هل ستكون المحكمة الدستورية مستقلة عن المحكمة العليا في قادم الأيام أم ستكون جزءاً منها؟..

الوصية النعمانية لشكل السلطة القضائية في ظل الدولة الاتحادية!!

2014-02-10 08:04:54 هموم الناس/ خاص

 
قدم القاضي الشهيد/ عبدالجليل نعمان - عضو المحكمة العليــــــــــــــــــا, عضو لجنة المعايير والانضباط بمؤتمر الحوار، هذه الرؤية في 24 سبتمبر من العام الماضي إسهاماً منه- يرحمه الله- في تطوير السلطة القضائية عما هو حالها الآن، كخطة للإصلاح القضائي مع هبوب رياح التغيير, متمنياً أن ترى النور لإفادة الشعب الذي ينشد العدالة وهو يضع مداميك دولته المدنية.. فإلى النص:


بداية وقبل التطرق لمنظومة القضاء حاضراً ومستقبلاً علينا أولاً أن نحدد جوهر المشكلة في حاضرنا وتحديد مكمن الداء فيه حتى يسهل العلاج.

أما ما يجري على الألسن والشفاه أو تخطه الأقلام فهو فيما نراه إنما يصب حول ظواهر المشكلة وتعدادها ونقدها دون بيان وتشخيص جوهر المشكلة الحقيقة.

وواقع حال العدالة لدينا لا يحتاج إلى مزيد بيان وإيضاح أو كثير شكوى وانين ونواح.

فالمتتبع المراقب يلمس بسطحية بعضا من صور حقيقة الواقع المؤلم والحزين ويفزع له والمعايش له يصطلي في ردهات المحاكم أو السجون من حقيقة هذا الواقع ويتجرع غصصه وآلامه ولا حول له ولا قوة إلا بالله ومن التذرع بالصبر وإشاعة الأمل في النفس من بعد فقد الثقة في القضاء وضبابية العدل الذي ينشده كل من أوقعه قدره فيه أو حلت به ظلامه.

ولو لم يكن حال وواقع القضاء على نحو ما هو كائن وقائم ما كان لهذا الجهد المتواضع أو لهذه الرؤية الملامسة أن ترى النور وتسهم ولو بقدر يسير مع ما سبقها من اجتهادات رسمية أو شخصية لم تترجم إلى واقع محسوس والتي لا ندعي فيما نقدمه الآن أو ما سبقها أنها فيما تحمله من أفكار ورؤى أنها هي الصواب أو أنها أصابت كبد الحقيقة وما عداها من رؤى لم تكن كذلك وإنما هي عبارة عن جهد المقل وخلاصة تجربة وعصارة فكر وكما قال السلف" مذهبي خطأ يحتمل الصواب ومذهب غيري صواب يحتمل الخطأ".

لكنا بالتعمق في البحث والنقاش الهادئ الرصين ومقارعة الحجة بالحجة بعيداً عن التسرع والهوى والارتجال الذي أوصل الحال إلى ما هو عليه يمكن أن يشترك الجميع من أُولي الحجة وممن يملك القرار؛ الإسهام في الوصول إلى عدالة حقيقية وعدل حقيقي ملموس يتفيأ بظلاله القوي والضعيف والحاكم والمحكوم إن نحن آمنا حقيقة بما ننشده من عدالة حقيقية والاستفادة من تجاربنا الماضية والأخذ منها أو بعضها العبرة والدرس في هذا الظرف الذي تمر به البلاد.

ــ فما هو جوهر مشكلة القضاء ؟

ــ وأين الخلل ؟

ــ وكيف يمكن تشخيصه ؟

ــ وما السبيل إلى العلاج ؟

ــ وهل تحتاج منظومة القضاء إلى إصلاح أم إعادة البناء ؟

ذلك هو السؤال الحائر الذي ينتظر الجواب.. والواقع أن إعادة البناء في هذا الظرف الذي تتجه إليه الأنظار ليست مطلوبة للقضاء وحده وإنما لجميع مؤسسات الدولة بما فيها سلطة القضاء الذي نخلع عليه وصف سلطة تجوزا بوضعه القائم والذي أصابه الداء الدواء وانتقلت إلى ساحته عدوى فساد السياسة.

ومن اجل ذلك كله جاء مؤتمر الحوار لإطلاق حوار مفتوح لرسم ملامح مستقبل واعد إن شاء الله للأجيال القادمة يتفيأ تحت ظلاله اليمنيون ويتنسمون ويتذوقون فيه حلاوة العدل السياسي والاجتماعي للناس جميعا وليس لترتيب أوضاع معينة.

ومن هنا فانا نستجيز لأنفسنا قول ما لا يخفى على أحد وما أصبح واقعاً ملموساً بأن وضع القضاء مفزع وأليم ويحتاج إلى وقفة جادة مسؤولة ونظرة شاملة متعمقة إلى أوضاعه وبما هو كائن وقائم وما ينبغي أن يكون عليه والاستفادة من الدروس والعبر الذاتية ووضع الحلول الناجعة بأفق واسع وبعد نظر وعدم تكرار تجارب ثبت فشلها إما عن إهمال وتجاهل أو حماس وانفعال آني ولن يكون ذلك فيما نراه ــ مع بالغ الاحترام والتقدير لمن يجنح إلى إيجاد محكمة دستورية مستقلة وإنشاء مجلس قضاء في الدولة القادمة ــ إلا بجلاء حقيقة وضع القضاء وما هو عليه الآن في سببه الجوهري فمكاشفة النفس ومحاسبتها أول الطريق إلى النجاح ولا نخال أحدا من أعضاء مؤتمر الحوار من المهتمين والمتصلين بأجهزة العدالة إلا أنه قد يشاركنا ما نعرض له ببعض الومضات في هذه الورقة المتواضعة.

وما نود إيضاحه نركزه في الومضات الآتية:

إن القضاء اليمني في وضع لا يحسد عليه ويعاني من فقر إدارة فعالة بالدرجة الأولى لتسيير شئونه والارتقاء به وأعني بذلك مجلس القضاء وما كان يسمى بوزارة العدل التي لم يعد لها وجود اليوم على الأقل من الناحية النظرية بعد صدور الحكم الدستوري ــ رقم 20/23 ق .د/34 بتاريخ 26/5/2013المنشور بالجريدة الرسمية العدد العاشر لعام 2013 بتاريخ 31/5/2013 ــ وهما العقبة الكأداء أمام تطور القضاء والارتقاء به وما وصل إليه وهذا هو السبب الرئيسي والجوهري في تدنى أوضاع القضاء؛ إذ لا وجود لرؤية واضحة لهما طيلة الفترة الماضية للارتقاء بالقضاء, أما التعلل بشحة المال وتقتيره في الموازنة العامة للدولة, فهي كلمة حق أريد بها باطل مع عدم إنكارنا في ذات الوقت لشحة موازنة السلطة القضائية من حيث الأساس وعلى سبيل المثال: فما هو مقرر لها لعام 2013 ــ وهي المرة الأولى ــ يمثل 0.94% أربعة وتسعين في الألف تقريبا ولا يصل إلى 1% من الموازنة العامة للدولة ومع ذلك يمكن لو كانت الإرادة متوفرة أو اُحسن استخدامها وهي ذات رقم واحد دستورياً أن تغطي أوجه الإنفاق مع تحديد الأولويات وحسن التخطيط ورسم السياسات.

ومما يتصل بهذه النقطة سوء انتقاء بعض القضاة وإسناد قيادة المحاكم لمثل هؤلاء ناهيك عن التهاون وعدم التشدد مع من يعين لأول وهلة وكانه مجرد سد فراغ وتعيين لوظيفة لا لأداء رسالة سامية.! ولن ندخل في التفاصيل والجزئيات وأقف عند هذا الحد احتراما لمناقبية القضاة.

واليوم مع هبوب رياح التغيير وتلاطم أمواجه ولسوء أوضاع السلطة القضائية وما تعانيه مما ألمحنا إليه وعدم قيام المجلس بدوره المطلوب لشعوره طيلة الفترات الماضية بأنه مجرد أسير تابع للسلطة التنفيذية التي جاءت به وأنها الوصية عليه في تلبية رغباتها؛ فإنَّا لا نجد حرجاً من القول بأنه ليس لدينا سلطة قضائية بمعناها السامي والمحدد دستوريا وان كان لدينا في حقيقة الأمر والواقع قضاة أفذاذ وهم لا شك قلة تكتب أسماؤهم بماء الذهب وعبارة عن جزر معدودة في أرخبيل واسع من الجزر المتناثرة ممن لا يداهنون ويملكون شجاعة الرأي والحجة ولا يفزعون أو يرتجفون من المجاهرة بما يؤمنون وان تعرضوا لعدم الاستلطاف أو عدم الرضى.

وحتى يرتقي دور المجلس من مجرد وظيفة تابع للسلطة التنفيذية تتحكم في شئونه ومصيره إلى سلطة حقيقية موازية للسلطتين التنفيذية والتشريعية وعلى قدم المساواة ويأخذ مكانته اللائقة به ارتفعت الأصوات عالية منادية بانتخاب المجلس وتطعيمه من خارجه لبعض أعضائه أو من بين صفوف القضاة أنفسهم كأثر من آثار الضيق بدور المجلس ماضيا وحاضرا تجذيرا وصونا لاستقلال القضاء المنصوص عليه دستوريا والعمل على تحسين وتطوير أوضاعه وحماية استقلاله وبث الروح في النص الدستوري بالمادة 152 من الدستور المقر بتاريخ 20/2/2001 والعض عليه بالنواجذ ونقله إلى حيز الواقع الفعلي في الدستور القادم الجديد من حيث التطبيق والمكانة والممارسة. ذلك أن استقلال السلطة القضائية لم يرتقِ بعد إلى هذه المكانة والسمو رغم ألَق النص الدستوري النافذ وبريقه الذي ينص على استقلاله قضائياً وماليا وإدارياً والذي يحتاج فيما يحتاج إلى شجاعة وقوة حجة في الذود عنه وترجمته واقعاً محسوساً ملموساً مما لا يوجد له دواء في دستور أو قانون يعطي الشجاعة لمن يرتجف.

وهكذا فهل سيكون لمجلس القضاء مكان في ظل الدولة الاتحادية ؟ وبعبارة أخرى أدق هل ستكون إدارة السلطة القضائية ذات طابع اتحادي أم إقليمي ؟

ذلك هو السؤال الذي يلحق بسؤال .

وهل ستكون المحكمة الدستورية الاتحادية مستقلة عن المحكمة العليا الاتحادية في قادم الأيام ؟, أم ستكون جزءاً منها ؟

من حيث المبدأ؛ ففي الدول الاتحادية فإن كل إقليم يسعى إلى رفع الوصاية عنه من أي سلطة أخرى في الاتحاد والعمل على التنافس الإيجابي فيما بينها وبعد أن أثبتت الدولة المركزية لدينا فشلها في تلبية طموحات وأماني احتياجات المواطن وتوفير أمنه وحماية حقوقه وصون كرامته طيلة السنوات الخمسين الماضية على الأقل- إلا من تهدئة الخواطر والكلام المعسول والشعارات الفضفاضة التي لا تغني ولا تُسمن من جوع- تاق الناس ونزعوا إلى الهيجان للتخلص من فرض مالا يريدونه عليهم مركزياً واتجهوا للمطالبة بتحسين أوضاعهم وإعطاء كل إقليم حرية إدارة وتدبير شئونه بنفسه واختيار حكامه وقضاته وتجربة قدراتهم وقواهم الذاتية.

غير أن ذلك في حالة القبول به في إطار المنظومة القضائية يحتاج إلى القبول بالمبدأ أولاً ولمدة مؤقتة ومن ثم التفكير العميق في تنظيمه ثانياً حتى لا يقع محذور مع الاستفادة من تجارب عملية لدول أخرى سبقت إلى تنظيمه وممارسته والتعمق في دراستها ونقل ما يناسب واقعنا وهو ما أفتقر إلى الإلمام به ولا أدعيه.

وفي حالة القبول بالرؤية الاتحادية من صناع القرار والاقتناع بها وإقرارها من مؤتمر الحوار فان مما لا شك فيه أن الدولة الاتحادية ستتألف من عدة أقاليم أو مخاليف ومؤدى ذلك توزيع السلطات ما بين :

1 ــ السلطات الاتحادية ( الحكومة والبرلمان بغرفتيه ومحكمة عليا اتحادية ) وبديهي أن تختص المحكمة العليا الاتحادية بالنظر في منازعات محددة وعلى سبيل الحصر على مستوى الدولة بما فيها المنازعات الدستورية التي يراد أن تكون لها محكمة دستورية عليا مستقلة خارج اطار المحكمة العليا الاتحادية !.

2 ــ سلطات الأقاليم ( حكومة الإقليم و برلمان الإقليم وقضاء الإقليم )

ولن نتعرض هنا لمهام السلطات الاتحادية والإقليمية كاملة؛ إذ ما يهمنا في هذه الورقة ما يتعلق بتكوينات وتشكيلات السلطة القضائية وإدارتها وطرح رؤية أو خاطرة أولية متواضعة حولها لفتح باب لإثرائها بالنقاش الهادئ الرصين وتقبل نقدها في ذات الوقت وان كنت أدعو نادي القضاة بأن تكون باكورة نشاطاته الدعوة لندوة علمية محددة الأسماء حول الموضوع حتى تتلاقح الأفكار ويجري قدح الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان للوصول إلى رؤية مشتركة بذهن صافٍ وعقلٍ مفتوح بعيداَ عن التمترس وردود الأفعال وكما جاء في الأثر "الحقيقة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها."

وبادئ ذي بدء وتبعا لتوزيع السلطات بين الاتحادي والإقليمي وهو ما سينظمه الدستور الاتحادي لا جرم في ذلك فإن السلطة القضائية ستسير على ذلك النحو وتحاكيه على الأقل هذا ما يوحي به شكل وروح الدولة الاتحادية القادمة ــ إلا أن تكون هناك رؤية أخرى مخالفة ــ وهو الاتجاه الذي انتهت إليه فرق مؤتمر الحوار ذات الصلة بالموضوع من خلال الرؤى المتعلقة باستقلال المحكمة الدستورية وطريقة وأسلوب تشكيل مجلس القضاء والذي أثار حفيظة نادي القضاة بحماس الشباب ورد فعله المتسرع المندفع وتحديدا حول أسلوب تشكيله وصمته عن المحكمة الدستورية ولما يتم التصويت النهائي على تلك الرؤى وإقرارها من قبل مؤتمر الحوار في جلسته العامة الختامية وهل ستكون إدارة القضاء اتحادياً أم إقليمياً ؟.

وعلى نحو ما نراه ولكل مجتهد نصيب, فإن السلطة القضائية كما سبق الإشارة ستُوزع بين الاتحادي والإقليمي :

1 ــ المحكمة العليا الاتحادية.

2 ــ محاكم الإقليم .

وسيحدد الدستور الاتحادي ما هو اتحادي وما هو إقليمي في شأن سلطة القضاء وكذلك الشأن ما يتعلق بإدارة القضاء لكل إقليم وهل ستكون إدارة القضاء اتحادية أم ستوكل لسلطة كل إقليم على حدة؟.

وما فهمناه من رؤية فريق بناء الدولة- أحد الفرق التسع بمؤتمر الحوار- أن إدارة القضاء ستكون شأناً اتحادياً وستوكل لمجلس أعلى للقضاء.

فاذا رُؤي أن تكون إدارة القضاء اتحادياً فإن الأنسب أن تسند للمحكمة العليا الفيدرالية وفق نسق وتنظيم معين وهو ما توحي به مخرجات فريق بناء الدولة وفريق الحكم الرشيد بمؤتمر الحوار الوطني حول مجلس القضاء الذي لم يصفه بالاتحادي وإنما جاء مطلقاً دون وصف أو نعت وهو مجرد فهم خاص منا إلا إذا رُؤي في المحصلة النهائية أن يكون لكل إقليم إدارة خاصة به فتتعدد مجالس القضاء بتعدد الأقاليم وبعبارة أدق تتعدد إدارة القضاء بتعدد الأقاليم والتخلي عن رؤية إدارته اتحادياً عبر مجلس القضاء الاتحادي مع اني استبعد للوهلة الأولى إدارة القضاء اتحادياً نظراً لارتفاع المطالب في انتزاع كل إقليم تنظيم وتدبير شئونه ذاتياً وهو ما تعالت فيه وتنادت به الأصوات كما أشرنا؛ إذ أن سلطة القضاء والمحاكم ألصق بمطالب الجماهير واحتياجاتها ومن أكثر ما يعنيها ويستهوي النفس قرب أجهزة العدالة منها وتحقيق العدل الاجتماعي قبل العدل السياسي ولو تحقق الأول لتحقق الثاني ولحق به وهو الرأي الذي أميل إليه دون أن يعني تشددي وتمسكي به فيما لو جاء رأي مخالف أجدر بالاتباع إذ "الحقيقة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها." وما هو إلا اجتهاد المقل وللمجتهد المخطئ أجر ما بالك وأن للمجتهد المصيب أجرين أرجو أن أكونه.

وبالبناء على ما تقدم وفي ظل التوجه الاتحادي, فمما لا خلاف فيه أن تنشأ محكمة عليا اتحادية تنظر وتفصل في المنازعات والقوانين ذات الطابع الاتحادي والدستوري تجوزا وتشكل من عدد من القضاة الأكفاء بموجب قرار من رئيس الجمهورية بعد التشاور مع الأحزاب الممثلة في البرلمان الاتحادي.

أو تشكل بانتخاب قضاة كل إقليم لعدد متساو من قضاة محاكم الأقاليم العليا لثلثي العدد المطلوب والثلث الباقي من البرلمان.

أما بالنسبة لمحاكم الإقليم:

فتنشأ وتشكل محاكم الأقاليم من محاكم ابتدائية و محكمة عليا لكل إقليم بموجب قرار من رئيس كل إقليم بعد التشاور مع الأحزاب الممثلة في برلمان الإقليم.

أو تشكل محكمة الإقليم العليا بالانتخاب من بين جميع قضاة الإقليم لثلثي العدد المطلوب والثلث الباقي بقرار رئيس كل إقليم بالتشاور مع الأحزاب الممثلة في برلمان الإقليم.

وللخمس السنوات الأولى من نفاذ الدستور الجديد يمارس رئيس المحكمة العليا الاتحادية أو من يقوم مقامه من قضاتها إضافة إلى رؤساء محاكم الأقاليم العلياــ مع ضرورة الاستفادة من الخبرة الأجنبية مؤقتاــ مهمة إدارة القضاء الاتحادي والإقليمي مؤقتا وتقديم مقترحاته لكل إقليم وتهيئته لتولي مهام إدارة قضاء الإقليم بنفسه وتقييم حسن أداء قضاة الأقاليم سنويا على ألا يتقاضى أي من رؤساء محاكم الأقاليم العليا أي مردود مادي آخر عدا ما هو مقرر له من بدلات ومرتب شهري متميز مخصص له من محكمته التي يمثلها.

على أن تكون لكل محكمة ميزانيتها المستقلة إيراداً ومصرفاً وتشارك كل منها في ميزانية إدارة القضاء وتدعم الحكومة الاتحادية وحكومات كل إقليم ميزانية كل محكمة بها بموارد تكميلية.

على أن الأقاليم ودوائرها وتقسيماتها التي لم تكن مهيأة بعد لإنشاء محاكم خاصة بها لها أن تختار من يقوم بمهمة القضاء فيها وفقا لتشريعاتها الإقليمية أو الطلب من إدارة القضاء الاتحادي رفدها بمن تختاره من قضاة أي إقليم.

ويصدر قانون اتحادي ينظم إجراءات المحاكم على النطاق الاتحادي والإقليمي مع جواز إصدار كل إقليم لتشريع خاص به.

أما عن النيابة العامة أو الادعاء العام كسلطة إتهام فيسري عليها كل ما قلناه بشأن تكوين وإنشاء قضاء الأقاليم ويتولى قاض أو عدد من قضاة كل إقليم مهام قاضي التحقيق والإحالة في الجرائم خاصة منها ذات الطابع الاتحادي.

وعوداً على بدء فإن إنشاء محكمة دستورية عليا مستقلة عن القضاء الاتحادي مؤداه مهما خلصت حسن النوايا في هذا الاتجاه ومهما كانت المبررات المخلصة الداعية له, فانه إبقاءً لوضع القضاء على الحال الذي يحز في النفس والذي يحزن منه وعليه الجميع بحاله ووضعه القائم وهو مؤشر نخاف منه لا على بسطاء الناس التواقين للعدل وإنما على السياسيين صانعي القرار انفسهم وعلى الدولة أيضاً إذ العدل أساس الحكم.

ثم أن الاهتمام بالمنظومة القضائية كاملة دونما تجزئة لها وعدم تقطيع أوصال العدالة فيما نعنيه هنا هو الأدعى والأصوب في ظل واقع القضاء المعاش وما أصاب عليه القوم أصاب أدناهم من العوام وبسطائهم إذ الإبقاء على المحكمة الدستورية في إطار المحكمة العليا الاتحادية مع وضع الضوابط والتوصيف لنشاطها وتشكيلها سيلفت نظر واهتمام صناع القرار السياسي لبناء الدولة وسلطة القضاء جزء لا يتجزأ منها وأخشى ما نخشاه حال عدم الأخذ بوجهة نظرنا التي لا ندعي الكمال فيها أن يندم المتحمسون لمحكمة دستورية مستقلة ومجلس قضاء اتحادي حين لا ينفع الندم وعلى صناع القرار أن يتذكروا انهم اذا كانوا اليوم حكاماً, فإنهم غداً محكومون والعاقل من اعتبر بغيره و"إذا دامت لغيرك ما وصلت إليك".

وأخيراً وليس آخر؛ فإن وجود محكمة دستورية عليا كمحكمة عليا مستقلة عن المحكمة العليا الاتحادية فيه إسراف وبذخ في انفاق المال في وقت تشكو منه الدولة عموماً من قلة مواردها وتقتيرها على السلطة القضائية فيما تتفضل به عليها سنويا بالميزانية السنوية مع ما سيمثله ذلك من إرهاق للخزينة العامة وتحمل أعباء إضافية يمكن لو أُحسن الاستفادة مما توفر للبعض أن يعود بالنفع على الكل أضف إلى ذلك ندرة الكفاءات القضائية الكفؤة المتخصصة وتدني عطاء الموجود نتيجة الوضع العام مما ألمحنا إليه سابقا.

وفوق ما سبق فإن وجود محكمة دستورية عليا مستقلة فيه تغافل وتجاهل وإهمال للقضاء عموما وإبقائه على الحال الذي يشكو منه الجميع بلا استثناء دون مسوغ من عقل أو منطق في إعادة بناء الدولة وربما كان في وجودها إخلال بمبدأ المساواة وتجزئة نشر العدل بين الناس جميعاً خاصة عندما تتولى المحكمة الدستورية محاكمة شاغلي الوظائف العليا الذي لا أميل إليه للاعتبارات السابقة كما هو الحال في الدستور الحالي.

وختاماً فان اختيار النخبة من القضاة للمحكمة الدستورية أحوج ما تكون الحاجة إليهم للقضاء عموماً حال وجودهم وهم قلة معدودة حين اكتشافهم.

وتعلمنا التجارب الماضية خلال السنوات الخمسين على أقل تقدير دون أن نغوص في الماضي البعيد, تعلمنا إهمال الدولة للقضاء وانغماسها وانشغالها بالشأن السياسي أولاً وترتيب أوضاعها اعتماداً منها على ما يملك كل طرف سياسي من قوى ضاغطة أو وجاهة أو حجة أو إقناع في حل خلافاتهم إنْ لم يصل إلى اعتماد البعض منهم على مبدأ حجة القوة والركون إليها بدلاً عن قوة الحجة واللجوء للقضاء؛ إذ كان القضاء في آخر اهتماماتها واشد ما نخشاه أن تكون الخطبة الخطبة والجمعة الجمعة في زمان غير الزمان وما صنعته الدولة خلال السنوات الماضية تجاه القضاء عبارة عن ترقيعات جزئية ومسكنات مهدئة ربما لغايات وأهداف سياسية سامية لكنها أخفقت من حيث المنظور العام للقضاء وابرز مثال على ذلك إنشاء المحاكم التجارية وفي إعادة التجربة بالترقيع والتهدئة ما قد نراه استخفافاً بالعقول ووضعاً للأصابع في الآذان.

وما يؤكد عدم الاهتمام السياسي الجاد بالقضاء وان جاء, فإنما يأتي عرضاً وغير مقصود لذاته وهو ما شاهدناه ولمسناه في أيامنا القريبة من خلال مؤتمر الحوار إذ لم يمثل القضاة فيه بصفاتهم المهنية كممثلين للسلطة القضائية قط بل وجاء الإشارة إلى القضاء عرضاً وعلى استحياء في الوثائق الرسمية لمؤتمر الحوار المادة21/5 الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية+المادة6/5 من النظام الداخلي للمؤتمر. وربما التمسنا العذر في ذلك بتقديم الأهم على المهم في حينه لكن ليس المهم التمثيل والحضور وإنما الأهم أن يتم الإصغاء والغوص في تحليل وضع المنظومة القضائية والخروج بحلول ناجعة عن روية وأناة وعمق ودون سطحية بدلا من إعطاء المهدئات والمسكنات التي بزوال مفعولها يعود الألم والأنين من جديد.

تلك كانت إطلالة وومضات سريعة لوضع السلطة القضائية وباقتضاب شديد حول الوضع القائم وما ينبغي أن يكون عليه في المستقبل, مذكراً ملحاً بالتوقف أمام ما سبق والإسهام في الإجابة الشافية عن: هل نحن بحاجة إلى إصلاح منظومة القضاء أم إعادة بنائه ؟وهل سيكون لمجلس القضاء مكان في ظل الدولة الاتحادية, أم ستوكل إدارة القضاء لكل إقليم على حدة؟.. ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه الآن قبل البدء بتحديد الأقاليم كون إصلاح القضاء أساس كل العمليات التنموية..

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد