كيف يتأكل القطاع الزراعي اليمني؟

2014-01-28 13:46:52 الاقتصادي/ محمد الواشعي


يشهد القطاع الزراعي اليمني تأكلاً كبيراً جراء عدد من العوامل، التي تنهك هذا القطاع الحيوي والهام في رفد خزينة الدولة بموارد كثيرة تسهم في سد العجز في الموازنة العامة، وتعمل على استيعاب أعداد كثيرة من الأيدي العاملة، وتمثل مصادر دخل لكثير من الأسر، ناهيك عن التصدير العشوائي للمنتجات الزراعية هو السائد في الأسواق اليمنية، في ظل غياب استراتيجيات التسويق والإنتاج الزراعي وضعف السياسات التسويقية وآلياتها، فضلاً عن قله الأسواق التصديرية، وغير ذلك مما ينعكس سلباً على العملية الزراعية عامة والمزارعين خاصة والذين يتكبدون خسائر فادحة.

فالمنتجات الزراعية كالخضار والفواكه تتعرض للتلف في المزارع أو التكدس في الأسواق المحلية بكميات كبيرة، نتيجة تراجع مستوى الإقبال عليها وانعدام أسواق التصدير إلى الخارج، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض العوائد المالية، فلم تعد تغطي النفقات المصروفة، ولا جهود العمل اليومي منذ بداية الموسم وحتى الحصاد بمعدل خمسه أشهر تقريباً، وهذا غير الاستنزاف الجائر للمياه في ري هذه المحاصيل خاصة مع عدم استعمال المزارعين لوسائل الري الحديثة ولجوء الكثير منهم إلى الحفر العشوائي للآبار الارتوازية، حيث لا يلتزم المزارعون بالأبعاد القانونية والمقدرة بـ"500" متر بين البئر والبئر الأخرى.

و تتعرض المياه الجوفية في محافظة ذمار للاستنزاف الجائر، بسبب شجرة القات التي بدأت تزحف إلى كل أودية وقيعان محافظة ذمار وتلتهم مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في "مديريات عنس والحداء وآنس وجهران" وغيرها معلنة رحيل زراعة الخضروات والحبوب، وبات يهدد بخراب واد من أهم وأخصب أودية اليمن "قاع جهران"، فلايزال المردود المالي للقات يغري الكثير من المزارعين على التوسع في زراعته على حساب المحاصيل الأخرى، وخراب قاع جهران، لن يكون بسبب الجفاف، وزحف شجرة القات فقط، بل هناك مشكلة أخرى تتمثل في ما بات يعرف بـ"سور جهران العظيم" الخاص بمحطة الكهرباء الغازية، الذي التهم جزءا كبيرا جدا من الأراضي الزراعية.

غياب التسويق المنظم

ونتيجة لعدم وجود نظام تسويق وخطط وبرامج تمتص الفائض في مواسم الإنتاج، ولقلة الأسواق المحلية، إذ لا يوجد في محافظه ذمار سوى مركزي تسويق فقط يستقبلان المنتجات الزراعية من كل مديريات المحافظة، أحدهما في مدينة ذمار عاصمة المحافظة، والثاني بمدينة معبر وهو تابع لاحد أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة، ويحتكر تسويقها والتحكم في سعر المنتجات الزراعية، ما يؤدي إلى تكدس المنتجات بكميات كبيرة وانخفاض أسعارها، ويضطر بعض المزارعين أحياناً للبيع بأثمان زهيدة، مع إغراق السوق بالمنتجات، ما يستدعي تنظيم التسويق وإيجاد المزيد من الأسواق "حتى يحصل المزارع على شيء مقابل تعبه".

وعدم وجود أسواق حكومية و ثلاجات تستوعب المنتجات الزراعية يعرض المزارع لخسائر فادحة ومثله غياب دور الجهات الحكومية ذات العلاقة في التوعية والإرشاد الزراعي وعدم تشجيع المزارع على الاستمرار في زراعة المحاصيل الغذائية الضرورية، ولذلك فأن أنشاء مراكز تسويقية للمنتجات الزراعية وتوفير ثلاجات مركزية تقوم على حفظ المنتجات سريعة التلف مثل الطماطم والفلفل الأخضر وغيرها من المحاصيل سيساهم في حفظها في وبقاءها طوال العام في متناول الجميع و بنفس السعر من خلال التحكم في نسبة العرض والطلب.

ويبقى عزوف المزارعين عن زراعة المحاصيل الغذائية الضرورية من أهم المشاكل التي تهدد القطاع الزراعي بالمحافظة ويرجع هذا العزوف إلى انعدام الإرشاد الزراعي وعدم توعية المزارعين بأهمية المحاصيل الغذائية وانخفاض نسبة الأرباح وعدم توفير النقاوى المحسنة التي تساهم في ارتفاع نسبة الإنتاج، وما يتعرض له المزارعين من خسائر فادحة نتيجة انعدام مراكز تسويقية لمنتجاتهم الغذائية، ما جعلهم يتجهون إلى زراعة شجرة القات التي تعود عليهم بأرباح يومية ومستمرة على مدار العام، ويشكل ارتفاع سعر مادة الديزل وشحة توفرها تحدٍ كبير للمزارعين الذين تخلى الكثير منهم عن زراعة المحاصيل الغذائية نضرا للتكلفة الباهظة التي ينفقوها في شراء الديزل في ظل تدني أسعار تلك المحاصيل.

هيئات بدون جدوى

وتستمر معاناة المزارعين على هذا النحو، على الرغم من وجود الدراسات والأبحاث المنظمة لعمليتي الإنتاج والتسويق، وبالرغم أيضاً من وجود الهيئات والإدارات المختصة بهذا الشأن، إلا أنها بعيدة كل البعد عن المزارعين واحتياجاتهم الواقعية، ويقول المهندس الزراعي محمد الرعوي إلى أن البنية التسويقية تعاني من خلل كبير، ولذلك فإن هذه الدراسات والبحوث، برأيه، تظل حبراً على ورق ولا يتم تنفيذها، ما عرض هذا القطاع للانهيار التنظيمي وحلت العشوائية بدلاً عن النظام، وهذا ليس في مسألة التسويق للمنتجات الزراعية، بل حتى في الزراعة أو الري والإنتاج والتصدير وبالتالي تعرضت هذه الثروة إلى الإهدار، وتكبد المزارعون لخسائر فادحة.

ويضيف الرعوي بان الزراعة تعتبر ثروة قومية ووطنية إلا أن الهيئات والجهات الحكومية المعنية برعاية وحماية القطاع الزراعي من التدهور الملحوظ وهي وزارة الزراعة لم تعمل على رسم الخطط السنوية التي تساهم في حماية القطاع الزراعي وحقوق المزارع وسبل معالجة العوائق التي تواجه هذا القطاع، مؤكدا أن مكتب وزارة الزراعة بالمحافظة وهيئة البحوث الزراعية والإرشاد الزراعي لا تقوم بواجبها وتتجاهل دورها في إيجاد الخطط المناسبة وتطبيقها على أرض الواقع والنزول للمزارعين رغم الأموال الطائلة التي تتلقاها من الحكومة والمنظمات الدولية الداعمة.

غياب التوعية

غياب التوعية والإرشاد الزراعي للمزارعين من بداية المواسم حول كيفية الزراعة والري، والتعامل مع الأسمدة ونوعياتها الجيدة حتى قطفها وصولاً إلى الأسواق، كل ذلك أدى بدوره إلى ضعف إنتاج المحاصيل الزراعية كالخضروات والفواكه وتدني جودتها ومواصفاتها، فالمزارعون صاروا يستعملون الأسمدة والمبيدات بكميات وطرق عشوائية، ويجهلون الأضرار الناجمة عن استعمالها والتي تدمر التربة وتهدد مستقبل الأجيال والحياة البشرية برمتها.

وبالرغم من ذلك، إلا أنه طبقاً لخبراء اقتصاديين فإنه يمكن الحد من خسائر المزارعين وتكدس الأسواق المحلية، وذلك من خلال تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق الخارجية، وإنشاء المصانع التحويلية، في ظل عديد من المعوقات التي تواجهها المنتجات اليمنية في عملية التصدير وأهمها: التسويق العشوائي لهذه المنتجات، وعدم وجود تقنيات تنظيميه للتسويق، وغياب الأساليب العلمية الحديثة والمنظمة لعملية التصدير إلى الأسواق الخارجية، فضلاً عن افتقار الأسواق المحلية ومراكز التصدير للآليات الخاصة بالفسلة والتجفيف والتعبئة ومخازن التبريد.

الخبراء يشيرون أيضاً إلى أن جهل المزارعين بأساليب التعامل مع المنتج من حيث الجودة والمواصفات وأمور أخرى مثل التنظيف والتغليف تعد عائقا أمام التصدير، وهذا نتيجة لضعف التوعية للمزارعين، مؤكدين بأنه إذا أزيلت هذه المعوقات أمام التصدير فإن المنتج اليمني المعروف بجودته العالية سيعود بالنفع والفائدة، ليس على المزارعين وتحسين مستوى معيشتهم فحسب، ولكن على التنمية والاقتصاد الوطني محلياً وعلى سمعة اليمن والمنتج اليمني خارجياً.

خطر آخر

إن المبيدات المهربة والمغشوشة تتداول بشكل كبير في الأسواق , وان الأسواق اليمنية استقبلت كميات كبيرة خلال السنوات الأخيرة , حيث أصبح الباب مفتوحاً دون رقيب ، ويتم بيع أصناف تشكل تهديدا على الإنسان و التربة ، و سيساهم في زيادة حجم المضروب والمهرب لتلبية احتياجات المحاصيل الزراعية لمقاومة الآفات , وبما يساعد على إصابة الشعب اليمني بأضرار صحية , وتلوث البيئة نتيجة استخدام مبيدات ليس لها ضوابط رقابية في الاستخدام , والتداول أضافة إلى سوء استخدام المبيدات والإفراط فيها وهو ما يتسبب في كثير من الأمراض سواء للفلاح بشكل مباشر أو للمواطن العادي الذى يستهلك السلع الغذائية التي تتضمن متبقيات المبيدات.

 ويستدعي الوضع القائم وقفة صارمة من قبل الحكومة لمواجهه خطر المبيدات المهربة و منتهية الصلاحية، أن غياب الرقابة على مخازن ومراكز المبيدات على مستوى الجمهورية من قبل المتخصصين للوقوف على نوعية المبيدات التي تباع للمزارعين ومدى صلاحيتها و الخطر الناتج عن سمية المبيدات يزداد بفقدانها صلاحيتها وطول فترة تخزينها والتي تتجاوز العام والعامين، فضلا عن وجود أنواع مغشوشة يتم الترويج لها في السوق السوداء والتي تدخل البلاد بشكل غير شرعي ولا يعرف الفلاح في معظم الأحيان الفرق بينها وبين المبيدات المعروفة المتداولة وهنا تأتى أهمية الدور الفاعل للإرشاد الزراعي في تعريف المزارعين بخطورة استعمال مبيدات مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية وكذلك خطورة الإفراط في رش المبيدات لما تسببه من أضرار لا تقتصر فقط على الإنسان والنبات ولكنها تطال خصوبة التربة الزراعية إلا أن دور الإرشاد الزراعي لا يزال منعدماً.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد