فيما 1.5مليون سوري قضوا العيد بعيدا عن ديارهم..

"وداد" طفلة تعيش في خيمة تغطيها الرمال

2012-11-13 03:07:59 بقلم/ كريسنالينا جيورجيفا


في هذا العام، لم يتمكن أكثر من ٥،١ مليون سوري من قضاء عيد الأضحى المبارك في ديارهم، فقد اضطروا إلى الهجرة بعيداً عن مدنهم وقراهم بسبب النزاع الصارم الذي تدور رحاه في بلدهم. وقد اضطر حوالي ٢،١ مليون سوري إل النزوح داخل سوريا، نجد أن أكثر من ٣٨٠ ألف آخرين اضطروا إلى عبور الحدود إلى الخارج سعياً للأمن والحماية.
ومن ضمن هؤلاء، وداد، البالغة من العمر ست سنوات، والتي تعيش في خيمة تغطيها الرمال في شمال الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا. وقبل بضعة أسابيع، قام فريق من مكتب إيكو في عمان بزيارة المخيم، الذي كان حوالي ١٠ آلالف لاجئ يقيمون فيه في ذلك الوقت. أما اليوم، فإن وداد واحدة من ٣۷ ألف سوري وجدوا في المخيم مأوى مؤقتاً لهم، وذلك بفضل المساعدة التي تضافرت على تقديمها جهود حكومة الأردن وشعبه، إلى جانب المجتمع الدولي. وتحتاج وداد وأسرتها إلى كل شكل من أشكال المساعدة التي يمكن لنا أن نقدمها لهم، علماً بأن اثنين من أفراد أسرتها مقعدين.
لقد نظم الاتحاد الأوروبي عملية إنسانية ضخمة، بلغت قيمتها حوالي ٢٤٠ مليون يورو، لمساعدة الملايين من السوريين المتضررين إثر النزاع. إننا نمد يد العون إلى المدنيين من أمثال وداد الذين ينشدون الحماية والرعاية الطبية والغذاء، بالإضافة إلى مأوى آمن يقيمون فيه إلى أن تضع الحرب أوزارها. ويشاركنا في هذه العملية كل من الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية. وبصفتها أكبر جهة دولية متبرعة لجهود الإغاثة داخل سوريا وعبر حدودها مع جيرانها، تعمل أوروبا كذلك على تعزيز الجهود الرامية إلى تعبئة الجهات المانحة والتنسيق فيما بينها. والجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يعمل كميسر مشارك للمنتدى الإنساني السوري، وأنه قد ساعد في الجمع بين جميع الأطراف المعنية للعمل معاً. ويسرني أن أؤكد أن العديد من البلدان والمنظمات والشعوب القريبة والبعيدة من جميع الطوائف والانتماءات، بما في ذلك بلكم، يقدمون الكثير من المساعدات السخية. ويذكرنا هذا التضامن بأن المساعدة الإنسانية هي مفهوم عالمي، وليست مفهوماً غربياً. بل إن مبدأ العطاء الطوعي ومساعدة المحتاجين — أي الصدقة —كان قد تجسد في القرآن الكريم قبل قرون من الوقت الذي أخذت فيه "الإنسانية" شكلها الحالي.
مع ذلك، فإن المجتمع الدولي ما فتئ يبذل قصارى جهوده من أجل بلورة موقف سياسي موحد بخصوص كيفية الاستجابة للنزاع المسلح في سوريا. لكن الاختلاف حول حل سياسي لا يعني أننا ينبغي أن نبقى سلبيين. بإمكاننا جميعاً الاتفاق على أن الشعب السوري بحاجة إلى مساعدة، ونحن بالفعل نقدم لهم المساعدة المنشودة: فالإنسانية ينبغي أن تنتصر على الأساس المنطقي للسياسة والنزاعات، لأنه كلما كانت الجروح أعمق، كلما كان من الأصعب على السوريين، وعلى المنطقة بأسرها، النهوض بعد النزاع المسلح واعتناق السلام.
وفي سبيل الدفاع عن إنسانيتنا المشتركة، حتى في النزاعات المعقدة مثل هذا النزاع، فقد تبنى المجتمع العالمي قواعد ومبادئ، أطلق عليها اسم "القانون الدولي الإنساني"، الذي تتعرض مبادئه للانتهاك كل يوم، وذلك بقتل المدنيين وتعذيبهم، وإطلاق النار على عربات الإسعاف، وملاحقة العاملين في الحقل الإنساني. وهذا لا يتعارض فقط مع معاييرنا وأعرافنا القانونية، بل إنه يعمل كذلك ضد دساتيرنا الأخلاقية وضد المبادئ الأساسية لدياناتنا. وعندما يجري انتهاك هذا الكم الكبير من القوانين، فإن العواقب تصبح خطيرة. وهذا ما يدفعني إلى مناشدة جميع أطراف هذه الحرب إلى حماية الأرواح، بدلاً عن إزهاقها .. وإلى استثناء الأحياء السكنية، بدلاً عن قصفها .. وإلى إفساح المجال للعاملين في الحقل الإنساني لكي يقوموا بأداء المهام الموكولة إليهم .. إكراماً لأطفال مثل وداد، وإكراماً لجميع السوريين الذين لا يريدون سوى العودة إلى ديارهم ومداواة جروحهم وإعادة بناء حياتهم.
وبصفتنا نعمل في الحقل الإنساني، فإننا نبذل المستطاع، لا لنخدم الحكومات أو للعبث بالسياسة، ولكن لمساعدة المحتاجين — ومنهم الصحراويون في الجزائر، والفلسطينيون في الأراضي المحتلة، واليمنيون، والعراقيون — والآن السوريون. وسنستمر في تقديم المساعدة — فهذه هي رسالتنا وهذا هو واجبنا الأخلاقي. لكن، ينبغي علينا أن نأخذ باعتبارنا أن المساعدة الإنسانية ما هي إلا ضمادة للجروح — فصحيح أن بمقدورها إنقاذ الأرواح، لكنها غير قادرة على تضميد الجراح. وإن أردنا تحقيق المصالحة والحرية والسلام، فينبغي أن يأتي الحل من قبل صانعي القرار السياسي.

*كريستالينا جورجيفا هي مفوضة الاتحاد الأوروبي المعنية بالمساعدات الإنسانية والتعاون الدولي والاستجابة للأزمات
 
* تعليق الصورة/ الطفلة وداد، البالغة ست سنوات من العمر، وهي تقف أمام الخيمة المغبرة المخصصة لعائلتها في مخيم الزعتري في شمال الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا. الصورة: المفوضية الأوروبية/إيكو

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد