كثيراً ما تناول زملاؤنا الصحفيين والإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة موضوع الأسواق وسوء الوضع الصحي في أوساطها, لكن هذا التقرير مليء بمضمونه علامات استفهام ..؟ وتعجُّب ..!! سوق "البلدية" من أبرز الأسواق وسط محافظة عدن الكائن بمديرية كريتر, وهو ذو طراز عمراني قديم وبتصاميم هندسية بريطانية جميلة، حيث كان يعج بحركة المتسوقين والمتنزهين آنذاك، إلا أنه الآن بعد أن طال به الزمن قد انطفأ بريقه وتحول إلى سوق للجملة يعج بالعمالة بعد أن أتى أصحاب النفوس الجشعة الذين لا يهمهم لا تحفة ولا تاريخ فأصبح من جانب معسكراً للفئران ومدينة للحشرات المختلفة الأشكال ، ومنه الجانب الآخر من المبنى لبيع السمك, فهذا القسم حدّث ولا حرج ليس على وشك أن يكون بل فهو كارثة صحية بأم عينها, فالصورة في التقرير توضح الحقيقة وتكشف المأساة ..فخدماته تم إيقافها ولو نظرت إلى المبنى فستجده قد تهدّ وبات خطراً يهدد حياة الباعة والزائرين..


المشهد اليوم في هذا السوق وصمة عار في جبين المجلس المحلي فرائحته تزكم الأنوف وذاك الأخر ممر العبور أو "الدرج" فقد غدا حوضاً لمياه المجاري وأحدثت توالد لمستعمرات من البعوض وقد تعودنا منذ الصغر ورسوخ أذهاننا على معالم وصروح مختلفة من الفن والأدب والسياسة والمجتمع والتاريخ وغيرها والتي باتت تشكل معلما مهما من معالم عدن لا بل اليمن برمته، ومن تلك المعالم السياحية والتراثية الأصيلة هي سوق "البلدية" في العاصمة الاقتصادية عدن، فهي قِبلة للسياح من داخل البلاد وخارجها التي أغنت اليمن بتاريخها وأمجادها الأصيلة .. لكن الحالة التي وصلت إليها اليوم يُرثى لها .. حتى المواطنون وبالأخص النساء قاموا بمقاطعة دخول هذا السوق, بل يأخذون متطلباتهم من الساحة الخارجية له, وكذلك الباعة ..

وما من شك في أن معظمنا قد زار سوق "البلدية" والذي يُعد من الأسواق التراثية العريقة والقديمة في عدن والذي كان في يوم من الأيام خانات ومحطات لنزول المسافرين والأشخاص والبضائع داخل السوق الذي هو عبارة عن خانات وممرات صغيرة وكبيرة يمتد تاريخها إلى أيام الاحتلال البريطاني داخل عدن , وكانت تُضرب به الأمثال لكثرة الضجيج والصخب ويعج بالسياح الأجانب والزوار الذين يحملون معهم القصص الجميلة عنه، ويتجولون في داخله وتتربّع في أبصارهم الدهشة ممّا يرون من تصميم قديم ...

ولكن الملفت للنظر ومن خلال جولاتنا المتكررة في هذا السوق وغيره من أسواق عدن ، ومع الأسف الشديد فقد أصبح اليوم ساحة مفتوحة بلا قيود أو شروط أو ضوابط ؛ لكي يحتفظ بماضيه المتجانس مع الحاضر حيث نجد حالته كل يوم تزداد سوءاً .. واقع هذا السوق الذي لا يحتاج لكتب ومراسلات ومخاطبات ولا يحتمل الانتظار، بإيجاد حلول سريعة للحفاظ على ما بقي دون تلوث حتى ولو بالجزء البسيط سواءً ما يتعلق بالصحة العامة أو البيئة ومن عدم اهتمام هيئة النظافة بنقل النفايات منه جعل الروائح الكريهة تنبعث منه آناء الليل وأطراف النهار.
مبالغ هائلة لا ندري أين تذهب

«أخبار اليوم» اتجهت الى مركز البلدية وصندوق النظافة تحسين المدينة بعد شكوى عدد من المواطنين والباعة من أصحاب البسطات من انبعاث ورصدت :

وجدي أحمد عبدالقادر عضو مجلس محلي لمديرية صيرة تحدث إلينا قائلاً: الأمانة تفرض علينا اليوم أن ندعو السلطة في المديرية إلى صحوة ضمير تنظر إلى واقع الناس بعيدا عن الكذب والتلاعب بالألفاظ وقلب الحقائق ،سوق "البلدية" في مديرية كريتر تحفة معمارية أصيلة وتراث لحضارة البلد فقد جماله ونحن نتحدث عن ملايين لا نراها على الواقع ، لهذا فليتقِ الله من يقف على هذه المديرية ويعيد الاتزان ويسعى لفك شفرة المشاريع الغائبة وكشف الحقائق ، قبل أن تتكشف لوحدها في قادم الأيام.

وتابع: صحيح أن هناك البسطاء من الناس الذين يفترشون بسطاتهم على الشوارع نحاول إبعادهم من الشوارع لعدم عرقلة السير وتشويه المنظر الجمالي للمدينة وعدم تكدس القمامة .. ولو أتينا للحقيقة الجهات المسؤولة هي من تتحمل نتائج هذه الأخطاء؛ لأن المواطنين يفضلوا الشراء من هؤلاء أصحاب البسطات لأن السوق محطم صحياً للأخير فيمتنعون منه ... لأنه إذا كان سوق "البلدية" نظيف ومرتب وعليه رقابه فبدون أن نتعب أنفسنا, هؤلاء أصحاب البسطات سيضطرون اللجوء إلى داخله ..

وقال : نحن اليوم في السلطة المحلية نطالب بوقفة جادة مع كل ما يخص المواطن وعدم الاهتمام بالجانب السياسي وترك المواطن في أدراج النسيان، ففي ظل المزاعم التي يقال فيها إنها مساحة لإعادة النظافة للمديرية ، هناك من يرقص على حبال الفوضى ويجني ما ليس له فيه حق ، فهناك من يفرض على أصحاب المحلات مخالفات " عوائق" وأصحاب البسطات وما إلى ذلك, فمديرية صيرة تدخل مليارات وكذا غيرها من المديريات مبالغ خيالة ولا ندري أين تذهب ولأي جهة وهي مبالغ كبيرة عطفا على ما يتم من مخالفات ، إضافة إلى غياب الكثير ممّا تحتاجه المديرية " التي تكاد تكون منكوبة" وهناك من يتحدث وكأنه يتحدث عن مديرية أخرى ، ومن أراد أن يتأكد فليحضر ويرى بأم عينيه كيف هو سوق "البلدية" الذي أصبح ملاذا للزواحف والحشرات الضارة التي تهدد حياة الناس وكذا سوق القات ، دون أي وقفة لتغيير الحال إلا من خلال التصريحات التي لا تمت للحقيقة بأي شيء.

شخص من صندوق النظافة وتحسين المدينة فضّل عدم ذكر اسمه باشر بالحديث من قولة: في بداية حديثي لا أنكر أننا أحد المسؤولين في المديرية حول تحسين النظافة وواحداً من المستائين بنفس الوقت ولا أخفيكم أيضاً ما وصلت إليه عدن من سوء في النظافة, وهناك إهمال متعمّد وتغاضٍ مُخزٍ ولكن اليد الواحدة لا تصفق وفي هذا الوقت إذا قام الواحد يعمل نفسه قانوني توجهت التُّهم عليه والعداوات الباطنية من بعض المعنيين بالأمر ولو فيه قانون أصلاً فلن أطلب منك عدم ذكر اسمي وسأعطيكم صورتي الحلوة لكن الوقت مختلف.

وصب جام غضبه على المجلس المحلي حيث قال: المجلس المحلي يستنزف الموارد المالية الخاصة بالمديرية، وإدراجها كموازنة تشغيلية للمجلس ، وإنفاقها في إرضاء بعض النافذين، بينما تُعتمد بعض المشاريع الصغيرة بمبالغ كبيرة.. هذا ما يراه, مضيفا: إن المجلس المحلي يقوم بصرف مبالغ تحت مسمى مساهمه المجلس لأكثر من مرة على مشاريع متعثرة، وربما فاشلة وإن كل همه ينحصر في جمع أكبر قدر من الموارد المالية عن طريق الرسوم والضرائب وبيع الأراضي، لافتاً إلى انه ليس من المنطق أن يكون سوق تاريخي أثري أن يصل إلى هذه الحالة .. وإذا كانت الأسواق الأخرى في عدن تشهد في كل فترة ظهور الحالات المرضية الحادة فسوق "البلدية" يتميز بقالبه المشكل في تلك الهندسة المعمارية الأنيقة ومصمم لكل المهن المختلفة للبائعين, لكنه الآن أصبح محتكراً لبسطات الخضرة لشخص أو لشخصين فقط وباقي الباعة يتم استفزازهم من قبل مأمور المديرية بين الحين والآخر والجهة الأخرى لبيع الأسماك الذي يشهد تردياً في البيئة وذلك بسبب ركود المياه التي لم تجد مصارفَ تذهب بها بعيداً من وسط السوق, بالإضافة إلى عدم أخذ مخلفات الأسماك والأشياء التي لا تؤكل منها, تبقى في السوق كما هي ..

أيمن أحمد علوان له وجهة نظر يقول: أنا من مواطنين مديريه كريتر مستاء من سوق "البلدية" الذي بكريتر وذلك لعدم الاهتمام فيه من الناحية النظافة ورش المبيدات الحشرية وهذا يُضر بنا كمواطنين من أمراض مثل حمى الضنك والملاريا وأمراض أخراي أناشد الجهات المعنية صندوق النظافة وتحسين المدينة وكذلك صندوق المجلس المحلي ومأمور مديرية صيرة بسرعة النظر لهذا الموضوع كونه يضر بصحة المواطنين.

اشتكى المواطنون المجاورون لسوق "البلدية" لـ"أخبار اليوم" من الواقع المعيشي الصعب لهذا السوق وأبدوا استياءهم الشديد من سوء النظافة ومن الحالة التي وصل اليها هذا السوق والذي وصفوه بالقنبلة الموقوتة المبشرة بكارثة صحية تلتهم صحة أبناء المديرية - حد قولهم - وأنهم يحمّلون كامل المسؤولية الجهات المختصة بهذا الجانب وعلى رأسهم مسؤولو النظافة على هذه المديرية , وقالو: إن هذا السوق يلتصق بسوق القات ويتوافد الناس جميعاً اليه ويأخذون بعض متطلباتهم من هذا السوق ولكونه بات يسبب خطراً على صحتهم ...

وعلى السياق ذاته شكا أولئك المواطنون الذين يسكنون في الدور الثاني من سوق "البلدية" وقالوا: نحن ساكنين منذ وقت طويل في هذا السوق في الدور الثاني له لكن كل يوم وحالته تزداد خطراً على صحتنا بالأول؛ لأننا نسكن في نفس المبنى ومن ثم فإن المبنى سوف يتهدم في يوم من الأيام , فهو من عهد البريطانيين ولم يتم ترميمه أو تجديده رغم مطالبتنا وكذلك الصحة فيه, فنحن نعاني من ذلك اشد المعناة من انتشار روائحه الكريهة وأصبح مسكننا لا يخلو من الفئران والحشرات والبعوض وما الى ذلك ... فنحن نحمّل مسؤولة ما سيحصل لنا مأمور المديرية والمجلس المحلي 
ولأصحاب البسطات حديث

سد رمق الحياة، وكسب القوت ليومي لأبنائي"، بهذه الكلمات بدأ الحاج الخمسيني من تعز لكنه يمتلك بسطة متواضعة في عدن من الخضروات بجوار هذا السوق عاجز عن المشي ويعول أسرته وراضياً بما كتبه الله له ، حيث اعتاد أن يذهب صباحا إلى سوق "البلدية" وينتهي وقته العاشرة في الليل ليسوق منتجاته التي معرضة للتلف بأسرع وقت؛ لكونها خضروات مدتها يوم واحد ويقول بعد أن طلب مننا عدم التقاط صورة له وعدم ذكر أسمه خوفاً من ابتزازات أصحاب البلدية .. أفرغ من جوفهِ كلمات حارة .. في مضمونها أن الكثير من الشباب يأتوا ليفرضوا عليهم إتاوات وهم كثير لا نعرف أي منهم تابع للمأمور مدير البلدية في المديرية ولا نعرف أياً منهم بلاطجة .. كلهم يأتون بالقوة كل يوم واذا لم نعطيهم فلوس يجعثوا البسطة حقي وكذلك أصدقائي نفس المعانة

وحيث يواجه البائعون في محيط الأسواق وساحاتها الخلفية محنة الحصول على قوتهم اليومي، وقيام البلدية بقيادة المأمور في المديرية بمنع مئات من أصحاب البسطات من البيع في هذه الأماكن، بحُجّة أنها تعرقل حركة السير وتُخل بنظام وانضباط السوق ولم يتردد أفراد المأمور بطرد أصحاب "البسطات" وهم البسطاء من الناس الذين وصل الحال بالعديد منهم إلى العودة إلى منازلهم والتوقف عن العمل في هذه الفترة، بعدما صُدِموا بمستوى ردة فعل أفراد البلدية

وأبدى البائع م. ع .س انزعاجه الشديد من تعنُّت وتشدد أفراد البلدية مع الباعة ومنعهم من التواجد في الساحة الخلفية لسوق "البلدية"، أوعلى جانب الشارع موضحا أنهم صادروا ميزانه أو بسطته التي يلف عليها طربال أزرق ويتركها في الليل ليستيقظ في الصباح لتوفير لقمة العيش من هذه "العربية" التي تُعد مصدره الوحيد لطلب الرزق له وعائلته التي تركها من أجل توفير ما يسد رمق الحياة هو ومن أمثاله أبناء عمه الثلاثة وهم من محافظة إب ويعملون بنفس المهنة .. إلا انهم تفاجؤوا بعدم وجود "عربيته" فعرف أنه المأمور؛ يقول:" فذهبت الى مكتبه العديد من المرات لكنه رفض أن يعيدها لي, وأردف بقوله: ما يوجع القلب ويبتز الضمير الإنساني أن المأمور عندما طالبنا بإعادة عربياتنا, أبدى لنا بصريح قوله أرحلوا من عدن وارجعوا بلادكم وهذا يعني أنه لا يبحث نظام وما إلى ذلك .. ولكنه تعصُّب علينا بشكل واضح.

وهذا آخر من محافظة ذمار في الخمسينيات من عمره غادر السوق يائساً ومُحبطاً لا يعرف ماذا سيفعل إذا أصرت البلدية على مواصلة منعه من التواجد في محيط السوق والعودة إليه مجدداً, وسيطرت الحيرة عليه وقف لبرهة من الوقت يفكر بما سيفعله بأكثر من صندوق من الخضراوات، قد تتلف إذا لم يتمكن من بيعها خلال ساعات ولا يعرف ماذا سيفعل إذا ما أصرت البلدية على منعهم من العودة إلى السوق .. ويقول: أينما أحل أنا وبسطتي يوجد من ينكد صفوي .. يوجد شباب ليس لديهم بطائق أو أزياء عسكرية ويدّعون أنهم من أفراد البلدية ويأخذون علينا إتاوات كل يوم وإذا لم نعطهم يفرضوا علينا بالقوة باستخدام العبث في خضرواتنا ... و"يضيف" اشتكينا إلى المأمور؛ ولكن لا حياة لمن تنادي فهو بنفسه من ينزل الينا ويعبث بنا وبلهجة التعصُّب ضدنا؛ لكوننا من المحافظات الشمالية.

بينما "أخبار اليوم" في حديث مع الباعة تنقل الواقع الحقيقي للمأساة الحقيقية التي خيمت على سوق "صيرة" جاء أحد الأفراد ممّن ينسبون أنفسهم إلى البلدية والتابعين للمأمور, وبصورة غير أخلاقية باهتة واستفزاز مُفجع متضجراً على أدواتهم والرمي بها والعبث بما يملكون ونحن نسأل عدداً من الباعة الذين يفترشون بسطاتهم على دكة متصلة لمبنى السوق (صيرة) وهي الطريق المؤدية إلى داخل السوق؛ لكنهم تاركين فُسحة للعابرين ,علماً بأن السوق خالٍ من الباعة إلا ما ندر .. واصلنا معهم الحديث بسؤاله: من هذا وماذا يريد منكم ؟ .. فكانت الإجابة واحدة والشكوى والمعانة شبيهة حيث تحدثوا: يريدنا أن ندخل داخل السوق نبتاع والمواطنين لا يأتون إلى داخل هذا المبنى؛ لكونه قديما ويتساقط على الناس ويهدد حياة الناس بالخطر ورائحته جيفة بسبب إهمال النظافة وتراكم القمامة فيه وكما أن السوق عبارة عن ممرين يحتجزه أربعة أنفار فقط الواحد عنده عشر بسطات .. وإن نزلنا الشارع أخذوا عربياتنا وليس لدينا سوى أن نتحمل, وحسبنا الله.

أعرب عدد من مرتادي الأسواق بمحافظة عدن خلال التقائهم بـ"أخبار اليوم" عن قلقهم وامتعاضهم الشديدين إزاء هذه الظاهرة التي تلوح بخطرها على صحة المواطن واحتمال وقوع كوارث بيئية وسط الانتشار الفظيع للأوساخ والنفايات في معظم الأسواق التي تفتقر لأدنى شروط السلامة والوقاية .. وأضافوا: لا تخلوا الأسواق من صرف ميزانية لها وبالذات الاهتمام بالجانب الصحي .. ولكن في واقع الأمر ليس لها أي أثر وعندما تتباطأ الجهات المعنية داخل الدولة في القيام بدورها تتولد الكارثة وإحدى هذه الكوارث والتي تحلق في الأُفق هي كارثة بيئية في سوق "صيرة" بكريتر