شرعب تستصرخكم..

الصندوق الأسود لجرائم النظام السابق في الشطرين.. يكتظ بالبشاعة!!

2013-02-24 15:55:57 كتب/نبيل الشرعبي


إلى هيومن ريتس.. من شاهد على بشاعة نظامين استباحا البشر والأرض والحياة.. في شرعب الإنسانية تستصرخكم.. مئات القتلى والمفقودين والمعاقين والثكالى والأرامل، وبشاعة حقد مازالت تحصد أرواح الأبرياء ببقايا ألغام مستنقع النزاع!!
مئات القتلى والمفقودين والمعاقين والمصابين بعاهات بدنية ونفسية اضطرابات عقلية ومآس كثيرة، أفرزتها أحداث الاضطرابات السياسية التي احترمت أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن المنصرم، في شرعب السلام والرونة والمناطق المجاورة.
حيث كان طرفا الصراع المتمثل بعناصر الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية (جودي) وقوات دولة ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية يحصدا بأسلحتهم أرواح بعض والكثير من الأبرياء من خلال الضربات العشوائية، ناهيك عن الاعتقالات والإخفاءات.
ورغم ضخامة المأساة إلا أن الجميع لم يحاول التطرق إليها، ومادام نظام الحكم السابق في طرفي الوطن، لم يسمحا بفتح ملف هذه القضية، لن نلتمس أي عذر لحكومة الوفاق، من ملفها.. كما أننا نطرحها على منظمة "هيومن ريتس" وكل المنظمات المعنية...
في مايو من العام1990م كان اليمنيون يعيشون فرحة إزالة الحدود بين الشطرين الشمالي والجنوبي، وإزالة برميل كرش والابتهاج والرقص على صوت الفنان أيوب طارش: وحدتي.. وحدتي.
كانت إحدى قرى شرعب السلام ـ عزلة بني وهبان تسمى "الوريدة" وهي قرية صغيرة تخاذي شرعب الرونة تعيش فرحة من نوع آخر.. فرحة استقبال عودة خمسة من أبناءها من أحد سجون ما كان يسمى بالشطر الشمالي ويحكمه رئيس يُسمى/علي عبد الله صالح.
هؤلاء الخمسة حُكم عليهم بالسجن بتهم قتل دون محاكمات، وتحت مبررات الانضمام والعمل مع حركة الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية (جودي) والتي أنضم إليها كثير من أبناء شرعب عن قناعة وآخرين بالإكراه.
مع أني لم أذكر تماماً حين زُج بهم إلى السجن إلا أني عشت وكنت حاضراً في فرحة أهاليهم والقرية "الوريدة" والقرى المجاورة، فيما أهالي سجين سادس كانوا ينتظرون عودة ابنهم في قريتهم المسماه السهيلة، دون جدوى لينتهي به المطاف ميتاً داخل السجن.
والسجناء الستة هم سعيد غلاب هزبر ـ سعيد ردمان هزبر ـ أحمد قحطان حسن ـ خالد نصر ـ وسفيان حمود ومحمد وهذا الأخير مات في السجن، وكانت التهمة الموجهة إلى الخمسة المفرج عنهم القيام بقتل شقيق من قرية بني وهبان، وهم من المساندين للدولة، ومناوئين للجبهة (جودي) بينما كانت التهمة الموجهة إلى السجين السادس/سفيان حمود محمد، هي القيام بقتل عدد من العساكر الذين يشنون حملات متتابعة على مساندي جودي، وربما كان يوجد آخرون أفرج عنهم، لكني لم أكن مطلعاً، فالأمر لم يكن يعنيني.
بعد حوالي عقد من الزمن وفي صفقة تبادل بين نظامي الشمال والجنوب ضمن اشتراطات تحقيق الوحدة، أطلق سراح أولئك الخمسة مع ضمان نظام الوحدة إلزام أهالي القتيلين بعدم التعرض لهم، مقابل تعويض مادي ورواتب عسكرية، والمطلق سراحهم تم منحهم قليل من النقود وحق الخروج من السجن وربما حق البراءة.
أما التعويض عما لحق بهم وبأسرهم لم يشار إليه قط رغم الامتهان والتعذيب في السجن، والذي كان النصيب الأوفر منه، من حظ سعيد غلاب هزبر، حيث كان يُصنف من كبار قيادات ومخططي ومفكري (جودي) وبدافع انتزاع معلومات سرية، كان التعذيب أكبر وتبدو الآثار ظاهرة عليه بعد إطلاق سراحه.
سعيد غلاب هزبر ـ رحمة الله تغشاه ـ في اليوم الثاني من خروجه من السجن وفي الصباح الباكر غادر منزله وأسرته، إلى منزلنا ليزور والدته العزيزة كما يسميها والتي هي والدتي عافاها الله، وكطفل مندهش لفرحة أمه وتسأله عمن يكون، انتظرت حتى انتهى من السلام على أمي، ودخلت لمصافحته..
يا الله كما كان وجهه شاحباً، ويشرد ما بين لحظة وأخرى.
وعلى مدى عدة أعوام كان لا يترك زيارتنا على أقل تقدير مرة كل أسبوع، حتى وهو يقاسي تبعات المرض والذي أجزم بأنه ناجم عما لحق به في السجن، إلى أن توفى رحمه الله مع ألمه وأسرار السجن التي حملها معه إلى عالم الخلود.
أيضاً بقية السجناء الأربعة والذين لم يبق منهم سوى سعيد ردمان هزبر كانت علاقتنا بهم طيبة وكذلك العزيز سعيد، وهم يرحلون تباعاً لم يحصل أن زارتهم منظمة أو تحدث عنهم أحد، وكأنه لا وجود لهم، ولم يكونوا أحد عناصر معادلة إتمام الوحدة.
والآن ولم يبق منهم سوى الأخ/سعيد ردمان هزبر وكوني لا أملك ما أكرمهم به، وباعتبارهم شهوداً على بطش النظام السابق، وقد رحل منهم ثلاثة والرابع انتهى أجله في السجن، فالواجب تدارك الأمر والتوجه نحو الأخ/سعيد ردمان هزير، لمعرفة جانب مظلم من لسانه عن حاله وأصدقائه وكثير غيرهم يعرف عنهم الكثير مما لا يعرف عنه الكثير شيء، ويعد مهماً وللغاية وقد يقود إلى تفاصيل كثيرة، وإيضاح أمور مصنفة كجرائم وانتهاكات ضد الإنسانية وغير ذلك، مما نحتاجه من أحداث ومتغيرات.. إلم في حقبة تاريخية هامة وخطيرة من مراحل الحياة السياسية في الوطن.
جانب آخر حتمت الفترة الراهنة، الخوض فيه وهو المفقودون خلال نشاط الجبهة الوطنية (جودي) والحملات العسكرية المسيرة من الدولة للقضاء عليها أواخر السبعينات، وبداية الثمانينات من القرن المنصرم، حيث كنت لا أزال غير مدرك لما يجري سوى الخوف الذي عشته مع أفراد أسرتي، وكذلك الجيران من الأقارب وغيرهم، جراء المطاردات والقذائف واشتعال السماء بالذخائر من طرفي الجبهتين.
حقيقة الذاكرة أكبر عدو، لكني مدان لهذا العدو بشيء من الود كونه مازال يرفض أن تغادره بعض من ملامح ذكريات، أعتبرها كل ما أملك عن فترة تاريخية، لا يعرف عنها الكثير من جيلي والأجيال الأخرى شيء وهي فترة نشاط الجبهة الوطنية (جودي).
من ملامح هذه الذكريات، في إحدى الصباحات آنذاك لا أذكر التاريخ تحديداً، لكن ربما يكون مطلع العام1980م، كنت مع أخي الذي يكبرني وصديقين من أولاد أحد أجدادي بنفس الأعمار، نلعب على مقربة من منازلنا، ولحظنا قدوم شخص مألوف بالنسبة لنا اسمه/محمد عامر إسماعيل ـ رحمه الله ـ وكنا نسميه جبهة" اقترب منا.. لم نفزع وسلم علينا وسألنا مازحاً: أنتم مع الجبهة أو المرتزقة، قلنا له إحنا مع الجبهة مثل إخواننا الكبار، فتبسم ومد يده إلى جيبه وأعطى كلاً منا (ريالاً) لم نصدق لأن الريال كان مجرد حلم بالنسبة لنا فهو يساوي في قيمته كثيراً من السلع.
كان الراحل/محمد عامر إسماعيل ـ رحمه الله ـ ذو قامة طويلة وبشرة سمراء وجسم نحيل، يحمل بندقية نطلق عليها (فرنصاوي) أي من صنع فرنسا وفق ما عرفنا لاحقاً، طلبنا منه حمل البندقية، فكان يضعها على أكتافنا ويساعدنا على حملها كونها ثقيلة وبحجم قاماتنا، ومشينا معه مسافة ثم قال: لنا أرجعوا ولما تكبروا سأكون أخذكم معي الموقع.
ولم يكاد يمر يوم أو يومين، وقبيل ظهر أحد الأيام تصاعدت أصوات النواح من تجاه منزله هرعنا لنعرف ما الذي جرى وكان الخبر السيء أن محمد عامر مع حميد محمد إسماعيل ومحمد عبد الله محمد سعيد كانوا في كهف في موقع تابع للجبهة، وقوات المرتزقة أي العساكر أطلقوا عليهم (دانة) قذيفة، وقتلتهم جميعاً، فرقتهم ومزقتهم حتى اختلطت أعضاءهم بعضها ببعض.
موقف آخر كنا بعد عصر أحد الأيام نلعب في الباحة المجاورة لمنزلنا وتصاعد صراخ، وكانت النساء يرددن محمد أحمد محمد وأخوه سعيد أحمد قتلوا في السيلة ـ مكان كان أشبه بالسوق ـ وحادث أخر في صباح أحد الأيام جاءت إمرأة وقالت لوالدتي ، عبد الله ردمان قاسم وعبد الله بن نقيظاء قتلوا في جبل بني سرى.
غير ذلك أتذكر كيف كانت تتساقط القذائف جوارنا ونحن نلعب جوار منازلنا وكذلك الرصاص وطلقات الرشاشات وعندما تزداد أكثر خصوصاً من بعد المغرب، نتجمع في كهف حُفر داخل منزلنا.. حيث اشتد القصف ووصل خبر أن العساكر سينزلون في الليل ويحرقون البيوت بمن فيها، فأخذتنا أمي أنا وأخوتي إلى أقارب لها في منطقة بشرعب الرونة اسمها (حواس) وكان ذلك في الليل..
المعاناة التي عاشتها قرى شرعب وغيرها من المناطق لم يتحدث عنها أحد مع أنها تستحق التناول.. ولأن هناك من هو أكثر إلماماً بها مني سأترك الحديث عنها إلى مواضيع أخرى.. إنه موضوع القتلى سواءً من الجبهة أو العساكر التابعين للدولة أو الموالين للدولة.
ما يربو على عشرين شخصاً لقوا حتفهم, تمكنت من استذكار أسماءهم وكانت معرفتي بأهاليهم قوية, هؤلاء هم من بضعة قرى مجاورة لقريتنا بعضهم أهالي لقوا جثثهم وآخرون لم يجدوا غير أشياء كانت بحوزتهم وما عدا ذلك لا شيء وهذا الرقم ليس الرقم الكلي وإنما جزء بسيط من قرى "الوريدة, السهيلة, حدبة, الرماني, قيد, الدمينة, بني وهبان" فيما العدد أكبر من ذلك بكثير.
وهم كالتالي: عبدالله رزاز/ عبده رزاز بني وهبان, محمد عامر إسماعيل – قيد, حميد محمد إسماعيل, حجاجة, محمد عبدالله محمد سعيد، فرحان حميد, عبدالله غلاب ردمان قاسم, الدمينة, محمد أحمد/ سعيد أحمد محمد/ قيد, مهيوب سيف سعيد/ غسان, الوريدة عبد القوي علي عبد الواسع, عبدالله غلاب بني سري, سعيد فرحان حواس سعيد قاسم/ محمد سعيد نصر عبدالله محمد قاسم محمد سيف رحامي/ قحطان عامر إسماعيل, سيف قاسم أحمد/ حجاجة/ الروماني السهيلة أحمد سيف, زرماان عبدالله بن نقيطاء بني وهبان، الحساني محمد، مريم قاسم، هؤلاء تم العثور على جثثهم ودفن بعضها وبعضهم كان قتله ظاهرياً، فيما عبدالله قائد, علي قائد السهيلة, لم يتم العثور على جثثهم أي جزء من أعضاءهم وتم العثور على ساعتين تعود لهما, وكذلك أمين عبده محمد عبدالله لم يعثر على جثته, أو ما يدل على أنه تم تصفيته, ولكن بعد فترة من اختفاءه, وجد بعض الأشخاص سيارته يقودها شخص مجهول وقد غير في ملامحها.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لا يوجد ما يؤكد أن هؤلاء الثلاثة قد تم تصفيتهم, عدا تداول أخبار متضاربة.. وأياً كان الأمر يبقى من حق أسرهم وأقاربهم معرفة الحقيقة, وهذا أقل ما يمكن من حق يجب أن يحصل عليه الأهل والأقارب وغيرهم.
ونحن نعتذر لأسر من لم تستحضر أسماءهم ممن فقدوا في نفس الفترة وكذلك ممن لا نعرف عنهم من كل قرى ومناطق شرعب السلام والرونة وغيرها, نتمنى منهم ومن كل الذين يملكون معلومات حقيقية عن مقتل أي حالات سواءً من أفراد الجبهة أو المساندين للدولة, كما نطرح على منظمة هيومن رايتس وكل المنظمات الحقوقية، ما أوردناه كبداية لملف لمئات القتلى والمفقودين والسجناء وغيرها, من قبل النظام السابق أو الداعمين للجبهة "جودي" ونطالب بفتح ملف هذه القضية والتي تعد بمثابة صندوق أسود لجرائم نظام سابق في الشمال والجنوب, استباح البشر والأرض والحياة..
للتواصل أو الإبلاغ أو تقديم معلومات أو صور أو وثائق حول هذا الموضوع.. يرجى الاتصال على رقم الهاتف التالي (606711/01) أو إرسال المعلومات على الفاكس التالي (635186/01) مع بيانات المرسل أو الاتصال على أرقام الجوال (711980430- 770854131).
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد