تعز.. الصحة تاج على رؤوس الفاسدين

2013-10-05 18:39:26 تقرير/عبد العليم الحاج


يزداد الوضع الصحي بمحافظة تعز قتامة و سوءاً يوماً بعد آخر نتيجة للفساد الضارب أطنابه في مفاصل المرافق الصحية والمستشفيات الحكومية ويشكو المواطنون من عدم قيام هذه المستشفيات بدورها الصحي والإنساني وتدهور الخدمات التي يفترض أن تقدم للمرضى بمنأى عن الاستغلال والإساءة لمهنة الطب وتحول العاملين فيها من ملائكة الرحمة إلى جباة يسومون مرضاهم سوء العذاب بأسلوب رخيص ومبتذل دون وازع من دين أو ضمير في ظل غياب تام للجهات الرقابية ممثلة بوزارة الصحة أو السلطة المحلية وهو ما جعل المواطن يفقد ثقته بالمستشفيات الحكومية ويتوجه اضطراراً إلى المستشفيات والعيادات الخاصة رغم أن معظم كوادرها هم أنفسهم كوادر المستشفيات الحكومية .
"أخبار اليوم" وقفت على جانب من الواقع الصحي في بعض مستشفيات تعز ورصدت ذلك في سياق التقرير التالي:

 على مدى ثلاثة عقود ونيف لم يكلف النظام السابق نفسه الالتفات إلى الوضع الصحي لمحافظة يقارب تعداد سكانها 4ملايين نسمة وليس فيها سوى أربعة مستشفيات أبرزها مستشفى الثورة الذي بني بمنحة صينية وتحول إلى هيئة مؤخراً والجمهوري وبني في عهد الإمام والمستشفى العسكري وهو الأخر بني بمنحة روسية و المستشفى السويدي وهذا يختص بالأمومة والطفولة وهو الأخر أنشئ بمنحة سويدية أما مستشفى التعاون فقد تم بناءه في عهد التعاونيات وجميع هذه المستشفيات لا تعمل بطواقمها الطبية إلا بما يعادل 30% فقط وفقاً لمصدر طبي في المحافظة ففي مستشفى الثورة الذي تغيرت إداراته أكثر من مرة بفعل ثورة الشباب السلمية لم يطرأ عليه أي تغيير وضل الحال كما هو عليه من حيث الخدمات التي يقدمها للمرضى رغم ميزانيته الكبيرة التي تقدر بمليار وثلاثمائة وخمسين مليون ريال سنوياً ومع ذلك لا يحصل المريض على الخدمة مجاناً وعليه أن يدفع ثمن كل شيء ابتداء برسوم المعاينة مروراً بالفحوصات الطبية وانتهاء برسوم العملية ومبالغ جانبية يدفعها المريض خارج الرسوم للطبيب الذي يقوم بإجراء العملية .
واقع مأساوي
منذ أربعة أيام بلياليها يقبع المريض علي حسن علي (50عاماً) في إحدى زوايا ممر الإسعاف بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز يعاني الحرمان ويكابد الآلام بعد أن أجريت له عملية تجبص لساقه اليمنى حيث أوصى تقرير الطبيب بنقله إلى قسم الرقود لاستكمال العلاج لكن زبانية العذاب منعوه بحجة عدم دفع مبلغ سبعة ألاف ريال مقابل الجبص إضافة إلى تكاليف الرقود وهو ما لم يقدر عليه نتيجة لظروفه المادية فلم يجد إلا دموعه الحارة وأناته المتقطعة يتوسل بها كل من مر من أمامه علها تصل لأصحاب الشأن في رئاسة الهيئة .في المقابل لم يكن الشاب ياسين حمود قائد الذي أصيب بطلق ناري في يده بأحسن حالاً من سابقه هو الأخر يقول : دفعت من جيبي رسوم المجارحة واشتريت الشاش وكل ما يتعلق بتركيب الجبص ورسوم تركيبه باستثناء الديتول لكن ذلك ذهب أدراج الرياح عندما اتضح بعد عشرة أيام أن تركيب الجبص كان خطئاً فقررت أن أذهب إلى طبيب شعبي ويضيف ياسين مستدركاً حتى التقرير الطبي دفعت مقابل الحصول عليه مبلغ 5500 ريال .
مغلق حتى عودة المياه
من المثير للسخرية والضحك أن يذهب أحد المواطنين بزوجته عندما جاءها المخاض إلى قسم الولادة بالمستشفى الجمهوري لكنه يفاجأ برفض القسم استقبال الحالة بحجة أن المستشفى ليس لديه مياه ما دفعه للعودة إلى منزله واصطحاب سلاحه الآلي مع كميات من الماء وبعدها تم استقبال الحالة ليس بدافع إنساني بل بتهديد السلاح الذي دخل به إلى غرفة الولادة ورافق زوجته حتى وضعت حملها. 
ابتزاز وسطو
في الأسبوع المنصرم غادر الفريق الطبي الألماني اليمن غاضباً وأعلن حينها أنه سيوقف برنامج مساعدته لليمن بعد 15 عاماً من العمل في مستشفى الثورة أجرى خلالها ما يقارب 18ألف عملية جراحية و58ألف معاينة وترحيل ما يقارب من 1500طفل إلى ألمانيا للعلاج الفريق الطبي برر هذا الإجراء على لسان منسق البعثة د/ علي الزخمي في تصريح لـ"أخبار اليوم" بما أسماه عمليات ابتزاز يتعرض لها الفريق من قبل رئاسة هيئة المستشفى ومحاولة السطو على أجهزة ومعدات البعثة وتعمد تطفيشها واستغلال جهودها لمصالح شخصية فقط مهدداً في الوقت ذاته باللجوء إلى القضاء في حال أصرت هيئة الثورة على موقفها .ففي حين يشير الفريق الطبي الألماني إلى أن الخدمات الطبية التي يقدمها للمرضى مجانية فإن الإسناد الرسمية التي حصلنا عليها من عدد من المرضى تقول عكس ذلك حيث تفرض هيئة المستشفى مبلغ عشرة ألاف ريال رسوماً لكل عملية جراحية تقول أنها تعود لصالح البعثة الطبية مقابل وجبة الغداء فإن البعثة تنفي صلتها بهذه المبالغ .  
حمى الضنك
من جديد تبرز المخاوف من توسع انتشار حمى الضنك في محافظة تعز في ضل حالة إنكار تتلبس مكتب الصحة في المحافظة وتقليله من خطورة المرض واتهام وسائل الإعلام بالتهويل والتضخيم فيما تشير المعلومات أن عشرات الحالات بل المئات من المشتبه بإصابتها بحمى الضنك تتوجه يومياً إلى المختبرات الخاصة والمستشفيات الأهلية بل والمختبر المركزي وهو المختبر الوحيد الحكومي الذي لديه المحاليل الخاصة بفحص حمى الضنك ففي حين لم يخف الدكتور/ عبد الله مرشد مدير الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة والسكان أن محافظة تعز هي مستوطنة بحمى الضنك إلا أنه قلل من عدد الإصابات هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة, مشيراً إلى أن البرنامج رصد 11حالة إصابة مؤكدة منذ بداية العام و72حالة مشتبه بها وأن البرنامج يعتمد في رصده للحالات عن طريق ما يصله من بلاغات من قبل المختبر المركزي وبعض المستشفيات الخاصة, إلا أن هذه الحالات المتفرقة لا يستبعد بأن تتحول إلى وباء كما حدث في العام 2009م حد قوله.
وأتهم مدير الترصد الوبائي المستشفيات الخاصة والتي عادة ما يذهب إليها المرضى بعدم تعاونها وإرسال التقارير الخاصة إلى المستشفى المركزي لتأكيد الحالات.
   انعدام الأجهزة الحديثة
الخدمات التي يقدمها مستشفى الثورة بتعز إلى حد ما سيئة ومراكز الفساد ما تزال كما كانت في السابق ناهيك على أن الأقسام الحساسة في المستشفى لا تزال رهينة لدى الفاسدين هذا خلاصة إجابة أحد أطباء المستشفى المتذمرين من الوضع الطبي بمجمله .
 ويضيف الطبيب مصطفى أنعم: الرسوم رخيصة لكن ما يدفع خارج القانون هو أكثر بكثير. ويرجع مصدر طبي مسؤول فضل عدم الكشف عن اسمه أسباب تدني المستوى الصحي في المحافظة بالرغم من كثافتها السكانية إلى ما اسماها شح الميزانيات التشغيلية وعدم توفر الأجهزة التشخيصية وعدم وجود الكادر التمريضي المؤهل وكذا عدم وجود الكادر الطبي من استشاريين بالعدد المطلوب وهجرة معظمهم إما إلى خارج المحافظة أو خارج الوطن .المصدر الذي كان يشغل إدارة طبية هامة أشار بأصابع الاتهام إلى مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة بإهمالها للكادر الطبي والتمريضي وتركيزها على الصحة الإنجابية ومشروع الاتحاد الأوربي . مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ميزانيات المستشفيات في تعز لا ترقى لأن تؤدي أدنى خدمة مقارنة بمثيلاتها في صنعاء على سبيل المثال ميزانية مستشفى الثورة بصنعاء تقارب 8مليارات ريال عكس مستشفى الثورة بتعز والتي تبلغ مليار و350 مليون ريال .
وأعتبر المصدر أن المستشفيات الخاصة أصبحت تقدم خدماتها على حساب وأنقاض المستشفيات الحكومية والكثير من الأطباء يعملون في وقت الدوام الرسمي ويتم التغاضي عنهم مما يضطر المريض للتوجه إلى المستشفيات الخاصة بحثاً عن الطبيب الأخصائي.
ووفقاً للمصدر الطبي فإن مستشفيات تعز جميعها لا يوجد فيها جهاز محوري طبقي منذ عامين ونصف تقريبا بعد توقف الجهاز الوحيد في المستشفى الجمهوري وانتهاء عمره الافتراضي, كما تفتقر مستشفيات تعز لأقسام متخصصة في جراحة المناظير سواء في المسالك البولية أو في الجراحة العامة ناهيكم عن عدم وجود جهاز واحد لتفتيت الحصوات من خارج الجسم, إضافة إلى أن المستشفيات الثلاثة الثورة والجمهوري والتعاون لا يوجد فيها جهاز رنين مغناطيسي وليس هذا فحسب بل إن كشافة المستشفى الجمهوري هي الأخرى تعمل خارج عمرها الافتراضي بعد أن أكملت عقدها الخامس ولم تعد قادرة على تقديم الخدمة المرجوة منها كما ينبغي.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد