الطفولة في اليمن.. عنف وحرمان

2013-11-29 18:36:06 تقرير/آفاق الحاج


فيما أطفال العالم يحتفلون باليوم العالمي للطفل الذي يصادف العشرين من نوفمبر "تشرين الثاني", إلا أن هناك الكثيرين في بلادنا يعيشون التشرد والضياع, أطفال اغتيلت طفولتهم  وحرموا من أبسط حقوقهم ليمارس عليها العنف بأنواعه, ويزج بهم إلى معترك العمل والضياع ليدخلوا عالماُ غير عالمهم ويكبروا على عمر ليس عمرهم, فتكون المعاناة والحرمان مصيرهم.

في هذا التقرير نستعرض واقع الطفولة باليمن في اليوم العالمي للطفل وآراء ممثلي مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بذلك.


جاء اليوم العالمي للطفل بمثابة حماية للطفل أمام ضعفه في مواجهة قوة أكبر منه, تلك القوة التي تنتهك حقوقه, نظراً لضعفه وصغر سنه فهو دائماً مهدد سواء كان في المدرسة أو الشارع وحتى داخل بيته, وتأكيداً على أهمية حماية الطفل والاعتراف بحقوقه الإنسانية وتكريماً للطفولة وللتآخي والتفاهم على النطاق العالمي بين الأطفال.

طفولة مسلوبة:

لم يتجاوز العاشرة من العمر, هو أحد الضحايا الذين انتهكت طفولتهم, لم يرَ من الحياة سوى العمل والمعاناة التي سلبته حق التمتع بطفولته.

عبدالرزاق الطفل الذي يقطن في حي عصيفرة بتعز, مع بزوغ الفجر يخرج قبل أن تخرج الطيور حافي القدمين ليقطع المسافات باحثاً هنا وهناك ليجمع ما يستطيع جمعه من علب البلاستيك, وتحت حرارة الشمس نراه يحمل على ظهره النحيل حملاً ما أصعبه من حمل لمثل سنه الصغير وكل ما يجنيه يقدمه لوالده الجالس في بيته بحجة عدم قدرته على العمل ليلقي بتلك المسؤولية على عبدالرزاق.. والأسوأ من ذلك أنه يتعرض للضرب والطرد من المنزل لينام في العراء إذا لم يأت بالمبلغ المطلوب منه.

هو في الصف الرابع الأساسي محظوظ ولو قليلاً لتمكنه من دخول المدرسة ورغبته في التعلم وحلمه في إكمال دراسته, لكن نفقات دراسته ليست على والده وإنما على نفقته هو, وحلم إكمال تعليمه قد ينقطع في أي لحظة حتى يوفر نفقات تعليمه لأسرته, هذا ما طلبه منه والده منه ليحرم من حقه في التعليم كما حرم من الحنان والرعاية.. وما عبدالرزاق إلا نموذجاً من نماذج كثيرة لأطفال حرموا من أن يعيشوا طفولتهم بسلام.

 واقع مؤلم:

في ورشة العمل التي أقامتها مؤسسة إنسان للتنميةـ مكتب تعز الأحد الماضي بعنوان "الطفولة ـ الواقع والطموح" بمناسبة اليوم العالمي للطفل, تحدث مدير منظمة سياج للطفولة بالمحافظة علي الصراري عن واقع مؤلم ومر يعيشه الأطفال الذين هم ضحايا الانتهاكات التي تمارس عليهم في الظروف الطبيعية كالقتل والعنف النفسي والجسدي والتهريب, أو التجنيد والاختطاف في حالات الطوارئ.. مشيراً إلى أن هذه الجرائم تقع وبشكل يومي على أطفالنا في مجتمعنا اليمني وخصوصاً في محافظة تعز وكأنها جرائم ممنهجة تستهدف الأطفال.. مردفاً بقوله: نحن في منظمة سياج نقدم الحماية للأطفال الذين هم ضحايا العنف الأسري والمجتمعي والمحرومون من التعليم والسكن الآمن من خلال العون القضائي والدعم النفسي والاجتماعي والمناصرة والتأييد.

انتهاكات متعددة:

ويضيف الصراري بالقول: إذا أتينا إلى الانتهاكات التي تمارس داخل المدارس نجدها غير متوقعة سواء من قبل المدرسين أو الإدارة أو زملائهم, لذا نجد أن الخارجين من المدارس أكثر من المتواجدين فيها وهو ما يؤدي إلى ظاهرة التسرب من المدارس.. مشيراً إلى أن الانتهاكات في سجون الأحداث تتمثل في عدم نظافة المكان واتساعه وعدم وجود كادر مؤهل يقوم على رعايتهم والكادر الموجود يحتاج إلى تأهيل وهذه بحد ذاتها مشكلة, حيث أن الحدث بمجرد دخوله السجن المركزي يعتبر نفسه مجرماً, لذلك نحن قدمنا أكثر من مرة اقتراحاً بأن يكون المبنى خارج سور السجن المركزي.

وتابع الصراري تأكيده على أن هناك أحداثاً في السجون على ذمة قضايا جسيمة وأحداثاً معرضين للانحراف وآخرين في الشوارع دون رعاية وبعضهم مجندون في المعسكرات ولدى الجماعات المسلحة.. والمشكلة أن تلك الانتهاكات تحدث في ظل قانون حقوق الطفل رقم 45لسنة2002م وقانون رعاية الأحداث رقم 24لسنة92م واتفاقية حقوق الطفل ومنها الطفل العامل.. لكن ما نواجهه اليوم هو حالات إعدام لأحداث لم يتجاوزوا السن القانونية والبعض معرض للإعدام بسبب إشكاليات في تقرير الطب الشرعي- حد وصفه.

تكرار الجريمة:

واعتبر رئيس منظمة سياج أن الإفلات من العقاب وعدم تشديد العقوبة على منتهكي الطفولة هما من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تكرار الجريمة, إضافة إلى الضغوط التي تمارس من قبل نافذين على أسرة الضحية حتى تضطرها إلى التنازل.. إلا أننا ندعو المجتمع بأن لا يتردد في تقديم الشكاوى والمناشدات ضد كل من يقدم على انتهاك الطفولة, وكذلك على الجهات القضائية البت في مثل هذه القضايا على وجه السرعة- حد تعبيره.

أرقام مخيفة:

خالد الشيباني, مدير منظمة اليونيسيف في تعز, يتحدث عن أرقام مخيفة رصدتها المنظمة حول واقع الطفولة في اليمن والتي كشفت بأن اليمن لا يزال يعاني من أعلى معدلات الوفيات على مستوى الشرق الأوسط وذلك ما يقرب من 77طفلاً يموتون قبل بلوغ الخامسة من العمر.

وفي جانب المياه والإصلاح البيئي التي ينبغي أن تكون نظيفة ومتاحة للجميع يشير التقرير إلى أن ما يقرب من نصف أطفال اليمن وهو ما يصل إلى أربعة ملايين ونصف يكافحون للعيش على ما تيسر من المياه , وأن ما يقرب من 190طفلاً في أنحاء اليمن يموتون يومياً, أي ما يعادل 69ألف سنوياً.

وفيما يتعلق بسوء التغذية يؤكد التقرير بأن نصف الأطفال يعانون منها وهذا ما ينعكس على تقزم أجسامهم, حيث تكون مناعتهم ضعيفة, ما يعني أنه عندما يتعرضون للمرض يكون استرداد العافية أصعب من الأطفال الذين لا يعانون من سوء التغذية والأرقام في ذلك كبيرة.

ويؤكد رئيس منظمة اليونيسيف أنه بحسب تقرير المنظمة فيما يتعلق بالتحاق الأطفال في التعليم فإن طفلاً من بين خمسة أطفال لا يتمكن من الالتحاق بالمدرسة وأكثر من نصف الأطفال الأكثر فقراً لا يلتحقون بالتعليم الأساسي ويحرمون منه وغالبيتهم من الإناث.

ويختم الشيباني تقريره بالقول: إذا ما جئنا إلى عمالة الأطفال فحدث ولا حرج, ففي عام 2011م وجدنا 30ألف طفل في الشوارع بمحافظة تعز يقومون بأعمال لا تليق بعمرهم ولا تتناسب مع بنيتهم الجسدية, فما بالكم الآن, فالأرقام بين أيدينا متزايدة والقضايا كبيرة من استغلال وعنف وتجنيد تواجه الطفولة في اليمن.    

احتياجات الطفل:

من جانبها تجمل د/أنيسة دوكم, عميد كلية التربية بتعز وأخصائية نفسية, في ورقتها التي قدمتها في ورشة اليوم العالمي للطفولة, تجمل الاحتياجات الوجدانية للطفل وتشمل الأمن النفسي, والحاجة للحب والاهتمام, الحاجة للتقبل, الحاجة للتقدير والشعور بالكفاءة, الحاجة للانتماء, الحاجة إلى دعم الاستقلالية, الحاجة إلى اللعب, الحاجة إلى الاستكشاف والمعرفة والحاجة إلى الإنجاز.

وأشارت دوكم إلى أن المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في اليمن ليس له دور فاعل وما يقوم به غير واضح.. وأضافت أن مجتمعنا اليمني يستعجل الرجولة للذكور ويستعجل الأنوثة للفتيات لأغراض معينة, وهو ما يؤدي إلى قصف أعمار الطفولة.. مشددة على أن الطفولة تبدأ منذ أن يكون الطفل جنيناً في بطن أمه وتنتهي عند سن الثامنة عشر عاماً.

ختاماً: أطفالنا جواهر ثمينة لا بد للجميع أن يعي ذلك, فكما هم أطفال اليوم فغداً يكونون بناة المستقبل, فلنمنحهم حق الطفولة ليعيشوها بكاملها ولا نسلبها منهم, وحق التعليم لا نضيعه عليهم, فتلك السواعد ما عليها إلا أن تحمل القلم والكتاب وتلك العقول نزودها بالمعرفة.. لكن ما نجده اليوم غير ذلك تماماً, وكأننا نغرد خارج السرب.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد