لغز قراصنة الصومال!!!

2008-12-14 05:39:47

حسن الرشيدي

القراصنة والسفن الغربية المارة يتبادلون التحية متى ما كانوا قريبين من بعضهم البعض. . هذا ما كشفه أحد القراصنة المفاوضين الذين يحتجزون ناقلة النفط السعودية الضخمة سيروس ستار قبالة السواحل الصومالية، وأضاف هذا القرصان أن نحو أربعين خاطفًا سيطروا على السفينة السعودية وأن المفاوضات ما زالت جارية بينهم وبين مالكي السفينة، موضحًا أن حب الخاطفين للسعودية لأنها بلد مسلم سيخفض الفدية، كاشفًا أن القراصنة حصلوا على مساعدات من دول أخرى تمدهم بمعلومات حول طرق عبور السفن. وقال في اتصال هاتفي مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بعد أن سمى نفسه جامع آدم وكان يتحدث عبر مترجم من خلال هاتف محمول مربوط عبر الأقمار الاصطناعية أن المفاوضات لا زالت جارية مع مالكي الناقلة السعودية. وتابع: المفاوضات جارية وإن شاء الله أتوقع مفاوضات ميسرة.

وكشف آدم عن أن القراصنة يستفيدون من معلومات تصلهم من شركاء لهم يساندونهم ويمدونهم بالمعلومات من دول أخرى. وتابع: لنا دول تعطينا معلومات عن السفن في البحر وإذا وجدت سفن تجارية أو مبحرة في طريقنا، موضحًا أن تلك الدول المجاورة هي اليمن وإريتريا وكينيا وجنوب إفريقيا. وحول كيفية تعقب السفن قال: عندنا رادارات نعرف بها مكان السفينة. . عندنا متعاونون في كينيا وسريلانكا واليمن ودبي، مشيرًا إلى أن هؤلاء المتعاونين لا دخل لهم بالأموال، هم يزودوننا بالمعلومات فقط. وأكد جامع آدم أن شركاء القراصنة المتوزعين على أكثر من بلد عربي وإفريقي وآسيوي يرفعون من تكاليفهم التشغيلية في عملية الخطف الواحدة، موضحًا أن تكلفة عملية الخطف قد تصل إلى نصف مليون دولار. وقلل آدم من مخاطر تعرض القراصنة للهجوم من قبل الأساطيل الحربية التابعة لكثير من الدول في المنطقة، من بينها حلف ناتو والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، موضحًا أن تلك الأساطيل الحربية قريبة منهم ويشاهدونها.

ولكن الأخطر ما يذكره القرصان الصومالي هو حديثه عن قادة السفن الأمريكية، حيث وصفهم بأنهم لا يقدرون على مراقبة البحر كله، فهم عندهم أمورهم الخاصة بهم على حد تعبير القرصان لدرجة أنهم يبادلونهم التحية.

هل هذه الإشارات من القراصنة توحي بأن ثمة تواطؤًا غربيًا مع هؤلاء القراصنة لزيادة الوجود البحري العسكري الغربي في هذه المنطقة وقطع الطريق على المحاكم الصومالية للعودة مرة أخرى إلى الحكم في الصومال، خاصة بعد نجاح المفاوضات الجارية الحالية وموافقة فصيل شريف أحمد على رئاسة ائتلاف من قوى المعارضة لتولي زمام الأمور في الصومال مرة أخرى؟

يبدو أن هناك تواطؤًا نوعيًا. . . ربما لا تعاون مباشرًا ولكن قد يكون غض الطرف عما يجري من قرصنة وخطف للسفن خاصة أن عمليات الخطف تجري وسط وجود سفن حربية غربية مجهزة بأحدث وسائل الرصد، ولكن الأغرب أنه في الفترة الأخيرة حاولت عدة تقارير غربية وكتابات عربية ربط عمل مجموعات القراصنة بالإسلاميين في الصومالففي تقرير صدر عن المعهد الدولي البريطاني المعروف بتشاثم هاوس تضاربت التحاليل حول دوافع القراصنة وما إذا كانت مالية فقط أم أنها سياسية مرتبطة بحركة الشباب الإسلامي الصومالية.

مسارعة شباب المجاهدين إلى الإعلان عن رغبتهم في البحث عن القراصنة لإجبارهم على فك أسر السفن المحتجزة وبالذات السعودية

ولكن مسارعة شباب المجاهدين إلى الإعلان عن رغبتهم في البحث عن القراصنة لإجبارهم على فك أسر السفن المحتجزة وبالذات السعوديةونقلت وكالة رويترز للأنباء عن رجل مسن في ميناء هاراديري قوله: إن إسلاميين وصلوا وهو يريدون أن يعرفوا على الفور مصير الناقلة. وقال الرجل المسن الذي امتنع عن ذكر اسمه: وصل الإسلاميون للبحث عن القراصنة وعن مكان السفينة السعودية. شاهدت أربع سيارات مملوءة بإسلاميين يطوفون بكل ركن في البلدة. وأضاف: الإسلاميون قالوا إنهم سيهاجمون القراصنة لخطفهم سفينة مملوكة لدولة إسلامية.

وحتى المنهج التاريخي في التحليل يثبت أن الإسلاميين هم أبعد الناس عن شبهة القرصنة، فميناء هرارديري الذي يعتبر أبرز قواعد القراصنة الذين يهاجمون السفن التي تعبر المحيط الهندي قبالة السواحل الصومالية، فالمدينة التي تقع على بعد 300 كيلو مترًا شمال العاصمة الصومالية مقديشو وأقل من 30 كيلومترًا من الشاطئ كانت معقلاً لتنظيم المحاكم الإسلامية في عز قوته، ونجحت المحاكم الإسلامية في فرض سيطرتها على المدينة بسهولة وتمكنت في أيام قليلة من تحجيم نشاط القراصنة بعدما أعلنت أن عهد قطاع الطرق والقرصنة قد ولى، وأن بإمكان الناس كسب عيشهم من خلال الصيد أو أي نشاطات أخرى ولكن ليس بالقرصنة. بإمكانيات عسكرية محدودة وبسيطة للغاية عبارة عن ثماني سيارات نصف نقل مزودة براجمات صواريخ وأسلحة ثقيلة، وبسرية مكونة من مائتي عنصر كان الكلاشنيكوف هو تسليحهم الرئيس بسط الإسلاميون سيطرتهم على كافة أنحاء المدينة ومشطوا شوارعها التي اختفى منها القراصنة فجأة وفى لمح البصر. آنذاك كان كبار مسئولي المحاكم الإسلامية يدركون خطورة استفحال واستشراء خطر عمليات القرصنة على سواحل الصومال وأنها ستجلب أيضًا أساطيل الدول الغربية للدفاع عن حرية الملاحة البحرية الدولية في تلك المنطقة. . فإذا كان الإسلاميون بريئين من تلك التهمة فمن إذًا يشارك فيها؟

تتفاوت الأنباء حول طبيعة هؤلاء القراصنة، ولكن لا شك أنهم صوماليون محبطون من الفوضى العارمة التي تعيش فيها البلاد منذ التسعينات من القرن الماضي ولا يجد هؤلاء سبل عيش كريمة أو موارد رزق وقد بلغت قوتهم حدًا كبيرًا، فوفقًا لدراسات أجراها العسكريون الفرنسيون أن الظاهرة تفشت في المنطقة مع 133 هجومًا، مؤكدًا في الإجمال 39 منها تم بنجاح منذ بداية العام 2008 مقابل70 هجومًا منها 31 ناجحًا بالنسبة للسنوات الثلاث السابقة.

وهذه الأرقام تختلف قليلاً عن إحصاءات المكتب البحري الدولي الذي تختلف مصادره عن مصادر البحرية الفرنسية. فبحسب المكتب البحري الدولي تعرض 92 مركبًا على الأقل لهجمات قراصنة صوماليين -36 بنجاح- في المحيط الهندي وخليج عدن هذا العام. وبين 10 و16 نوفمبر أحصي 11 هجومًا في المنطقة كما أضاف المكتب البحري الدولي.

ولكن ما مستقبل هذه القرصنة؟

هناك عدة سيناريوهات محتملة يمكن أن تسلكه هذه الأزمة، ولكن السيناريو الأقوى هو أن تنجح المحاكم الإسلامية في السيطرة على الصومال مجددًا و إنهاء حالة هذه المشكلة، ولكن هذا يرتبط بتوافق دولي إقليمي على ذلك وذلك متعذر في الوقت الحاضر على الأقل؛ لأن أثيوبيا لا تقبل بوحدة الصومال وهي تسعى بكل السبل لإنهاء وجود الصومال موحدًا قويًا مرة أخرى، فالصومال خاض حروبًا عديدة ضد النظام الأثيوبي الذي يتطلع ليكون له الدور الإقليمي الأبرز في القرن الإفريقي، ووجود صومال موحد يحول دون ذلك الهدف.

كما أن الولايات المتحدة متخوفة من وصول تيار سلفي متشدد على حد التعبير الغربي إلى حكم الصومال أو أي دولة، فالغرب لا يفرق بين التيارات السلفية كالقاعدة وغيرها من التيارات السلفية التي تختلف عن القاعدة في منهجها التصادمي، ولذلك فقد اتفقت أمريكا وأثيوبيا على أن تقوم أثيوبيا بالغزو البري لإسقاط المحاكم، بينما توفر لها أمريكا غطاء جويًا وحماية دبلوماسية، وهكذا تمكنت الدولتان من إسقاط نظام المحاكم الإسلامية، فالعامل الحاسم في هذا الموضوع هو وجود حاجة أمريكية لإعادة المحاكم؛ حيث إنها البديل الوحيد لعودة الهدوء للصومال، وبالتالي تأمين النقل البحري وخاصة نقل النفط عبر باب المندب والمحيط الهندي. وبما أن تأمين مسارات النفط هي في صلب الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة (القرن الإفريقي) فهنا تتنازع إستراتيجيتان تتحكمان في صنع القرار السياسي الأمريكي الخاص بالمنطقة، وهي الحرب على الإرهاب وتأمين إمدادات النفط. ونحن نرجح أن شركات البترول الأمريكية سوف ترجح العامل الثاني، ولذلك سوف تسعى الإدارة الأمريكية - الحالية أو الجديدة - إلى محاولة إيجاد صيغة ملائمة تكون فيها المحاكم جزءًا رئيسيًا من تركيبة الحكم الصومالية، مع ضمان عدم مساندتها لأي أعمال عدائية ضد الغرب في نظير عودة استتباب الأمن في السواحل القريبة من الصومال، فهل تنجح أمريكا في ذلك؛ أي الجمع بين الإستراتيجيتين. . . هذا ما سوف تثبته الأيام القادمة. .

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد