار زهاء ثلث سكان العالم (أكثر من ملياري نسمة) في أكثر من 180 دولة، يبلغ حجم إنجازاتها الاقتصادية زهاء 10%.

1- نحتاج في تقويم الحصيلة الإجمالية أولا إلى نظرة أعمق لا ينفسح المجال للتفصيل فيها، فالحديث عن 19 دولة صناعية وناهضة لا يصح دون الإشارة إلى أن من يتحكم بالإنجازات فيها عبر "أداة المال" لا يمثل المليارات الأربعة من السكان، بل ما لا يصل إلى 10% منهم قطعا، والباقي فئات فقيرة تمثل إجماليا النصف أو أكثر، ثم الطبقات المتوسطة التي تحمل الإنجازات على عاتقها، وحجمها مختلف بين دولة وأخرى.

2- ونلاحظ لتحديد معالم الصورة الإجمالية أيضا أن اللقاء تناول -وفق العنوان المقرر له- إصلاح النظام المالي العالمي، وكلمة إصلاح دقيقة المعنى، فليس فيها ما يعني "تعديله"، وإنما المطلوب اتخاذ إجراءات وتثبيت آليات إضافية ليخرج من عثرته الخطيرة الحالية، ويعود إلى سابق عهده، ولا يتعثر في مرة تالية، بتعبير آخر: إذا كان الخلل كامنا في جذور هذا النظام القائم منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يطرأ عليه سوى تعديل طفيف في سبعينيات القرن الميلادي العشرين، فإن هذا الخلل لم يكن موضع البحث، بل لا يراه المشاركون في القمة خللا، إنما رأوا الخلل في خروج التطبيقات العملية على القواعد الأساسية المثبتة من قبل، وبالتالي فهم يعملون على وضع ما يكفل عدم خروجها على تلك القواعد مجددا.

3- لابد في تقويم الحصيلة أيضا من ملاحظة أن الأزمة على صعيد العلاقات والممارسات المالية بدأت بالفعل تتحول إلى أزمة على صعيد العلاقات والممارسات الاقتصادية والتجارية، فأصبحت تهدد ما يوصف بالقيمة العينية للإنجازات الاقتصادية بالخطر.

لم تعد مشكلة قطاع السيارات في البلدان الصناعية مثلا مقتصرة على عدم الحصول على قروض من المصارف المالية، بل أصبحت تشمل انخفاض منسوب التصريف، وبالتالي خفض منسوب الإنتاج، مع ما يترتب على ذلك من خسارة للعائدات على مستوى الدولة الصناعية المنتجة، ومن ارتفاع نسبة البطالة فيها، ووصول الأخطار إلى مزيد من القطاعات الاقتصادية ذات العلاقة بصناعة السيارات.

جميع ذلك لا يرتبط بالنظام المالي العالمي بل يرتبط بالنظام "الاقتصادي" العالمي القائم على الرأسمالية، الموصوفة بالسوق الحرة، وهذا ما لم يكن أصلا موضع البحث في قمة العشرين، فإن كان الخلل قائما فيه أيضا، فالمشاركون في القمة لا يدّعون لأنفسهم ابتداءً أن حصيلتها ستعالج هذا الخلل.

هيمنة المال في صيغة الإصلاح

إذا بقينا مبدئيا في نطاق الجانب "المالي العالمي" الذي تناولته القمة، فلن يمكن النظر عبر مقالة أو حتى بحث مصغر في البنود الخمسين لحصيلتها بندا بندا، ولكن يمكن إيجاز تبويبها تحت عناوين رئيسية ثم تناول ما جاء حول بعض البنود كأمثلة على ما سواها.

المحاور الأربعة لحصيلة القمة هي:

1- تشديد الخطوط العامة المقررة لما يسمى "منتجات مالية" معقدة في ميدان المضاربات (وهي ما سلك أسلوب التوريق فيها سبلا متشعبة مبتكرة).

2- تشديد قواعد مراقبة "أجهزة الرقابة"، وتحديدا على وكالات "التصنيف الائتماني" التي تراقب الوضع المالي على مستوى الدول والمؤسسات (وهي التي لم تفلح في التنبؤ بالخطر أو لم تكن بسبب تركيبتها مؤهلة لذلك أصلا).

3- تشديد الأنظمة المتعلقة برءوس أموال المصارف المالية التي تمنح الزبائن قروضا على أساس المخاطرة (قيل إن هذا أصل البلاء في الأزمة الأخيرة).

4- تشديد الأنظمة السارية على المؤسسات التي تعمل في قطاع المضاربات في الدرجة الأولى (والمضاربات لا تلعب بالأسعار فقط بل يمكن أن تصنع أزمات كأزمة جنوب شرق آسيا أو الأزمة الأوروبية قبل قيام منطقة اليورو).

وشمل البيان الختامي:

1- تحديد أسباب الأزمة في مبالغة بعض المصارف والمؤسسات المالية في السعي للربح، والاستعداد للمخاطرة، ونشر "منتجات مالية" محاطة بالغموض، مع لوم حكومات صناعية تأخرت في وضع أنظمة مناسبة للأسواق المالية (أي تبرئة المبادئ والقواعد، وحصر السبب في التطبيقات، وفي عدم الالتفات إلى مخالفاتها).

2- يترك للحكومات الوطنية العمل على تحقيق النمو الاقتصادي، وعلى مزيد من الشفافية وضبط المراقبة، وربط مكافآت مدراء عمل المصارف المالية بدعم استقرارها ماليا وليس بتحقيق أرباح سريعة (أي التمسك بأرقام النمو الاقتصادي هدفا، ومقياسه ومحوره الحاسم هو أرباح الشركات والمؤسسات المالية، والامتناع عن ضبطه بقواعد مشتركة دوليا).

3- مشاركة الدول الناهضة أكثر في صناعة القرار في صندوق النقد الدولي ومنتدى الاستقرار المالي، وزيادة موارد الصندوق والمصرف المالي العالمي لتقديم قروض للدول الناهضة والمالية بما يمنع من زيادة عمق الأزمة المالية (أي تحديد هذه المشاركة بتحقيق هدف معين يرتبط بالأزمة).

4- زيادة رقابة حكومات أهم الدول المعنية على أهم المؤسسات المالية الدولية، والعمل في المدى المتوسط للتخلص مما يسمى "واحات ضرائبية" تجلب رءوس الأموال إليها (أي معالجة الخلل فيما بين القوى الدولية الأكبر ماليا، وهو ما يمس التوازن الأوروبي-الأمريكي تخصيصا).

المال غاية.. وأدواته: البشر والاقتصاد

جميع هذه المحاور والبنود تتلاقى -كما كان متوقعا.. وندع الأمنيات جانبا- على قاسم مشترك هو تمكين النظام المالي العالمي القائم على الفكر الرأسمالي من الوقوف على قدميه مجددا بعد أن أصابته الانهيارات المتوالية إصابة بالغة، وهو في الأصل النظام الذي اعتمد ويعتمد على تراكم الثروات المالية في أيدي نسبة محدودة تسيطر على التصرف بها، استثمارا وإقراضا وتشغيلا لعجلة الإنتاج بهدف زيادتها.. أي زيادة الثروات الذاتية ضغطا على تكاليف الإنتاج كالأجور وأسعار المواد الخام، لتحقيق أرباح مرتفعة.

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد