حتى لا نبكيَ القدس كما بكينا الأندلس!

2008-11-23 03:39:06

جمال سلامة

إذا كان لمأساة القدس اليوم أن تذكرنا بشيء فهو تلك العبارة التراجيدية النادرة التي نقلها التاريخ عن أم عبيد الله آخر خلفاء الأندلس عندما قالت وهي تقرع ولدها الباكي بعد أن سلم قصره ومملكته للفاتح الإسباني: "تبكى كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".

فعندما يرى المواطن العربي ما يجرى في القدس وللقدس على أيدي سلطات الاحتلال من تهويد شامل للمدينة المقدسة ومصادرة وهدم أكبر عدد من المنازل والمساجد والمقابر والآثار، وتهديد جميع الأحياء والبلدات العربية في المدينة بهدف إلغاء الوجود العربي فيها ووضع اليد العبرية نهائيا عليها، وبالمقابل يرى الرد العربي العام على شكل استجداء وتوسل للإدارة الأمريكية تارة وللهيئات الدولية تارة أخرى عساهم يضغطون على تل أبيب ودون جدوى. لا يملك سوى القول حسبنا الله ونعم الوكيل.

لقد تجاوزت سلطات الاحتلال الصهيونية في بطشها وعنصريتها ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام وضد المقدسيين بشكل خاص كل الأعراف والقوانين الدولية، فهي لا تستهدف الحاضر والماضي العمراني للعرب في القدس فحسب، وإنما تستهدف الهوية الدينية للمدينة المقدسة ببناء الكنس اليهودية وسط الأحياء العربية في البلدة القديمة ممثلا في الكنس الذي يتم تشييده على حساب حمام العين، والكنس الضخم الذي يتم تشييده على حساب المسجد العمرى التاريخي، إضافة إلى كنس ورموز دينية أخرى عديدة يتم تجهيزها واصطناعها تحت الأقصى وفي محيطه وضمن ما بات يعرف ب"الحوض المقدس"، والتخلص من أكبر عدد من المقدسيين بتجريدهم من مواطنتهم المقدسية تمهيدا لطردهم من القدس واستقطاب المزيد من المهاجرين اليهود للإقامة وجعل المقدسيين مجرد أقلية في مدينة يهودية، ومن ثم التأثير على أى حل سياسي مستقبلي للقدس.

وإذ تستهجن الشعوب العربية والأحزاب والمنظمات الشعبية هذا العجز الرسمي العربي الذي لا يمكن وصفه إلا بالتخاذل، وكأن هناك اتفاقا صامتا قد حصل تسكت بموجبه العديد من الدول العربية عن ضم القدس نهائيا لإسرائيل مقابل صفقة تضمن من خلالها واشنطن استقرارهم وصداقتهم، وإلا ما الذي يفسر غياب لجنة القدس والقمة العربية والإسلامية عن تذكير العالم بأن القدس ومستقبلها قضية أساسية وجوهرية ليس بالنسبة للفلسطينيين فحسب ولكن قبل ذلك لجميع الشعوب العربية والإسلامية؟. .

وإذا لم يكن التخاذل هو الذي يفسر هذا السكون المريب على الإجهاز الأخير على القدس العربية وقطع آخر شريان فيها يربطها بالتاريخ والمجتمعات العربية والإسلامية، فما الذي يفسره، وكيف يمكن قبول هذا الغياب الكامل تقريبا لردود فعل عربية ذات معنى؟ هل فقد المعنيون مشاعرهم الوطنية بل الدينية الطبيعية التي تحثهم على الدفاع عن مقدساتهم التاريخية؟ هل فقدت القدس صفتها القدسية وصارت مدينة عادية كغيرها من المدن تخضع للحسابات السياسية البسيطة وللصفقات الدبلوماسية من دون أن تستثير أى حمية دينية؟ أم هل اقتنع هؤلاء بأن الحال في إسرائيل قد قطع الطريق على أي أمل في استعادة القدس بعد توحيدها كعاصمة أبدية لإسرائيل، وان التضحية بالقدس أصبحت ضرورة لا محيد عنها لعقد سلام مع إسرائيل؟

وإذا كان من الجنون التفكير بإمكانية انتصار عربي عسكري نهائي على إسرائيل بوضعهم الراهن، فإنه سيكون من الجنون كذلك أن يسمح العرب والمسلمون لإسرائيل بالاستيلاء على القدس ونزع صفتها وتهويدها، ولو حصل ذلك لن يكون بمقدور العرب اكتساب أى مصداقية أو احترام، وسوف يكتبون على أنفسهم الخضوع والمهانة لعقود طويلة قادمة أمام جميع الدول والشعوب.

كان بإمكان العرب إلقاء الحمل والمسؤولية على الفلسطينيين طالما كان الأمر يتعلق بأراض فلسطينية عادية، وقد نجحوا بالفعل في التملص من مسؤولياتهم التاريخية في هذه القضية بحجة أنهم ليسوا ملكيين أكثر من الملك، لكن ليس بإمكانهم فعل الأمر نفسه في ما يتعلق بالقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. .

إن ذلك لا يقلل من صمود الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه والدفاع عن مقدساته، ولا من أهمية وقيمة انتفاضاته، ولا من الدعم السياسي والمعنوي الذي يمكن أن يقدمه العالم العربي والإسلامي الواسع، لكن يبقى مصير القدس مرتبطا بالعرب أساسا وبما يمليه عليهم الواجب القومي والديني والثقافي الحضاري.

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد