عودة القراصنة

2008-12-27 03:59:02

د. محمد بن هويدن

في الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يصدر قراره بمنح الدول الحق للتحرك ضد القراصنة الصوماليين وبالسماح بالاستخدام العسكري ضدهم رد القراصنة على ذلك التحرك بخطف أربع سفن تجارية في خليج عدن في غضون أربعة وعشرين ساعة ليعلنوا للعالم بأسره بأن قراصنة البحر ما زالوا موجودين وبقوة بل أنهم دخلوا الساحة الدولية كلاعب جديد في النظام الدولي القائم.

كان القراصنة موجودين عبر العصور المختلفة في مناطق عبور السفن التجارية، فقد كانوا في البحر الأبيض المتوسط منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد ولعلنا نذكر الفايكنجز في أوروبا في فترة القرون الوسطى؛ وكان هناك قراصنة سواحل الهند وقراصنة شرق آسيا وقراصنة جنوب شرق آسيا وقراصنة الكاريبي وقراصنة دلتا النيجر.

لكن معظم أولئك القراصنة تلاشوا مع الزمن وتلاشت أنشطتهم وذلك بفضل تماسك الدول وتزايد قوتها ومن خلال تزايد العمل الدولي على مواجهتهم، إلا أنه ظلت أنشطة القرصنة في مضيق ملقا وسنغافورة أكثر نشاطاً في العالم من غيرها من المناطق حتى ظهر قراصنة الصومال الذين استطاعوا أن يجذبوا الاهتمام العالمي بهم من خلال قدرتهم على اعتراض ورهن السفن العملاقة المحملة بالنفط وقدرتهم اعتراض سفن تابعة لدول غربية وأخرى كبرى في النظام الدولي.

الأرقام تشير إلى أن القرصنة البحرية تكبد العالم خسائر تتراوح ما بين 13 إلى 16 مليار دولار أميركي سنويا. ولكن ما يجعل قراصنة الصومال هم أخطر قراصنة هذا الوقت هو الأرقام الكبيرة لأعمالهم الهجومية هذه، حيث أن ما يزيد عن 100 سفينة أجنبية تعرضت لهجوم من قبل القراصنة قرابة السواحل الصومالية هذا العام، وأن ما يزيد عن 40 سفينة تم خطفها، وهذه الأرقام هي أكبر بثلاث مرات عن أرقام العام الماضي وفقاً لأرقام الوكالة البحرية الدولية.

بروز قراصنة الصومال كان نتيجة لتفكك الصومال وانغماسها في حروب أهلية منذ عام 1991 عندما تم الإطاحة بحكم الرئيس محمد سياد بري ووصول الصومال إلى حالة الفوضى التي تعيشها اليوم والتي جعلتها تتبوأ مركز الصدارة في قائمة الدول الفاشلة في العالم.

حالة الفوضى والمجاعة التي تضرب الصومال بسبب تردي الأوضاع السياسية والأمنية أصبحت تشجع الشباب على الانخراط في أعمال القرصنة كإحدى الطرق التي يمكن من خلالها لمثل هؤلاء الأشخاص تأمين مطالب حياتهم اليومية بل هي أفضل الطرق التي يمكن من خلالها للصوماليين العاملين فيها من أن يحصلوا على الثراء والعيش المترف بالمقاييس الصومالية.

كيف لا وأن نحو ما يزيد على 30 مليون دولار أميركي كانت هي حصيلة ما تمكن القراصنة الصوماليون من جنيه من أموال الفدية التي حصلوا عليها من الشركات وأفراد في العالم خلال هذا العام فقط نظير إطلاق سراح السفن المختطفة. لذلك فلا عجب إذاً أن نجد نشاط القرصنة يزدهر في الصومال حيث أصبح هذا النشاط جذاباً لكل من يريد أن يحقق ربحاً سريعاً أو حياة أفضل عن حياة البطالة.

فالجميع يعلم بأن الصومال ليست البلد التي يمكن أن يقصدها السياح كي ينشط القطاع السياحي فيها، ولا تتمتع بظروف آمنة من أجل استغلال واستثمار الخيرات الطبيعية التي تتمتع بها، ولا يوجد بها حكومة مركزية قوية تستطيع أن تفرض سيطرتها على مياه الصومال الإقليمية، ولا يمكن حتى للصحفيين الأجانب السير في الصومال من دون وجود حراسة لتأمين أمنهم. ولعل معقل القراصنة في مدينة بوساسو الساحلية في شمال الصومال هي أخطر الأماكن في الصومال التي يصعب على أي شخص دخولها أو الخروج منها بسهولة ويسر.

القرصنة ليست بعملية معقدة بل أنها وبفضل تكنولوجيا الاتصالات المتاحة وبفضل الأسلحة المتقدمة أصبحت أنشطة القرصنة أنشطة سهلة وغالباً ما تنجح في تحقيق هدفها. قراصنة اليوم أصبحوا مدججين بأحدث أنواع الاتصالات الهاتفية واللاسلكية وبمعدات عسكرية متقدمة كرشاشات والصواريخ المضادة وحتى أجهزة رقابة.

وغالباً ما يتنقلون من خلال سفن صيد بها قوارب سريعة تعترض السفن التي يجدونها أمامهم بشكل مفاجئ. الأرقام الحالية تضع عدد القراصنة في الصومال بنحو 1100 شخص في الوقت الذي كان عددهم قبل ثلاث سنوات لا يتعدى المائة، فهذا مؤشر على أن هذا النشاط هو نشاط مربح وجذاب.

قراصنة الصومال سيظلون يهددون العالم ولن تتمكن الأمم المتحدة ولا قواتها العسكرية من وقف أنشطتهم بشكل كامل، حيث إن مثل هذا الأمر يتطلب إيجاد حلول في الداخل الصومالي وليس في المياه الإقليمية الصومالية.

فالداخل المشتت بالحروب والخلافات وعدم الاستقرار وغياب الأمن سيكون دائماً هو المغذي الرئيسي لكل نشاط قرصنة في الساحل الصومالي. فجذور المشكلة في داخل الصومال والتي لا بد أن يتم القضاء عليها أولاً وقبل كل شيء حتى يتم التمكن من القضاء على أنشطة القرصنة في مياه الصومال. فالبلد الفاشل لن يولد إلا ممارسات فاشلة تؤثر على أمن واستقرار العالم.

قد تنجح الدول في مواجهة القراصنة من خلال حماية سفنها التجارية إلا أن مثل هذا الأمر سيكون مكلفا للغاية حيث إن تتبع السفن التجارية من قبل السفن الحربية التابعة للدولة التي تتبع لها السفينة التجارية سيكون مكلفا للغاية وسيرفع من تكاليف البضائع حيث إن التأمين على السفن سيرتفع وترتفع التكاليف العسكرية للقوات البحرية للدول التي ستقوم بحماية سفنها التجارية مما يدخل العالم في دوامة غلاء جديدة وسيؤدي كذلك إلى بطء عملية انتقال البضائع بين دول ومناطق العالم.

كما أن انتشار القطع البحرية العسكرية للدول الكبرى في المياه الإقليمية لبعض الدول قد يولع شرارة المواجهة العسكرية بطريقة الخطأ أو العمد بين مثل تلك الدول ودول أخرى. لذلك فالحل يكمن في معالجة الوضع الصومالي وعدم تركه يسير نحو المجهول ونحو مزيد من الفشل، فالصومال تعطينا مثلا بارزا لخطورة ما يمكن أن يؤول إليه الوضع حال تحول الدول من وضع الدول العادية إلى وضع الدول الفاشلة، فليحذر العالم من استمرار فشل الصومال ومن إمكانية فشل دول أخرى.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد