عام صعب يواجه اليمن

2014-03-05 13:55:19 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع


ماتزال قضايا الأمن الغذائي والفقر والوضع المعيشي والاقتصادي وفوق ذلك الإنساني للمواطن اليمني تشكل أبرز التحديات والإشكالات التي تواجه اليمن, في ظل أوضاع سياسية وأمنية متأزمة تفضي غالباً إلى أثقال تلقي بظلالها على وضع المواطن الذي يتحمل دوماً أعباء مرهقة لسياسات فاشلة تزيده بؤساً وجحيماً مضاعفاً..
 وأمام هذه التحديات تبرز التحذيرات الدولية من خطورة الأوضاع القادمة التي تشير إلى مستقبل قاتم يتربص بحياة 25 مليون يمني ما يزال غالبيتهم يكافح وراء الحصول على قوت يومه من أجل البقاء.. رغم التحذيرات المتوالية من أزمة إنسانية يمر بها سكان البلد الأفقر في الوطن العربي.. 
النقد الدولي يقول إن الحكومة تسدد دولارين مقابل كل دولار تستدينه والفاو تدعو لدعم الأمن الغذائي..
صندوق النقد الدولي- في آخر تقرير له- قال إن وضع المالية العامة في اليمن سيكون صعباً عام 2014، ما لم تحصل الحكومة اليمنية على مساعدات خارجية أكبر، وتنفذ حزمة إصلاحات مالية واسعة, في حين نقلت وسائل إعلام يمنية مقربة من النظام السابق عن تقرير حكومي يمني تأكيده أن اليمن يدفع للدائنين الدوليين دولارين مقابل كل دولار تقترضه حكومة الوفاق كقروض من البنك الدولي.
عجز وتخبط
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، عن ممثل صندوق النقد الدولي في اليمن، غازي شبيكات، قوله: "الحكومة اليمنية تستهدف عجزاً أكبر في موازنة العام الجديد مقارنة بموازنة 2013، وإيجاد تمويل لهذا العجز سيشكل تحدياً حقيقياً للحكومة".
وأشار إلى محدودية المبالغ التي يمكن توفيرها من الجهاز المصرفي اليمني، وقال إن استمرار التوسع في الاستدانة عبر بيع أذون الخزانة والسندات لتغطية عجز الموازنة من شأنه أن يؤثر سلباً على عملية الإقراض الذي يمكن أن توفره البنوك للقطاع الخاص المستثمر.      
وأضاف إن الاستمرار في خفض النفقات الرأسمالية لا يتناسب مع متطلبات المرحلة التي ينبغي فيها تحقيق معدلات نمو أعلى للمساهمة في تخفيض نسب الفقر والبطالة.
وقال شبيكات: "استمر الاقتصاد اليمني بالتعافي من أزمة عام 2011، إذ نما عام 2013 بنسبة 4.5% وهي نسبة أقل مما كان متوقعا لها بسبب استمرار الانقطاعات في إنتاج النفط".
وتوقع أن تستمر وتيرة النمو تلك على المدى المتوسط، لكنها تبقى غير كافية للوصول بالدخل الفردي إلى مستواه قبل عام 2011، وغير كافية لتخفيض معدلات الفقر والبطالة المرتفعة.
ضغوط عاصفة
كان اليمن أقر ميزانية عام 2014 التي ترفع الإنفاق نحو 4% إلى 2.88 تريليون ريال (13.4 مليار دولار)، مقارنة بالإنفاق المقرر في ميزانية 2013.
وتتضمن الميزانية عجزاً قدره 679 مليار ريال تقريباً، ويقارن هذا بعجز قدره 682 مليار ريال في ميزانية 2013, وكان الاقتصاد قد انكمش بمعدل 12.7% في 2011 حين عصفت الاضطرابات بالبلاد.
ومازال اليمن يتعرض لضغوط مالية بسبب تفجيرات متكررة لخطوط أنابيب النفط ينفذها رجال قبائل، إذ تشكل صادرات الخام ما يصل إلى 70% من إيرادات الميزانية.
وقال المسؤول بصندوق النقد إن وضع المالية العامة في اليمن ظل صعباً العام الماضي، إذ انخفضت المنح الخارجية بشكل ملحوظ بعد المستوى الذي وصلته عام 2012، الذي تلقى فيه اليمن منحاً كبيرة غير متكررة من السعودية.
وتابع: "اليمن بحاجة ملحة إلى تطبيق إصلاحات تهدف لمعالجة الخلل في هيكل الموازنة العامة وتوجيه جزء أكبر من الموارد في الموازنة, بما يسمح بزيادة الإنفاق الاستثماري والاجتماعي وذلك بإعادة ترتيب النفقات من خلال إزالة الدعم الشامل غير المستهدف للمشتقات النفطية وزيادة الإنفاق الرأسمالي والتمويلات الاجتماعية".
وأشار إلى أن الدولة تنفق على الدعم ما يصل إلى 10 ملايين دولار يومياً، يذهب معظمه إلى الطبقة الغنية.
  • تحديات تنموية مركبة
يوضح وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور/ محمد السعدي أن اليمن يواجه تحديات تنموية مركبة أبرزها وأكثرها تعقيدا مشكلة البطالة العالية واتساع نطاق الفقر ومحدودية فرص العمل وخاصة للشباب.
وأشار- خلال ترؤسه في العاصمة السعودية الرياض- الجلسة العامة الثالثة من أعمال المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل إلى أن الحكومة اليمنية عملت بعض المعالجات من خلال منظومة الحماية الاجتماعية ومن أبرزها تقديم مساعدات نقدية شهرية من صندوق الرعاية الاجتماعية لحوالي مليون ونصف المليون حالة .
وأضاف إن المجتمع اليمني فتي وإن الفئة العمرية الأقل من 14 سنة تشكل 45% من إجمالي السكان, الأمر الذي يعني تزايد متطلباتهم المستقبلية من التعليم وفرص العمل.
وزير حقوق الإنسان حورية مشهور قالت إن الوضع الذي تعيشه اليمن قوض دور الدولة في التنمية, حيث يعيش 60 بالمائة من اليمنيين تحت خط الفقر وسوء التغذية وحياتهم مهددة بالخطر وزادت من احتياجات البلد الإنسانية, إضافة إلى تزايد أعداد النازحين بسبب الصراعات في بعض المناطق وهناك اختراقات أمنية وإذا تحسنت تلك الأمور ستقوم الدولة بدورها في التنمية" 
من جانبه أكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) غرزيانو داسيلفا على حاجة اليمن إلى الدعم الدولي للتغلب على تحديات الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة, مبيناً أن الأزمات الممتدة أثرت على القطاع الزراعي والأمن الغذائي في اليمن وفي المقدمة ندرة المياه وظهور العديد من الآفات الزراعية مؤخراً وتدفق اللاجئين من دول القرن الأفريقي.
ودعا داسيلفا- في اجتماع عقدته المنظمة على هامش أعمال الدورة الـ 32 لمؤتمر منظمة "الفاو" الإقليمي للشرق الأدنى تحت شعار "الوضع الزراعي والأمن الغذائي في الجمهورية اليمنية"- دعا إلى إنشاء صندوق ائتماني خاص متعدد مصادر التمويل لدعم وتنمية القطاع الزراعي والأمن الغذائي في اليمن.
ممثل منظمة الفاو في اليمن صلاح الحاج أكد على أهمية النظر اليمن بشكل خاص ضمن المبادرة الإقليمية لندرة المياه في اقليم الشرق الأدنى .. داعيا إلى ضرورة تعزيز القطاع الزراعي على اعتبار أن تحقيق الأمن الغذائي صعب بدون هذا القطاع. وشدد على أهمية تعزيز سبل العيش ومصادر الدخل وتعزيز الصمود وتحسين القيمة المضافة للمنتجات الزراعية للتغلب على تلك التحديات.
وزير الزراعة والري" فريد مجور" دعا منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، إلى دعم بلاده في إنشاء صندوق خاص بالأمن الغذائي.
 وأشار إلى أن الآفات النباتية التي ظهرت على المحاصيل الزراعية في اليمن، شكلت عائقاً أمام الإنتاجية الزراعية وتسببت في خسائر اقتصادية أثرت سلباً على جهود توفير الأمن الغذائي في البلاد.
  • الأمن الغذائي مقابل الاستقرار
مؤخراً كانت الأمم المتحدة وشركاؤها ناشدت المجتمع الدولي تقديم 592 مليون دولار لتنفيذ أنشطتها الإنمائية في اليمن هذا العام, في حين حذر الممثل المقيم للأمم المتحدة لدى اليمن إسماعيل "ولد الشيخ أحمد" من أن اليمن لن تنعم بالاستقرار ما لم يتم تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب، على الرغم من التقدم في التحول السياسي الذي أحرزته اليمن.
وقال ولد الشيخ: "لن يكون هناك استقرار في اليمن إذا كان أكثر من نصف السكان يستيقظون باكراً دون أن يتمكنوا من تأمين الغذاء".. وأضاف "الاستقرار السياسي يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع التنمية، مشيراً إلى أن "البلد شهد سلسلة من الصراعات الداخلية في السنوات الأخيرة، أدت إلى انعدام الأمن وانعدام التنمية".
وأكد ولد الشيخ أن العملية السياسية في اليمن "ناجحة إلى حد ما"، لافتا إلى انتهاء مؤتمر الحوار الوطني كتجربة فريدة على مستوى المنطقة من بين بلدان "الربيع العربي".
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عدد 25 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، و13 مليون لا يستطيعون الحصول على مياه صالحة للشرب، وهناك أيضا نحو الف250 لاجئ أفريقي تم تسجيلهم باليمن إلى جانب وما يقارب 400 الف نازح داخلي.
وبحسب وثيقة الأمم المتحدة عن احتياجات الوضع الإنساني في اليمن يسهم ضعف سلطة الدولة وسوء إدارة الموارد ونقص الخدمات الأساسية وترديها بعد اندلاع الأزمة السياسية مطلع العام 2011م في الدوافع الكامنة وراء المعاناة في اليمن, إضافة إلى الضغط السكاني والإجهاد البيئي واستمرار غياب الاستقرار السياسي والصراعات والفقر الذي يسجل ارتفاعا في عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر وبنسبة 54% .
وتقول الوثيقة إن عوامل ممارسات التغذية السيئة وانعدام الأمن الغذائي الذي تعاني منه الأسر والقصور في مجال التعليم وانتشار الأمراض المختلفة الناجمة عن تناول مياه الشرب غير المأمونة وصعوبة الوصول إلى برامج الصحة والتغذية تساهم في انتشار سوء التغذية وينجم عن سوء التغذية عواقب مدمرة خصوصا لدى الأطفال الذين يواجهون مخاطر النمو البدني والمعرفي لأمد طويل في حال عدم حصولهم على المواد الغذائية التي يحتاجونها.
  • والقادم أسوأ
تقرير دولي كشف عن تردي الأوضاع الإنسانية في اليمن وتفاقمها خلال العام القادم وذلك جراء ضعف سلطة الدولة وانعدام الخدمات الأساسية في بعض المناطق, إضافة إلى محدودية الموارد. وسجل التقرير تضاعف أعداد المواطنين العائشين تحت خط الفقر ليبلغوا 54% يتم استيراد 90%من احتياجاتهم الغذائية، منوها إلى أن الأسرة اليمنية تنفق 43% من دخلها على الطعام.
وتشير تقارير إلى أن الفقر هو أحد الأسباب الرئيسة للمعاناة في اليمن، وفي ظل عدم قدرتها على كسب ما يكفي من المال، فإن أسراً يمنية كثيرة غير قادرة على تأمين ما يكفي من الغذاء من خلال الأسواق.
وتتم تلبية ما يقدر بحوالي 90 في المئة من مجموع الحاجات الغذائية من خلال الأغذية المستوردة, ويعتمد اليمن على صادرات النفط للحصول على 90 في المئة من العائدات، ما يؤدي إلى تعريض الاقتصاد بشدة لتقلبات أسعار النفط، وهذا الأمر يضيف شريحة من الأخطار إلى الأسر التي تكافح بالفعل لشراء الغذاء.. في حين تفيد الإحصاءات المحلية أن الأسرة اليمنية النمطية تنفق ما يقدر بحوالي 43 في المئة من دخلها على الغذاء.
  • ثالوث الخطر.. وهشاشة الوضع
تؤكد سفيرة بريطانيا في اليمن- السيدة/ جين ماريوت أن اليمن تواجه ثلاثة تحديات أساسية: اقتصادية وتنموية وأمنية, وهي مرتبطة مع بعضها البعض,. واعتبرت التقدم في واحدة منها يؤدي إلى تنمية وتقدم في الأخريات.
" مثلاً إذا تحسنت الحالة الاقتصادية بإيجاد العديد من الوظائف, فهذا طبعاً سيكون له أثر في أن تتقلص حالة الانفلات الأمني" قالت ماريوت, وأشارت إلى أن هناك العديد من الصعوبات التي ينبغي التغلب عليها لكي تصل اليمن إلى مستقبل جيد, وأبرز تلك الصعوبات هي تركز السلطة والمال لدى فئة قليلة من الشعب. 
" البعض منهم يهمهم مصلحة اليمن والبعض الآخر لا يهمهم سوى مصلحتهم الشخصية" أضافت ماريوت واعتبرت الذين يعملون من أجل مصالحهم الشخصية هم من يمثلون خطراً على اليمن.
مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في اليمن- السيدة/ جاين أمباكيا اعتبرت الفقر المدقع الحاصل منذ سنوات عدة وعدم وجود الخدمات الأساسية وعدم التدخل الحقيقي للحكومة للحد من هذه الظاهرة وندرة الاستثمارات الحكومية وسوء الإدارة لبعض الموارد الاقتصادية والنزاعات المختلفة, اعتبرتها بأنها السبب الرئيس لجعل 14 مليون يمني اليوم في حاجة إلى المساعدات الإنسانية. 
وشددت أمباكيا على ضرورة المعالجة على المستوى البعيد لهشاشة الوضع الحالي الذي لا يزال- حد قولها- كما هو عليه منذ العام 2012م بالرغم من المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن.
وتقول القائمة بأعمال السفير الأميركي بصنعاء كارين ساساهارا :" اليمن ليست دولة فاشلة لكنها تواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية و توجد بها حكومة تعمل وتعترف بها بلدان العالم والأمم المتحدة".. مؤكدة التزام الدول العشر بدعم الاقتصاد في اليمن، عبر الشراكة مع البنك الدولي لتنفيذ مشاريع في اليمن بالتنسيق مع دول أخرى منها اليابان وتركيا وألمانيا وهولندا.
  • مؤشرات مقلقة لا تبشر بأمل 
لم تحمل المؤشرات والإحصائيات الاقتصادية، والأمنية الصادرة عن بعض الجهات الحكومية في بلادنا أي تحُسن في الوضع، أو ما يبعث بالأمل للمواطن اليمني الذي كان ينظر لاستقبال العام الميلادي الجديد 2014م نظرة تفاؤلية لرسم بداية الطريق لأية خطوات يخطوها للعودة لاستقرار الأوضاع في البلد.
 كان يتطلّع لاستقبال هذا العام بتحقيق بعض النتائج المشجعة في بعض المجالات الاقتصادية، وقطع شوطاً مقبولاً في تنفيذ البرامج والمهام المحددة في عملية التسوية السياسية «خارطة الطريق» التي بُنيت على المبادرة الخليجية والنتائج المتوقعة باستكمال الحوار في سبتمبر العام الماضي لدخول مرحلة تنفيذ مخرجاته التي يتفاءل بالخروج بها. 
ويعلق على تنفيذها آمالاً كبيرة لإرساء دعائم الاستقرار السياسي باعتباره البوابة إلى الانتقال لمرحلة معالجة كثير من القضايا والمشكلات الجسيمة التي يدفع أبناء اليمن دماءهم وتدهور أوضاعهم المعيشية ثمناً لتحمل آثارها الاقتصادية وتداعياتها على مختلف جوانب حياتهم وأبرزها جرائم الإرهاب بعد أن أنتجت تداعياتها عوامل وأخطار مضافة لتدمير الاقتصاد والدولة اليمنية ومؤشر يؤرق حياتهم، ومستقبل أبنائهم بل حملت كثيراً من القلق، والتشاؤم لمستقبل التنمية والاقتصاد والمجتمع إذا لم يلتف ويتعاون الجميع للإسراع لدراسة الوضع الاقتصادي المنهار ووضع المخارج والحلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإيجاد اصطفاف حكومي ومجتمعي للتصدي للإرهاب وجرائمه التي تدمر الاقتصاد الوطني والتنمية وحشد الطاقات لتعزيز التعاون والشراكة بين الجميع وأجهزة الدولة اليمنية والمجتمع المحلي والجهود الدولية للوقوف وجهاً لوجه أمام هذا الخطر.
 كذا التسريع بحلحلة الأزمة السياسية باعتبار استمرارها أحد الأسباب التي يوفر للجماعات المسلحة المناخ والعوامل المساعدة لانتشارها رغم الجهود الجبارة التي تبذل لمحاربته، فالأمر بات اليوم يحتاج إلى التضحية، والمشاركة الفاعلة من قبل الجميع لتجفيف منابع إنتاجه وتمدده وانتشاره وعدم الاكتفاء فقط بجهود الدولة، والشركاء لمحاربته، بل بمشاركة بقية الجهات التي ينبغي عليها القيام بتأدية واجبها الوطني للقضاء على هذه الآفة المجتمعية الخطرة التي أصبحت تهدد مستقبل الجيل القادم، وعائقاً أمام التنمية، ومدمرة للاقتصاد اليمني.
وبالنظر إلى مؤشرات وإحصائيات التقارير الصادرة عن الجهات الحكومية، والمنظمات الدولية وتأكيدها ببقي 54 في المئة من اليمنيين الذين يبلغ تعدادهم حوالى 25 مليون شخص تحت خط الفقر، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة إلى 40 في المئة بصورة عامة وفي أوساط الشباب إلى ما فوق 60 في المئة في عام 2013م ، والى الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد خلال العام الماضي نتيجة لاستمرار أعمال العنف، والاعتداءات المتكررة على أنابيب النفط والغاز، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وخطوط الألياف الضوئية، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة على قطاع الأعمال، والاستثمار بسب انتشار الفوضى وانعدام الأمن، وتزايد الهجمات الإرهابية على المنشآت الأمنية والعسكرية في ظل تراخي وحدات الجيش والأمن.
إلى جانب التدقيق في نتائج وإفرازات ما تعرض له الاقتصاد اليمني العام المنصرم من ضربات قوية أثرت وبشكل مباشر على الإيرادات الحكومية، وكذلك على الحالة المعيشية للمواطن، إلى جانب ما أسهمت به الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في تدهور الوضع الاقتصادي.
يقول خبراء الاقتصاد إن تلك المؤشرات والنتائج تؤكد بجلاء عمق الضرر الاقتصادي، ومدى ترابط عوامل وأسباب إنتاجه مع استمرار الأزمة السياسية، والانفلات الأمني، وجرائم الإرهاب الذي قد يدفع هذا الترابط المدمر بالاقتصاد اليمني إلى مستوى يصعب التعامل معه، الأمر الذي أصبح يقلق المراقبين للشأن اليمني، ويخيف الدول الراعية للتسوية السياسية.
  • حتى لا تنزلق اليمن إلى الهاوية 
 يؤكد المراقبون أن الإرهاب- بكل أشكاله- أصبح خطراً مدمراً للاقتصاد والشعب اليمني، ولعل عدم مشاركة المجتمع في تجفيف منابعه والعوامل المساعدة التي توفر له بيئة حاضنة، قد أسهم بشكل واضح لجعل هذا الخطر عائقاً أمام النهوض بمجتمعهم، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل لينتقل هذا الخطر إلى مستوى أكثر ضرراً، وفتكاً بحياتهم إلى جانب ما ينتجه أبناؤه من عوامل محفزة للعنف والإرهاب بإسهامهم، وتغذيتهم استدامة الاضطرابات السياسية، والنزاعات المسلحة في بعض المناطق الملتهبة، وبدفعهم ببعض التيارات الدينية والسياسية والمجتمعية للاحتراب.
ولذلك يشدد المراقبون على ضرورة الحاجة الملّحة التي تفرضها الضرورات لإنقاذ البلد من الانزلاق إلى الهاوية بعد أن حذر بعض الخبراء من الانهيار الاقتصادي القادم، والإسراع بمراجعة الذات وتقويم مكامن الاختلال، وكسر حواجز الخوف، وفضح هذا الخطر، والآفة المجتمعية ونبذها مجتمعياً، ولتقّيم الأجهزة المختصة عملها، وإخفاقاتها، 
ويطالبون بوضع استراتيجية واضحة وفاعلة، تؤدي إلى توحيد جهود الجميع، وتضمن مشاركة كل الجهات ذات العلاقة وتشجيع التضحية والاستبسال، والرقابة الشعبية الفاعلة على أداء عمل بعض الجهات الحكومية سواء في مجال المحاربة، أو التجفيف، أو التوعية, والاصطفاف المجتمعي والتربوي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وان تضمن الاستراتيجية اتخاذ الإجراءات الصارمة لمعاقبة المتخاذلين في واجباتهم الأمنية، والمتعاونين مع عناصر الإرهاب والمترددين عن أداء واجبهم لمحاربته، والتصدي له بكل الوسائل كلٌّ من موقعه.
داعيين إلى تكاتف الجميع وأن لا يقف البعض متفرجاً أمام ما يحدث ليدرك أن ما تقترفه هذه الأيدي الآثمة من أعمال إرهابية ينعكس سلباً على اقتصادنا الوطني بحكم تداعياتها الاجتماعية والأمنية، بعد أن أصبح الإرهاب في اليمن كالسرطان قاتلاً يُدمر كل مفاصل الحياة، وصار خطراً، وطارداً للتنمية، وهنا لابد أن يقف المجتمع بأسره بكل حزم وقوة أمام هذه الفئة الضالة لضمان استقرار هذا الوطن.
 معتبرين الكيان الاقتصادي لا ينمو ويستمر في التطور والازدهار إلا في ظل استتباب الأمن، والمناخ المستقر، غير ذلك فإن استمرار صمتنا لا يُفسر إلا مساهمةٌ في تدمير اقتصادنا ومستقبل أجيالنا القادمة.
  • ثمن الابتسامة.. هندسة المستقبل
يؤكد الباحث والمهندس اليمني علي بن يحيى الحمدي إن هندسة الدولة ترتكز على مقومات " التنمية، والتشغيل والرعاية والتخطيط والتنفيذ والتقييم والتقويم، ومعرفة المشاكل والتحديات التي تواجه بناء الدولة وإيجاد الحلول المناسبة والعمل على تنفيذها", مشيراً إلى لهفة المواطن اليمني في وجود دولة قوية والنابعة من الواجب الأخلاقي في المشاركة بعملية البناء والهندسة ودعم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني..
الدكتور طه الفسيل،- أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة صنعاء- دعا إلى معالجة التحدي الاقتصادي، وقال إن القضية الاقتصادية اليوم تبدو غائبة عن المشهد السياسي، وهو ما أدى إلى الاختلالات القائمة.
 وقال الفسيل إن الأولوية الاقتصادية الأهم في هذه المرحلة هي الأمن، الذي يجب أن يتوفر، مشدداً على وجود الدولة وسيطرتها، مضيفاً "لا بد أن تكون الدولة المركزية قوية وباسطة سلطتها على أرض الواقع" معتبراً ذلك مع مبدأ الكفاءة في التعيينات أساسيات لمواجهة التحديات الاقتصادية.
وشخص مشكلة الاقتصادي اليمني في أنه غير منتج، بسبب انعدام القطاعات المنتجة عدا قطاع النفط والغاز، موضحاً أن مشكلة الاقتصاد اليمني هي "الريع" حيث أن الموارد الاقتصادية والمالية المتاحة محدودة جداً، وأصبحت السلطة هي مسطر الثروة، ما أدى إلى عدم حصول تطور سياسي أو اقتصادي.
ويشير الفسيل إلى أن إشكاليات الاقتصاد في اليمن، تكمن في اعتماده على النفط، فيما يعمل في قطاع الزراعة 70% من السكان، غير أنه قطاع أصبح غير منتج، أما القطاع الصناعي فإنه –حسب الفسيل- لم يساهم في خلق أيدي عاملة أو يتحول من اعتماده على الخارج إلى الصناعة التحويلية". مؤكداً أن الاستدامة المالية تمثل خطر يهدد الاقتصادي اليمني وينعكس بآثاره على سعر الصرف والتضخم ونسبة الفقر، خصوصاً أن الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 70% من الموازنة العامة.
وأمام الموارد المتاحة والمحدودة والاحتياجات البشرية المتعددة والمتزايدة، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء- الدكتور/ مصطفى المتوكل إن هناك موارد غير مستغلة، حاثاُ على استغلال هذه الموارد المتاحة استغلالاً أمثل، والإسهام في تطوير القطاع الزراعي ورفع مساهمته، الذي لا يسهم في الناتج المحلي سوى بـ14% بينما يستقطب 70% من العمالة, ويؤكد على مسألة الاستدامة المالية، داعياً الدولة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الموارد الحقيقية والدائمة.
الدكتور علي الزبيدي أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة صنعاء يعتبر الدولة الآن أنها تمثل العائل الاجتماعي الوحيد، مؤكداً على وجود إمكانيات للتحول من هذا الوضع. ويؤكد على أهمية التدرج في الحلول، واتخاذ أساليب ثابتة وواضحة وشفافة، والتركيز على التعليم، والصناعات، للتخفيف من مشاكل القطاع الزراعي الذي يواجه شحة المياه.
فيما عضو مؤتمر الحوار الوطني البرلماني "محمد صالح قرعة" أوضح أن التحدي الأكبر هو كيفية الوصول إلى اليمن الجديد، بعد فشل 50عاماً من المركزية التي لم تستطع أن تنقل اليمن إلى مستوى مقبول يخفف من نسبة الفقر. ويطالب بالتعمق في القضايا الاقتصادية حتى يتم وضع حلول ومعالجات حقيقية، محذراً من النظر إلى الأمور بسطحية تؤدي إلى تسطيح الحلول.
الباحث السياسي "عبدالحميد الحدي" أكد على إعادة النظر في السياسة المالية والنقدية، وكذا إعادة النظر في القطاع المصرفي، والالتفات إلى الخدمات الأساسية لتحسينها وتطويرها، وبالذات في قطاع التعليم والتوسع فيه، والصحة، وبقية الخدمات، كما دعا إلى إيلاء الجانب التعاوني أهمية كبيرة.
فيما يرى الباحث الاقتصادي منصور البشيري أن المشكلة الاقتصادية مشخصة بوضوح، وأن الإشكالية تكمن في التطبيق. ويلخص أولويات المرحلة في إعادة بناء الدولة، وإجراءات عاجلة من أجل تحقيق استقرار سياسي وأمني وتنفيذ حزمة إصلاحات واسعة، والانتقال إلى الحكم الرشيد، فيما الأولوية الثالثة تتمثل في دعم مرحلة التحول من الدولة المركزية إلى الدولة الاتحادية، لافتاً إلى أن المجالس المحلية على مدى 13 عاماً أخفقت، لغياب الأولويات.
ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار الدولي للتنمية- الدكتور/ عبد العزيز الترب إن اليمن بحاجة لأكثر من 15 مليار دولار للخروج من محنته الراهنة وحتى تعاود الابتسامة للمواطن ويشعر بجدية المخرجات. ويطالب دول الجوار تقديم العون السخي لليمن ووضع (5-10) مليار دولار كودائع لدى البنك المركزي اليمني دون اشتراط فوائد.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد