أحواش للقتل والتعذيب طالت نساءً وأطفالاً

عصابات منظّمة من إفريقيا واليمن والخليج تمتهن الابتزاز والتعذيب بحق الأفارقة

2014-03-16 08:48:25 تقرير/ فتحي الطعامي


باتت ظاهرة تعذيب واحتجاز الأفارقة القادمين إلى اليمن (أثيوبيين– صوماليين– سودانيين و..إلخ) تتزايد بشكل كبير ومُخيف وذلك بتزايد أعداد المتدفّقين إلى اليمن عبر الشريط الساحلي ... فهؤلاء الأفارقة الهاربين من الموت في بلدانهم أو الراغبين في تحسين وضعهم المالي يقعون فريسة لدى عصابات منظّمة ونافذة تعمل على إرسالهم إلى اليمن عبر وسطاء واستقبالهم منذ وصولهم – عبر آخرين - إلى اليمن ومن ثم احتجازهم في أحواش بعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان وهناك يتم تعذيبهم بأنواع عديدة ومتنوعة؛ بهدف ابتزازهم ماليا, لتصل بعض حالات التعذيب إلى حد الموت كما تُثبت ذلك الوقائع..


وبالرغم من أن الأجهزة الأمنية في محافظة الحديدة تمكّنت في الفترة الماضية من مداهمة بعض أوكار تلك العصابات وتحرير المحتجزين من الأفارقة إلا أن هذا الإجراء الأمني أو المداهمات القضائية لم تحد من هذه الظاهرة كون تلك العصابات تسترزق من هذا العمل والذي يدر عليها مبالغ مالية كبيرة من قبل الأفارقة مقابل الإفراج عنهم وتعمل بطريقة منظمة ومترابطة بشكل وثيق من بلدان الهجرة حتى وصولا على الدول الخليجية.. حكايات وقصص مؤلمة لهؤلاء الأفارقة الذين استطاعوا التخلص من قبضة تلك العصابات توضح بشاعة ما يمارسه أفراد تلك العصابات بحق هؤلاء الأفارقة العزل ( الهاربين من الموت ليصبحوا بيد القتلة )
تدفق كبير

يتدفق الأفارقة بشكل كبير إلى اليمن لأسباب عديدة إمّا هرباً من الصراعات المسلحة في بلدانهم أو رغبة في الحصول على مصدر رزق في الدول الخليجية أو اليمنية وهذا التدفُّق يزيد الأوضاع الاقتصادية في اليمن سُوءاً وتدهوراً, خاصةً في الفترة الحالية والتي تعاني فيها اليمن من مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية ساهمت في تدهور الوضع المالي للدولة؛ ممّا جعلها غير قادرة على الإيفاء باحتياجات المواطنين اليمنيين ناهيك عن غيرهم . .. وتفيد التقارير الرسمية والدولية بأن اليمن بات يعاني كثيراً جراء الأعداد الكبيرة التي تستقبلها أراضيه من هؤلاء الأفارقة الداخلين الى اليمن بطريقة غير قانونية .. وهو ما دفع الجهات الرسمية وفي مقدمتها رئيس الدولة يطالبون بالوقوف مع اليمن أمام هذا التدفُّق من جيوش المُعوَزين الأفارقة.. ناهيك عن الأفارقة القادمين إلى اليمن باتوا يشكّلون مشكلة أمنية وسياسية ومالية مؤرّقة لليمن..

بيد أن هؤلاء الأفارقة الذين يتدفقون إلى اليمن عبر البحر ويلقَى البعض منهم حتفه إما في البحر أو في الطرقات السريعة, لا يدخلون جميعهم اليمن بطريقة عشوائية, فالبعض منهم يقومون بالاتفاق في بلدانهم مع عصابات على صلة بعصابات أخرى في اليمن والسعودية .. يتم الاتفاق على أن يدفع هؤلاء الأفارقة مبالغ مالية كبيرة لهذه العصابات مقابل إيصالهم إلى السعودية والتنسيق لإيجاد عمل لهم .
معاناة منذ الانطلاق

وبالرغم من إيفاء المواطنين الأفارقة الراغبين في السفر عن طريق تلك العصابات بدفع مبالغ مالية كبيرة تقدر بـ مليون ومئتي ألف جنيه سوداني أي ما يعادل 250 ألف ريال يمني كما يفيد بذلك عمر محمد حسن (50 عاماً نيجري الجنسية) إلا أن تلك العصابات باشرت باحتجازهم منذ أول لحظة في السفر. يقول حسن القابع الآن في السجن المركزي بالحديدة بانتظار ترحيله :"تم دفعنا بأعداد كبيرة في قوارب صغيرة وتعرضنا للضرب والتنكيل في البحر وهذا الضرب لم يُعفَ منه النساء والأطفال الذين كانوا معنا...".

ويضيف:" وعند وصولنا إلى ساحل اليمن في منطقة قريبة من الُّلحَية تم تسليمنا إلى عصابة أخرى والتي قامت بوضعنا في حوش بعيد عن القرى وقامت بطلب مبالغ مالية مقابل إيصالنا إلى السعودية (5000ريال سعودي) وعند إخبارهم بأننا دفعنا المبالغ إلى أصحابهم في السودان قاموا بضربنا بالخشب والسلاسل وإهانتا وربطنا على الأشجار لمدة أسبوع ووصل الأمر إلى تعذيب امرأة نيجيرية أمام طفلها حتى فارقت الحياة".

ويطالب حسن الذي لا يجيد اللغة العربية إلا عبر مترجم سوداني بإعادته الى دولته بشكل سريع ولا يريد الاستمرار في رحلة الذهاب الى المملكة العربية السعودية بل إن كل ما يريده اليوم هو العودة الى أهله وأبنائه وهو حي يرزق ..
أحواش التعذيب

عشرات الأحواش التي تمّت مداهمتها من قِبل الأجهزة الأمنية والقضائية خلال العام المنصرم تم تحرير المئات من الأفارقة (سودانيين – صوماليين – كينيين – نيجيريين ...) من قبضة هذه العصابات لكن ما يجري داخل هذه الأحواش الموجودة في العديد من مديريات الحديدة لا يمكن أن يتصوره عقل, فأساليب التعذيب وصلت إلى استعمال مادة الأسيد الحارق للجلد كما هو الحال مع المواطن الصومالي آدم عبدو والذي أحرقت يديه بالأسيد أثناء عملية التعذيب . وعشرات الحالات التي سُجِّلت فيها عمليات التعذيب والتنكيل بحق هؤلاء المواطنين المُغرّر بهم من قبل عصابات لا تخاف الله ولا تخشى القانون, بل إن هناك العديد من حالات القتل ومفارقة الحياة تحت وطأة عمليات التعذيب ..

لكن وبسبب الترتيب المحكم لتلك العصابات وأفرادها واختيارهم مناطق شبه صحراوية في المديريات الساحلية في محافظة الحديدة - لممارسة النزعة الإجرامية لديهم بحق اشخاص هم من بني البشر – واتّساع رقعة الشريط الساحلي وقِلّة الحالات التي يتم اكتشافها وضعف القدرات الأمنية في تتبُّع أو كشف هذه الأحواش إلا في النادر – في حال وجود بلاغ من قِبل مواطنين أو هروب بعض أولئك المحتجزين؛ ليتم في حينها تحرُّك الجهات المسؤولة الأمنية أو القضائية منها ..
بين العصابة والدولة

وبالرغم من تحرير الأفارقة من يد العصابة إلا أن هذا التحرير لم يكن نهائياً للمجني عليهم, وكما هي العادة يتم إيداع الأفارقة السجن المركزي بالحديدة تحفُّظاً أمنياً حتى يتم ترحيلهم إلى بلدانهم. ففي الوقت الذي مكث فيه الأفارقة في أحواش تلك العصابات لأكثر من أسبوع؛ هاهم اليوم يقبعون داخل السجن المركزي لأكثر من شهرين بسبب عدم قدرة الدولة على ترحيلهم وإرجاعهم إلى بلدانهم.

وكيل نيابة السجون بالحديدة القاضي فؤاد المقطري قال: (نحن نعاني في السجن المركزي بالحديدة جراء تسلُّمنا مجاميع الأفارقة بمختلف جنسياتهم وأعمارهم فالسجن المركزي في الغالب يوضع فيه أصحاب الأحكام القضائية بما فيهم أصحاب الجرائم. وقال: نحن نستغرب أن يتم حجز هؤلاء الأفارقة الذين كانوا يعانون التعذيب والتنكيل , بينما لا يتم ضبط العصابات المتهمة بعمليات الاختطاف والاحتجاز والتعذيب والقتل, فعلى الدولة أن تقوم بمسؤولياتها في ضبط تلك العصابات). وأضاف القاضي:" للأسف أن هؤلاء الأفارقة يتم التعامل معهم كأشخاص دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية ولا نتعامل معهم كمجني عليهم ينبغي أن يتم التعامل معهم بجانب إنساني وأن يتم ترحيلهم إلى بلدانهم بصورة سريعة".

وعن الفترات الطويلة لبقائهم في السجن قال القاضي المقطري: إن الجهات الرسمية هي المسؤولة بالتحفُّظ عليهم وإيداعهم السجن, هي المسؤولة عن ترحيلهم ومع ذلك فقد قمنا بتوجيه العديد من المذكرات والمراسلات إلى العديد من الجهات حتى تتم عملية إرجاعهم إلى بلدانهم لكن في الغالب أن عملية الترحيل وإعادتهم إلى بلدانهم تتم عبر منظمات معنية بهذا الجانب وهي التي تتكفل مالياً بإرجاعهم إلى بلدانهم. هذا التحفُّظ على هؤلاء الأفارقة وغيرهم في السجن المركزي يستمر في بعض الأحيان إلى عدة أشهر وهو ما يزيد من معاناتهم.
عصابات ونافذون

بطريقة منظّمة ومترابطة يمارس أفراد هذه العصابات أعمالهم التي تطال الأفارقة الراغبين في الهجرة.. وبما يشبه الشبكة المنظمة في العديد من الدول الأفريقية ومروراً ببعض أصحاب القوارب و بالتنسيق.. كما يقول هؤلاء الأفارقة من الراغبين في السفر – مع بعض أفراد ينتمون إلى جهات رسمية وأمنية ووصول إلى الشريط الساحلي لليمن.. وفي هذا الشريط يوجد العشرات من أماكن الإنزال من الخوخة جنوباً وحتى ميدي شمالاً ويتعامل أفراد هذه العصابة بطريقة مخابراتية حتى يتم معرفة مناسبة هذا الموقع أو ذاك لعملية إنزالهم الأفارقة فيه وعن غياب الجهات المعنية من البحرية وخفر السواحل عن طريق عيونهم الممتدة في هذا الشريط الساحلي ومن ثم تتم عملية تسليم مجاميع المسافرين إلى عصابة أخرى تكون موجودة بالساحل اليمني تتم بعد ذلك وضعهم في أحواش استعداداً لمواصلة عملية السفر براً؛ إن هم دفعوا ما يُفرَض عليهم من مبالغ مالية ومع سفرهم البري يتم تداولهم عشرات المرات لعصابات ممتدة في المديريات الساحلية وهكذا حتى يتم إدخالهم إلى المملكة السعودية. هذا الترابط والتنسيق بين هذه العصابة يؤكد وجود شبكة شبه دولية تعمل على عملية القيام بهجرة هؤلاء الأفارقة في العديد من الدول, ناهيك عن الطريقة الوحشية التي يُعامَلون بها أثناء قيامهم بهذا العمل..
خرق القانون

ربما كان ضعف القدرات والإمكانات لدى الدولة هو ما تسبّب في تزايد هذه المشكلة, إضافة الى الأوضاع المتدهورة في البلاد, بيد أن حالات نادرة وشاذة تحصل تكشف عن وجود تواطؤ من قبل أفراد ينتسبون لأجهزة رسمية أو أمنية مع تلك العصابات .. ما جرى مع عضو نيابة الزيدية يحيى شوعي والذي توجّه الى أحد الأحواش التي كان يتم فيها احتجاز عدد من الأفارقة– كما توضح ذلك الوثائق – ليقوم باتخاذ الاجراءات اللازمة إلا أنه وأثناء ممارسته عمله القضائي تفاجأ [كما تفيد بذلك الرسالة الموجهة من النيابة الى الأمن] بوجود أطقم عسكرية تطالبه بالخروج فوراً من ذلك الحوش وتطلق بعض العبارات النابية التي تطال عضو النيابة والجهة التي يعمل معها عبر مكبرات الصوت وتهديده باقتحام الحوش وإخراجه بالقوة إن لم يفعل, ليقوم عضو النيابة بمغادرة المكان حفاظاً على نفسه وتُحرر النيابة مذكرة الى الجهات الأمنية توضح فيها ما جرى وتطالب بضبط الجناة من عساكر النقطة !!!
إدانات مجتمعية

منظمة تهامة الشعبية في الحديدة أدانت في بيان لها ما يُمارَس بحق هؤلاء الأفارقة من عمليات تعذيب وتنكيل تجاوز ما يمكن أن يتصوره عقل.. وقالت المنظمة في بيان لها: إن ما يُمارَس بحق هؤلاء الأفارقة [والذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية ] يُعد عملاً غير إنساني وغير أخلاقي وعلى الدولة والجهات المعنية فيها التحرُّك السريع لضبط أفراد تلك العصابات ومن يقف وراءها والعمل على إيجاد حلول ناجعة للحد من عملية تدفُّق الأفارقة إلى اليمن ..

وأدنت المنظمة تساهُل الجهات الرسمية في الدولة مع قضايا القتل التي طالت هؤلاء الأفارقة على يد عصابات تجرّدت من الإنسانية والقيم والأخلاق .. دون أن يتم ضبطهم وكشف ذلك للرأي العام؛ لينالوا جزاءهم العادل حيال ما ارتكبوه من ممارسات إجرامية – حد وصف البيان.. كما طالبت المنظمة من الدولة الاستعانة بالمنظمات الدولة والسفارات التي ينتمي إلى بلدانها هؤلاء الأفارقة ليتم إعادتهم إلى بلدانهم بأسرع وقت..

وبالرغم من الجهود التي تبذلها الجهات الأمنية في محافظة الحديدة في الحد من هذه الظاهرة وفي إطار إمكاناتها المحدودة وما يبذله القائمون على السلك القضائي وكذا منظمات المجتمع المدني إلا أن الأمر يحتاج الى إرادة سياسية وتوجُّه دولة للحد من هذه الظاهرة ومحاسبة القائمين عليها وكذا ايجاد إجراءات من شأنها حماية الشريط الساحلي من هذا الطوفان الأفريقي المتدفِّق على اليمن من وراء البحار..

بأي ذنب قُتلت

لم يكن حسن النيجيري هو الوحيد في هذا الحوش, بل كان هناك العشرات معه من النساء والأطفال الأفارقة الذين يعانون جراء وقوعهم في أيادي عصابات لا تخشى الله ولا تخاف القانون بل أن الشريط الساحلي لمحافظة الحديدة يوجد به عشرات الأحواش تم مداهمة البعض منها. فالطفل أحمد البالغ من العمر 10 سنوات نيجيري كانت مأساته أكبر وحُزنه كبير, فالطفل أحمد والذي غادر موطنه برفقة والدته قاصداً السعودية بهدف تحسين وضعهم المالي لم يكن يعلم أنه سيفارق أقرب شخص إلى نفسه وسيصبح وحيداً في بلد لا يعرف فيه أحداً.

تحدث إلينا أحمد عبر مترجم: (لم أستطيع أن أترك أمي تغادر بدوني إلى السعودية وأجهشت بالبكاء حتى اقتنعت بأن تأخذني معها لكن ما جرى لأمي من قبل العصابات كان قاسياً جداً, حيث كان يتم ضربها بالعِصي والأيدي والأرجل طوال الأيام والليالي وهي كانت تبكي, كانوا – العصابة – يلقون علينا الماء البارد أثناء نومنا, ربطوا أمي في الشجرة يوماً كاملا, وكانوا يطالبوننا بدفع مبالغ مالية وعندما أفدناهم أنه لا يوجد معنا فلوس قالوا اتصلوا بأهلكم في نيجيريا أو السعودية يرسلوا لكم فلوس, أخبرناهم أنه لا أقارب لنا في السعودية كما أننا خرجنا من بلادنا بسبب الفقر.

ويقول: هناك استمروا في تعذيب أمي بصورة مستمرة وفي ليلة من الليالي قاموا بربطها في شجرة وضربوها طوال الليل وقبل الفجر قاموا بفك الحبال وفي حين غفلة غادرت أمي وأخذت بيدي إلى خارج الحوش ومشينا طويلاً وقبل وصولنا إلى قرية سقطت أمي على الأرض وطلبت مني أن أسامحها وماتت وهناك جلست أبكي وأصيح حتى تجمّع الناس وأخذوا أمي وجاءت الشرطة وذهبوا إلى الحوش وحرروا من كانوا فيه, لكن لم يقبضوا على العصابة. ويضيف:" أنا أشتي أرجع إلى بلادي ما في معي هنا أحد, الله لا يسامح العصابة التي قتلت أمي, الله يقتلهم".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد