لم تكن سبأ تعلم أنها لن تتناول ذلك اليوم طعام الغداء مع زوجها وأطفالها الستة.. كان ذلك يوم الجمعة الرابع والعشرين من يونيو حين كانت المرأة الثلاثينية تستعد لتقديم طعام الغداء لأطفالها وزوجها.. فقد كانوا يتضورون جوعاً.. كانت سبأ (35) عاماً على وشك تقديم الوجبة.. غير أن قذيفة بي إم أردتها قتيلة.. سقطت هي على طعام الغداء ليصاب الجميع بالصدمة.. فقد الأطفال الستة أمهم الحنون ولم يتناولوا يومها طعامهم.. أما الزوج فقد أصيب بحالة نفسية أقرب إلى الجنون..
فيما الانتقال نحو الديمقراطية والتغيير يسير قدماً.. تبقى آمال النساء بحياة أفضل في تراجع.. وتشير التقارير إلى أن تفاقم الأزمة الإنسانية والنزاع ظلا يحدان من دور المرأة في رسم مستقبل اليمن..
وفيما توضح البيانات أن ربع اليمنيات بين (15 ـ49) عاماً يعانين سوء تغذية حادة, تقول نساء من سائر الخلفيات الاقتصادية" إن الحصول على الطعام والوظيفة والأمن تمثل أولويات بالنسبة إليهن كما أن استمرار الاضطرابات في مناطق كثيرة من البلاد يعرضهنِّ للعنف ويقوض أمنهنَّ"..
ورغم تحسن واقع المرأة اليمنية خلال الأعوام الماضية وتحديداً منذ اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية 2011م.. كان لانتشار أعمال العنف والنزاعات المسلحة أن ألقت بظلالها على أوضاع النساء وحقوقهن.. وجراء انعدام الأمن وزيادة معدلات العنف دفعن الفاتورة الأعلى..
في قرى أرحب, نهم, وبني جرموز تكررت المآسي الناجمة عن النزاع المسلح, كما هو الحال في مناطق أخرى من محافظات صعدة, أبين, والضالع, وغيرها..
وتروى قصص مأساوية كُثر عن نساء وفتيات وأطفال كان لهم النصيب الأكبر مما خلفه قصف قوات الحرس الجمهوري المتعمد للبيوت المأهولة في هذه المناطق, عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات من النظام السابق ومجاميع قبلية مؤيدة للثورة الشبابية الشعبية السلمية نهاية العام 2011م.
مواجهات استمرت لأشهر طويلة دفع النساء والأطفال خلالها ثمناً باهظاً, قيمة فاتورته الموثقة لدى فريق منظمة رقيب لحقوق الإنسان بلغت 11 قتيلة و 27 جريحة, فضلاً عن حالات إجهاض..
لحظات الرعب "عائشة"
في تقرير حديث يلقي الضوء على أوضاع المرأة في اليمن خلال الفترة (2011 ـ2013م) تتحدث منظمة رقيب لحقوق الإنسان عن تأثر أوضاع المرأة بالكثير من المتغيرات خلال الثلاثة أعوام الماضية, وتحديداً منذ انطلاقة الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي قلبت العديد من الموازين وغيرت الكثير من ملامح الوجه السياسي والاقتصادي والأمني في اليمن.. والتي تأثر بنتائجها غالبية أبناء الشعب اليمني وبالأخص المرأة إذ انعكست الأحداث الأخيرة وبشكل واضح على واقعها من الناحية السياسية والاجتماعية..
بحسب التقرير أصبحت النزاعات العنيفة معلماً رئيسياً في اليمن بعد ثورة الحادي والعشرين من فبراير, إذا زادت رقعة العنف والنزاع المسلح في الشمال والجنوب, وامتدت إلى مناطق ومحافظات لم تصل إليها من قبل, وقد أثرت تلك النزاعات المسلحة بشدة على شعور المرأة بالأمن..
في قرية الغربي بني جرموز المتاخمة لمعسكر الصمع ـ أحد أبرز معسكرات الحرس الجمهوري "سابقاً" والتي نالت النصيب الأكبر من القصف استمع فريق "رقيب" أثناء زيارته للمنطقة التابعة لمديرية بني الحارث قصصاً مأساوية عن ضحايا هذا القصف الذي شنته قوات الحرس الجمهوري النظامية..
في الثالث عشر من أكتوبر 2011م كانت عائشة صالح (33عاما) تصلي الظهر عندما قصفت عربة بي إم منزلها.. لم تشعر إلا بزخات الرصاص يخترق شبابيك المنزل فسارعت تحتضن أطفالها وتجثوا عليهم وجميعهم يبكون لتدع جسدها للدغات الرصاص..
"كنت أصلي الظهر ولم أشعر إلا بزخات الرصاص يخترق شبابيك المنزل.. حضنت صغاري وجثوت عليهم.. كانت الرصاص تمر بالقرب من جسدي وتلدغ حرارتها جسمي, احترقت ملابسي.. كان أطفالي يصرخون بصوت عالي ويبكون وأنا أبكي, قالت عائشة عن اللحظة التي ما تزال مضاعفات رعبها إلى اليوم..
"كل شوية أحس بأصوات ترعبني, لم أعد أستطع الاعتناء بأطفالي" تضيف المرأة الثلاثينية وتنفجر باكية.. وهي حالياً تعاني من حالة نفسية- وفق تقارير طبية تفيد أن عائشة أصيبت بخوف شديد سبب لها الحالة ونزيف مستمر أدى إلى فقر دم.
الهدف رقم 1
يقول التقرير إن تأثير النزاعات المسلحة يتباين تبعاً لمستوى وحجم النزاع, إذ يظهر جلياً على النساء, ورغم أنهمن لا يشتركن في القتال مباشرة, إلا أنهن يتعرضن للموت والإصابة والاعتداءات والتفكك الأسري والنزوح.
وفي هذه المناطق كما غيرها ألقت النزاعات المسلحة بتداعياتها الخطيرة, بالنصيب الأكبر على حساب حياة المرأة.. ولأن القصف تعمد البيوت المأهولة, يورد التقرير عدد من الحالات التي كان ضحاياها نساء..
لقد قتلت زهرة (51) عاماً على سجادتها عندما سقطت قذيفة على منزلها في قرية بحيص ـ أرحب, دون أن تستطيع إنهاء صلاتها.. كانت "زهرة" تؤدي صلاة العصر.. لكن قذيفة سقطت على المنزل أنهت حياتها إلى الأبد..
قتلت أيضاَ جمعة (37) عاماً وزوجها من قرية بيت دهرة بقذيفة أرسلتها قوات الحرس الجمهوري (سابقاً) كان ذلك مساء الثامن عشر من يوليو عندما دمرت القذيفة منزلها وهما نائمين.. فسارعت حينها قوات الحرس إلى منع المواطنين من الوصول إلى المكان لتقوم هي بإخلاء الجرحى والقتلى حد الرواية.
أما إرادة (19سنة) فقد أصيبت بشظايا في الوجه أثناء محاولتها الفرار من منزلها القريب في قرية ثومة مديرية نهم, الذي كما تقول لـ "رقيب" تساقطت عليه القذائف كالمطر..
وفي ذات الحادثة قتلت خامسة (34سنة) ومديرة (17عاماً) بسبب إصابتها بشظايا القذيفة مما أدى إلى نزيف داخلي وبالتالي وفاتها على الفور..
والضحية أنثى
ظل الصراع في مناطق أرحب وبني جرموز ونهم يحصد ضحاياها الأكثر في صفوف النساء والأطفال.. وفي قراها المتعددة تكررت المآسي.. ويرصد تقرير "رقيب" عدد من الحالات
وبحسب شهود عيان قتلت تيسير .ج. ب (27عاماً) وأصيبت حميدة (24سنة) بعد سماعها دوي الانفجارات في قريتها بيت الذيب ـ بعدة جلطات دماغية, على إثرها أقعدت للعلاج وتوفت بعدها..
وفيما حسنة (35عاماً) أصيب بقذيفة أدت إلى شلل نصفي وإعاقة دائمة.. تعرضت زوجة (ف . الشيخ) البالغة 29 عاماً للإجهاض عندما استهدف قصف قوات نظام صالح من معسكر الصمع السيارة التي كانت الأسرة على متنها هروباً من المنزل جراء القصف.
في السابع والعشرين من نوفمبر أصابت شظايا قذيفة عصمت ع.ز (24عاماً) بجروح في جسمها.. عند الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم أصابت قذيفة بي إم غرفة رب البيت العشرينية اخترقت القذيفة جدار الغرفة فاحترق المكان وأصاب (عصمت بحروق) أمل (21عاماً), وتقوى(31)عاماً من أهلي قرية بيت دهرة كانتا أيضاً من ضحايا قصف حرس النظام العائلي.. في يوليو أصيبت الأولى والأخرى يوم سته مارس بإطلاق ناري مباشر في ساقها..
وفي القصير والهجرة من قرى بني جرموز ذكرت منظمة رقيب أن عدد اللاتي قتلنَّ بلغ 4 نساء و 17 جريمة وأكثر من 18 حالة إجهاض.
فيما يتحدث بعض المهتمين بأن المرأة اليمنية عانت من انتشار أعمال العنف والنزاعات المسلحة في الآونة الأخيرة بشكل أوسع بين المجموعات المسلحة وعلى نطاق جغرافي كبير، أدى إلى زيادة التدهور في أوضاع حقوق الإنسان بشكل عام ووضع المرأة اليمنية على وجه الخصوص وبحسب تقرير لمنظمة رقيب لحقوق الإنسان فإن ما يؤكد ذلك هو أن النساء يدفعن الفاتورة الأعلى جراء انعدام الأمن وزيادة معدلات العنف التي انتشرت مؤخراً وعلى أكثر من نطاق.
وفي إحصائية حديثة حول تعرض امرأة للقتل في مناطق النزاع تكشف منظمة رقيب عن 46 قتيلة و54 جريحة خلال الفترة المشمولة بالتقرير في مناطق ( أبين, الضالع، أرحب، نهم، بني جرموز، حجة، الجوف، صعدة) جراء النزاع المسلح توزعت هذه الإحصائية كما هو مبين في الجدول المرفق.
منحى آخر
وتشير المنظمة الحقوقية إلى منحى آخر بدأت الصراعات والنزاعات المسلحة تأخذه بعد تنحي الرئيس السابق وتسلم عبد ربه منصور هادي زمام الحكم في البلد، رغم انحسار الصراع الدائر بين القبائل والقوات الموالية لـ" صالح " في شمال العاصمة صنعاء في المناطق الثلاث (أرحب، نهم، وبني جرموز).
إذ انتقل القتال إلى الشمال واندلعت المواجهات المسلحة بين جماعة الحوثي ومجاميع قبلية معارضة لها في أكثر من منطقة.. وقد حاول الحوثيون الاستفادة من انقسامات الجيش لتوسيع نطاق سيطرتهم ـ حد التقرير- الأمر الذي رفضته القبائل المعارضة للجماعة ما أدى إلى نشوب المواجهات العنيفة التي سقط خلالها العديد من القتلى والجرحى منهم النساء والأطفال.
وتفيد منظمة رقيب أنها رصدت ما يقارب 10 حالات لنساء تعرضن للإصابة نتيجة قصف وتبادل إطلاق النار بين جماعة الحوثي ومعارضيه في محافظة صعدة، كانت أغلبها في العام 2013م وكذا حالة لامرأة مسنة قتلت على يد عناصر تابعة للحوثي في محافظة الجوف أثناء المواجهات المسلحة بينه وقبائل الجوف2012م.
جنوبيات بين ناريين
في المحافظات الجنوبية دفعت المرأة ثمناً باهضاً جراء الصراعات المسلحة التي خلفتها الحروب والمواجهات بين القوات الحكومية من جانب والجماعات المسلحة من جانب (أنصار الشريعة، والحراك المسلح), خصوصا في محافظتي الضالع وأبين.
ويرصد فريق رقيب واقعة مأساوية في محافظة الضالع لامرأة عشرينية حامل قتلت مع ابنتيها تحت أنقاض منزلها الذي تهدم جراء مواجهات بين القوات الحكومية الحراك الجنوبي المسلح.
لقيت لينا محمد (23 عاماً) هي وابنتيها ( ياسمين 8 شهور) و(يسرى سنة ونصف) في قصف متبادل بين الطرفين .. كانت لينا حاملا وتهدم المنزل عليها وعلى أسرتها.. لم ينجو سوى زوجها من الحادث.. فيما الطرفان تبادلا تهمة المسئولية على القصف وحتى شهر مارس 2014م بلغ عدد القتلى خمس نساء وأكثر من سبع جريحات.
وفي محافظة أبين الجنوبية عانت المرأة- خلال فترة النزاع بين عناصر تنظيم القاعدة( أنصار الشريعة) والقوات الحكومية اليمنية- ويلات العذاب, فقد تعرضت النساء هناك للقصف والقتل والتشريد، ناهيك عن المضايقات التي واجهتها المرأة أثناء سيطرة أنصار الشريعة على مدن المحافظة, والتي اسفرت مواجهاتها وأحداثها الدائرة بين الجماعة والقوات الحكومية مدعومة بهجمات الطائرات بدون طيار التي تشنها القوات الأميركية من حين لآخر إلى سقوط عديد قتلى وجرحى., دون أن تستثني أحد كما لم تسلم النساء من آثارها.
ويقول التقرير إن رقيب سجلت سقوط امرأتين في تلك الأحداث وقتل طفلتين تتراوح أعمارهما بين الخامسة والثامنة، فضلا عن إصابة عدد من النسوة إصابات مختلفة.. في حين تكشف الإحصائية عن عدد سبع نساء قتلن جراء هذا الصراع، فضلاً عن نزوح وتهجير آلاف الأُسر.