هل يغير أوباما قواعد اللعب في الشرق الأوسط؟ .. الحلقة الأخيرة

2009-01-22 00:57:08

فواز جرجس

بعد صمته المطبق نسبيا بشأن الهجوم على غزة، تعهد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الأسبوع الماضي بالضغط الفوري من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط وانتهاج سياسة واضحة نحو حوار سياسي مع إيران

هل سينقذ أوباما إسرائيل من نفسها؟

في الواقع حدث تغيير كبير في العالم العربي إزاء عملية السلام مع "الدولة اليهودية". فهناك إجماع بين القادة العرب يقضي بأن الحل يكمن في معادلة الأرض مقابل السلام، وهذا يعني أن على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس الشرقية مقابل الاعتراف الدبلوماسي من قبل كافة الدول العربية.

المثير للاهتمام أن قادة إسرائيل باتوا يستشعرون أخيرا مزايا وفوائد مبادرة السلام العربية التي صدرت عن السعودية في القمة العربية 2002 ببيروت.

فقد أبدى قادة كبار في حزبي كاديما والعمل الإسرائيليين تأييدا في الآونة الأخيرة لمبادرة السلام العربية. ولكن الملفت والمحزن والمخزي أن هؤلاء القادة أنفسهم يشنون حربا ضروسا لكسر إرادة المقاومة العسكرية في غزة.

هل يمارس أوباما ضغوطا على إسرائيل؟

الحقيقة أن إسرائيل بصرف النظر عمن يحكمها من اليسار أو اليمين، لن تقدم أي تنازلات مؤلمة -الانسحاب من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات- تعد متطلبات أساسية لتحقيق تقدم، إذا ما غاب الضغط الأميركي.

فلا عجب أن يكون فريق السياسة الخارجية المسؤول عن الملف العربي الإسرائيلي في غاية الأهمية. ويشمل الفريق دينيس روس -المبعوث السابق للشرق الأوسط في عهد إدارتي كلينتون وبوش- الذي قد تمتد مسؤوليته إلى الملف الإيراني، وهذا لا يبشر بخير أبدا لطهران.

ويضم الفريق أيضا مارتن إنديك السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل المقرب من وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون، والسفير السابق الأخر لدى إسرائيل دانيل كيرتزر، ونائب وزير الخارجية جيم ستينبيرغ، ومساعد أوباما منذ فترة طويلة دان شابيرو، والإستراتيجي في الخارجية بإدارة بوش ورئيس المجلس الفاعل للشؤون الخارجية ريتشارد هاس.

وهذه التشكيلة ليست واعدة، ولا سيما أن روس وإنديك لا يتمتعان ببعد النظر والحيادية، فكلاهما يدعمان إسرائيل بشكل أعمى، ولعبا دورا سلبيا في عهد كلينتون، فمن الصعوبة بمكان التكهن بما إذا كانا قد تعلما دروسا مفيدة من خبرتهما السابقة كمفاوضين. علينا الانتظار قبل إصدار الحكم.

ومن جانب آخر، فإن كيرتزر -الذي يعرف العالم العربي وإسرائيل بشكل جيد- يعد أكثر استنارة وتقدما من روس وإندريك، أما هاس فيعتبر من البراغماتيين الواقعيين على الرغم من تأييده المطلق لإسرائيل.

كنا نأمل من كل من أوباما وهيلاري كلينتون أن يعينا مساعدين أكثر توازنا في رؤيتهم وأفكارهم إزاء المنطقة، والخشية تكمن في أن تستمر الرواية الإسرائيلية المهيمنة منذ زمن طويل على صياغة القرار الأميركي في إعاقة قدرة واشنطن على انتهاج مسار متوازن وفاعل نحو عملية السلام العربية الإسرائيلية.

وطالما أن إسرائيل تمارس الفيتو على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فلن يتحقق أي تقدم على جبهة السلام.

ولإنجاز تقدم ما، يتعين على أوباما أن يتمتع بإدارة سياسية مستقلة من أجل ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل. وإشراك معسكر الموالين للسلام داخل إسرائيل والولايات المتحدة على السواء في عملية صياغة رؤية السلام في الشرق الأوسط.

من المهم للقارئ العربي فهم بعض التطورات المهمة في المجتمعين الأميركي والإسرائيلي وهذه التطورات تتعلق بأن هناك جيلا جديدا من اليهود الذين يؤيدون سلاما شاملا في الشرق الأوسط يعتمد على نازلات مهمة من إسرائيل للفلسطينيين وليس على الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على جيرانهم.

هذا المعسكر الموالي للسلام، صحيح أنه لا يملك الموارد الخطيرة التي يملكها اللوبي الصهيوني التقليدي في الولايات المتحدة الأميركية بدأ بالفعل تحدي ومواجهة هذا اللوبي الصهيوني الذي يتمتع بتأثير جوهري على صياغة السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي.

إن هذا اللوبي اليهودي الموالي للسلام داخل الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى على المدى المنظور إن لم يكن القريب.

من الأهمية بمكان للقيادة الأميركية الجديدة رغم القوى المؤيدة للسلام داخل الولايات المتحدة من أجل مواجهة الضغوط العنيفة التي يبديها اللوبي التقليدي المؤيد لإسرائيل ويبدو أنه لأول مرة في تاريخ السياسة الأميركية بالفعل يحول أوباما إشراك كل القوى ومنها معسكر السلام داخل الشريحة اليهودية في الولايات المتحدة من أجل إيجاد معادلة جديدة في السياسة الأميركية إزاء إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي.

ورغم أن اختيار أوباما هيلاري كلينتون على رأس قمة الدبلوماسيين خفض سقف التفاؤل في العالم العربي بشأن احتمالات السلام، فإن نظرة كلينتون للسياسة الخارجية مطابقة في معظمها مع نظرة أوباما.

ما من شك أن كلينتون تؤيد إسرائيل بقوة وهي محبوبة من قبل منظمة إيباك اليهودية، وستدافع عن إسرائيل في إدارة أوباما الجديدة.

وفي جلسة تنصيبها، شددت على أنها تؤيد حلا للصراع العربي الإسرائيلي وستكون لاعبا في الفريق، وتنفذ بعناية كل ما يحظى بالإجماع من قبل إدارة أوباما.

إن التحدي الذي يواجه الرئيس المنتخب هو هل ستكون رؤيته محطة انطلاق للسياسة الخارجية الأميركية؟ أم هل سيعمل مستشاروه الموالون لإسرائيل على تقويض رؤيته؟ للأسف فرصة النجاح لا تتعدى نسبة 50%.

فأثناء زيارته إسرائيل وفلسطين العام الماضي، أُشير إلى أن أوباما استفسر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقادة الإسرائيليين عن آفاق مبادرة السلام العربية 2006. وقال لعباس وفقا لصحيفة صنداي تايمز البريطانية "الإسرائيليون سيكونون مجانين إن لم يقبلوا بالمبادرة العربية، لأنها تمنحهم السلام مع العالم الإسلامي بدءا من إندونيسيا إلى المغرب".

كيرتزر -أحد كبار مستشاري أوباما الذين رافقوه في زيارته إلى الشرق الأوسط- وآخرون من المساعدين أكدوا للرئيس المنتخب أهمية التحرك الفوري لحسم الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن ذلك يتوقف على مدى تقيد أوباما بنصائحهم.

وهناك مجموعة أخرى من الوزن الثقيل في السياسة الخارجية حثت الرئيس المنتخب على إعطاء المبادرة العربية أولوية قصوى مباشرة بعد فوزه في الانتخابات.

وشملت المجموعة الرئيس المشارك السابق في لجنة دراسة العراق لي هاملتون، والمستشار الأمني السابق من الجمهوريين برينت سكوكروفت، وكذلك برزيزنسكي.

وقد قال سكوكروفت إن "البداية المبكرة لعملية السلام الفلسطينية هي السبيل لتغيير المزاج النفسي في المنطقة، أكثر المناطق اضطرابا في العالم.

كما أن أوروبا حثت الرئيس المنتخب على العمل بسرعة قصوى لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحذرت من أن عقارب الساعة قد اقتربت بسرعة كبيرة من نقطة لم يعد فيها حل الدولتين ممكنا.

وقد وضع الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 عضوا وثيقة تطرح وجهة نظرهم أمام باراك أوباما، وتدعو إلى الاهتمام المبكر بالصراع العربي الإسرائيلي مع رغبة أوروبية بلعب دور في تحقيق الاستقرار.

رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أعرب عن أمله أن تمارس إدارة أوباما الضغوط بقوية وبشكل فوري من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

وقال بلير -المبعوث الدولي للشرق الأوسط- في اجتماع لمجلس الشؤون الخارجية بنيويورك مطلع ديسمبر/كانون الأول إن الوقت بات مناسبا للدفع نحو التقدم.

الكثير سيبقى رهنا بما يقوم به أوباما، كما قال بلير "السؤال المطروح الآن هو: هل أن ما ينشده الناس سيؤخذ على محمل الضرورة والتصميم اللازمين؟ كلي ثقة أن يكون كذلك".

في واقع الأمر، يتعين على أوباما أن يدفع بشكل فوري نحو تسوية عربية إسرائيلية من شأنها أن تجري تحولا وتغييرا على النظام الإقليمي وعلى علاقات أميركا مع هذا الجزء من العالم.

إن الأزمة الفلسطينية بالنسبة للكثيرين من العرب والمسلمين هي قضية هوية وليست سياسية فقط. إنها أزمة نفسية نازفة ساهمت في عسكرة المنطقة العربية. فقد كانت فلسطين وما تزال شعارا للكثيرين بدءا بعبد الناصر حتى أسامة بن لادن في الأسبوع الماضي.

ينظر إلى إسرائيل باعتبارها جسما غربيا في قلب العالم الإسلامي، واحتلالها للأراضي الإسلامية دائما ما يذكر بالهيمنة الأوروبية، والأميركية الآن، واستعبادهم للعرب والمسلمين.

وتعتبر أميركا على وجه الخصوص مسؤولة عن سماحها لإسرائيل بقمع وإذلال الفلسطينيين، لذلك فإن تعميق المشاعر المعادية للأميركيين ينبع من تصاعد أعمال القتال بين العرب وإسرائيل.

يدرك أوباما أن النتائج المحتملة لدفع عملية قطار التسوية السلمية تستحق المخاطر التي قد تنجم عن ذلك. فإيجاد الحل للصراع العربي الإسرائيلي بوساطة أميركية وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة من شأنه أن يمهد الطريق أمام المقاربة السياسية الأميركية مع إيران، وأمام قرارها في إيجاد معادلة إقليمية لإرساء الاستقرار في أفغانستان، وكذا التعاطي مع التطرف السياسي المتصاعد في باكستان.

وأهم من ذلك، فإن التسوية السلمية ستضع حدا لمعاناة الفلسطينيين المزمنة وتجلب الأمن الدائم لإسرائيل.

ربما يدخل أوباما التاريخ كرجل جلب السلام للأراضي المقدسة. فهل لديه الشجاعة الأخلاقية التي تؤهله لتغيير الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط؟ أم هل فريقه الشرق أوسطي سيحبط مساعيه؟ الزمن فقط هو الكفيل بالإجابة.

* كاتب وأكاديمي عربي

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد