جمعية المكفوفين بتعز..

مطالب لا تُلبى ومعاناة مستمرة

2013-12-08 16:54:18 تقرير/آفاق الحاج


بكر محمد الفهيدي شاب فقد نور عينيه, لكنه بُدل بنور أعظم منه, هو نور القرآن الذي ملأ كل جوارحه ليعد به خطواته, وبقوة إرادته ختم القرآن خلال سنة على يد أساتذة من جامعة الإيمان وجمعية معاذ بواسطة الاستماع, ليبدأ تعليمه الأساسي قبل أربع سنوات في مدرسة دروب الخير التابعة للجمعية لعدم علمه بوجود مدارس للمكفوفين في ذلك الوقت, وهو الآن يبدأ بتعلم  طريقة "برايل" في اللمس لقراءة القرآن والذي لا يجد بها أية معاناة كما يقول.

وسط تجاهل من قبل الجهات المختصة لمطالبها واحتياجاتها تمضي الجمعية برؤية واضحة بأن يتساوى المبصر والمكفوف في كافة العلوم والوسائل الحديثة بكافة المجالات وتكون رسالتها "معاً لنعمل كفريق واحد لتقديم كافة وسائل الدعم والطرق التي تلبي طموحات المكفوفين وتنمية مهاراتهم ليصبحوا نافعين في المجتمع".

الجمعية التي أنشئت عام 1998م كجمعية خيرية حسب قانون المنظمات الأهلية تضم قرابة الـ400عضو وتقدم أنشطتها وخدماتها لفئة المكفوفين من كافة الأعمار من الجنسين لتنمية قدراتهم المختلفة رغم الصعوبات والمعوقات التي تواجهها.

بدورنا زرنا هذه الجمعية واطلعنا على النشاطات التي تقدمها للمنتسبين إليها من المكفوفين والظروف التي تعمل فيها.. هذا ما نبرزه في التقرير التالي:

تحرص الجمعية على النهوض بالمكفوفين تعليميا من خلال إنشاء مدرسة "دروب الخير" الموجودة في نفس مبنى الجمعية والتي تحوي الفصول الأساسية وتضم قرابة الخمسين طالباً من المكفوفين والتي تعمل على متابعتهم في إكمال مراحلهم التعليمية والجامعية.

وفي الجانب الصحي تسعى إلى أن تكون رعايتهم الصحية مجاناً, وذلك بالتنسيق مع بعض المستشفيات, وكذا الاهتمام بالجانب العقلي بإقامة دورات تدريبية في مجال التنمية البشرية والكمبيوتر حتي يواكبوا عصر التقدم ويتم دمجهم في المجتمع ليصلوا إلى مرحلة المساواة كغيرهم من أفراد المجتمع وإبراز دورهم فيه وتطمح الجمعية إلى أن يكون المبنى ملكاً لها بدلاً من الإيجار, وفتح سكن للطلاب لتسهيل العملية التعليمية خصوصاً للقادمين من الريف. 

أدرى بمعاييرهم:

سمية يوسف العبسي رئيسة جمعية المكفوفين ومديرة مدرسة دروب الخير في الجمعية وإحدى الكفيفات أيضاً التي تحضر الآن دراسات عليا بعد ما أنهت الثانوية بتقدير امتياز في إحدى دول الخليج, متزوجة ولها ثلاثة من الأبناء.. ترى بأن الكفيف قادر على العطاء والإبداع ويحمل من الذكاء والتركيز وإثبات وجوده في المجتمع أكثر من كم من المبصرين, فيجب الأخذ بيده وأن لا نتركه تحت مسمى "المعاق".

وباعتبارها رئيسة للجمعية تتحدث عن صعوبات وتحديات تواجه الجمعية, تبرز من خلال ميزانيتها المحدودة كغيرها من الجمعيات التي تبلغ ميزانيتها فوق العشرين إلى الثلاثين مليون ريال, حيث أن ميزانية الجمعية لا يتعدى المليون والنصف.

وتشير إلى أن إيجار المبنى يأخذ قرابة المليون وبعدها يظل موضوع الكهرباء والماء والديزل وأشياء كثيرة لا تغطي بقية الميزانية هذا الجانب.

وترجع سبب رفض تسجيل عدد من الطلبة إلى عدم وجود باص آخر يقلهم رغم توجيهات بصرف باص آخر من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية في صنعاء التي قدمتها إلى صندوق المعاقين, باعتباره راعياً لجمعية المعاقين.

وتقول بأنه إلى الآن لم يتم صرف الباص الثاني, مما اضطرنا الأمر إلى دعوة أولياء الأمور بدفع مبالغ معينة, لكن بعضهم استوت عليهم المشقة إلى درجة أن بعض الأهالي أعادوا أبناءهم للجلوس في البيوت.. واصفة هذا التصرف بالنظرة المتخلفة التي مازالت تنظر إلى المعاق بعدم وجود ضرورة لتعليمه.

 وتضيف أيضاً: لا أدري ماهي المبررات والمعايير للصندوق حتى لا يصرف الباص الثاني ونحن نعاني من صعوبة المواصلات لإحضار جميع الطلاب من أماكن بعيدة ومتفرقة بواسطة باص واحد, بالرغم من أن هناك جهات أخرى قادرة أنها تدعم جميع المعاقين, إلا أنه للأسف الشديد صرف لها باصين.. وتتابع: عندما رفضوا التجاوب معنا قلتها لهم, ماهي معاييركم الوساطة أم المبالغ وهم أدرى بها.

حرب صريحة:

وحول المنهج التعليمي للمكفوفين تقول سمية العبسي: إن المنهج هو نفسه منهج التربية وللكفيف لا بد أن يكون ملموساً, وهذا من المفترض أن يكون من مهام الدولة في الأول والأخير كحق من حقوق الكفيف.

لافتة بحديثها إلى وجود استهتار واستخفاف من قبل التربية في مديرية القاهرة بهذا الجانب وكأنها تقول بشكل أو بآخر خذوا هذا المعاق أو المكفوف إلى ملجأ, وهذا ما تعتبره بالحرب الصريحة إلى حد ما, معللة وصفها هذا بعدم وجود تعاون معنا, فحين نقول بأن هذه موظفة تعرف بطريقة اللمس للمكفوفين ونطلب تحويلها إلينا, لكننا نفاجأ بتحويلها إلى مكان آخر.

وتتابع قولها: عندما اتجهت مع مجموعة من طلابي المكفوفين إلى مدير التربية الحالي في مديرية القاهرة حينما رفضوا إعطاءنا مدرسين, في بداية الأمر كان رده علينا "اخرجوا أنا ما أعترف بالمعاقين", والذي وصفته بالصنف العنيد الذي له سلطته القوية, وأن الكل متأذٍ منه- حد قولها.

وترى أن نظرة العطف والرحمة تكون للكفيف والمعاق بشكل عام, أما المبصر فيمكن له أن يمشي في أي مكان, لكن المعاق تتجه ناحيته الإنسانية أكثر.

وتضيف بالقول: لكننا لم نجد تلك الإنسانية في مديرية القاهرة وعندما نتجه إلى التربية يوعدونا بتنفيذ طلبنا ويرسلوا توجيهات جديدة إلى مديرية القاهرة, لكننا لا نلق أي تجاوب, ثم نعود إلى التربية فترسل توجيهات من جديد وهكذا يستمروا في لعبتهم.

توجيهات لا تنفذ:

وتواصل حديثها قائلة: في الوقت الذي وصلنا بأن هناك موظفين ذهبوا إلى التربية يطلبون مدارس المعاقين والتي تعتبر بأن ليس كل إنسان لديه استعداد بأن يعطي هذه الفئة ولديه من الإنسانية وطول البال بأن يوصل المعلومة للمعاق, لكنهم قالوا لهم اطلبوا مدارس غير هذه, ليقال بعدها لنا بأن المدرسين لم يتقبلوا الذهاب إلى مدارس المعاقين.

وتضيف: وقد حصلنا على 12مدرساً بعد ضغط قوي, وبالرغم من ذلك لا يوجد لدينا إداري يقوم بالجوانب الإدارية, ولا "مربين صف" غير ثلاثة ولا أخصائي اجتماعي بالذات للمكفوفين الذين قد يبدر منهم سلوكيات معينة, وأحياناً مشاكل نفسية يعانون منها.

وتعتبر بأن تدريس المكفوف يعتبر شبه فردي, فالإنسان المبصر تكتب له على اللوحة والكل يشاهدها, أما الكفيف فيحتاج إلى لمس كل شيئا على حدة.. وتعويضاً لهذا النقص اضطررنا إلى أخذ بعض موظفي الجمعية إلى المدرسة التي من المفترض يُفعلون أنشطة الجمعية إلى أن تنتهي هذه المشكلة.. وبالنسبة للدعم الخاص تعتبره محدوداً إلى حد ما, مرجعة السبب في ذلك إلى كون الجمعيات في تعز عددها كبير والمعاقين متشعبين, وإذا كان هناك تقصير فهو بسبب طالبي الدعم.

وتؤكد على أن الاعتماد الأساسي يكون على صندوق المعاقين, ما عدا ذلك من الجهات الأخرى استكمالاً للنقص, وتقول بأن عملها في الجمعية تطوعي ووظيفتها الحكومية تربوية كمديرة للمدرسة.

وتأمل من مديرية القاهرة تحسين النظرة تجاه المكفوفين وأنهم ليسوا بالطريقة التي يتخيلونها بأنهم معاقون عقلياً, أي عاجزون عن العطاء, وإنما الكفيف قادر على العطاء والإبداع.

قوة الإرادة:

بكر محمد الفهيدي شاب فقد نور عينيه, لكنه بُدل بنور أعظم منه, هو نور القرآن الذي ملأ كل جوارحه ليعد به خطواته, وبقوة إرادته ختم القرآن خلال سنة على يد أساتذة من جامعة الإيمان وجمعية معاذ بواسطة الاستماع, ليبدأ تعليمه الأساسي قبل أربع سنوات في مدرسة دروب الخير التابعة للجمعية لعدم علمه بوجود مدارس للمكفوفين في ذلك الوقت, وهو الآن يبدأ بتعلم  طريقة "برايل" في اللمس لقراءة القرآن والذي لا يجد بها أية معاناة كما يقول..

موجهاً شكره وامتنانه لأساتذته الذين وقفوا معه وللجمعية التي احتضنته, ليثبت بذلك أن الكفيف قادر على فعل ما يفعله المبصر, وأن إعاقته لا تمنعه من تحقيق رغباته وأهدافه مادامت العزيمة والإصرار موجودين.

منهج المبصر:

أمل محفوظ القرشي, مربية للصف الثالث في مدرسة دروب الخير بجمعية المكفوفين, تقوم بعملية التدريس لأربع مواد منها الرياضيات, والتي تقول: من المفترض أن تدرس تلك المادة بطريقة "البريكنس" باللوحة الفرنسية والتي لا تتواجد معنا إلى الآن , ونحن الآن ندرس منهج المبصر الذي لا يتناسب مع الكفيف نهائياً, ونحاول قدر الإمكان استبدال تلك الآلة بالأصابع أو المعداد وكأنه مبصر.

وتضيف قولها: نحن نجد صعوبة كبيرة في ذلك وتحديداً أيام الامتحانات, فيحتاج كل طالب إلى مدرسة معه, فإذا كانت هذه الآلات موجودة فستوفر علينا الكثير.. وتطالب صندوق رعاية المعاقين وكل الخيريين بتقديم الدعم والمزيد من المعلمات المتخصصات في هذا المجال.

 صعوبة المواصلات:

من جانبه تحدث جلال عبدالواحد, سائق باص مدرسة "دروب الخير" بالجمعية, عن صعوبات المواصلات التي تواجهه أثناء إحضار الطلاب من منازلهم والعودة بهم, حيث أن المدرسة لا تملك سوى باص واحد.

ويقول: أنطلق حوالي الساعة السادسة صباحاً لأُقل الطلاب من منازلهم ويستغرق ذلك ساعتين تقريباً حتى يصلوا إلى مدرستهم في الجمعية نتيجة لتفاوت أماكن الطلاب, وفي فترة العودة تستغرق حوالي الثلاث ساعات نتيجة ازدحام الشوارع وقت الظهيرة, حيث ننطلق الثانية عشر ظهراً.

 ويشير إلى أن الإجهاد ليس له أو للباص فقط بقدر ما هو إجهاد على الطلاب.. مردفاً: إذا كان هناك مجموعة أقل من الطلاب وتوافر أكثر من باص كبقية الجمعيات والمدارس فسيوفر ذلك الراحة للجميع, طالباً من صندوق رعاية المعاقين التعاون وتوفير باص آخر ولو كان إيجاراً.

تمييز في المعاملة:

تحفة محمد علي متخصصة في علم الاجتماع ومدرسة لطريقة اللمس للمكفوفين, تقول: نحن متعاقدون مع صندوق رعاية المعاقين لتسع سنوات, وعددنا حوالي ثمانية أشخاص, وإلى الآن لم يتم تثبيتنا, وهناك جهات أخرى من المتعاقدين مع الصندوق تم تثبيتهم وتنزيل وظائف حكومية لهم, وبهذه المدة التي نعمل فيها لا نستلم راتباً, وإنما مكافأة كل ثلاثة أشهر.

 وتضيف: ذهبنا إلى الخدمة المدنية وسألناها لماذا يتم تثبيت جهات معينة متعاقدة معكم ونحن لم نثبت؟.. فكان ردهم بأن هناك أوامر عليا تقوم بذلك حسب الأولوية, وهذا ما تعتبره تمييزاً في التعامل.

توافقها على ذلك زميلتها تهاني, المتخصصة في نفس المجال والعمل, وتضيف بأن هناك صعوبات في عملية التدريس من حيث توفير الوسائل التعليمية للطلاب والمجسمات وبعض أجهزة الكمبيوتر الناطقة, وكذلك المبنى الواسع, والذي تعده إهمالاّ من جانب الحكومة لهم.

جانب إنساني:

من جهتها تقول سميرة عبد القوي, مدرسة للصف الثاني الابتدائي لمادة القرآن والتربية الإسلامية واللغة العربية: تعاملي مع الطلاب يكون بالطريقة السمعية أكثر واستخدم اللوحة للكتابة أحياناً, لأن الطلاب الذين لدي ليسوا مكفوفين كلياً وإنما لديهم ضعف نظر ونساعدهم بالكتابة, والامتحانات أغلبها شفوية.. وتعبر عن رضاها الكامل في عملها الذي تعتبره جانباً إنسانياً, وتطلب القيام بتأهيل عدد من المعلمات حول طريقة (برايل) التي تعتبر نفسها هي أيضاً غير خبيرة بها تماماً.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد