فساد تربوي بالجملة، ومديرية التعزية هي النموذج، هناك إحصائيات كشفتها "أخبار اليوم "من مسؤولي مكاتب التربية والتربويين في المحافظة، فقد بلغ عدد القرارات الخاصة بالتوجيه 400 قرار منذ عام 2013م حتى 2011م معظمها جاءت بالشراء المباشر وبعضها بصفقات سياسية دارت في كواليس السلطة المحلية بالمديرية وبإيعاز من المكتب المسؤول مما جعل نزوح التخصصات المطلوبة أثراً سلبياً على التعليم ويظهر ذلك نقص في التخصصات العلمية المطلوبة التي تعاني منه مدارس المديريات، حتى تحولت القرارات المركزية صفقة لمن يدفع ومن يبادل وبالتالي تحولت الحياة التربوية منفذاً آمناً للفساد التعليمي ..

فساد بالأرقام .. التعزية هي الأولى 

شهادات تربوية من مختلف مديريات محافظة تعز تؤكد أن ظاهرة النقل والقرارات الغير قانونية فتحت نافذة واسعة لمعلمي مدارس المديريات للنقل أو حتى البحث عن قرارات للتوجيه كنوع من الهروب من أداء الرسالة الوطنية ..

البداية مديرية التعزية التي تعاني مدارسها من النقص بسبب العدد الكبير من المدرسين الذين تركوا التعليم وانتقلوا إلى التوجيه, حيث بلغ عدد الموجهين في مجال الأنشطة إلى (104) موجهين بالإضافة إلى (83) موجهاً في مجال الإدارة المدرسية و(175) موجهاً في الرقابة والتفتيش, و في التوجيه الفني بلغ عددهم ما (162) موجهاً، توضيح هذه الارقام أكدها رئيس قسم التوجيه التربوي بمديرية التعزية أحمد مغبش ،محملاً مدير التربية بالمديرية ومدير عام المديرية وكذلك مدير مكتب التربية السابق إشكالية ما أسماه التفريغ للميدان المدرسي, وكشف عن أن ما يقارب 200 معلم انتقلوا من المدارس خلال عام ونصف بينهم معلمون من ذوي التخصصات العلمية.

 وأشار مغبش بعد المسح الميداني قمنا برفع تقرير لمدير التربية بالمديرية وصفوا فيه تفريغ المدارس من المعلمين بالأمر العبثي وخيانة للوطن وأبلغوه في حال عدم معالجة ذلك فإنه سيتم الإضراب عن العمل إلا أنهم لم يلقوا استجابة حتى الآن.

000’80 ريال مقدماً  

يقول محمد عثمان- مدير مدرسة النور الثانوية في مديرية السلام- إن سبعة من مدرسي المدرسة انتقلوا هذا العام إلى التوجيه بينهم اثنان يحملون مؤهل بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وعوضاً عنهم تم الاستعانة بمدرسين من ذوي التخصصات الدنيا لتغطية العجز وأكد أنه لم يتم إخلاء طرفهم من قبل المدرسة وكشف أن هناك عشرة مدرسي آخرين يستعدون لمغادرة المدرسة إلى التوجيه خلال العام القادم بحصولهم على خطوط سير بطرق غير شرعية وبسعر 80ألف ريال لكل خط سير.

 وبلهجة التفاوض أخبروني.. على شانك سنكمل هذا العام أما العام القادم فسنغادر المدرسة" , وناشد عثمان باسم إدارة المدرسة وأهالي المنطقة مدير مكتب التربية بالمحافظة بوقف عملية نقل المدرسين وإلغاء التكاليف التي بحوزتهم. 

موجهين بلا إخلاء طرف

وكيل مدرسة الفاروق الأساسية والثانوية بمديرية التعزية/ عبد الرحمن سلطان قال بأنهم تفاجؤوا بالقرارات التي أحالت معلمي من ذوي الاختصاصات المهمة في المدرسة إلى التوجيه دون علم من الإدارة معتبراً أنها محكومة من قبل إدارة التربية والمجالس المحلية في المديرية وحملها مسئولية العبث بالتعليم ما أدى إلى وجود عجز كبير في المعلمين داخل المدرسة وأصبح عدد الموجهين أكثر بكثير من المعلمين.  

استعانة خارجية

ويضيف عبد لله هزاع محمد مدرس للتربية الإسلامية في ذات المدرسة : لي 27عاماً في مجال التدريس ولم أفكر بالانتقال إلى التوجيه لأنه أصبح بحاجة إلى أن يكون لديك مائة ألف ريال مقابل الحصول على تكليف بذلك, وأشار إلى أن اثنين من مدرسي مادة الرياضيات خرجوا من المدرسة مؤخراً مما أدى إلى نقص في الكادر التدريسي لذلك تم الاستعانة بخريجين من الجامعة لتدريس الطلاب الذي قال بأن مستواهم التعليمي متدني جداً.

وين الرضى المهني؟!

من جانبه يشير/ عبد الإله نعمان- نائب مدير إدارة التربية والتعليم بمديرية السلام- إلى أن معظم المعلمين في اليمن بشكل عام فقدوا الرضا المهني ما جعلهم يحاولون البحث عن مكان ووضع آخر نتيجة للعوامل البيئة والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة عليهم, وحذر في حال استمرار الهجرة الجماعية للمعلمين من مستقبل خطر للأجيال القادمة, مردفاً: عندما نزور مختلف المدارس نجد المعلم يشكو وهو ما ينعكس سلباً على الطالب, ولابد من أن نعي أن مهنة التعليم مهنة إنسانية سامية تتطلب أداءها بضمير حي, معتبراً أن الالتحاق بالتوجيه بهذا الشكل هو هروب وتسرب من واجب وطني, وقال بأن إرسال معلم لتخصص نادر إلى التوجيه الفني والأنشطة الإذاعية كارثة بحق الطالب وبدون أن يكون له نتائج ايجابية.

الصفقة والصندوق

من جهته يقول/ طاهر أحمد القاضي رئيس قسم التوجيه التربوي بمديرية القاهرة بتعز : منذ عام 2006م كان أكثر الأعوام هجرة من التدريس إلى التوجيه نتيجة ترافق الانتخابات الرئيسية مع الانتخابات المحلية جعل البيئة التربوية بيئة خصبة للتفاوض وعقد الصفقات الناجحة, ويضيف بأنه تم تسويق الانتخابات التي جعلت الناخب يحصد العديد من المكاسب والتي كان أهمها إصدار كم هائل من قرارات التوجيه الذي يعتقد بأن الحاصل عليها هم الهاربين فعلا من مهنة التدريس.

 وفيما يتعلق بالتوجيه في إدارة التربية بمديرية القاهرة نفى بأن يكونوا قد قبلوا بأي موجه خلال الست السنوات الماضية موضحاً بأن عدد الموجهين كان 136موجهاً واليوم صار 118موجها حيث توفي العديد وتقاعد البعض الآخر وتم ترقية بعضهم للتوجيه المركزي وحصول آخرين على مؤهلات عليا تم نقلهم بعدها للتدريس في الجامعة, وأشار القاضي إلى أن ذلك سبب لهم عجز في العديد من التخصصات الموجودة كون لديهم موجه واحد للفيزياء وموجهه للتربية وسبعة موجهين للرياضيات وعشرة في اللغة العربية في مديرية لا تفتح ما لا يقل عن ثلاث مدارس سنوياً.

القرار غير مركزي

فؤاد حسان- مدير التوجيه التربوي بمكتب التربية محافظة تعز- أشار إلى أن الانتساب للتوجيه موقوف رسمياً منذ عام 2003م, ومن يدعون انتسابهم للتوجيه ويحصلون على أي قرارات تكليف من أي جهة حتى وإن كانت وزارية من بعد 2003م اعتبرها قرارات غير قانونية حسب قرار مجلس الوزراء 527 الذي ينص على أن منتسبي التوجيه لا يعتبرون منتسبين رسميين إلا إذا كان القرار موقعاً من محافظ المحافظة ووزير التربية والتعليم وبالتالي المسوغات الرسمية تصدرها إدارة التوجيه الكيان المعني بهذه القرارات وهذا لم يحصل منذ ذلك العام إلا لبعض الأشخاص الذين دخلوا ضمن المعالجة الاستثنائية.

 ونوه بأن الأفراد الذين حصلوا على قرارات فردية من مكتب التربية أو المحافظة والمجالس المحلية بتعز بصورة غير شرعية تدخل في حكم القرارات الملغية, مضيفاً: القرارات المقيدة لدينا هي أربعمائة قرار والتي سينظر إليها والتي صدرت من عام 2003م إلى عام 2011م وما بعده قرارات محل تحقيق من قبل البحث الجنائي ونيابة الأموال العامة في الوقت الراهن وهناك لجنة مشكلة من المكتب لمتابعة هذه القرارات المزورة والمضروبة.

 ورأى بأن المعلمين أصبحوا عرضة للابتزاز من قبل أناس لا يهتمون بمستقبل البلد وما يهمهم هو الحصول على قرارات للهروب من الميدان التعليمي إلى أماكن معظمها قد تكون استشارية أو فنية. وأوضح: وصلتنا مذكرة رسمية من موجهي المواد في مديرية التعزية تتضمن إنذار لمكتب التربية والمحافظة ووزير التربية بتوقفهم عن نزول الميدان المدرسي بسبب القرارات العشوائية الصادرة من المجلس المحلي ومدير التربية في المديرية التي أدت إلى التفريغ الحاصل للمعلمين من تلك المدارس.

المظفر كلهم مستشارين

مدير مكتب التربية بالمحافظة أكد أن هناك ثلاثين مدرسة في تلك المديرية فرغ منها (87) معلماً خلال الأشهر الماضية ودخلت على هذا المنحى مديريات صنفها من أكثر المديريات هدراً في مجال التفتيش والأعمال الإدارية والفنية منها المظفر والتي وصل فيها عدد المستشارين التربويين لمدير التربية إلى (70) مستشاراً فضلاً عن الموجهين و مديريات صالة والرونة والسلام والتعزية, الشمايتين, ماوية, صبر, وبعض المديريات الساحلية, والتي وصل في بعض المديريات الأقل تصنيفاً عدد النواب إلى اثنين وعشرين نائباً وما يربو عن ثلاثين مستشاراً, وطالب بوقفة جادة من السلطة المحلية وإدارة مكتب التربية في المحافظة وبدون ذلك فسيكون المستقبل أسوء ،مشيراً إلى أن وزارة التربية بدأت بحصر مثل هذه الاختلالات وبصدد عرضها لمجلس الوزراء والحكومة باتخاذ قرار يكفل إعادة الهيكلة والتصحيح لتلك القرارات التي اتخذت، مبيناً بأن الوساطة والشراء والمحسوبية تقف خلفها, متابعاً: وطالب من مدير التربية بإجراء قانوني ضد المدرسين الهاربين من التعليم مثلاً يتم سحب بدل طبيعة العمل التي تمنح له, ذلك سيجعل آلاف المعلمين يعودون لعملهم.

وذكر بأنه لا توجد إلى اليوم إحصائية رسمية شاملة لجميع المديريات لعدد الذين دخلوا التوجيه بشكل غير قانوني.

المرأة تشهد!

صفية الحداد- رئيسة شعبة التعليم بتربية تعز-: المعلمون متوفرون في المحافظة إلا أنه بسبب سوء الإدارة لبعض إدارات التربية في المديريات وإخلاء طرف عدد من المعلمين وخصوصاً أصحاب التخصصات النادرة دون الرجوع إلى مدراء المدارس يعد مشكلة بحد ذاتها نواجهها في مكتب التربية حين ينتقل المعلم إلى عمل إداري دون إبلاغنا بذلك, ورأت بأن تلك القرارات الصادرة بدون مسوغ قانوني تخلق الكثير من المشاكل والاختلالات, وشددت على أنه يجب أن لا يتم إخلاء طرف المعلمين إلا بموافقة إدارة المدرسة وحملتها المسئولية الأولى والأخيرة في هذا الجانب, و أشارت إلى أن هناك قرارات تصدر تحت مسميات عدة أخرجت الكادر التعليمي من المدرسة إلى العمل الإداري في الوقت الذي تكون المدرسة بحاجة إليه وهذا ما عزته إلى غياب المتابعة والرقابة.

 وذكرت بأنه على مدراء المدارس الذين يشكون من إخلاءات طرف للمعلمين بأن يرفعوا بشكاويهم إلى مدير مكتب التربية عبر النظم والمعلومات وعندما تحال إليهم ببلاغ رسمي سيقومون بدورهم في عمل نزول ميداني ومعرفة أسباب ذلك.

وعندما سألناها ما إذا كان هناك جدية في استعادة هؤلاء المعلمين وهل تم مناقشة هذا الموضوع مع مكتب التربية والتعليم وتم النزول إلى المدارس لمعرفة النقص والعجز فيها ؟ كان ردها بأنه تم عقد عدة اجتماعات ناقشت تلك القرارات من قبل مدير مكتب التربية السابق إلا أنها لم تخرج بنتيجة كونهم يتعاملون مع قرارات وصفتها بالمزورة ومسئولية ذلك تتحملها إدارة التربية في المديريات مباشرة كونهم يتحملون الإشراف على المدارس مباشرة إضافة إلى عدم وجود ميزانية مخصصة من قبل الحكومة لمتابعة ذلك.

إتهام مباشر

بدوره أتهم مدير إدارة الأنشطة المدرسية بالمحافظة عبد العزيز مهيوب المجالس المحلية في المديريات بتسهيل عملية التحاق معظم المعلمين إلى التوجيه وتحديداً المتعلق بالأنشطة دون أن يكون لهم أي علاقة بها وأشار إلى أن مدارس المحافظة لا تحتاج إلى هذا الكم الهائل من الموجهين وهو ما وصفه بكارثة بحق التعليم داخل المحافظة, وقال بأن عملية نقل معلمي المواد العلمية بالذات هي عملية هروب من أداء المهنة التعليمية يرافقها دفع مبالغ مالية للحصول على قرارات النقل تلك, وأردف بأن إدارة التوجيه قامت بعمل مذكرة إلى المديريات باستدعاء جميع موجهي الأنشطة مع إحضار قرارات تعيينهم, ونجد اليوم أن الأعداد في تضاعف باعتبار أن أقرب طريق لهم هي, الأنشطة, مضيفاً: لا نستطيع تقدير أعداد الموجهين كون المديريات لا تواتينا بأسمائهم وأعدادهم الحقيقية حتى الآن وهي المسئولة عن هذا, وعندما نسألها لماذا يتم إصدار قرارات كهذه يردون بأنهم سلطة يحق لهم أن يصدروا قرارات كيفما شاءوا.

 موضحاً بأن هناك نقص في أعداد المعلمين وخصوصاً في الأرياف وطالب إدارة التوجيه وإدارة التربية والرقابة والتفتيش متابعة هذا الموضوع كونهم من يتحمل المسئولية في المقام الأول.  

لم يستوعبوا بعد!

مدير مكتب التربية والتعليم- عبد الفتاح جمال قال بأن ميدان التربية والتعليم شهد خلال الثلاث السنوات الأخيرة المنصرمة نوعاً من الارتباك في الإدارة ما أدى إلى جرف عدد كبير قدره بأكثر من 1000 معلم ومعلمة وبعضهم من أفضل التخصصات وأحوجها وتم تحويلهم بطرق غير قانونية إلى التوجيه التربوي والتفتيش المالي والإداري, مضيفاً "للصحيفة " حديثاً في مكتب التربية والتعليم أنهم منذ ثلاثة أشهر قد شكلوا فريق عمل برئاسة أحد أعضاء مجلس النواب لحصر أعدادهم والتبين من قراراتهم, ومن يستحق تلك القرارات ستعمد من وزارة التربية والمحافظة غير ذلك سيتم إعادتهم إلى المدارس خلال المرحلة القادمة, مشيراً إلى أنه تم عمل نزول ميداني إلى المدارس ولوحظ عجز في المعلمين في بعض المدارس.

وذكر جمال بأنه عندما تم سؤال مدراء تلك المدارس عن سبب ذلك أجابوا بأنه تم نقلهم إلى التوجيه التربوي, مؤكداً لن يكون هناك نقل إلا بموافقة إدارة المدرسة وفي ظروف خاصة كون التوجيه تأتي قراراته مركزية ولا يحق لأي أحد إصدار قرارات هي بالواقع من اختصاصات وزير التربية ومحافظ المحافظة, محمل مسئولية ذلك إلى ما أسماها جهات اتخذت طرقا ملتوية ممثلة بمديري عموم المديريات الذي قال أنهم لم يستوعبوا أن هذه المسألة هي من اختصاصات وزير التربية.