من أهم أسباب تأخير البت في القضايا الجنائية: التدمير والهدم المتجدد بين الحاكم والمشترك.. (انعدم الثقة وتكرار الإجراءات القانونية بين كل من: الأجهزة الأمنية والنيابة العامة والمحاكم القضائية)

2008-11-23 03:37:54

عبدالرحمن علي علي الزبيب

تعتبر القضايا الجنائية من القضايا المستعجلة كون موضوعها جريمة جنائية وعلى ذمتها غالباً محابيس ومجني عليهم ولكون القضايا الجنائية قضايا مستعجلة فإن التشريعات والقوانين قسمت مراحل القضية الجنائية على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة الاستدلالات وتقوم بها الأجهزة الأمنية غالباً.

المرحلة الثانية: التحقيق والاتهام، وتقوم به النيابة العامة.

المرحلة الثالثة: مرحلة المحاكمة، وتقوم به المحاكم القضائية.

وهذا التوزيع المرحلي للقضية الجنائية ليس المقصود منه الإطالة وهو الحاصل في الواقع العملي بل السرعة والاستعجال بحيث أن كل جهة تقوم بعملها في كل مرحلة على أكمل وجه.

ولكون الجريمة تكون بارتكابها قد تسببت في زعزعة الأمن والاستقرار في المجتمع ويكون وظيفة الدولة بجميع سلطاتها هو القصاص من الجاني وأيضاً الردع العام لجميع أفراد المجتمع والردع الخاص لمرتكب الجريمة.

وهذا لا يكون إلا إذا كان هناك سرعة في إجراءات التحقيق والمحاكمة بحيث يكون إنزال العقاب بالمجرم في وقت يكون ما زال المجتمع حاضر الذهن من الجريمة.

إلا أنه وللأسف الشديد نجد في الواقع العملي والتشريعي ما زال هناك قصور كبير في تحقيق ذلك مما يفقد القضاء الجنائي أهميته وقدرته في الردع وهذا يؤدي إلى تكرار الجرائم وكثرتها وعدم الحد منها.

فنجد أن الإجراءات القانونية المتمثلة في سماع أطراف الدعوى الجنائية "مجني عليه ومتهم" وأدلة إثبات ونفي وأدلة تتكرر من الأجهزة الأمنية ثم في النيابة العامة ثم في المحاكم القضائية.

ويتم تجاهل أن محاضر تحقيقات الشرطة محاضر رسمية لا يطعن فيها إلا بالتزوير، وأن الأصل فيها أنها حجة بما تحتويها.

وكذلك محاضر تحقيقات النيابة العامة محاضر رسمية وقضائية كونها صادرة من جهة رسمية وهيئة قضائية.

إلا أنه يتم تجاهل كل ذلك ويتم تكرار الإجراءات المذكورة وكل جهة تنكر حجية محررات الجهة الأخرى وتشرع في إجراءاتها من البداية.

والأصل أن تكمل كل جهة الإجراءات من حيث انتهت الجهة السابقة منها ولا تعيدها وأن تعتبر ما تم من الجهة السابقة لها حجية قانونية وفقاً لقانون الإثبات اليمني الذي ورد فيه أنه لا يجوز الطعن في المحاضر الرسمية إلا بالتزوير والمحاضر الرسمية هي المحررات التي يحررها موظف عام مختص تحريرها.

وعندما يتم استنكار ذلك التكرار يتم تبرير ذلك من قبل النيابة العامة أن الأجهزة الأمنية لا تقوم بعملها وفقاً للقانون، وأن هناك قصور كبير في عمل الأجهزة الأمنية يجعل ما يحصل بمعرفتها غير سليم وبحاجة إلى التثبت وهذا لا يعتبر مبرر للتكرار فالأصل أن يتم تأهيل الأجهزة الأمنية قانونياً وتعزيز الرقابة القانونية على أعمالهم.

وكذلك تقوم المحاكم القضائية بتبرير التكرار أن النيابة العامة خصم وطرف في الدعوى الجنائية وأن هناك قصور في أعمالها وهذا ليس مبرر فإن النيابة العامة هيئة قضائية وهي ليست خصم ضد أحد فهي تنوب عن المجتمع في حمايته فهي تنوب عن المجني عليه والمتهم وجميع أفراد المجتمع في رفع الدعوى الجزائية وليست ضد أحد، أما إذا كان هناك قصور فيتم إعادة تأهيل أعضاء النيابة العامة وتكثيف الدورات التأهيلية لهم وتشديد الرقابة القانونية عليهم.

وهنا أريد أن أذكر أنه رغم أن هناك قصور تشريعي في إلزام الجهات الأمنية والنيابة العامة والقضاء في الاعتراف بأعمال وبحجية أعمال كل جهة أمام الجهة الأخرى فإن هناك قصور عملي فنجد مثلاً في محكمة واحدة قاضي يعترف بمحاضر الشرطة وتحقيقات النيابة العامة ويعتبرها لها حجية قانونية وقاضي آخر بجواره لا يعترف بحجية محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة العامة وكذلك أعضاء النيابة العامة في إطار النيابة العامة الواحدة بل وفي قضايا مختلفة لنفس العضو المحقق ويرجع ذلك إلى السلطة التقديرية للقاضي أو عضو النيابة والأصل أن يتم تحديد مدى الحجية ويلتزم الجميع بها.

إلى جانب الإطالة وعدم البت في القضايا الجنائية بسبب التكرار في الإجراءات القانونية فإنه كذلك ينعكس على ثقة كل جهة بالجهة الأخرى فكما أن القاضي لا يثق في النيابة العامة فكذلك تقوم النيابة العامة بعدم الثقة في أعمال القاضي تقوم باستئناف الأحكام والقرارات وكذلك عدم ثقة القاضي والنيابة العامة بأعمال الشرطة فكذلك الشرطة لا تثق في أعمالهم ولا تقوم بالاستجابة لهم والتجاوب معهم وتنفيذ قراراتهم وأحكامهم.

وفي آخر هذا المقال أوصي بالآتي:

يقوم مجلس القضاء الأعلى بسرعة تشكيل لجنة لدراسة أسباب تأخير الفصل في القضايا الجنائية بما فيه السبب المذكور في هذا المقال وتحديد المعالجات اللازمة التي تعيد للقضاء الجنائي قوته وهيبته.

والله الموفق.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد